لجريدة عمان:
2024-09-17@02:54:41 GMT

عندما نألف النعم

تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT

تتقلب حياة الإنسان بين شدة ورخاء، وفرح وحزن، وبالتالي فإن طال أحدهما في حياة شخص ما؛ أسرف على نفسه باللوم والعتاب، وتعذيب الذات، وعدم الاستسلام للقدر المكتوب، مع أن في كلا الأمرين: الشدة والرخاء خير للإنسان، وامتحان لإرادته ورضاء بالقضاء والقدر (... ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) –(35): الأنبياء– ومن ذلك فالكثيرون منا يتجاوزون أهمية الكثير من النعم في حياتهم، ليس لأنها لا تمثل لهم أهمية أو قيمة، ولكنهم يسقطون أهميتها بسبب التقادم والتكرار؛ حيث تتجه النظرة دائما إلى أي شيء جديد، يحدث نوعا من التغيير، ولذلك نسمع كثيرا مقولة: «ملينا؛ تعبنا؛ لا جديد في حياتنا؛ رتابة مستمرة» فتتضاءل الأهمية إلى مستويات العادة، والعادة عندما تتلبس بالفرد تفقده قيمة الشيء الذي بين يديه، فيتحول التعامل مع مختلف الأشياء إلى شيء لا قيمة له، إلا بقدر الإلزام الآني، كالصلاة –على سبيل المثال– وهي من أجل النعم على الإنسان المسلم؛ حيث تشعره بذلك الارتباط الوثيق مع ربه، حيث الارتباط الخفي، ولذلك يلحظ الفرق بين مسلم ورث الصلاة عمن قبله، فهو ملزم بأدائها بحكم التوارث؛ وبين مسلم؛ للتو؛ اعتنق الإسلام، فيجد في هذه الشعيرة التعبدية، السمو في هذا الحوار الخفي مع الله، وفي سائر الشعائر التعبدية، فينعكس ذلك على سلوكه كاملا، فيشعر بالراحة والاطمئنان.

وهذه الصورة لا تقاس على الصلاة فقط، وإنما تقاس على كل النعم في حياة الإنسان سواء أكان مسلما أو غير مسلم، سواء أكانت هذه النعم مرتبطة ارتباطا ماديا بالجسد، كالبصر، والسمع، والشم، وكافة أعضاء الجسد الداخلية والخارجية؛ ففي ممارساتنا اليومية في الحياة، قد لا نستحضر أهمية كل هذه الأعضاء الملموسة وغير الملموسة، ولكن عندما يحدث خلل ما في إحداها، هنا ندرك أهميتها القصوى، وندرك مدى فضاعة ما ارتكبناه في حقها عندما لم نعطها حقها من الاهتمام؛ ففقدانها أو فقدنا جزءا منها.

فالمثير من النعمة الآنية التي نراها في الآخرين، كثيرا ما تفقدنا صواب المراجعة مع النفس، وبأننا نملك؛ في المقابل؛ النعم المماثلة، أو المختلفة، وبالتالي فلا ضرورة إطلاقا؛ على التحسر؛ مثلا؛ أو التلفظ بالقول: «أنا محروم؛ أو منحوس؛ أو ما محظوظ؛ أو لماذا فلان؟» حيث تدخلنا هذه الهواجس في مستنقع نسيان النعم التي بين أيدينا من ناحية، وتجاوز قدر الله في عباده، من حيث النعم والعطايا والهبات، وهذا قد يدخل الإنسان في كثير من كفر النعمة؛ والعياذ بالله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض؛ للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن، واسألوا الله من فضله؛ إن الله كان بكل شيء عليما) (32): النساء.

وفي مقاربات مختلفة يمكن القول أيضا:«منشد الحي؛ لا يطرب» مع أن منشد الحي؛ في كثير من الأحيان لا يقل عذوبة في الكلمة واللحن، ولكن لأن الناس اعتادوا عليه، فأسقطوه من أن يكون ذا أهمية لديهم، ويمكن إسقاط ذات الفهم على المؤسسات الإدارية المختلفة عندما تفضل الخبير الوافد على المواطن، أو ترى في الوافد على أنه أكثر خبرة، وأكثر مهنية، وأنه قد يأتي «بما لم تأت به الأول» وهذا كله ليس واقعيا بالمطلق، فمنشد الحي الذي أسقطت أهميته لا يقل طربا وتمكنا من الآخر، بل قد يكون الأخلص، والأجهد، والأوفى، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

التنقل عبر الحواجز مأساة يومية في حياة فلسطينيي الضفة

نابلس- يتصفح محمد رضوان، يوميا وقبل مغادرة منزله متوجها إلى عمله، المواقع الإخبارية وصفحات التواصل، خاصة تلك المتعلقة بأحوال الطرق والحواجز العسكرية الإسرائيلية، كما يجري اتصالات عديدة ليعرف آخر أخبارها وأيّها "سالك" ويسمح بمرور المواطنين الفلسطينيين.

