«الرسالة القشيرية».. والعشق الصوفى
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
اشتهر الامام عبدالكريم بن هوازن القشيرى المتوفى عام 465 ه بتلك الرسالة التى نسبت إليه وهى رسالة كتبها بمداد قلبه قبل مداد قلمه وعقله؛ حيث يمتلئ هذا الكتاب بحكايات غزيرة عن حياة المتصوفة وآدابهم وأخلاقهم وعقائد قلوبهم وما أشاروا اليه من مواجيدهم وكيفية ترقيهم من بدايتهم الى نهايتهم، ان حكايات هذا الكتاب تتداخل وتتلاحق واحدة من قلب أخرى وتأخذك بحلاوة الحكى ومعجزات السالكين فلا تكاد تفرغ من معرفة احداها حتى تدخلك فيما يليها مستمتعا حتى تفرغ من هذا الكتاب، وقد امتلأ قلبك بحب هؤلاء القوم الذين أوقفوا حياتهم على عشق الله والتفرغ لعبادته والحنو على عباده ومخلوقاته، وقد بدأه بالدفاع عنهم فقال «انهم بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة فى التوحيد صانوا بها عقائدهم عن البدع ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل»، انهم القوم الذين زهدوا فى المطالب والشهوات الدنيوية وأخلصوا الحب لله فأحبهم الله وأجرى الكثير من الكرامات على أيديهم، وقد ركز بعد ذلك على ذكر سير مشايخهم وما يدل من سيرهم وأقوالهم على تعظيم الشريعة، وأول من ذكرهم كان إبراهيم بن أدهم ذلك العابد الزاهد الذى مازلنا نحفظ عنه قوله لما شاع الغلاء فى عصره «وإذا غلا شىء على تركته.
لقد فاض الكتاب بسير العارفين بالله من أعلام الصوفية عبر القرون كما تحدث عن تصوراتهم ومصطلحاتهم الصوفية مصحوبة بالكثير من المواقف المؤثرة وخاصة فى بابى المحبة والشوق، حيث أورد من أشعارهم ما يرق له القلب ويجعله يهيم فى الله حبا وعشقا؛ خذ مثلا قول أحدهم أمام «الجنيد» وهو من كبار أعلامهم «ولما ادعيت الحب قالت كذبتنى .. فما لى لا أرى الأعضاء منك كواسيا، فما الحب حتى يلصق القلب بالحشى .. وتذبل حتى لا تجيب المناديا، وتنحل حتى لا يبقى لك الهوى .. سوى مقلة تبكى بها وتناديا»، واليك ماقاله أحدهم فى عمق التعلق بالمحبوب «عجيب لمن يقول ذكرت الفى .. وهل أنسى فأذكر ما نسيت، أموت اذا ذكرتك ثم أحيا .. ولولا حسن ظنك ما حييت، فأحيا بالمنى وأموت شوقا .. فكم أحيا عليك وكم أموت، شربت الحب كأسا بعد كأس .. فما نفد الشراب ولا رويت».
والطريف أن حكايات العشق الالهى قد اختلطت بحكايات عشق البشر؛ ومن ذلك قول القشيرى أن أحدهم قد هام عشقا بجارية فلما رحلت وخرج فى وداعها دمعت احدى عينيه دون الأخرى، فأغمض التى لم تدمع ولم يفتحها بعد ذلك أربعة وثمانين عاما عقابا لها على أنها لم تدمع لفراق حبيبته وعبر عن ذلك قائلا: «بكت عينى غداة البين دمعا .. وأخرى بالبكاء بخلت علينا، فعاقبت التى بخلت بدمع .. بأن أغمضتها يوم التقينا». وحكى أن شابا أشرف على الناس فى يوم عيد وأنشد «من مات عشقا فليمت هكذا .. لا خير فى عشق بلا موت» وألقى بنفسه من سطح عال فوقع ميتا! أما فى مقام الشوق فقد أورد قول أحدهم «نحن فى أكمل السرور ولكن .. ليس الا بكم يتم السرور، عيب ما نحن فيه يا أهل ودى .. أنكم غيب ونحن حضور» وفى ذات المعنى أنشدوا «من سره العيد الجديد .. فقد عدمت به السرورا، كان السرور يتم لى .. لو كان أحبابى حضورا»!
