القرآن الكريم تاج اللغة وحارسها (فى صناعة الكتاب)
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
لما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، وعُرض على أبى بكر (11-13هـ = 632-634م) تدوين القرآن فى مصحف وجمْعه من الرقاع رفض الفكرة أول أمره، وانشغل بحروب الردّة، ثم استُشهد فى حروب الردّة كثير من الصحابة حَفَظة القرآن الكريم، هنا شرح الله قلب أبى بكر واستجاب لرأى عمر بن الخطاب، وكان أول ما جمعوه بين دفتين، حيث جمع القرآن، فعهد إلى زيد بن ثابت فى ذلك برغم صغر سنة، لأنه أشهر الحُفاظ، وكان مداوماً على كتابة الوحى للرسول، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن، ونصحه أن يستمع لقراءات خمسة من الصحابة هم: عليّ، وعثمان، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عباس.
«إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمَواطن (جمع موطن أى مكان)، فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإنى لأرى أن تأمر بجمع القرآن».
وتردد أبوبكر، وقال: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله؟، فقال عمر: هذا والله خير، فقال أبوبكر، فلم يزل عمر يراجعنى حتى شرح الله صدرى لذلك، وحين كلف زيد بن ثابت قال زيد: فو الله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىّ مما أمرنى به من جمع القرآن».
القرآن الكريم أصدق الكتب والنصوص والمصادر بثقة سَنَدِه {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، فصّـلتْ، آمن بذلك المؤمنون، وصدّقه المنصفون من غير العرب، أمثال: «لوبلوا»، و«نولدكه».
إن جمع المصحف هو باكورة صناعة الكتاب فى المكتبة الإسلامية وفق منهج علمى سديد سبق منهج المعاصرين، وذلك بانتقال هذه المكتبة الإسلامية من الذاكرة الواعية الحافظة، إلى الصحيفة الخالدة، وها قد عهد أبوبكر إلى زيد بن ثابت أشهر الصحابة إتقاناً لحفظ القرآن الكريم، ووعيا لحروفه، وأداءً لقراءاته المختلفة، وضبطاً لإعرابه ولغاته، ومداومة لكتابة العرض، وشهد العرضة الأخيرة فى حضرة النبى، كما قدمنا، مع صفات ومزايا يذكرها له الخليفة والصحابة. لقد فوّضه أبو بكر فى اختيار مَنْ يعاونه ويسأله، وأوْدَع تحت يديه ما تركه النبى عند زوجته السيدة عائشة رضى الله عنها، وسأله أن يسمع جيدا لقراءات خمسة من الصحابة غيره وغير عمر، ومضى الصحابى زيد بن ثابت فى منهج علمى دقيق فى البحث والاستقصاء والإثبات والمراجعة، لجمع ما عند الصحابة من قرآن مكتوب على السعف واللخاف والرقاع، وجلس يدوّن ويراجع ويقرأ ما دُوِّن على الرجال، ويسمع ويستحفظ صدور المؤمنين ويتحرى فى كل لفظ وكل آية قبل أن يثبتها، ويعود إلى ما كان تحت يديه مما كُتب فى زمان النبى، ولا يترك آية حتى يتوثقها ويدقق أمرها ولفظها وضبطها على كثرة من الصحابة، ومضى فى منهجه هذا يلتزم التحرى والمتابعة والبحث والمراجعة والسماع للحفاظ حتى أتم جمع المصحف، وإنّما راعى ذلك كله مبالغة فى الضبط وزيادة فى الاحتياط حتى تكون الكتابة مُعَاضِدةً للحفـّاظ ومؤازرةً لهم، وهكذا حتى تم جمع المصحف فى صحائف واحدة فى قطعها ونوعها ونقشها وضبطها، لأول مرة فى عهد أبى بكر الصديق رضى الله عنه بعد أن كان متفرقاً فى زمن النبى، وإثبات ما كان فى العرضة الأخيرة فى موضعه ومكانه وترتيبه، ما لم تنسخ تلاوته، وكان لا يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدْلان أنه كُتب أمام رسول الله، وقَبِل ما فى آخر سورة (براءة) مع أنه لم يجدها إلا عند أبى خزيمة؛ لأن الجميع كانوا حافظين لها.
