هل تغير الموقف الجزائري من المغرب؟
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
بقلم: نزار بولحية
ما الذي حدث أصلا ليطرح السؤال؟ هل استجد ما يخالف المعلن والمعروف؟ قد يحاجج البعض. ألا يردد الجزائريون وفي أكثر من مرة بأنهم متمسكون بموقفهم من جارتهم، ويعتبرونه موقفا «ثابتا»، ما يعطي الانطباع على أنه سيبقى جامدا لا يتزحزح من مكانه ولا يتبدل تحت أي ظرف؟ قد يقول الآخر. لكن أليس «دوام الحال من المحال» وفق الحكمة المعروفة، واستمرار الجفاء والقطيعة بين بلدين جارين هو ومثلما تدل على ذلك عدة شواهد وأمثلة من التاريخ القديم والحديث، أمر شاذ وغير عادي في حياة الأمم والشعوب، لا بد له خاتمة ونهاية، طال الأمد أم قصر؟
ذكرنا قبل أسبوع من الآن، أن الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في الجزائر، ربما تكون فرصة لفتح صفحة جديدة بين البلدين المغاربيين.
ولعل الشاهد الأخير على تلك الحالة هو تسلسل مجموعة من المواقف والأحداث التي صدرت الشهر الماضي من الجانب الجزائري وعكست ذلك، ففي أعقاب الإدانة القوية التي صدرت من الجزائر ضد ما وصفتها «بعملية السطو» على مقار دبلوماسية تابعة لها في العاصمة المغربية، ووصلت حد تلويحها بالرد على ما اعتبرتها استفزازات من جانب المغرب، و»بكل الوسائل التي تراها مناسبة» مثلما عبرت عن ذلك خارجيتها وتهديدها «باللجوء إلى كل السبل والوسائل القانونية المتاحة، لاسيما في إطار الأمم المتحدة، من أجل ضمان احترام «المصالح الجزائرية، مثلما عبرت عن ذلك في أحد بياناتها ردا على ما عرف بالخلاف العقاري بين العاصمتين، خرج رئيس دبلوماسيتها أحمد عطاف بعدها وفي أقل من عشرة أيام فقط، ليقول في مؤتمر صحافي باختصار شديد وبمنتهى البساطة إن «الموضوع أثاره المغاربة، فقمنا بالرد، فأخذوا قرارا نعتبره قرارا لائقا، وانتهى الموضوع في فصله هذا»، من دون أن يكشف لا عن الطريقة التي تم بها إنهاء ذلك الخلاف، ولا طبيعة القرار المغربي الذي اعتبره لائقا، لكن الأمر لم يتوقف عن ذلك الحد فحسب، إذ أعلنت الخارجية الجزائرية بعدها بساعات قليلة وبشكل متزامن تقريبا عن قرار الرئيس عبد المجيد تبون، وفي إطار حركة دبلوماسية شملت عدة عواصم تعيين قنصلين جديدين للجزائر في المغرب، في كل من مدينتي وجدة والدار البيضاء، رغم استمرار القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، ما دفع البعض لتأويل ذلك على أنه نوع من الرغبة من جانب الجزائر لخفض التصعيد مع الرباط، لكن ما بقي غير واضح بالنسبة لكثيرين هو، ما إذا كان مثل ذلك الأمر وليد بعض الاعتبارات المؤقتة والظرفية، أم أنه انعكاس لتوجه جديد داخل القيادة الجزائرية، قد يؤدي في مرحلة لاحقة إلى تطبيع تدريجي بين العاصمتين. غير أن ما زاد من حدة التكهنات وجعل تلك التساؤلات تبدو مشروعة ومطروحة، بقوة هو تكرار الرئيس عبد المجيد تبون ولثلاث مرات متتالية لعبارة «الباب مفتوح»، في سياق رده على سؤال طرحه عليه صحافي محلي في مقابلة بثها التلفزيون الجزائري مساء السبت الماضي، حول أهداف المبادرة التي أطلقتها الجزائر قبل شهر بعد اجتماع عقد على هامش «قمة الغاز» التي احتضنتها وضمت الرئيسين الجزائري