تتقلب حياة الإنسان بين شدة ورخاء، وفرح وحزن، وبالتالي فإن طال أحدهما في حياة شخص ما؛ أسرف على نفسه باللوم والعتاب، وتعذيب الذات، وعدم الاستسلام للقدر المكتوب، مع أن في كلا الأمرين: الشدة والرخاء خير للإنسان، وامتحان لإرادته ورضاء بالقضاء والقدر (... ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) –(35): الأنبياء– ومن ذلك فالكثيرون منا يتجاوزون أهمية الكثير من النعم في حياتهم، ليس لأنها لا تمثل لهم أهمية أو قيمة، ولكنهم يسقطون أهميتها بسبب التقادم والتكرار؛ حيث تتجه النظرة دائما إلى أي شيء جديد، يحدث نوعا من التغيير، ولذلك نسمع كثيرا مقولة: «ملينا؛ تعبنا؛ لا جديد في حياتنا؛ رتابة مستمرة» فتتضاءل الأهمية إلى مستويات العادة، والعادة عندما تتلبس بالفرد تفقده قيمة الشيء الذي بين يديه، فيتحول التعامل مع مختلف الأشياء إلى شيء لا قيمة له، إلا بقدر الإلزام الآني، كالصلاة –على سبيل المثال– وهي من أجل النعم على الإنسان المسلم؛ حيث تشعره بذلك الارتباط الوثيق مع ربه، حيث الارتباط الخفي، ولذلك يلحظ الفرق بين مسلم ورث الصلاة عمن قبله، فهو ملزم بأدائها بحكم التوارث؛ وبين مسلم؛ للتو؛ اعتنق الإسلام، فيجد في هذه الشعيرة التعبدية، السمو في هذا الحوار الخفي مع الله، وفي سائر الشعائر التعبدية، فينعكس ذلك على سلوكه كاملا، فيشعر بالراحة والاطمئنان.
وهذه الصورة لا تقاس على الصلاة فقط، وإنما تقاس على كل النعم في حياة الإنسان سواء أكان مسلما أو غير مسلم، سواء أكانت هذه النعم مرتبطة ارتباطا ماديا بالجسد، كالبصر، والسمع، والشم، وكافة أعضاء الجسد الداخلية والخارجية؛ ففي ممارساتنا اليومية في الحياة، قد لا نستحضر أهمية كل هذه الأعضاء الملموسة وغير الملموسة، ولكن عندما يحدث خلل ما في إحداها، هنا ندرك أهميتها القصوى، وندرك مدى فضاعة ما ارتكبناه في حقها عندما لم نعطها حقها من الاهتمام؛ ففقدانها أو فقدنا جزءا منها.
فالمثير من النعمة الآنية التي نراها في الآخرين، كثيرا ما تفقدنا صواب المراجعة مع النفس، وبأننا نملك؛ في المقابل؛ النعم المماثلة، أو المختلفة، وبالتالي فلا ضرورة إطلاقا؛ على التحسر؛ مثلا؛ أو التلفظ بالقول: «أنا محروم؛ أو منحوس؛ أو ما محظوظ؛ أو لماذا فلان؟» حيث تدخلنا هذه الهواجس في مستنقع نسيان النعم التي بين أيدينا من ناحية، وتجاوز قدر الله في عباده، من حيث النعم والعطايا والهبات، وهذا قد يدخل الإنسان في كثير من كفر النعمة؛ والعياذ بالله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض؛ للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن، واسألوا الله من فضله؛ إن الله كان بكل شيء عليما) (32): النساء.
وفي مقاربات مختلفة يمكن القول أيضا:«منشد الحي؛ لا يطرب» مع أن منشد الحي؛ في كثير من الأحيان لا يقل عذوبة في الكلمة واللحن، ولكن لأن الناس اعتادوا عليه، فأسقطوه من أن يكون ذا أهمية لديهم، ويمكن إسقاط ذات الفهم على المؤسسات الإدارية المختلفة عندما تفضل الخبير الوافد على المواطن، أو ترى في الوافد على أنه أكثر خبرة، وأكثر مهنية، وأنه قد يأتي «بما لم تأت به الأول» وهذا كله ليس واقعيا بالمطلق، فمنشد الحي الذي أسقطت أهميته لا يقل طربا وتمكنا من الآخر، بل قد يكون الأخلص، والأجهد، والأوفى، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
حكم العجز عن الوفاء بنذر الصيام لكبر السن
أوضح الدكتور عطية لاشين، أستاذ الشريعة والقانون وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، في إجابته عن استفسار ورد إليه من إحدى المستمعات، التي نذرت صيام أيام من شهر شوال – غير الأيام الستة المستحب صيامها – لكنها مع تقدم السن بات الوفاء بالنذر صعبًا أو مستحيلًا بالنسبة لها.
واستشهد لاشين بقول الله تعالى في القرآن الكريم، مثنيًا على من يوفون بنذورهم: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: 7]. كما أشار إلى الحديث النبوي الذي رواه أهل السنة: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه".
النذر في الأحكام الشرعيةأوضح لاشين أن النذر هو التزام الإنسان بفعل قربة وطاعة لم يوجبها الشرع في الأصل، فلا يكون النذر في الواجبات، لأنها ثابتة بأصل الشرع، لكنه يكون في المستحبات والمندوبات، مثل نذر شخص عدم التخلف عن صلاة الجماعة أربعين يومًا متتالية، أو التزامه بقيام الليل لمدة شهر.
أما النذر في المحرمات والمكروهات، فهو غير جائز ولا يجب الوفاء به، مثل أن ينذر شخص مقاطعة صلة رحمه أو الامتناع عن الحديث مع أحد أقاربه. واستدل بحادثة الصحابي أبو إسرائيل الذي نذر الصيام وعدم الجلوس أو التحدث أو الاستظلال، فأمره النبي ﷺ بالجلوس والتكلم والاستظلال، ولم يُجز من نذره إلا الصيام.
المخرج الشرعي لمن عجز عن الوفاء بالنذرأكد لاشين أنه إذا نذر الإنسان صيامًا وكان قادرًا على الوفاء به في البداية، لكنه مع تقدم السن أصبح غير قادر على ذلك أو أصبح الوفاء بالنذر يمثل مشقة كبيرة أو استحالة، فالشريعة ترشده إلى مخرج شرعي يرفع عنه الحرج. وفي هذه الحالة، يجوز له التحلل من نذره بكفارة يمين، وذلك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يستطع فليصم ثلاثة أيام، مستندًا إلى قول النبي ﷺ: "كفارة النذر كفارة يمين".
وختم لاشين فتواه بالتأكيد على أن هذا الحكم يرفع الإثم عن العاجز عن الوفاء بنذره، داعيًا الله أن يتقبل الأعمال الصالحة من الجميع.