فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
ما صحة الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة»؟
نعم الحديث صحيح ورد عند الإمام الترمذي وصححه النسائي وطائفة من أصحاب السنن والمسانيد ووردت هذه الجملة من الحديث وورد في حديث طويل، وورد بلفظ «من قام مع الإمام حتى ينصرف» وورد بلفظ «من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة»، ومعناه أن الذي يشهد القيام والمقصود بذلك القيام في رمضان؛ لأن السياق الذي ورد فيه الحديث هو الحديث عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لرمضان وصلاته بأصحابه رضوان الله تعالى عليهم القيام في رمضان، فالحديث يدل على أن من قام مع الإمام حتى ينصرف أي حتى يفرغ الإمام من صلاته فلا يخرج قبله كتب له أجر قيام ليلة، فضلا من الله تبارك وتعالى ومنة، وأما إن خرج قبل فراغ إمامه أي قبل انصراف إمامه من صلاته، فإنه يكتب له بقدر ذلك العمل الذي شهده، وفي هذا حث وترغيب على أن يمكث المصلون إلى نهاية الصلاة مع إمامهم أطال الإمام أو قصر فينبغي لهم أن يحوزوا هذا الفضل، فهذا فضل مرغّب فيه ومندوب إليه، وورد هذا الحديث الشريف لأجل ترغيب الناس في التريث والانتظار إلى أن ينصرف الإمام من صلاته أي أن يفرغ من صلاته، بوعدهم بهذا الأجر الكبير والفضل الجزيل الذي أعده الله تبارك وتعالى لهم.
ما صحة الحديث الذي رواه أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاةُ في جَماعةٍ تعدِلُ خمسًا وعشرينَ صلاةً، فإذا صلَّاها في فَلاةٍ فأتمَّ رُكوعَها وسجودَها بلغَت خمسينَ»؟ وإذا كان الحديث صحيحًا، فما المقصود بالفلاة؟
الحديث في هذه الزيادة «فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها كتب له أجر خمسين صلاة» هذه الزيادة فيها خلاف، لكن الصحيح أنها صحيحة ثابتا، المقصود بأن الصلاة في الفلاة، هو أن الإنسان حينما يسافر فينقطع في الفلوات في القفار والصحاري في الأماكن المنقطعة البعيدة عن العمران هذه هي الفلوات، فهل يعني هذا أن أجر الصلاة في الفلوات هو أعظم من أجر صلاة الجماعة في المساجد هذا غير صحيح ليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود إن كان في فلاة منقطعا عن بيوت الله عز وجل لم يكن في الجوار مساجد ليؤدي فيها الصلاة جماعة مع المصلين، فيأتي يسر هذا الدين وفضل الله تبارك وتعالى على عباده أن ضاعف لهم أجر أدائهم للصلاة في هذه الفلاة المنقطعة البعيدة عن المساجد جماعة بمثل هذه الأجور المدخرة لهم، حتى لا يبقى في أنفسهم حرج وحتى لا يتكلفوا الوصول إلى المساجد حرصا منهم على حيازة فضل أداء الصلاة جماعة في المساجد.
إذا توجيه هذه الزيادة في الحديث تنصرف إلى هذا، والصحيح أن معنى الحديث في أداء الصلاة في الفلاة في جماعة؛ لأن صدر الحديث قال صلاة أحدكم في جماعة فكانت الصورة المقابلة أن الصلاة في الفلاة جماعة أيضا، وإن كان بعض الفقهاء يقولون إن الصلاة منفردا لكن المسلم مأمور أن يصلي جماعة حتى ولو كان معه آخر فقط، لو كانا اثنين، كما قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم «فأذنا وأقيما وليأمكما أفضلكما» وهما اثنان فقط، إذن فأجر الصلاة في جماعة في الفلاة حتى لا يدخل في النفوس وحشة من ترك صلاة الجماعة في المساجد بسبب السفر أو أن يدفع ذلك المسافر إلى أن يتكلف وأن يشق على نفسه بالبحث عن المساجد، ليحوز ذلك الفضل جاءت هذه الشريعة بيسرها وبرفع الحرج فيها وببيان ما أودعه الله تبارك وتعالى في مختلف الأحوال والظروف من عظيم الأجور لعباده المؤمنين.