والتونسي ورئيس مجلس الدولة الليبي، وتقرر على اثره «عقد لقاء قمة مغاربي ثلاثي على مستوى الرؤساء، كل ثلاثة أشهر لتنسيق أطر الشراكة والتعاون «بين الدول الثلاث، وتأكيده في ذلك الصدد على أنها جاءت فقط لسد «الفراغ» الموجود حاليا بفعل حالة الشلل والجمود التي يعرفها الاتحاد المغاربي، وأنها لن تقصي أحدا، «وليست موجهة ضد اي دولة»، قبل أن يمضي أبعد من ذلك ويشدد على أن «جيراننا في الغرب ـ في إشارة واضحة إلى المغرب –الباب مفتوح أمامهم. لكن كانت لهم خيارات أخرى ولم يستشيرونا فيها على غرار طلب عضوية «الإكواس» والتنمية في الخليج، وهم أحرار في خياراتهم إلا أن هناك بعض الأمور تخصنا مع بعض، لأن مشاكلنا متشابهة» على حد تعبيره. ومن الواضح أن الشحنة العاطفية التي تضمنتها تلك التصريحات، تبدو بعيدة كل البعد عن اللغة السائدة في حديث المسؤولين الجزائريين في السنوات الثلاث الأخيرة، على الأقل، في علاقتهم بالمغرب. وهذا أمر ليس من الممكن تجاهله بأي حال فهو يمثل وبلا شك نوعا من التغير الملحوظ في طبيعة الخطاب الرسمي الجزائري نحو الجارة الغربية، ويجعل ومن خلال ما تضمنه من إشارات، حدوث انعطاف نوعي، أو تحول جذري وعميق في موقف الجزائر منها، أمرا واردا أكثر من أي وقت مضى، ولو أن معالمه قد تتضح وبشكل أكثر وضوحا في أعقاب الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر إجراؤها الخريف المقبل. ومن المؤكد أن أبرز ملاحظة تستدعي الانتباه هنا هي، إقرار أعلى هرم في السلطة أي الرئيس الجزائري بأن مشروع الاتحاد المغاربي الثلاثي الذي طرحته بلاده قبل فترة، ليس موجها ضد المغرب من جهة، وأنه سيكون مفتوحا أمامها من الجهة الأخرى. وهذا يعد وفي حد ذاته تطورا مهما ويمثل رسالة طمأنة لا إلى المغاربة فحسب، بل إلى باقي الدول والشعوب المغاربية أيضا.
ولو أن السؤال الذي يبقى قائما هو ما الغرض من إنشاء كيان مغاربي جديد ليس معروفا بعد، وفق أي أسس أو ضوابط سيتم تركيزه، ولا في ما إذا كانت ستتوفر فيه الشروط، أو الضمانات الكافية حتى لا تستأثر به أي دولة من الدول الخمس، وتستغله لا لخدمة العمل المغاربي المشترك، بل لتحقيق خططها ومصالحها، في الوقت الذي يمكن فيه، إن توفرت الرغبة والإرادة، إصلاح الاتحاد المغاربي الحالي من الداخل، دون نسفه واستبداله بآخر. ولقائل أن يقول وهل تكفي بعض العبارات الودية أو الدبلوماسية للحديث عن تغير فعلي وجذري في الموقف الجزائري من المغرب؟ ألم يكن من الأنسب أن توجه لها مثل تلك الدعوة عبر القنوات الدبلوماسية بدلا من الإعلامية؟ لكن أليس من العبث أن يتمسك البعض اليوم بسياسة الكل أو لا شيء؟ أليس من الاجدر تشجيع الجزائريين والمغاربة على أن يقتربوا من بعضهم بعضا بخطى الأرانب، أو حتى بخطى السلاحف؟
كاتب وصحافي من تونس
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: على أن
إقرأ أيضاً:
الرخامة الزرقاء.. كيف غيّر نصف قرن من تغير المناخ وجه الأرض؟
في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1972، التقط رواد مركبة "أبولو 17" الأميركية صورة كاملة للأرض من على بعد 33 ألف كيلومتر، فباتت صورة أيقونية ساحرة للكوكب، ورمزا للحركة البيئية العالمية.