جُمع القرآن وكُتب على هذا النحو، وبجهد زيد بن ثابت، وبإشراف أبى بكر وعمر، رضى الله عنهما، فقال على بن أبى طالب: «أعظم الناس فى المصاحف أجراً أبو بكر - رحمة الله على أبى بكر - هو أول من صحّف كتاب الله تعالى وجمعه». أخرجه ابن ماجه، وابن أبى داوود فى مسنده.
قال الإمام أبو عبد الله المحاسبى: «كتابة القرآن ليست بمحْدثة، فإنه كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرَّقاً فى الرقاع والأكتاف وغيرها، فأمر الصدّيق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعة، وكان ذلك بمنزلة أوراق وُجدت فى بيت النبى وفيها القرآن منتشراً جمعها زيد وربطها حتى لا يضيع منها شيء».
تحدث أبوالفرج ابن النديم (ت 438هـ)، تحقيق إبرهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت ط2 1997، فى الفن الأول من المقالة الأولى من (الفهرست) ص 9 تحت عنوان (خطوط المصاحف)، ذاكرا خطوطه العديدة بين: المكي، والمدني، والمثلث، والمدور، والكوفي، والبصري، والمشق، والتجاويد، والسطواطي، أو السلواطى، والمصنوع، والمنايذ، والمراصف، والأصفهاني، والسجلي، والفيراموز، ومنه يستخرج العجم وله يقرأون، وهو نوعان: الناصرى، والمدور، وقال إن أول من كتب المصاحف فى الصدر الأول، ويوصف بحسن الخط هو خالد بن أبى الهياج «رأيت مصحفا بخطه»، وهو الذى كتب الكتاب الذى فى قبلة مسجد النبى صلى الله عليه وسلم بالذهب من: «والشمس وضحاها» إلى آخر القرآن، وذكر من كتـّاب المصاحف: خشنام البصري، ومهدى الكوفي، وكانا أيام الرشيد، ولم ير مثلهما حيث كتابة كتابه، ثم ذكر طائفة ممن تلوه.
عضو المجمع العلمى وأستاذ النقد الأدبى
بجامعة عين شمس
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: بجامعة عين شمس لغتنا العربية جذور هويتنا 4 د يوسف نوفل القرآن الکریم من الصحابة
إقرأ أيضاً:
للمرة 17 على التوالي.. المنيا تشهد حفلًا ضخمًا لتكريم 1500 متسابق من حفظة القرآن الكريم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهدت قرية البيهو التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا، مساء اليوم السبت، حفلا ضخما لتكريم حفظة القرآن الكريم، وعددهم 1500 متسابق، من مختلف قرى ومراكز المحافظة في هذا الحدث الديني والثقافي البارز.
وقد أقيمت المسابقة برعاية بن القرية المواطن عصام رفعت البدري، الذي يسعى من خلالها لإحياء روح والدة المرحوم رفعت البدري وتعزيز قيم المحافظة على التراث الإسلامي والقرآني، حيث تقام هذه الفعالية للعام الجاري للمرة 17 على التوالى.
جاء ذلك بحضور، النائب اللواء إبراهيم المصري وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، والنائب محمد نشأت العمدة، والنائب مجدي ملك والنائب توحيد تامر والمستشار هاني عبد الجابر نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادى القضاة والشيخ أحمد طلب الشريف بالازهر الشريف والمهندس عويس قاسم رئيس مركز ومدينة سمالوط، د. احمد مخلوف مدير إدارة أوقاف المنيا ومندي عكاشة وكيل وزارة الشباب والرياضة الدكتور سعيد محمد رئيس مركز ومدينة المنيا، والنائبة الدكتورة رشا المهدي عضو مجلس الشيوخ، والبرلماني السابق علاء السبيعي، وخيري فؤاد نقيب معلمين سمالوط، وعددا من القيادات الشعبية والتنفيذية والسياسية، ورجال المجتمع المدنى من رؤساء الجمعيات الاهلية.
