انتهت حكاية ابنَى عمر البرنس «على وحسين»، أو ابنى القدر، الذى لا يُحاكم ولا يُسأل ولا يتهم، الأخوين غير الشقيقين اللذين جمعهما التورط، أحد أهم فصول رواية القدر، واختارت الحياة ألا يفترقا بمحض إرادتهما الحرة، بعد أن وجد كل منهما فى الآخر الجانب المفقود وعلاجاً للنتوءات التى خلفتها الحياة، وملأً لكل ثغرة أو نقص فى شخصيتهما، تلك العلاقة هى إحدى عطايا الأقدار التى تمنحها وتسلب الحق فى رفضها أو ردها، تلك العلاقات القدرية الناتجة عن فعل التورط.

. تخلط المشاعر وتوقظ مراكز التأمل، ويفتح بموجبها سلسال من علامات الاستفهام، حول مرادفات مرتبطة بالوجود.. الحرية.. الاختيار.. الجبر.. الإرث، وموقفنا منها، نتعايش بها ومعها ربما نصل إلى ما يخالف توقعاتنا؟.. أم نقف ونرفض ميلاد حقائق جديدة فى الحياة؟

تلك المعانى الفكرية والضمنية تولدت مما انطوت عليها التجربة الدرامية «مسار إجبارى»، التى انطلقت من داخل غرف أحد المستشفيات، حيث يرقد «عمر البرنس»، الموظف البسيط بالطب الشرعى، على فراش المرض، والذى قرر أن يتخلص مما يثقل ضميره، بجمع ابنه الكبير «على» من زوجته الأولى «إحسان»، و«حسين» ابنه من زوجته «عنايات» لينهال على الشابين بخفايا آخر العمر، بأنه متزوج من أخرى منذ عشرين عاماً، ونتج عن هذا الزواج ابنه «حسين» أو «السونس»، ولم يفرغ الأب من مفاجأته، بل فاجأ الأبناء بأنه متورط فى القضية التى شغلت الرأى العام، وهى مقتل الباحثة «حبيبة الكردى»، والمتهم فيها الأستاذ الجامعى «د. صفوت مصباح»، وأنه ينتوى أن يعترف بجريمة تزوير الأدلة بمجرد خروجه من المستشفى، لكن الجهة التى اتفقت مع عمر البرنس لم تترك له مجالاً لتحقيق ما أراد وتزهق روحه، ليجد الأبناء أنفسهم مطاردين ومحملين بإرث ذنب الأب وقراراته وإراحة ضميره بعد أن التقاه الموت، وتبرئة متهم ينتظره الموت فى غرفة الإعدام، مما لا يدع لهما فرصة للالتفات إلى المعاداة أو الافتراق، كما يجدون أنفسهم متورطين فى اختبارات الدنيا والنفس بشكل جبرى، تهدم هزائم تلك الاختبارات ما بداخلهما من حواجز خراسانية حالت بين أرواحهما وبين الحياة، وتطبب ندبات مشاعرهما، ليكتشفا ما كان خفى داخلهما.

قدر «مسار إجبارى» كقدر الحكايات البسيطة التى تحمل بين طياتها كُنى تفوق بساطتها، ومجازات فكرية وفنية تستحق تأملها ومحاولة قراءتها، فبداية من عنوان الحكاية «مسار إجبارى» وما يحمله من دلالة مباشرة تتسق مع طبيعة الرحلة الجبرية لبطلى المغامرة «على وحسين»، ومن ناحية أخرى، هو اسم إحدى أهم الفرق الموسيقية الثائرة التى عبرت عمّن هم فى نفس الفئة العمرية لبطلَى الحكاية، مروراً بشارة المسلسل التى غناها «طارق الشيخ» وما يمثله من صورة ذهنية مرتبطة بالشعبوية والشجن، يقاسمه الغناء هانى الدقاق، صوت فرقة مسار إجبارى، وما يثيره صوته من اختلاف وحضور خاص، هذا المزيج الصوتى مهد لحالة التداخل بين عوالم «على وحسين» المتنافرة داخل المدينة، تلك المدينة الغريبة التى أسلمت روحها إلى رجل القانون «مجدى حشيش»، يضع فلسفتها ويسن قوانينها ويكتب دستورها، ويسير مصائر أبنائها، حسبما شاء بأفكاره ومبادئه مجهولة المصدر، تلك المدينة التى لفظت أبناءها من داخلها إلى هامشها، وولدت بداخلهم شعور الاغتراب، فطالب الحقوق «على عمر البرنس» يجد خلاصه فى السفر إلى فرنسا لاستكمال مشواره العلمى، كما يتمحور طموح «حسين» فى نقل مشروعه إلى مكان آخر غير المكان الذى ترسو على أحد أرصفته عربته، حيث لا تسأله الزبائن عن أسعار ما يبيعه، كلاهما غير راضٍ عن مكانه فى المدينة، يتعايشان معها مع افتقاد الرضا، ما يجعلهما يلجآن إلى التحايل كوسيلة لمقامهما المؤقت، فالأخ الأكبر «على» رغم تفوقه الدراسى فإنه يؤجل تخرجه فى الجامعة حتى لا يقع تحت طائلة التجنيد، ويمارس التدريس فى مركز خاص للطلبة الذين سبقهم دراسياً، ويتولى القضايا من الباطن بهدف ادخار مصروفات المنحة، وحتى لا يطلب من والده نقوداً بسبب علاقتهما المتوترة، ولا يتردد «حسين» فى استخدام وسيلة الرشوة والإكراميات من أجل الإبقاء على المشروع الذى يمثل له كل ما يملك فى تلك المدينة التى تحولت تحت إدارة المخرجة نادين خان إلى بطل وتجربة بصرية، وليس مجرد مكان تدور فوق سطحه الأحداث، بل تمظهرت المدينة كشاهد على الأحداث وأبطالها، تتعكر وتصفو، تهدأ وتغضب، تشرق وتغرب، يبطئ إيقاعها ويسرع، يختنق قمرها وراء قضبان سمائها ويتحرر منها حسب حالة الأحداث وحالة أبطالها الظاهرية والنفسية.

