بخطأ ساذج.. كشف "عراب الذكاء الاصطناعي" بمخابرات إسرائيل
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
خطأ ساذج لكن لا يغتفر أدى إلى الكشف عن هوية رئيس الوحدة 8200 الإسرائيلية ومهندس استراتيجية الذكاء الاصطناعي، والفاعل هو الرجل نفسه.
فبحسب صحيفة الغارديان، اتضح أن يوسي ساريئيل هو رئيس للوحدة 8200 الإسرائيلية ومهندس استراتيجية الذكاء الاصطناعي بعدما كشف كتاب مكتوب باسم مستعار عن حسابه على غوغل.
ووفقا للغارديان، فإن هوية قائد الوحدة 8200 الإسرائيلية هي سر يخضع لحراسة مشددة.
وساريئيل يحتل أحد أكثر الأدوار حساسية في الجيش الإسرائيلي، حيث يقود واحدة من أقوى وكالات المراقبة في العالم، على غرار وكالة الأمن القومي الأميركية.
ومع ذلك، وبعد قضاء أكثر من عقدين من الزمن في العمل في الظل، كشفت صحيفة الغارديان كيف ترك مسؤول المخابرات المثير للجدل - واسمه يوسي ساريئيل - هويته مكشوفة على الإنترنت.
ثغرة أمنية محرجة
وتتعلق الثغرة الأمنية المحرجة بكتاب نشره ساريئيل على أمازون، وترك أثرا رقميا لحساب غوغل خاص تم إنشاؤه باسمه، إلى جانب معرفه هويته الفريدة وروابط لخرائط الحساب وملفات تعريف التقويم.
وقالت الصحيفة البريطانية واسعة الانتشار إنها تأكدت "من مصادر متعددة أن ساريئيل هو المؤلف السري لكتاب The Human Machine Team، الذي يقدم رؤية جذرية لكيفية قيام الذكاء الاصطناعي بتغيير العلاقة بين الأفراد العسكريين والآلات.
الكتاب نشر عام 2021 باستخدام اسم مستعار يتكون من الحرفين الأولين لاسمه، العميد YS، وهو يوفر مخططا للأنظمة المتقدمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والتي كان جيش الدفاع الإسرائيلي رائداً فيها خلال الحرب التي استمرت ستة أشهر في غزة.
وفي اتصال بـ"الغارديان"، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن عنوان البريد الإلكتروني لم يكن عنوانا شخصيا لساريئيل، لكنه كان "مخصصا لقضايا تتعلق بالكتاب ذاته".
ومن المرجح أن يؤدي هذا الخطأ الأمني إلى مزيد من الضغوط على ساريئيل، الذي يقال إنه "يعيش ويتنفس" في مجال الاستخبارات، ولكن فترة ولايته في إدارة قسم الاستخبارات الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي أصبحت غارقة في الجدل، على ما ذكرت "الغارديان".
وفي وقت لاحق الجمعة، وصف الجيش الإسرائيلي، في بيان لوسائل الإعلام الإسرائيلية، كشف الكتاب عن التفاصيل الشخصية لساريئيل بأنه "خطأ"، مضيفا: "سيتم فحص الموضوع لمنع تكرار حالات مماثلة في المستقبل".
الوحدة 8200
ويُعتقد أن الوحدة 8200، التي كانت ذات يوم تحظى باحترام كبير داخل إسرائيل وخارجها لقدراتها الاستخباراتية التي تنافس قدرات مقر الاتصالات الحكومية البريطانية (GCHQ)، قامت ببناء جهاز مراقبة واسع النطاق لمراقبة الأراضي الفلسطينية عن كثب.
ومع ذلك، فقد تعرضت لانتقادات بسبب فشلها في توقع ومنع هجوم حماس افي 7 أكتوبر من العام الماضي على جنوب إسرائيل، والذي قتل فيه المسلحون الفلسطينيون ما يقرب من 1200 إسرائيلي واختطفوا حوالي 240 شخصًا.
منذ الهجمات التي قادتها حماس، كانت هناك اتهامات بأن "الغطرسة التكنولوجية" للوحدة 8200 جاءت على حساب تقنيات جمع المعلومات الاستخبارية التقليدية.
وفي حربه في غزة، يبدو أن الجيش الإسرائيلي قد تبنى بالكامل رؤية ساريئيل للمستقبل، حيث تمثل التكنولوجيا العسكرية حدودًا جديدة حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنجاز مهام متزايدة التعقيد في ساحة المعركة.
