السودان: مشاركة الأطفال في النزاع المسلح وعواقب الصراع عليهم!!
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
تقرير: حسن إسحق
توطئة
يشهد السودان منذ عقود مشاركة الأطفال وتجنيدهم قسرا بالنزاعات المسلحة، لكن بات الوضع يأخذ مزيدٍا من التدهور مع اندلاع النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في ١٥ أبريل ٢٠٢٣. وقد تورط كلا الطرفين - بحسب تقارير حقوقية- في ارتكاب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال وخاصة قوات الدعم السريع التي لها النصيب الأكبر من خلال الاختطاف أو التهديد أو الإكراه أو تجنيدهم قسرا أو التلاعب بهم، في حين يدفع الفقر بآخرين من الأطفال بمشاركة النزاعات بهدف جلب الدخل إلى أسرهم أو لحماية مجتمعاتهم المحليّة.
أطفال مقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع
في تقرير للمرصد السوداني لحقوق الإنسان في شهر أغسطس الماضي، أكد بظهور أطفال جنود بين صفوف قوات الدعم السريع في المعركة، التي هاجمت فيها سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم، حيث أكد المرصد أنه تلقي بلاغات أدلى بها شهود عيان حول القتلى والأسري من داخل القوة التي هاجمت قاعدة المدرعات بالشجرة معظمهم أطفال دون سن الثامنة عشرة، بحيي مايو والانقاذ في جنوب الخرطوم.
يري مراقبون إن هناك أدوار عديدة يلعبها الأطفال المشاركون في النزاعات المسلحة، إضافة إلى المعاناة التي يتعرضون لها، مثل الأذى الجسدي والنفسي علاوة على أنهم مجرمون وضحايا في نفس الوقت. تلعب منظمة اليونيسف أدوارا ايجابية في إعادة تأهيل الأطفال (الجنود السابقون)، وأهمية الدعم النفسي والاجتماعي لهم، ويجب أيضا معرفة العوامل المساهمة في مشاركتهم في النزاع، مع تورط بعض الإدارات الأهلية في استخدام أساليب متعددة لمشاركتهم، منها الإكراه والمكافأة من خلال الكسب المادي.
أهمية قرار مجلس الأمن ( ٢٠٠٥) في توفير الحماية للأطفال
يجب وضع اعتبار لدور المبادرات الدولية والإقليمية والوطنية في توفير الحماية للأطفال ومنعهم من الوقوع في النزاعات المسلحة، رغم الجهود الدولية لإنهاء هذه الممارسات، إلا أن الواقع على الأرض يختلف تماما، حيث إن مشاركة الأطفال في النزاع لها أسباب عديدة، أبرزها الفقر وانعدام الفرص التعليمية، والتوترات العرقية والدينية.
ففي عام ٢٠٠٥ صدر القرار رقم ١٦١٢ عن مجلس الأمن الدولي، واضعا إطارا الزاميا لآلية الرصد والابلاغ في البلدات التي تنتشر فيها ظاهرة تجنيد الأطفال وتتضمن القائمة ستة انتهاكات جسيمة، القتل والتشويه، تجنيد الأطفال، واستخدامهم كجنود، الاعتداء على المدارس أو المستشفيات، والاغتصاب، والانتهاكات الجنسية الخطيرة، اختطاف الأطفال، قطع سبيل المساعدات الإنسانية عن الأطفال)، في ذات الوقت، حدد الإطار دور الآلية في جمع وتقديم معلومات موضوعية ودقيقة وموثوقة عن عمليات تجنيد الأطفال، واستخدامهم كجنود، مما يؤدي الي استمرار دوامة العنف.