إن غياب التفسير والأسباب وراء ما عليه شخصيات «مسار إجبارى»، مسح العمل الدرامى بالطابع الروائى الذى يفتح آفاقاً للتخييل والتوقع، والنسج لما هو مبهم وغير مرئى، فنحن لا نعرف أسباباً ما جعلت مجدى حشيش فيما هو عليه، ولا نعرف ما الذى حمل «عمر البرنس» على الزواج من «عنايات» رغم أنه متزوج ولديه ثلاثة أبناء، ولا نعرف أسباب تقارب «إحسان وعنايات» رغم الطبيعة الأنثوية وتباين المستوى الفكرى والاجتماعى والتعليمى بينهما، فالخروج من إطارات السببية فى العلاقات واندفاعية قرارات الشخصيات هى ما أخرجت دراما العمل من إطار استهلاك الحدث واستهلاكية نمط الشخصيات. غلب على استراتيجية سرد «مسار إجبارى» النمط الخطى، إلا من بعض مواضع الأحداث، حيث لجأت نادين خان إلى أسلوب التقديم والتأخير وتوتير المشاهد وتسجيلية الصورة الصامتة، ما خلق انفعالات جمالية.

إن الطواف حول فكرة قوة الظلم فى مواجهة قوة الضعف واستنفارها فكرة أبدية مضمونة بلا تاريخ صلاحية، هذه الفكرة خلقت حالة ملامسة الموضوع لدى المتلقى والالتفاف حول العمل، ليس فقط الفكرة، وإنما الفئة العمرية لأبطال الأحداث «على وحسين»، هى ما ساعدت على تشكيل توجه واستهداف العمل الدرامى.

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الدراما السباق الرمضانى مسار إجبارى مسار إجبارى عمر البرنس على وحسین

إقرأ أيضاً:

عادل عزام يكتب: «يا كولر ارفع إيدك.. شعب مصر هو سيدك»

«نكران الجميل من شيم اللئام»، لم أجد بداية للمدعو مارسيل كولر أفضل من الرجوع لأقوال من سبقونا في وصف «اللئام»، المدرب المجهول -قبل أن يأتي للمحروسة- منحه الأهلي الشهرة، فطار عقله وصدّق نفسه أنه من العظماء، من كثرة زيادة رصيده في البنك المحفظي والكروي، تناسى أن مصر الآن صاحبة فضل عليه وعلى أهله، يأكل ويشرب من خيرها، يلهف منها الدولارات، وبسببها أصبح له سعر في سوق المدربين بعدما كان عاطلاً لم يجد له عملاً.

المدرب السويسري ظل في بلده عاطلاً لمدة 24 شهراً بعدما لفظه نادي بازل، وقبل أن يأتى به «أولاد الحلال» للقلعة الحمراء، شهرته قبل أن يرتبط اسمه بالأهلي والمحروسة لم تعبر حدود «بيرن وجنيف»، وحتى نكون منصفين أجزاء صغيرة جداً من النمسا وألمانيا، المدرب عمل مع فيل، وسانت جالين، وجراسهوبرز، وكولن الألماني، وبوخوم الألماني، ومنتخب النمسا، وبازل السويسري، وكلها محطات لم تصنع منه أسطورة، ولم تمنحه يوماً فرصة تصدر أغلفة الصحف وكبرى المجلات كما يحدث معه حالياً.