الحطام بين الأشجار والضابط الإسرائيلي
كتاب ساريئيل
جادل ساريئيل في كتابه المنشور قبل ثلاث سنوات بأن أفكاره حول استخدام التعلم الآلي لتحويل الحرب الحديثة يجب أن تصبح سائدة. وكتب: "علينا فقط أن نأخذهم من الهامش ونسلمهم إلى وسط المسرح".
يبشر أحد أقسام الكتاب بمفهوم "آلة الأهداف" التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والتي تشبه أوصافها إلى حد كبير أنظمة التوصية بالأهداف التي يُعرف الآن أن جيش الدفاع الإسرائيلي يعتمد عليها في قصفه لغزة.
على مدى الأشهر الستة الماضية، نشر الجيش الإسرائيلي العديد من أنظمة دعم القرار المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي تم تطويرها وتحسينها بسرعة بواسطة الوحدة 8200 تحت قيادة ساريئيل.
وهي تشمل نظامي Gospel and Lavender، وهما نظامان لتوصية الأهداف تم الكشف عنهما في تقارير المجلة الإسرائيلية الفلسطينية +972، ومنفذها باللغة العبرية Local Call وThe Guardian.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة به تهدف إلى مساعدة ضباط المخابرات، الذين يُطلب منهم التحقق من أن المشتبه بهم العسكريين هم أهداف مشروعة بموجب القانون الدولي.
وقال متحدث باسم الجيش إن الجيش استخدم "أنواعًا مختلفة من الأدوات والأساليب"، مضيفًا: "من الواضح أن هناك أدوات موجودة لإفادة الباحثين في مجال الاستخبارات والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي".
آلة الأهداف
يوم الأربعاء، سلطت رسالتا +972 و Local Call الضوء على الرابط بين الوحدة 8200 والكتاب الذي ألفه العميد واي إس بشكل غامض.
يذكر أن ساريئيل كتب الكتاب بإذن من الجيش الإسرائيلي بعد عام قضاه كباحث زائر في جامعة الدفاع الوطني الأميركية في واشنطن، حيث طرح قضية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل الحرب الحديثة.
ويستهدف الكتاب القادة العسكريين والمسؤولين الأمنيين رفيعي المستوى، ويوضح مفهوم "التعاون بين الإنسان والآلة" الذي يسعى إلى تحقيق التآزر بين البشر والذكاء الاصطناعي، بدلا من بناء أنظمة مستقلة تماما.
وهو يعكس طموح ساريئيل في أن يصبح "قائد فكر"، وفقا لأحد مسؤولي المخابرات السابقين. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان عضوًا قياديًا في مجموعة من الجواسيس ذوي التوجهات الأكاديمية المعروفة باسم "الجوقة"، والتي دعت إلى إصلاح ممارسات المخابرات الإسرائيلية.
ويشير تقرير صحفي إسرائيلي إلى أنه بحلول عام 2017 كان رئيسًا للاستخبارات في القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي. وكان ترقيته اللاحقة إلى قائد الوحدة 8200 بمثابة تأييد من المؤسسة العسكرية لرؤيته التكنولوجية للمستقبل.
ويشير ساريئيل في الكتاب إلى "الثورة" التي حدثت في السنوات الأخيرة داخل جيش الدفاع الإسرائيلي، والتي "طورت مفهوما جديدا للحرب التي تركز على الاستخبارات لربط الاستخبارات بالمقاتلين في الميدان". وهو يدعو إلى المضي قدمًا، والدمج الكامل بين الاستخبارات والحرب، لا سيما عند إجراء عمليات استهداف مميتة.
وفي أحد فصول الكتاب، يقدم نموذجًا لكيفية بناء آلة أهداف فعالة بالاعتماد على "البيانات الضخمة" التي لا يستطيع العقل البشري معالجتها.
وقال "تحتاج الآلة إلى بيانات كافية فيما يتعلق بساحة المعركة، والسكان، والمعلومات المرئية، والبيانات الخلوية، واتصالات وسائل التواصل الاجتماعي، والصور، وجهات الاتصال بالهواتف المحمولة". "كلما زادت البيانات وتنوعت، كلما كان ذلك أفضل."
وأضاف إن آلة الأهداف هذه ستعتمد على نماذج معقدة تجعل التنبؤات مبنية "على الكثير من الميزات الصغيرة والمتنوعة"، مع ذكر أمثلة مثل "الأشخاص الذين هم مع عضو في حزب الله في مجموعة واتساب، والأشخاص الذين يحصلون على هواتف محمولة جديدة كل يوم (...) أولئك الذين يغيرون عناوينهم بشكل متكرر".