والسؤال الذى كان شديد الالحاح على وأنا بصحبة هذا الكتاب الممتع هو: أين وكيف ضاعت منا كل هذه المشاعر الإنسانية الرقيقة التى كانت ولا تزال تميز تراثنا الاسلامى بحق؟! وكيف سمحنا لأنفسنا أن ننجرف وراء هذه الحضارة المادية المفرطة فى المادية والجرى وراء اشباع الغرائز الشهوانية دون التفات الى أننا لم نخلق أجسادا فقط بل خلقنا فى الأساس كأرواح ينبغى أن تهيم عشقا وحبا بخالقها وعالمها الروحى؟!!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل لله عز وجل هذا الکتاب وتفتح باب تغلق باب
إقرأ أيضاً:
ندوة لقط الآثار المؤلف بصحار تناقش أهمية الكتاب وأهم المسائل التي تناولها
افتتحت اليوم الندوة العلمية لكتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار"، والتي تقام ضمن البرامج والفعاليات الثقافية لوزارة الثقافة والرياضة والشباب، بالتعاون مع كلية العلوم الشرعية، برعاية سعادة محمد بن سليمان بن حمود الكندي، محافظ شمال الباطنة، وبحضور سعادة السيد سعيد بن سلطان، وكيل الوزارة للثقافة، وعدد من المهتمين. وأدار الندوة سند بن حمد المحرزي، باحث بدائرة المخطوطات في وزارة الثقافة والرياضة والشباب.
وفي كلمة وزارة الثقافة والرياضة والشباب، أشار محمد بن عبيد المسكري، مدير دائرة المخطوطات بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، إلى أن هذه الندوة تأتي احتفاءً بتحقيق ونشر كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار" ضمن مشروع الوزارة لتحقيق ونشر المخطوطات العمانية. وترجع أهمية الكتاب باعتباره مدونة فقهية تعكس واقع المجتمع وتفاعله مع مختلف الجوانب الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والزراعية خلال القرن الحادي عشر الهجري. كما يكتسب أهميته مما يحتويه من توثيق تاريخي لنشأة دولة اليعاربة على يد الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وما رافقها من أحداث في سبيل طرد البرتغاليين وتوحيد البلاد. ويضم الكتاب كذلك إشارات تاريخية لمدن الساحل الشمالي لعمان وما وقع فيها من أحداث خلال فترة تأسيس دولة اليعاربة، إضافة إلى ذكر العديد من أسماء الأعلام المؤثرة في تلك الفترة ومسميات المواقع الجغرافية والأفلاج.
وقدم إدريس باحامد ورقة بعنوان: "لقط الآثار المؤلف بصحار - الموضوع والنسبة"، أشار فيها إلى أن "لقط الآثار" مخطوطٌ قَيِّمٌ من المخطوطات العمانية التي لم تر النور منذ أمد. ولا يختلف اثنان في قيمته العلمية والتاريخية؛ ذلك أنه من خلال عنوانه يؤكد ما فيه من جواهر، فهو مؤلف في صحار كما جاء في العنوان، وصحار كانت ولا تزال من قامات عمان الحضارية والثقافية. كما تطرق باحامد إلى مؤلف المخطوط القَيِّم من الكتب العمانية، والنسخ التي جاء فيها، بالإضافة إلى أهم مواضيعه، وكيف تناول المحقق الكتاب، وكيف اهتدى للمؤلف، موضحًا أن المؤلف غير معروف لدى الكثيرين.
وأوضح الشيخ سعيد بن ناصر الناعبي، في ورقته التي حملت عنوان "المسائل الفقهية في كتاب لقط الآثار المؤلف بصحار"، أن كتاب "لقط الآثار" من الكتب المهمة الحاوية لآثار علمائنا، ولم يكتفِ المؤلف فقط بأقوال العلماء المتأخرين، بل دوّن أقوال العلماء المتقدمين، مبينًا أنه ذكر أقوال المشايخ موسى بن علي الإزكوي، ومحمد بن محبوب، ومحمد بن جعفر الإزكوي، وأبو سعيد محمد بن سعيد الكدمي، وعبد الله بن محمد ابن بركة.