كولر «يتنطط» على شعب ينحت في الصخر، وبلد يتحدى طعنات الداخل والخارج، يهاجم ويلمح بالظروف الاقتصادية الصعبة في دولة يعيش فيها ويتمرمغ في عزها وهو «الجاهل» بأنه لا مكان للفقراء في بلده، في المحروسة كلنا سواسية، نتقاسم رغيف العيش، ونحمد الله على نعمة الستر، وفي بلده «الغنية» معدل الفقر ارتفع وطال 8.7% من السكان، فقير المحروسة يعيش بكرامته، وفقيرهم منبوذ بينهم وليس له وطن، الإحصائيات والدراسات الرسمية الموثقة التى تخرج من عندهم تقول إن مجتمعهم لا يزال ينظر إلى الأشخاص الذين يعيشون في فقر على أنهم يتحملون مسئولية وضعهم، الناس هناك يكافحون للخروج من هذه الدائرة المفرغة، والأفراد الذين هم عرضة لهذه الظاهرة يشعرون بالخجل الشديد من طلب المساعدة، ما يزيد في تهميشهم، والأشخاص الذين لديهم القليل من المال لا يكافحون فقط لدفع الفواتير، ولكنهم يعانون أيضاً من حياة اجتماعية وثقافية سيئة، هكذا تقول تقاريركم يا «عبقرينو»، وعليك أن تعود لوكالة أنباء بلدك الرسمية Keystone/SDA للتأكد من ذلك.

«عبقرينو»، خرجت في تصريحات هزلية من منطقة الكرة والتدريب لمناطق أخرى، قد نكون فقراء من وجهة نظرك وبحساباتك البنكية، ولكننا بلد الأمن والأمان، تعيش في مصر، تسكن فنادقها، وتسير في شوارعها ليلاً دون مشكلات، فيما الجريمة في بلدك تسجل معدلاً مرتفعاً في عدد الجرائم بنسبة 14 في المائة على أساس سنوى، الرقم إذا لم تكن تعرفه 523 ألف فعل إجرامي، الجرائم الرقمية 31.5 في المائة، والجرائم ضد الممتلكات 17.6 في المائة، هكذا حالكم الذي أفادت به المعطيات ونشرتها مكاتب الإحصاء.

يا «عبقرينو» زمانك، قلت وليتك ما قلت «ليس كل شيء منظماً هنا في مصر كما هو الحال في أوروبا»، وتتناسى أنك قادم لنا من موطن وصلت به السرقة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وجرائم القتل أعلى من المتوسط، وخطر الجريمة ضد الممتلكات العامة، بما في ذلك السرقات، تمثل ما يقرب من 70 في المائة من الجرائم المسجلة في قانون العقوبات، الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، جريمة السرقة عبر الاقتحام والتسلل السرى (+15.9 في المائة) 41 ألفاً و429 جريمة، وسرقات المركبات 54 ألفاً و517 سرقة، المخدرات 54 ألف جريمة، وجرائم ضد قانون الأجانب والاندماج 43 ألف مخالفة، أي نظام هذا؟ هل تريد المزيد «ولّا تخليك في الكرة التى تفهم من فنياتها القليل وتصمت»؟!

اعتذرت واعتذارك غير مقبول، والغريب يا «عبقرينو» أنك تحدثت خارج المستطيل عن الفقر والصلاة والصوم، وكل المناطق التى طال بها لسانك، ولم تسأل نفسك: مَن أنا قبل 9 سبتمبر 2022 يوم قدومك للمحروسة والتوقيع للنادى الأهلى؟ مَن حوّلك من مدرب «نصف لبّة» لمدرب بطولات؟ مَن جعلك رقماً في بورصة وسوق المدربين؟ أليس هو الأهلى المصرى؟ أليس هو جمهور القلعة الحمراء الجزء الأصيل الذى لا يتجزأ من شعب هذا البلد؟ تقول عنهم إنهم لا يجدون ما يشترون به «تى شيرت»، ولا تدرى عن أى جمهور أو شعب تتحدث، تعاير بالفقر، ولم يصلك معنى ومفهوم «اديله عمرى وبرضو قليل»، جمهور رفعك على الأعناق وصنع منك أسطورة لا تستحقها، هتفوا لك بأجمل الجمل والألحان، وفاتهم أن يقولوا لك: «يا كولر ارفع إيدك.. شعب مصر هو سيدك».

مقالات مشابهة

  • صحف عالمية: خطة ترامب لغزة طوق نجاة لنتنياهو وتشتت مسار الأحداث
  • عادل عزام يكتب: «يا كولر ارفع إيدك.. شعب مصر هو سيدك»
  • فرقة مسار إجباري تكشف عن فيديو كليب مابقتش أخاف
  • «مابقتش أخاف».. مسار إجباري تطرح أحدث أعمالها الغنائية | فيديو
  • "مسار إجباري" تكشف عن فيديو كليب “مابقتش أخاف”
  • فرقة "مسار إجباري" تكشف عن فيديو كليب “مابقتش أخاف”
  • ريم مصطفى تروج لمسلسلها الجديد "سيد الناس" مع عمرو سعد.. دراما رمضان 2025
  • د.حماد عبدالله يكتب: قراءة فى صفحات تاريخ الوطن !!
  • مسار الأحداث يناقش مستقبل خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين
  • محمد عبدالقادر يكتب عن رحلة المخاطر والبشريات