يقطن رضوان في قرية بيت دجن شرقي مدينة نابلس، وليصل مكان عمله في بلدة قصرة جنوبا، عليه أن يجتاز 3 حواجز عسكرية ثابتة على الأقل، هي حاجز "بيت فوريك-بيت دجن"، وحاجز "عورتا أو المربعة"، وحاجز "زعترة".

وإن ساء حظه يواجه بحواجز "طيَّارة" (أي مفاجئة، وتسمى متنقلة أيضا)، فضلا عن بوابتين عسكريتين يغلق بهما الاحتلال مداخل قرية قصرة، حيث يمر رضوان والمواطنون من هناك.

مركبات الفلسطينيين تنتظر عند حاجز المربعة جنوبي نابلس (الجزيرة) عقاب جماعي

بحجة فرض الأمن، تنتهج إسرائيل عقابا جماعيا ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية عبر نصب أكثر من 800 حاجز عسكري ثابت (لا تشمل الحواجز المفاجئة)، وهي متعددة الشكل والنوع بين السواتر الحجرية والترابية، إضافة لنحو 150 بوابة حديدية عسكرية تغلق تجمعات سكنية وتحبسهم خلفها وتشل حركتهم.

ويتداول الفلسطينيون -لا سيما المتنقلون عبر الطرق الخارجية- يوميا قائمة بأسماء عشرات الحواجز الإسرائيلية، والمغلقُ منها يشار إليه بالعلامة الحمراء، وتعني الخضراء أن الحاجز "سالك" أي مفتوح.

ولذا يهيئ رضوان (45 عاما) نفسه يوميا لساعات حافلة بالمعاناة والانتظار عند تلك الحواجز أو لزيادة مسافة الطريق الذي تضاعف مرتين بفعل إجراءات الاحتلال وتضييقاته العسكرية، ويتحين الفرصة بعد اتصالات مكثفة ليعرف أي حاجز يسمح بالدخول دون تأخير.

ينطلق رضوان باكرا وينسق مع زملائه للتجمع بمدينة نابلس ثم يستقلون سيارة واحدة، تفاديا لازدحام وأزمة الحواجز، وتجنبا لاحتجازه والتنكيل به كما يفعل الجنود عادة حين يكون وحده.

واصفا معاناته اليومية، يقول للجزيرة نت "أتنقل منذ 24 عاما عبر الحواجز، لكن في السنوات الثلاث الأخيرة وأكثر بعد حرب غزة تضاعفت المعاناة وتحولت الحواجز لسجون ولوسائل للتنكيل بالمواطنين وقهرهم والانتقام منهم".

احتُجز رضوان مرات عدة وتعرض للتنكيل عند حاجز بيت فوريك "سيئ السمعة تحديدا"، حسب وصفه، وأوقفه الجنود ذات مرة وقيدوه وعصبوا عينيه واحتجز هكذا لمدة 6 ساعات متواصلة، ومرة ثانية أطلقوا النار على إطارات سيارته، وحطموا هاتفه الخلوي في اعتداء ثالث.

وكما هي حال مئات الآلاف في الضفة، حدَّت إجراءات الاحتلال من تنقل رضوان خارج قريته بعد العودة من عمله، إلا للضرورة القصوى، وهو الذي كان -حتى وقت قريب- يجوب مدن شمال الضفة وقراها دائما.

إغلاق الاحتلال البوابة العسكرية عند حاجز شافي-شمرون يؤدي إلى فصل شمال الضفة عن وسطها وجنوبها (الجزيرة) خطورة الحواجز

وبإغلاق حاجز "بيت فوريك-بيت دجن" يحبس الاحتلال خلفه 23 ألف نسمة، ويحوّل البلدتين لسجن كبير، فلا منفذ ولا ممر منهما وإليهما غيره.

وتكمن خطورة الحواجز العسكرية اليوم بسيطرتها الكاملة على المناطق، حيث يغلق الاحتلال كل الطرق الالتفافية والفرعية بين المدن والقرى ليجبر الفلسطينيين على المرور عبر حواجزه فقط، ويحولها بذلك إلى كمائن يتصيد الجنود الإسرائيليون عندها المواطنين بالاعتقال أو القتل.

وحول نابلس كبرى مدن شمال الضفة، ينصب الاحتلال الإسرائيلي 10 حواجز عسكرية ثابتة وأخرى متحركة وما لا يقل عن 20 بوابة يعزل ويغلق بها عشرات القرى في المحافظة.