البراءة المسروقة
تقول شارون أيشا أوجيما مسؤول برنامج الرصد والتوثيق بالمركز الإفريقي للعدالة ودراسات السلام في مقال لها " البراءة المسروقة": التجنيد القسري للأطفال في النزاع المسلح في السودان انفجر منذ بداية النزاع المسلح في أبريل ٢٠٢٣، حيث نزح ما يقارب من مليون طفل بسبب القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. مما جعلهم عرضة لانتهاكات، موضحة أن عدد الأطفال الذين يتم تجنيدهم في الصراع مثير للقلق، وتبقي المناطق المهمشة في اقليمي دارفور وكردفان هي الأكثر تأثرا من هذه الظاهرة.
فقد أكد المركز الإفريقي للعدالة ودراسات السلام وجود جنود أطفال من خلال مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي وروايات شهود عيان، حيث تورط جنود أطفال لا تتجاوز أعمارهم ١٤ عامًا في القتال، وقد قام المركز مؤخراً بتوثيق حوادث تجنيد ما لا يقل عن ٢٠ طفلاً من قبل قوات الدعم السريع في جنوب دارفور، في سبتمبر ٢٠٢٣، سلمت القوات المسلحة السودانية ٣٠ من الأطفال المجندين للجنة الدولية للصليب الأحمر، في وقت اتهم فيه عدد من الشهود الإدارة الأهلية بالتورط في عملية التجنيد مستخدمين، الإكراه والتخويف تارة والوعود لجلب مكاسب مادية أو مالية تارة أخرى.
ووفقا للمركز، فمع اشتداد الصراع، سلكت القوات المسلحة السودانية نفس السبيل وقامت بتجنيد العديد من الأطفال، مشيرا الى إن سلوك كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في السودان يُظهر بوضوح الازدراء والتجاهل التام لحقوق الإنسان الدولية والإقليمية، والقوانين الإنسانية الدولية التي تتطلب حماية الأطفال في حالة الصراعات المسلحة، ضافة إلى إن قوات الدعم السريع أجرمت منذ بداية النزاع باستخدام الجنود الأطفال، ومع ذلك، ومع اشتداد الصراع، سلكت القوات المسلحة السودانية نفس السبيل وقامت بتجنيد العديد من الأطفال.
مهام مختلفة للأطفال في النزاعات المسلحة
يقول موقع الأمم المتحدة في تقرير له عن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة:،يشاركون لأطفال بشكل مباشر في القتال، إلا أن دورهم لا يقتصر على القتال، ويتم استخدام العديد من الفتيات، والفتيان أيضًا في مهام الدعم التي تنطوي أيضًا على مخاطر ومشقة كبيرة، وأن تختلف مهامهم، من المقاتلين إلى الطهاة والجواسيس، والرسل وحتى العبيد الجنسيين.
فبغض النظر عن دورهم، فإن الأطفال المرتبطين بأطراف النزاع يتعرضون لمستويات حادة من العنف - كشهود، وضحايا وكمشاركين قسريين. يصاب البعض ويضطرون إلى العيش مع الإعاقة كما يتم تجنيد الفتيات واستخدامهن من قبل القوات والجماعات المسلحة، فهن يعانين من نقاط ضعف تنفرد بها جنسهن، ومكانتهن في المجتمع ويعانين من عواقب محددة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، والحمل، والمضاعفات المرتبطة بالحمل، والوصم والرفض من جانب الأسر والمجتمعات المحلية.
يشكل تجنيد الأطفال واستخدامهم، سببا لإدراج أطراف الصراع المسلح في مرفقات التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة عن الأطفال والصراع المسلح، وفي نفس الوقت هناك العديد من الطرق التي يمكن للأطفال من خلالها الارتباط بالقوات والجماعات المسلحة، ويتم اختطاف بعض الأطفال وضربهم لإرغامهم على الاستسلام، بينما ينضم آخرون إلى الجماعات العسكرية هرباً من الفقر، أو للدفاع عن مجتمعاتهم، بسبب الشعور بالانتقام أو لأسباب أخرى.