خلال التكريم، أعلن عصام رفعت عن منح جميع الفائزين بحفظ القرآن الكريم كاملا رحلات عمرة لهم، ال15 جزء عمرة واحدة، مع منح بعض التأشيرات لحفظة 10 أجزاء و5 أجزاء، كما منح النائب مجدي ملك رحلة عمرة لمعلمين القرآن الكريم، ومنح أحد الحضور رجل الأعمال عارف راجح رحلة عمرة منه ايضا، والحاج خالد محمد حسن عمرة واحدة، والحاج محمود عبد الدايم عمرة واحدة والحاج محمود عويس عبده عمرة واحدة، والدكتور علي الكندري الكويت عمرة واحدة، ليصبح العمرات 12 عمرة وعدد كبير من التأشيرات.
وأوضحت اللجنة المنظمة أن هذه المسابقة القرانية الرمضانية تُعد الأكبر على مستوى الجمهورية، إذ شارك فيها ما يقارب 37 ألف متسابق، وتم اختيار 1500 متسابق فى تنافسية تغطي مختلف مستويات حفظ وتلاوة كتاب الله.
وتنوعت التصفيات بين من يتقن حفظ القرآن كاملًا ومن يبرع في تقسيمه إلى أجزاء دقيقة، مما يعكس شمولية الفعالية والمصداقية واستهدافها لفئات واسعة من الشباب، حيث نالت المسابقة ثقة شعب المحافظة، وأصبحت مسابقة ينتظرها الجميع كل عام.
كما ضمت لجنة التحكيم التى عقدت في شهر رمضان مكونة من 60 شيخًا معروفين بخبراتهم في فنون التلاوة والقراءات القرآنية، حيث قاموا بتقييم المشاركين وفق معايير دقيقة تضمن نزاهة المنافسة، بإشراف الشيخ محمد سيد ابو القاسم، بمقر الجمعية الشرعية بقرية البيهو.
ولم تقتصر أهمية المسابقة على المنافسة العلمية فحسب، بل تميزت أيضًا بتقديمها جوائز قيّمة، من بينها خمس تأشيرات عمرة، إلى جانب مفاجآت أخرى من المقرر الكشف عنها خلال الحفل الختامي الذي سيُقام في أيام عيد شهر رمضان المبارك.
وفي تصريحاته، أكد عصام البدري راعى المسابقة، على أهمية هذه المبادرة الدينية في تعزيز الروح الوطنية والتلاحم الاجتماعي بين أبناء المحافظة، معبّرًا عن فخره باستمرارية تنظيم المسابقة للسنة السابعة عشر على التوالي، معتبرًا إياها فرصة مميزة لإبراز مواهب الشباب في حفظ كتاب الله وترسيخ قيم الأخلاق والروحانيات في المجتمع.
وقال عصام البدري، في تصريحاته الصحفية، أنه تلاحظ من خلال اليوم، مشاركة عدد كبير من ذوى الهمم والقدرات الخاصة، وسيكون لهم طابع خاص ايضا فى حفل التكريم، مقدما شكره وتقديره لكل المتسابقين وأسرهم.
IMG-20250405-WA0047 IMG-20250405-WA0046 IMG-20250405-WA0044 IMG-20250405-WA0045 IMG-20250405-WA0042 IMG-20250405-WA0040 IMG-20250405-WA0036 IMG-20250405-WA0039 IMG-20250405-WA0037 IMG-20250405-WA0038 IMG-20250405-WA0034 IMG-20250405-WA0041 IMG-20250405-WA0035 IMG-20250405-WA0031 IMG-20250405-WA0033 IMG-20250405-WA0030 IMG-20250405-WA0032 IMG-20250405-WA0029 IMG-20250405-WA0027 IMG-20250405-WA0028 IMG-20250405-WA0025 IMG-20250405-WA0026 IMG-20250405-WA0024 IMG-20250405-WA0023 IMG-20250405-WA0022 IMG-20250405-WA0021 IMG-20250405-WA0019 IMG-20250405-WA0020 IMG-20250405-WA0017 IMG-20250405-WA0018