تُظهر الصورة مشهدا للأرض يمتد من منطقة البحر الأبيض المتوسط إلى الغطاء الجليدي الجنوبي للقطب الجنوبي. وتخيم غيوم كثيفة على نصف الكرة الجنوبي، ويمكن رؤية ساحل أفريقيا بأكمله تقريبا. ويكمن وراء هذه الألوان الرائعة تنوع غني بالحياة، يُهدده تغير المناخ بشدة حاليا.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4هل تزيد الكوارث البيئية إيمان الناس بالأشباح؟list 2 of 4أصل جميع أصناف الورود البرية هو اللون الأصفرlist 3 of 4الأمم المتحدة: الشعوب الأصلية تواجه أزمة المناخ لكن دون دعمlist 4 of 4كيف تغير الأقمار الصناعية طريقة رصد الغابات؟end of listكانت "الكرة الزرقاء" أول صورة للأرض بأكملها، والوحيدة التي التقطها الإنسان على الإطلاق. لكن بعد 50 عاما، كشفت صور جديدة للأرض التقطتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أيضا تغيرات واضحة على سطح الكوكب تؤكد 5 عقود من تغير المناخ.
في الصورة الأيقونية الأولى، التي عرفت بـ"الكرة الزرقاء" أو "الرخامة الزرقاء"، كانت الأرض اللون المرئي الوحيد في الفضاء السحيق. يهيمن عليها اللون الأزرق العميق الشاسع للمحيط، كما بدت بيئة فريدة لا تُظهر أي أثر للنشاط البشري.
صورة جديدةوفي السابع من ديسمبر/كانون الأول 2022، قورنت صورة "الكرة الزرقاء" الجديدة التي التقطتها ناسا بالصورة الأصلية، وبدا واضحا تقلص حجم الغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية رغم أن الخسائر الرئيسية في جرف لارسن الجليدي لم تكن مرئية.
إعلانأما الأمر الأكثر لفتا للانتباه فهو تناقص الغطاء النباتي الأخضر الداكن في المناطق الاستوائية الأفريقية، وخاصة في امتدادها الشمالي. فقد تقلص الظل الداكن لبحيرة تشاد في شمال الصحراء الكبرى، وبدأ الغطاء النباتي الغابي يظهر على بُعد مئات الكيلومترات جنوبا.
كما اتسعت رقعة الصحراء الكبرى، بينما تراجعت الغابات المطيرة والغطاء النباتي جنوب الصحراء، حيث يبدو واضحا تأثير إزالة الغابات، وفقدان الغطاء النباتي وتحول الغطاء الأرضي من الخضرة إلى الصحراء.
وتتوافق الصور مع أدلة التصحر في منطقة الساحل الأفريقية. فقد وجدت الأبحاث أن كثافة الأشجار في غرب الساحل انخفضت بنسبة 18% بين عامي 1954 و2002. وتُقدر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن أفريقيا فقدت ما بين 3 ملايين و4 ملايين هكتار من الغابات سنويا بين عامي 1990 و2010.
وما أظهرته الصورة الجديدة أكد توسعا هائلا في التمدد العمراني عبر القارات، إلى جانب نشاط الشحن الكثيف في محيطات الأرض، وحرائق الغابات التي تضاعفت وتيرتها خلال العقدين الماضيين.
ويشير السياق العام للصورة إلى أن البشر الذين سحروا قبل 50 عاما بصورة "الكرة الزرقاء" يعيدون تشكيل الكوكب بوتيرة سريعة، فالتحضر وإزالة الغابات والتلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الأنشطة البشرية تغير مظهر الأرض.
ويقول عالم المناخ في جامعة بورتسموث بالمملكة المتحدة نيك بيبين: "أعتقد أننا جميعا، ممن نشأنا على هذه الصورة منذ الصغر، ربما نجد صعوبة في تخيل وقت لم نكن نعرف فيه شكل الأرض. كانت هذه هي المرة الأولى التي استطعنا فيها النظر إلى الوراء من الفضاء ورؤية موطننا، وأدرك الناس فجأة أنه شيء مذهل، ولكنه أيضا نظام ثابت نعيش فيه".
وخلال السنوات الـ50 التي تفصل بين هاتين الصورتين، تبين أن هذا النظام ليس ثابتا، وبات أكثر هشاشة نتيجة انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية، مما يهدد بالوصول إلى نقطة تحول مناخي لا رجعة عنها.
إعلان