عواقب الصراع على الجنود الأطفال
بغض النظر عن كيفية تجنيد الأطفال وأدوارهم، فإن الجنود الأطفال هم ضحايا، وتترتب على مشاركتهم في الصراع آثار خطيرة على سلامتهم الجسدية والعاطفية، وعادة ما يتعرضون للانتهاكات ويشهد معظمهم الموت والقتل والعنف الجنسي، ويضطر العديد منهم إلى ارتكاب أعمال عنف، ويعاني البعض الآخر من عواقب نفسية خطيرة طويلة الأمد، إن إعادة إدماج هؤلاء الأطفال في الحياة المدنية جزء أساسي من العمل لمساعدة الأطفال الجنود على إعادة بناء حياتهم من جديد.
المبادرات الدولية بشأن مشاركة الجنود الأطفال في الاعمال العدائية
تشير قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني المنشورة علي موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى حظر البروتوكولان الإضافيان الأول والثاني في مشاركة الأطفال في الاعمال العدائية، اضافة الي ذلك، تتضمن اتفاقية حقوق الطفل والميثاق الافريقي لحقوق ورفاهية الطفل نفس الحظر. فبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن استخدام الأطفال للمشاركة بشكل فعال في الاعمال العدائية يشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، كما إنها مدرجة كجريمة حرب في النظام الأساسي للمحكمة الخاصة لسيراليون.
في المادة ’’ ٢٢‘‘ فمن الميثاق الافريقي لحقوق ورفاهية الطفل، في فقرته حول النزاعات المسلحة، يؤكد بأن تتخذ الدول الأطراف في هذا الميثاق جميع التدابير اللازمة لكفالة عدم مشاركة أي طفل مباشرة في أي صراعات، وخاصة عدم تنجيد أي طفل، وأن تتعهد الدول الأطراف في هذا الميثاق باحترام قواعد القانون الإنساني الدولي وتطبيقه في حال نشوب نزاع يؤثر علي الطفل بصفة خاصة.
في إطار جهودها لحظر تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، قد بادرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، -التي تعتبر منظمة دولية محايدة ومستقلة - بمهمة توفير الحماية والمساعدة لضحايا الحروب المدنيين والعسكريين علي السواء، عملت علي نشر وتطوير احكام القانون الدولي الإنساني لسنة ١٩٧١، بعدما تنبين للمنظمة وجود قصور في معاهدات جنيف لسنة ١٩٤٩عن معالجة مشكلة الطفل المحارب بعد استمرار تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة. كما ينص بروتوكولي جنيف ١٩٧٧لمنع تجنيد الأطفال في المادة ٧٧/٢ من البروتوكول الأول، على أنه يجب على أطراف النزاع اتخاذ كافة التدابير اللازمة التي تكفل عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشره في العمال العدائية بصورة مباشرة، وعليها أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء الصغار في قواتها المسلحة.
تنص المادة ٧٧ (٢) من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف المعقودة في ١٢ أغسطس ١٩٤٩ والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، و(البروتوكول الأول) وُقع في جنيف، في ٨ يونيو ١٩٧٧، على إنه " يجب على أطراف النزاع اتخاذ كافة التدابير اللازمة، التي تكفل عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشره في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف، بوجه خاص، أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء الصغار في قواتها المسلحة"
حظر تجنيد الاطفال
في بحث لأستاذة كاثرين بيلي عبدي المساعد في قسم دراسات الطفل والشباب بجامعة "ماونت سانت فنسنت" الكندية، بعنوان ’’ الوقاية والحماية والمشاركة، الأطفال المتأثرون بالنزاعات المسلحة‘‘ تقول إن المواثيق الدولية تهدف إلى حماية الأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، يوفر القانون الدولي الانساني الحماية للأطفال الذين اجبروا علي الهجرة في سياقات النزاع المسلح، توجد بع اربعة مجالات رئيسية، حظر تجنيد الأطفال، واستخدامهم كجنود، مسؤولية حماية التعليم أثناء النزاعات المسلحة.