انقسام داخل المخابرات
يأتي الكشف عن الثغرة الأمنية التي يعاني منها ساريئيل في وقت صعب بالنسبة لرئيس المخابرات الإسرائيلية. وفي فبراير، تعرض للتدقيق العام في إسرائيل عندما نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تقريراً عن الاتهامات المتبادلة داخل الوحدة 8200 بعد هجمات 7 أكتوبر.
يشار إلى أنه لم يتم ذكر اسم ساريئيل في المقال، الذي أشار إلى قائد الوحدة 8200 فقط بالحرف "Y". ومع ذلك، فإن الانتقادات العلنية النادرة سلطت الضوء على انقسام داخل مجتمع المخابرات الإسرائيلي حول أكبر فشل له منذ جيل.
وقال التقرير إن منتقدي سارييل يعتقدون أن إعطاء الوحدة 8200 الأولوية للتكنولوجيا "المسببة للإدمان والمثيرة" على أساليب الاستخبارات القديمة هو ما أدى إلى الكارثة. وقال أحد المسؤولين المخضرمين للصحيفة إن الوحدة التي يقودها سارييل "اتبعت فقاعة الاستخبارات الجديدة".
من جانبه، نُقل عن ساريئيل قوله لزملائه إن يوم 7 أكتوبر "سيطارده" حتى يومه الأخير. وقال: "أتحمل مسؤولية ما حدث بالمعنى العميق للكلمة». "لقد هزمنا. لقد هُزمت."
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات الجيش الإسرائيلي الوحدة 8200 الذكاء الاصطناعي قمة الذكاء الاصطناعي الموساد رئيس الموساد الجيش الإسرائيلي الوحدة 8200 أخبار إسرائيل الذکاء الاصطناعی الجیش الإسرائیلی الوحدة 8200
إقرأ أيضاً:
الشراكات الدولية وتعزيز الريادة الإماراتية في الذكاء الاصطناعي
تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أبرز الدول الرائدة في تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، حيث تسعى بخطى ثابتة إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار والتكنولوجيا. وتؤدي الشراكات الاستراتيجية الدولية دوراً محورياً في تحقيق أهدافها الطموحة في هذا المجال، حيث أدركت الدولة أهمية التعاون مع الجهات الدولية الفاعلة، بما في ذلك الشركات التكنولوجية العملاقة، والجامعات المرموقة، والمراكز البحثية المتخصصة، لدفع عجلة التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، جاء الإعلان عن توقيع “إطار العمل الإماراتي الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي” والذي تم توقيعه خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، لفرنسا يوم 6 فبراير 2025، قبل قمة الذكاء الاصطناعي التي عُقدت في باريس يومي 10 و11 من الشهر نفسه بمشاركة نحو 100 دولة، للتركيز على إمكانات الذكاء الاصطناعي. ويناقش هذا المقال الجهود الإماراتية لتعزيز شراكاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وتأثيرها في رؤية الدولة للريادة في هذا المجال.
شراكة مع فرنسا:
يرسم “إطار العمل الإماراتي الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي” مساراً واعداً لتعزيز التعاون بين دولة الإمارات وفرنسا في هذا المجال الحيوي الذي سيُعيد تشكيل العالم في السنوات المقبلة. وينص هذا الاتفاق الإطاري على التعاون بين البلدين في العديد من مجالات العمل المشترك في الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك التخطيط لاستثمار ما بين 30 إلى 50 مليار يورو في إنشاء مجمع للذكاء الاصطناعي بسعة 1 غيغاوات في فرنسا، ومن المُقرر أن يتكون هذا المجمع من 35 مركزاً لتجميع معلومات وتأمين قدرات حوسبة هائلة يتطلبها الذكاء الاصطناعي. كما ينص على بناء شراكة استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي واستكشاف فرص جديدة للتعاون في المشروعات والاستثمارات التي تدعم استخدام الرقائق المتطورة والبنية التحتية لمراكز البيانات وتنمية الكوادر، إضافة إلى إنشاء “سفارات بيانات افتراضية” لتمكين البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في كلا البلدين.
ويأتي هذا التعاون في إطار توسع دولة الإمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي، وبصفة خاصة في إنشاء وتطوير مراكز البيانات، حيث تستثمر بالفعل في مشروعات ضخمة مثل مشروع “ستار غيت” لإنشاء مراكز بيانات في الولايات المتحدة، ويحظى هذا المجال تحديداً باهتمام خاص بالنظر إلى أن مراكز البيانات تمثل الوقود الذي تحتاجه عملية تطوير الذكاء الاصطناعي.