فأما إذا كان يسمع النداء هناك مساجد مجاورة فإنها تدخل في عموم حديث ما قاله رسول الله صـلى الله عليه وسلم للرجل الضرير الذي جاء يستأذنه فقال له عليه الصلاة والسلام: أتسمع النداء فقال: نعم، قال أجب، فإني لا أجد لك رخصة. وذلك رجل ضرير وفي بعض الرواية أنه كان شاسع الدار وأن المدينة ذات هوام وسباع ومع ذلك فإن النبي صـلى الله عليه وسلم سأله أتسمع النداء؟ فقال: نعم. فقال: أجب إذن فإني لا أجد لك رخصة. وهكذا قال عليه الصلاة والسلام من سمع النداء فلا صلاة له إلا في المسجد إلا من عذر فإن كان في الجوار مسجد مجاور فلا يترك يعني في سفره ذلك يمر بمساجد أو في المكان الذي وقف فيه هناك مساجد، فلا يحتج بهذا الحديث وأن صلاته في الفلاة إذا أتم ركوعها وسجودها بخمسين صلاة فهي تفضل صلاته في المسجد، لا المقصود إذا لم توجد مساجد أما إذا وجدت المساجد وسمع النداء فإن عليه أن يصلي في المسجد والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى الله علیه وسلم الله تعالى الصلاة فی رسول الله جماعة فی من صلاته کتب له
إقرأ أيضاً:
ابن عَريق
محمد بن عامر بن راشد المعولي ويكني بأبي سليمان ويلقب ب" ابن عَريق". ولد في العقد الثاني من القرن الثاني عشر الهجري الموافق الثامن عشر الميلادي، أي فترة إمامة الإمام سيف بن سلطان الثاني اليعربي ( 1711م -719م) ، في قرية أفي إحدى قرى وادي المعاول. ولد في بيت علم ورئاسة، فوالده عمل واليا للإمامين سيف بن سلطان " قيد الأرض"، والإمام سلطان بن سيف الثاني على ولاية بركاء. مما يعني نشأة محمد بن عامر في سعة من العيش فتفرغ لطلب العلم، وتلقى تعليمه على يد والده الشيخ عامر بن راشد، ثم جلس في مجلس الشيخ خلفان بن جمعة بن محمد الرقيشي، والشيخ خلف بن سنان الغافري، وسعيد بن بشير بن حمد الصبحي، والشيخ سعيد بن زياد بن أحمد الشقصي. هذا الاهتمام الذي لقيه المعولي في تعليمه انعكس عليه وعلى مؤلفاته حيث كان واسع الاطلاع والمعرفة.
عاصر محمد بن عامر الكثير من الأحداث السياسية الجسام التي حدثت في عمان بعد وفاة الإمام سلطان بن سيف اليعربي سنة 1719م، حيث شهدت الفترة التي أعقبت وفاة الإمام سلطان بن سيف الثاني اضطرابات كثيرة في المشهد السياسي العماني، وحدث صراع على السلطة بين أفراد البيت اليعربي مما أدخل عمان في حالة من عدم الاستقرار والفوضى بسبب تدخل شيوخ القبائل في هذا الصراع. كان للشيخ محمد بن عامر دور في هذا الصراع، حيث كان من العلماء الذين خلعوا الإمام سيف بن سلطان الثاني عام 1733م، وشارك علماء عمان في تنصيب الإمام بلعرب بن حمير إماما على عمان. وفي سنة 1748م كان المعولي من العلماء الذي خلعوا الإمام بلعرب بن حمير . ومن العاقدين للإمام أحمد بن سعيد في الرستاق ومعه ثلة من العلماء الكرام يترأسهم الشيخ حبيب بن سالم أمبوسعيدي.
تولى ابن عريق منصب القضاء في دولة الإمام أحمد بن سعيد في مدينة مسقط. وكان يرافق الإمام في بعض جولاته داخل البلاد حيث رافقه في رحلته إلى جعلان وإبراء سنة 1757م.
لابن عَريق مؤلفات عدة، منها كتاب "قصص وأخبار جرت في عمان" يعد هذا الكتاب مصدرا هاما في دراسة الفترة التي عاصرها المعولي، فهو يستكمل الأحداث التي حدثت حيث انتهى كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة لسرحان بن سعيد الإزكوي سنة 1728م، ويستكمل المعولي الأحداث منذ هذا التاريخ وحتى عام 1744م. واتبع المعولي الترتيب الزمني للأحداث، وسار على نهج الإزكوي في الكتابة، إلا أن المعولي اتجه إلى الاختصار في سرد الأحداث. ويعد هذا الكتاب مصدرا مهما في دراسة المرحلة الانتقالية بين دولة اليعاربة والدولة البوسعيدية، لأن مؤلف الكتاب شاهد عيان ومساهم في صناعة الأحداث.