تُبين كاثرين، غالبًا ما تفتقر البيئات الهشة والصراعات إلى عوامل الحماية لضمان صحة الأطفال وسلامتهم، مما يؤدي إلى تفاقم وتداخل أنواع العنف، أثناء النزاعات المسلحة، يتعرض الأطفال لأشكال متطرفة من العنف، ويتحملونها، وفي بعض الحالات يرتكبونها، ومن ضمن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضدهم، التجنيد، واستخدامهم كجنود، القتل والتشويه، والاغتصاب، الهجمات على المدارس أو المستشفيات، وغيرها من أشكال العنف الجنسي، والاختطاف، والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية.
الحلول لأزمة أطفال الحرب
في إطار منظومة الأمم المتحدة، ينبغي أن تتولى "اليونيسف" مسؤولية إعادة إدماج الأطفال الجنود السابقين وأولويتهم الأولى هي إعدادهم للعودة إلى الحياة المدنية، بحيث يعد الدعم النفسي والاجتماعي والتعليم أو التدريب من أهم البرامج في إعادة الإدماج. تُعد محاولة لم شمل الأطفال مع أسرهم ومجتمعاتهم أمرًا ضروريًا أيضًا، ولكن جهود التوعية والمصالحة تكون ضرورية في بعض الأحيان قبل الترحيب بعودة الطفل إلى المنزل. إن إعادة إدماج الجنود الأطفال السابقين هي عملية طويلة، وتحتاج إلى دعم واسع النطاق من المجتمع الدولي، ومن خلال مساعدة الأطفال المتأثرين بشدة بالصراع، فإن الأمم المتحدة تساهم في بناء مستقبل سلمي لبلدهم.
ختاما
تزايد تجنيد الأطفال في الجماعات المسلحة، فبحسب الأمم المتحدة، تم تجنيد أكثر من ١٠٠ طفل من قبل القوات والجماعات المسلحة في السودان بين عامي ٢٠١٨ و٢٠٢٠، وتعمل العديد من الجهات والمنظمات المختصة بإيقاف مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة، وأن الدولة السودانية ملزمة بتطبيق المعايير الدولية، باعتباره طرفا في اتفاقية حقوق الطفل، وطرفا في البروتوكول الاختياري للطفل، الذي يرفض عدم مشاركة الأطفال في الاعمال القتالية (٢٠٠٤)، والسودان طرف موقّع على معاهدات جنيف والبروتوكول الاختياري، ومصادق عليه دون تحفظ، وموقّع أيضا على اتفاقية حقوق الطفل.
ishaghassan13@gmail.com
//////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأطفال فی النزاعات المسلحة القوات المسلحة السودانیة مشارکة الأطفال فی قوات الدعم السریع الأطفال فی النزاع تجنید الأطفال فی الجنود الأطفال الأمم المتحدة النزاع المسلح من الأطفال فی الاعمال العدید من من خلال
إقرأ أيضاً:
السودان.. هل تعلمت المعارضة الدرس؟
تلعب المعارضة المدنية في أي بلد – من الناحية النظرية – دورًا محوريًا في ترسيخ أركان الحكم الرشيد، وفي مواجهة الأزمات الوطنية، فهي تمثّل صوت الشعب وتطلّعاته نحو مستقبل أفضل.
وفي السودان، عُلّقت آمال عريضة على ما عُرف بـ"قوى الحرية والتغيير" عقب الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، حيث توقّع السودانيون أن تقود هذه القوى البلاد نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
بيدَ أن مسيرة هذه القوى شابها الكثير من خيبات الأمل والإخفاقات، وهو ما تجلّى بشكل خاص في تعاملها مع الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد.