وذكر الناعبي العلماء الذين دون أقوالهم مؤلف الكتاب، وقد وضعت تراجم مختصرة في الحاشية. كما تطرق إلى التأصيل الفقهي للمسائل الفقهية المدونة في الكتاب وربطها بالأدلة الشرعية، وأخيرًا قام باستنباط القواعد الفقهية من الكتاب، وبناء الفروع عليها.
من جانبه، تناول الدكتور موسى البراشدي في ورقته الأهمية التاريخية لكتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار"، وأشار إلى أن المصادر الفقهية تقدم مادة تاريخية نادرًا ما تشير إليها المصادر التاريخية، لا سيما تلك المرتبطة بما يسمى فقه النوازل، ولذا أطلق عليها المصادر الدفينة لكونها تتضمن كنوزًا بحاجة إلى البحث والتنقيب. ومن هنا، يتوجب على الباحثين في التاريخ العماني استفراغ الجهد للتنقيب عن الإشارات التاريخية في كتب الفقه العمانية، بغية سد الكثير من الفجوات والثغرات في التاريخ العماني. كما أبرز البراشدي الجوانب التاريخية في كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار" لمؤلفه ناصر بن ثاني بجمعة الرحيلي الصحاري، حيث تكمن أهمية الكتاب في كون مؤلفه معاصرًا للفترة الأولى من عهد اليعاربة، وكان له دور سياسي وإداري فيها، ولذا كان قريبًا من كثير من الأحداث التاريخية التي أشار إليها في كتابه، سواء أكان ذلك على هيئة مسألة فقهية بناءً على موضوع الكتاب، أو ضمن الأحداث التاريخية التي تمت الإشارة إليها في ملاحق الكتاب، والتي وردت في الجزء الخامس منه. مبينًا الاهتمامات التاريخية للمؤلف، والجوانب السياسية والإدارية في فترة المؤلف، كما تطرق إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وأبرز الأعلام المغمورين في كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار".
وفي ورقته التي ناقشت "الأفلاج العمانية وكتاب لقط الآثار المؤلف بصحار"، أشار هلال بن عامر بن علي القاسمي إلى الإرث الحضاري ذي العمق في التاريخ البشري، الذي شغل الباحثين وعلماء الآثار والتاريخ والفقه لما له من ارتباطات مختلفة في جوانب عديدة، وتحوم حوله الكثير من التساؤلات ذات الأبعاد العلمية. وتكمن ألغازه في عدم وجود مؤرخات قديمة تعنى بنشأته وتطوره، بيد أن المؤلفات الفقهية ثرية ببعض المسائل الفقهية التي قدمت بعض المفاهيم والأحكام والتساؤلات؛ التي من خلالها نستشف ونستخرج بعض الأدلة والأبعاد الفكرية والهندسية والعملية، ومنها نضع الرؤى والتصورات لهذا النظام القديم. موضحًا أن كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار" انفرد ببعض الأخبار والتعريفات والأحكام والمسميات والمناطق التي وصلت إليها الأفلاج، وكُتب في مرحلة انتقالية من فترة مرت بغموض تاريخي، لذا فإن ما يحتويه من مسائل وتعريفات وأخبار يعد من أهم الروافد العلمية لنظام الري بالأفلاج وما تشتمل عليه من أبعاد في مجالات أخرى مرتبطة بالفلج مباشرة. مسلطًا الضوء على الارتباط بين نظام الأفلاج منذ نشأتها وما احتوى كتاب "لقط الآثار" من معلومات ذات صلة بالأفلاج، كما تطرق إلى مضامين الفلج ذات الصلة من حيث النشأة والعمر والسبب والنوع والتطور.
وصاحب الندوة معرض للمخطوطات تجول فيه الحضور، للتعرف على أهم ما يحويه الكتاب من كنوز تخلد الحضارة العمانية.