واعتمد ابن عريق في كتابة هذا الكتاب على عدد من المصادر التاريخية العمانية مثل السير والجوابات وهو عبارة عن رسائل وجوابات بين عدد من علماء عمان ومفكريها، و كتاب الانساب لأبي المنذر سلمة بن مسلم للعوتبي وكتاب كشف الغمة لسرحان بن سعيد الإزكوي، وكتاب الجامع لابن بركة محمد بن عبدالله السليمي، وكتاب الاستقامة لأبي محمد سعيد بن محمد الكدمي.
ويبدأ الكتاب مباشرة وبدون مقدمة للمؤلف، حيث كتب في أول كتابه:" هذه قصص وأخبار جرت بعمان، وأول ذلك انتقال السيد المعظم الملك المكرم مالك بن فهم بن غانم". ثم يسترسل في ذكر الاحداث والوقائع إلى أن يختم الكتاب بحادثة نزول الفرس عمان وطرد والي صحار في ذلك الوقت أحمد بن سعيد البوسعيدي للفرس، حيث كتب في خاتمة كتابه:" والحمد لله على كل حال وجزاء الله عنا السيد أحمد بن سعيد وعن كافة أهل عمان وغيرها من المسلمين ألف ألف خير ولا مخلص عنه لكافة المسلمين إلى يوم القيامة".
وكتب المعولي كتاب في نسب عائلته من المعاول، وقال في سبب تأليفه لهذا الكتاب: "قد بدا لي أن أشرح نسب فخذنا الذي تنتمي إليه عشيرتنا ليعرف من أقرب إلى صاحبه نسبا من الآخر لسبب الميراث والوصية الأقربين وصلة الرحم".
وللمعولي مجموعة من القصائد الشعرية والنظمية في الميراث، وله عدد من المسائل الفقهية. وله كتاب التهذيب وهو في جزأين وموضوعه الأساسي في كتابة الصكوك والوثائق.
وللمعولي كتاب يعد هذا أحد أبرز كتب المكتبة العمانية، لأنه فريد في موضوعه ومحتواه، ويحمل عنوان: "المهذب وعين الأدب"، يقع هذا الكتاب القيم في جزأين وهو في علم الميراث. ويذكر ابن عريق السبب في تأليفه لها الكتاب الفريد في موضوعه:" دعتني الرغبة في تجديده بكتاب يسهل على الطالب تعلمه، ويخلف على الراغب تفهمه، وقد كلفت نفسي على جمعه وتأليفه، وحملتها على حسن تهذيبه وتشريفه، وحرصت جهدي على زراعته وتحريثه". وقال المعولي بيتا من الشعر يحدد فيه موضوع كتابيه المهذب والتهذيب فيقول:
إن الفصاحة في التهذيب يا أملي وفي المهذب من قول لوارثه.
شرع المعولي في تأليف المهذب سنة 1145هـ، ويبدأه بباب في تفصيل فرائض المواريث والحث على تعلمها، ثم باب صفة المواريث والأنساب والأسباب التي يسقط فيها الميراث، ويسترسل المعولي ويفصل في المواريث، وفي نصيب كل فرد، ويفسر الحالات التي يصعب فيها تقسيم التركة، ويشرح في ميراث الهدمى والغرقي وأهل الأديان الأخرى من غير الإسلام.
كان العلماء المعاصرين للمعولي حريصين على نسخ والاحتفاظ بنسخة منه في مكتبتهم للاطلاع عليه كون أن علم المواريث من أدق العلوم وأصعبها، فاستعارة مجموعة من شيوخ إزكي لنسخه، ثم استعارة السيد هلال ابن الإمام أحمد بن سعيد، والشيخ حبيب بن سالم أمبوسعيدي لنسخه، هذا التجوال بين الراغبين في نسخة أدى إلى فقد الكتاب لفترة من الزمن، ولم يكن محمد بن عامر المعولي يملك نسخة منه، وبعد فترة من الزمن عاد الكتاب لصاحبه، فأنشد المعولي يقول:
وافى كتابي الذي كنت فاقده ولم أزل بشفاه الثغر أرشفه
وصرت لما تلقاني البشير به كأنما قد أتى يعقوب يوسفه.
وللشيخ محمد بن عامر قصائد شعرية أوردها كل من محمد بن راشد الخصيبي في كتابه شقائق النعمان ومحمد بن سيف البوسعيدي في كتابه قلائد الجمان،
ومن قصائده قصيدة كتبها في رثائه لدولة اليعاربة حيث قال:
وداعا آل يعربنا وداعا مضت أيامكم بكم سراعا
فكم أسمعتكم نصحي فصمت مسامعكم فلم تلق استماعا
إذا لم تسمعوا قولي ونصحي فليس على المناصح أن يطاعا
توفي ابن عريق صباح يوم الثلاثاء في24 يناير 1777م ودفن في الوادي الكبير بمسقط.