ويثير هذا الواقع تساؤلًا جوهريًا: لماذا أخفقت المعارضة المدنية السودانية – وعلى رأسها "قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي"، التي يُعد رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك من أبرز وجوهها – في الاضطلاع بدورٍ فعّال في مواجهة الأزمة الحالية وتقديم حلول عملية؟
ويتفرع من هذا السؤال المحوري أسئلة أخرى: لماذا اتخذت موقفًا ضبابيًا، أو مؤيدًا إلى حدٍّ كبير، لمليشيا الدعم السريع وتجنبت إدانة جرائمها بشكل صريح؟
كيف أدت مواقفها السياسية إلى إضعاف المبادرات الداخلية وربط مصير الحركة المدنية بأجندات خارجية لا تخدم المصالح السودانية بالضرورة؟ كيف أثّر غياب القيادة الكاريزمية والموحدة في قدرتها على حشد الجماهير والتأثير في مسار الأحداث؟ وكيف أدّت حالة الترقّب للحلول الخارجية إلى جعل هذه المعارضة في موقع ردّ الفعل بدلًا من أن تكون قوة فاعلة؟ وكيف أدّى الارتهان للخارج والانقسامات الداخلية إلى فقدانها أي تمثيل حقيقي للقاعدة الشعبية في الداخل؟
إعلانإن فشل المعارضة في إدانة مليشيا الدعم السريع وجرائمها ضد الإنسانية، واستمرارها في تبني منطق انتظار الحلول من الخارج دون بناء قوة داخلية موحدة وذات مشروع وطني واضح المعالم، جعلها جزءًا من المشكلة لا من الحل.
فالتواصل مع المجتمع الدولي والإقليمي – وإن بدا أحيانًا ضروريًا – يجب أن يتم على قاعدة إجماع داخلي واسع، وبالاستناد إلى رؤية وطنية خالصة تُعبّر عن مصالح السودانيين. إن استعادة المعارضة قرارها السيادي المستقل، هي الخطوة الأولى نحو دمجها في الحراك الوطني، ومن ثمّ الاضطلاع بدورها في تحقيق الحكم الرشيد، ومواجهة الأزمات بفاعلية.
الموقف الضبابي من الأزمة الحاليةإن الموقف السلبي للمعارضة السودانية المدنية، بقيادة عبدالله حمدوك وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) – والتي تسمّت في فترة وجيزة بسبب الانقسامات الداخلية بأسماء جديدة مثل (تقدّم) و(صمود) – كان موقفًا وُصف بالضبابي – في أحسن الأحوال – من الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان 2023 بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع.
وهي حرب لم تكن مجرد صراع على السلطة كما تم توصيفها أحيانًا، بل هو تمردٌ واضح على الدولة ومؤسساتها. هذا الموقف الملتبس جرّ على المعارضة الكثير من الانتقادات، وفتح الباب لتوجيه اتهامات مباشرة لها بدعم المليشيا سياسيًا، أو في أقل تقدير، بتوفير غطاء ناعم لتحركاتها الإجرامية.
من أبرز ما أُخذ على قوى الحرية والتغيير، أنها لم تُدن صراحةً مليشيا الدعم السريع، رغم تورطها في إشعال الحرب وارتكابها انتهاكات واسعة بحق المدنيين، بل جاءت بياناتها في كثير من الأحيان بصيغة الحياد السلبي إذ تُحمّل المسؤولية للطرفين، وكأن الطرفين متكافئان من حيث المشروعية والسلوك.
بل وقّعت اتفاقًا مع قائد المليشيا برعاية أجنبية في إثيوبيا. كما تمسكت بما عرف بـ(الاتفاق الإطاري) الذي كان مثار جدل واسع قبيل اندلاع الحرب، والذي رأى فيه كثيرون محاولة لتفكيك الجيش، وإعادة هندسة المؤسسة العسكرية بما يخدم مصالح فئة ضيقة.
إعلانوتم هذا الاتفاق برعاية رئيس بعثة الأمم المتحدة، التي كان حمدوك قد طلبها إبان رئاسته مجلس لوزراء دون علم الجيش. بعد اندلاع المعارك، واصل بعض قادة المعارضة الحديث عن هذا الاتفاق، وكأنه ما يزال صالحًا، متجاهلين تحولات الواقع الكارثي الذي فرضته المليشيا.