ومثل رضوان يتنقل جميل أبو سعود (48 عاما) -وبحكم عمله في منطقتي رام الله وجنين– عبر ما لا يقل عن 6 حواجز ثابتة وأخرى مفاجئة.

وينطلق من منزله في نابلس بعد الفجر بقليل ليصل مكان عمله بالوقت المحدد وليتفادى تلك الأزمة، فإن توجه جنوبا نحو رام الله يتوجب عليه قطع 4 حواجز عسكرية على الأقل، وإن سار شمالا نحو جنين عليه اجتياز حاجزين على الأقل.

ومن محافظة طوباس، ينحدر أبو سعود وانتقل للعيش في نابلس ليتلافى شيئا من المعاناة اليومية، لكنه وجد نفسه حبيس تلك الحواجز التي حدت أيضا من تواصله مع أقربائه وعائلته الذين يقطنون في قرى خارج المدينة.

ويزداد خوفه عبر تنقله اليومي ذهابا وإيابا كلما اقترب من مستوطنة أو موقع عسكري، فالمستوطنون ينصبون كمائن ويتصيدون الفلسطينيين المارين بإطلاق النار عليهم أو رشقهم بالحجارة أو احتجازهم في أحيان كثيرة، خاصة إذا تزامن ذلك مع استنفارهم نتيجة لحدث أمني.

الاحتلال يفصل بين المناطق الفلسطينية بالسواتر الحجرية والترابية والبوابات (الجزيرة) رعب يومي

ويقول أبو سعود إنه يعيش الرعب يوميا منذ خروجه من منزله وحتى عودته، ويظل على اتصال بمواقع الأخبار والسائقين ليعرف آخر أحوال الحواجز والطرق وخلوها من المستوطنين. ويضيف "اضطررت تحت ضغط كل الظروف للنوم في رام الله، بعيدا عن زوجتي وأطفالي الذين أستودعهم الله يوميا".

وخلال تنقله، يحرص على التوثيق بكاميرا الهاتف الشخصي وقائع ما يحدث معه في حال مهاجمته من مستوطنين أو جنود الاحتلال.

أما ساهر عبيد، الموظف في السلطة الفلسطينية، فكان حتى وقت قريب أوفر حظا من غيره، إذ يغادر منزله في مدينة طولكرم شمال الضفة متوجها إلى رام الله بمركبته الخاصة، سالكا "طريق جبارة" جنوب طولكرم، حيث لا حواجز عسكرية ثابتة في طريقه سوى تلك المحيطة برام الله.

لكن فرحته لم تدم طويلا، فمنذ أسبوعين أغلق الاحتلال تلك الطريق ببوابة عسكرية، وأصبح عبيد يتنقل عبر مركبتين، إحداهما تقله إلى البوابة، ومن هناك يسير ماشيا إلى الثانية لتوصله إلى رام الله.

ويسوء حظ عبيد أكثر إن أُغلقت تلك الطريق بالكامل، فيجب عليه حينها الذهاب نحو شمال طولكرم ليمر عبر عدة قرى وصولا لشارع نابلس- جنين الرئيسي، ومنه إلى رام الله جنوبا، قاطعا حواجز "شافي شمرون" و"ديرشرف" غرب نابلس و"عين سينيا" شمال رام الله، على الأقل.

يقول عبيد للجزيرة نت "لنا قصص معاناة مع كل تلك الحواجز، والطريق التي كانت تستغرق ساعة وبضع دقائق، تحتاج الآن 3 ساعات في أحسن أحوالها".

وحسب آخر إحصائيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، تنصب إسرائيل 872 حاجزا وبوابة عسكرية بالضفة الغربية، 145 بوابة تم وضعها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكلها بغرض "تمزيق وعزل المناطق والرقابة العسكرية والسيطرة أكثر منها لحفظ أمن الاحتلال".

مقالات مشابهة

  • تفاصيل أصعب 37 يوماً في حياة أحمد فتوح
  • هذا ما يحدث في الدماغ عندما يقع الإنسان في الحب!
  • دعاء السفر وأهميته في حياة المسلم
  • أمينة الفتوى: يوم ميلاد النبي يكتسب أهمية أعظم من ليلة القدر
  • كم كان عمر الرسول عندما نزل عليه الوحي؟
  • أهمية الصدقة في يوم المولد النبوي الشريف 2024
  • محافظ أسيوط يؤكد أهمية الثقافة في محاربة الأفكار المغلوطة  
  • لماذا ينزعجون من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟
  • عبدالغفار: المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان» تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في حياة المواطن
  • التنقل عبر الحواجز مأساة يومية في حياة فلسطينيي الضفة