وستخدم هذه الشراكة المصالح الإماراتية الفرنسية، حيث إن بناء مجمع للذكاء الاصطناعي في فرنسا سيساعد على جمع بيانات أكثر ومعالجتها بشكل دقيق؛ ومن ثم تسخيرها في تطوير وتعليم برامج الذكاء الاصطناعي، وهو أمر يعزز مكانة ودور البلدين في هذا المجال ويسهم في جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي متاحة لمزيد من الدول، فضلاً عن خلق برامج ذكاء صناعي تحترم المواثيق الدولية والأوروبية.
كما توفر الشراكة الإماراتية الفرنسية في مجال الذكاء الاصطناعي دفعة قوية لتطوير البنية التحتية الرقمية في البلدين، حيث يستفيد كل منهما من الاستثمارات الضخمة لإنشاء مجمعات متطورة للذكاء الاصطناعي؛ مما يعزز قدرتها على معالجة البيانات الضخمة وتطوير تقنيات الحوسبة السحابية. ويتيح الاتفاق أيضاً تبادل الخبرات مع باريس، خصوصاً في مجالات الرقائق المتقدمة ومراكز البيانات؛ مما يسهم في تسريع تبني حلول الذكاء الاصطناعي وتحقيق تقدم استراتيجي في القطاعات الحيوية. إضافة إلى ذلك، يعزز الاتفاق تنمية الكوادر الإماراتية؛ مما يدعم تنشئة جيل جديد من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، ويعزز مكانة الإمارات كمركز عالمي رائد في هذا المجال.
وتعكس هذه الخطوة التزام دولة الإمارات بتنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي. فيما تسعى فرنسا إلى ترسيخ مكانتها في هذا المجال بالرغم من التحديات التي تواجهها في منافسة الشركات الأمريكية والصينية. وقد أكدت الرئاسة الفرنسية أن نطاق الأنشطة وحجم تطوير البنية التحتية المقررة في إطار اتفاقية الإطار للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بين فرنسا ودولة الإمارات، يوضح ثراء وديناميكية العلاقة بين البلدين، ويضع فرنسا في موقع رائد في مجال الذكاء الاصطناعي في أوروبا، مشيرة إلى أن الزعيمين اتفقا على مراقبة تطور مشروعات التعاون المختلفة في مجال الذكاء الاصطناعي عن كثب في الأشهر المقبلة.
شراكة مع الولايات المتحدة:
تُعد الشراكة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي الأهم في هذا المجال، حيث شهد التعاون بين البلدين تنامياً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، في ضوء التفوق الأمريكي في هذا المجال. وشكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، إلى الولايات المتحدة في سبتمبر 2024، تتويجاً لهذا التطور المتنامي بين البلدين في مجال الذكاء الاصطناعي.
وخلال العامين الأخيرين، تم توقيع العديد من اتفاقيات الشراكة والاستثمار بين البلدين في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي. ففي ديسمبر 2024، أعلنت حكومة الإمارات عن شراكة استراتيجية مع شركة “يو آي باث” (UiPath)، التي يقع مقرها الرئيسي في نيويورك والمتخصصة في مجال الأتمتة المؤسسية والذكاء الاصطناعي، لتعزيز حلول “الأتمتة الوكيلة” – النهج المبتكر للأتمتة القائمة على الذكاء الاصطناعي. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير الأتمتة الذكية، وتدريب الكوادر الإماراتية بمهارات متقدمة. كما تشمل تنفيذ مشروعات تجريبية وورش عمل لتعزيز وعي الجهات الحكومية بفوائد الذكاء الاصطناعي، وبما يتماشى مع رؤية الحكومة لأن تصبح دولة الإمارات رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031.
وفي سبتمبر الماضي، وقّعت دولة الإمارات ثلاث اتفاقيات ضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي، شملت “اتفاقية الشراكة العالمية للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي” باستثمارات ستصل إلى 100 مليار دولار، وقّعتها شركة “إم جي إكس” (MGX) الإماراتية وشركات “بلاك روك” و”غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” و”مايكروسوفت”، إلى جانب اتفاقية بين شركة “جي 42” (G42) وشركة “مايكروسوفت” لتأسيس مركزين للأبحاث في أبوظبي لدعم قطاع الذكاء الاصطناعي المسؤول، واتفاقية أخرى بين “جي 42″ و”إنفيديا” لتأسيس مركز عمليات جديد ومختبر للمناخ التقني في أبوظبي؛ لتطوير التكنولوجيا المناخية وتحسين توقعات الطقس والمناخ لمساعدة ملايين البشر على الاستعداد للظواهر المناخية والكوارث الطبيعية قبل حدوثها.