واحدٌ من أكثر المواقف المثيرة للجدل كان في توصيف الأزمة بأنها "صراع بين جنرالين"، وهو توصيف ساوى بين مؤسسة الدولة العسكرية النظامية، وبين مليشيا مسلحة خارجة عن القانون.
كما بدت المعارضة، في كثير من مواقفها، وكأنها تتبنى مقاربة خارجية للأزمة، مركّزة على المبادرات الدولية والإقليمية المرتبطة بالمصالح الأجنبية، دون تقديم رؤية وطنية مستقلة أو جهود حقيقية لرأب الصدع داخل الصف الوطني.
وقد شاركت المعارضة في مبادرات خارجية مشبوهة لم تُدرج ضمن أولوياتها مساءلة مليشيا الدعم السريع عن انتهاكاتها، وكأنها تتعامل مع المليشيا كطرف سياسي، لا كقوة تمرد مسلحة.
ومن المآخذ الأخرى على المعارضة أنها استمرّت في المناداة بضرورة "إصلاح الجيش"، وإعادة هيكلته، بينما لم تُظهر الجدية نفسها في المطالبة بنزع سلاح مليشيا الدعم السريع، أو محاسبتها على الجرائم الفادحة التي ارتكبتها.
لقد تعززت الاتهامات ضد المعارضة المدنية استنادًا إلى قرائن عدة، من بينها استمرار التواصل المباشر أو غير المباشر مع قيادة مليشيا الدعم السريع حتى بعد اندلاع الحرب، في لقاءات كشفتها تقارير مسرّبة وأخرى علنية. كما أن علاقات بعض قيادات المعارضة بدولٍ متهمة بدعم المليشيا زادت من الشكوك حول أجنداتهم.
كما كشفت تصريحات بعض القادة عن ازدواجية في الخطاب؛ إذ بينما يدعون في العلن إلى إيقاف الحرب، يروّجون في الكواليس لفكرة أن انتصار الجيش يمثل خطرًا بعودة النظام القديم، فيما بدا تبريرًا ضمنيًا لبقاء المليشيا كعامل توازن.
إعلانهذا الموقف جعل المعارضة تفقد كثيرًا من رصيدها السياسي الشعبي، وأعطى الانطباع بأنها لم تكن حريصة على الوطن بقدر حرصها على استعادة السلطة، حتى لو كان الثمن هو التحالف الضمني مع مليشيا ارتكبت فظائع ضد شعبها.
إشكالات هيكلية وتنظيميةظلت الانقسامات العميقة داخل صفوف المعارضة نفسها، تُغري الأطراف الخارجية بالتعامل الانتقائي معها، مما يعزز من تبعيتها للخارج ويحول دون توحيد كلمتها على أسس وطنية متينة.
هذا التشتت يُضعف الشرعية التمثيلية لهذه الفصائل لدى القاعدة الشعبية في الداخل، التي قد لا تجد صوتها ممثلًا بشكل حقيقي في كيانات تعتمد على نيل شرعيتها من الخارج، خاصة بعد تمرّد مليشيا الدعم السريع.
إلى جانب هذا الارتهان للخارج، تعاني المعارضة المدنية السودانية من ضعف تنظيمي مزمن، وانقسام حاد، وغياب قيادة موحدة. وهي تحديات تفاقمت بشكل خاص بعد نيلها السلطة التنفيذية عقب سقوط نظام البشير.
هذه الهشاشة الهيكلية، المتمثلة في تعدد الفصائل والتيارات السياسية والأيديولوجية، أضعفت قدرتها على تبني مواقف موحدة وفعّالة في مواجهة التحديات المختلفة.