وفي يونيو 2024، وقعت شركة “وورلد وايد تكنولوجي” (World Wide Technology)، وهي شركة تكامل تكنولوجي رائدة مقرها الولايات المتحدة، اتفاقية استراتيجية مع (NXT Global)، لإنشاء وتطوير أول مركز تكامل للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر بدولة الإمارات، الذي سيكون أحد أكثر التطورات الحضرية استدامة في العالم.
كما أعلنت “مايكروسوفت” و”جي 42″، في مايو الماضي، عن مجموعة واسعة من الاستثمارات في مجال التكنولوجيا الرقمية في كينيا، وجاءت هذه الخطوة كجزء من مبادرة بالتعاون مع وزارة المعلومات والاتصالات والاقتصاد الرقمي في جمهورية كينيا، حيث تقود “جي 42″، في إطار شراكة مع “مايكروسوفت” وشركاء رئيسيين عدة، مبادرة طموحة لضخ استثمارات تصل إلى مليار دولار، وتهدف هذه الاستثمارات إلى تنفيذ مشروعات رئيسية ضمن حزمة شاملة من الاستثمارات تشمل إنشاء مركز بيانات بيئي متطور في كينيا، والذي ستشرف على بنائه شركة “جي 42” وشركاؤها من أجل تشغيل خدمات “مايكروسوفت أزور” ضمن منطقة سحابية جديدة تخدم شرق إفريقيا. وفي إبريل الماضي، أعلنت “مايكروسوفت” عن استثمار استراتيجي بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة “جي 42″؛ مما يعزز التعاون المتزايد في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
وبالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، تصدر ملف الذكاء الاصطناعي أجندة التعاون والشراكات الإماراتية مع مختلف دول العالم مثل الصين والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها.
تعزيز ريادة الإمارات:
يُشكل بناء الشراكات الدولية جزءاً رئيسياً في استراتيجية دولة الإمارات لتعزيز ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى الدولة من خلال هذه الشراكات إلى تطوير حلول مبتكرة تعالج التحديات المحلية والعالمية، وتعزز كفاءة القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والطاقة، والنقل، فضلاً عن تعزيز اقتصادها القائم على المعرفة والابتكار، والاستفادة منها في جذب الخبرات الدولية، وتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية في هذا المجال المهم.
وتخدم الشراكات الدولية بصورة خاصة تحقيق مختلف أهداف استراتيجية دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي، والتي تستهدف أن تصبح الدولة رائدة عالمياً في توظيف الذكاء الاصطناعي بنسبة 100% بحلول عام 2031 في مختلف الخدمات وتحليل البيانات؛ مما يعزز الإنتاجية ويخفض التكاليف التشغيلية. وتشمل هذه الأهداف أن تكون حكومة الإمارات الأولى عالمياً في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية وخلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية، ودعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، إضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، بجانب استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى واستثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوفرة بطريقة خلاقة.
وكان لهذه الشراكات، ضمن الرؤية الشاملة لدولة الإمارات، دورها في تعزيز ريادة الدولة في هذا الملف، حيث أصبحت الإمارات من أكثر الدول جذباً للمهارات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، مع زيادة عدد المتخصصين في هذا المجال بنحو 40% منذ عام 2022. كما أحرزت الدولة مركزاً ريادياً ضمن قائمة أفضل 10 دول عالمياً، من حيث عدد شركات الذكاء الاصطناعي لكل مليون نسمة، وذلك وفقاً لمؤشر تنافسية الذكاء الاصطناعي العالمي الصادر عن المنتدى المالي الدولي “آي إف إف” (IFF) ومجموعة المعرفة العميقة.
خلاصة الأمر، تواصل دولة الإمارات ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، مستندة إلى رؤية طموحة تدعم الابتكار والتطوير المُستدام. ومن خلال استراتيجيتها الوطنية وشراكاتها الدولية الكبيرة، تفتح الدولة آفاقاً جديدة للاستثمار والتنافسية، مع التركيز على تنمية المواهب والبنية التحتية المتقدمة. وبالرغم من التحديات، يبقى التزام دولة الإمارات بتطوير التشريعات وتعزيز الاستدامة عاملاً رئيسياً في ريادتها؛ مما يجعلها نموذجاً يُحتذى به في مستقبل الذكاء الاصطناعي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”