فالانقسامات السياسية والأيديولوجية – التي تتراوح بين الأحزاب التقليدية وما يسمى بالقوى الثورية الحديثة والنشطاء المستقلين – تخلق صراعات مستمرة حول الرؤى والأولويات والتكتيكات، مما يعيق صياغة إطار عمل وطني موحّد.
كما أن غياب القيادة الكاريزمية والموحدة، بعد تشتّت تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، أدّى إلى تشتّت المرجعية وتنافس الشخصيات على الزعامة، مما أضعف التماسك الداخلي وقوّض القدرة على حشد الجماهير والتأثير في مسار الأحداث.
هذا الضعف المؤسسي، حيث تعتمد بعض الجماعات على قيادات فردية وهياكل تنظيمية هشّة، يجعلها أكثر عرضة للانشقاق، ويحدّ من قدرتها على التخطيط الإستراتيجي وتنفيذ الخطط بفاعلية.
إعلانإن استمرار هذه الحالة من الارتهان للخارج والضعف الداخلي، يثير تساؤلات جدية حول قدرة المعارضة السودانية على لعب دور فاعل ومؤثر في مستقبل البلاد.
في لحظات ضعف السلطة المركزية، تزداد فرص المعارضة في التأثير والحضور، كما حدث عقب انتفاضات شعبية تاريخية مثل أكتوبر/ تشرين الأول 1964، وأبريل/ نيسان 1985، وديسمبر/ كانون الأول 2018، حيث اندفعت الجماهير إلى الشارع، فظهرت المعارضة وكأنها المعبر السياسي عن هذا الحراك. لكن هذا الصعود عادةً ما يكون مؤقتَا إذا لم يُترجم إلى بنية سياسية مستقرة قادرة على استيعاب التحولات وقيادة التغيير.
إن التوحد الظاهري الذي بدا داخل صفوف المعارضة شكّل لحظة استثنائية في مسارها، لكنه سرعان ما تبدد بسبب التباينات الأيديولوجية والمناطقية والجهوية، مما أدى إلى حالة من التشرذم أفقدت المعارضة قدرتها على الفعل السياسي المؤثر.
المثال الأبرز لذلك هو ما حدث لقوى الحرية والتغيير، التي بدأت كجسم موحّد وقوي، ثم ما لبثت أن تشظّت بفعل صراعات القيادة وتناقض الرؤى حول أولويات المرحلة الانتقالية.
مع مرور الوقت، فقدت المعارضة الصلة بالجماهير، فقد انشغلت بالصراعات الداخلية وبالحصول على مكاسب تفاوضية على حساب التعبير عن تطلعات الشارع.
هذا الانفصال سيظل يزداد حدة كلما اختزلت المعارضة دورها في اللقاءات النخبوية أو المؤتمرات الصحفية، بدلًا من النزول إلى الأرض وتنظيم الجماهير، وتقديم خطاب سياسي واضح يعالج قضايا الناس اليومية.
فهل تتعلّم المعارضة السودانية الدرس بأن الرهان المفرط على الدعم الخارجي، دون امتلاك أدوات داخلية للتغيير، يفقدها كثيرًا من هيبتها؟ فكلما انتظرت الضوء الأخضر من العواصم الدولية، بدت عاجزة عن اتخاذ قراراتها من منطلق وطني مستقل، مما يُضعف ثقة الشعب بها.
فضلًا عن أن الخطابات الثورية التي لا تستند إلى خطط عملية واضحة لم تعد تُقنع الشارع الذي أصبح أكثر وعيًا وإلحاحًا في مطالبه.
لذا، يصبح من الضروري على قوى المعارضة أن تعيد تقييم إستراتيجياتها، وأن تعمل بجدية على بناء مشروع وطني جامع يعتمد على الإرادة الداخلية ووحدة الصف، عوضًا عن انتظار الحلول أو الوعود من الخارج، التي غالبًا ما تأتي محمّلة بأجندات لا تخدم بالضرورة مصلحة السودان وشعبه.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline