جهد 30 عاما ضاع في يوم واحد.. مأساة فلسطيني بسبب حرب غزة
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
قال محمد الصافي إن عمله في قطاع صناعة المفروشات والمراتب في قطاع غزة كان يكفل له حياة كريمة وكان يوظف معه عشرة أشخاص إلى أن دُمر خلال غارة إسرائيلية. واليوم، أصبح يعتمد على المساعدات، إذا تمكن من العثور عليها، للبقاء على قيد الحياة، وفقا لوكالة "رويترز".
وذكر الصافي (51 عاما) أن ثمار جهد 30 عاما ضاعت في يوم واحد.
وأضاف "أنت لما بيروح عليك مصدر الرزق تبعك، يعني أنت اتدمرت ودمرت الموجودين". قال ذلك وهو يتفقد الآلات التي تفحمت في مصنعه في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع الفلسطيني.
وهذه مجرد لمحة عن الأضرار الجسيمة التي لحقت باقتصاد غزة خلال الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي الذي حوّل مناطق كبيرة من القطاع المحاصر إلى أنقاض، وبالتحديد في الشمال، على مدى الأشهر الستة الماضية.
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر عندما عبر مسلحون من حركة حماس الحدود إلى إسرائيل لشن هجوم تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة.
وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن الرد الإسرائيلي أدى إلى مقتل أكثر من 33 ألف شخص، مع بقاء آلاف آخرين مدفونين تحت الأنقاض. وبات معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة مشردين الآن.
وعانى اقتصاد غزة، الذي تفرض عليه إسرائيل حصارا منذ وقت طويل، لسنوات قبل الصراع الحالي، مع أحد أعلى معدلات البطالة في العالم.
وقال البنك الدولي والأمم المتحدة في تقرير صدر في الآونة الأخيرة إن الصدمة الاقتصادية التي أحدثتها الحرب الأخيرة، وهي الأكثر دموية منذ عقود في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، واحدة من أكبر الصدمات في التاريخ الحديث.
وورد في التقرير أنه حتى 31 يناير، عانى القطاع من أضرار في البنية التحتية الحيوية بلغت حوالي 18.5 مليار دولار، أي ما يعادل 97 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لغزة والضفة الغربية في عام 2022.
تسول واقتراضيقع مخيم جباليا في شمال قطاع غزة وهو جزء من القطاع الذي أفاد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بأن المجاعة فيه وشيكة، وهو أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، التي يعود تاريخها إلى حرب 1948 التي اندلعت بعد إعلان قيام دولة إسرائيل. ويضم مخيم جباليا حوالي 116 ألف لاجئ مسجل، وفقا للأمم المتحدة.
ورفض العديد من سكان جباليا الدعوات الإسرائيلية للإخلاء وظلوا في أماكنهم رغم أن بعض من أعنف حملات القصف التي ضربت المنطقة على مدى الأشهر الستة الماضية.
وتقدر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الوقت الحالي أن عدد سكان شمال غزة ومدينة غزة يصل إلى 300 ألف نسمة.
وقال الصافي إن متجره دُمر خلال مداهمة قبل نحو شهرين لحي جباليا الذي يعيش فيه.
وقال: "أنت كان عندك مصنع تشتغل فيه وراح المصنع. إيش بدك تصير؟ بتعيش الحياة متسول؟ هذي دمار. دمار اقتصادي".
وتقول منظمة العمل الدولية إن القطاع الخاص في غزة فقد 90 بالمئة من الوظائف على مدى الأشهر الستة التي تلت اندلاع الحرب.
وقالت ربا جرادات، المدير الإقليمي للدول العربية بمنظمة العمل الدولية، لـ"رويترز" إن معظم الشركات في غزة عانت من أضرار في البنية التحتية، بما في ذلك المتاجر والمستودعات والمصانع.
وأضافت جرادات "تأثرت الأعمال بشدة بسبب تدمير البنية التحتية، لذلك أود أن أقول إن سلاسل التوريد توقفت. لا يوجد نشاط اقتصادي".
وكان سالم عوض رابعة يملك متجرا لبيع الهواتف المحمولة في جباليا يعمل فيه ستة أشخاص حتى تعرض المبنى الذي كان يقع فيه المتجر للقصف في بداية الحرب. وقال رابعة وهو أب لخمسة أطفال إنه لجأ إلى الاقتراض لتلبية احتياجات أسرته.
وأضاف عند متجره المحترق "كانت حياة طبيعية وما شاء الله مش محتاجين حاجة لحد ما حصل الكارثة... وتدمير مصدر رزقنا".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
جباليا… المدينة التي قهرت جنود الاحتلال الصهيوني
للانتقام من أهلها…شدد العدو الصهيوني حصاره للمدينة وقصفها عدة مرات وقتل الآلاف من سكانها
الثورة/ أحمد السعيدي
بعد أكثر من عام على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتدمير غالبية المدن، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، والزعم بتفكيك كتائب المقاومة هناك، وجد جيش العدو نفسه أمام مقاومة شرسة بمخيم جباليا الذي عاد له من جديد وتقدم جيشه بقوات كبيرة في أكتوبر الماضي إلى المخيم، معلناً بدء عملية عسكرية برية فيه، ومعها ارتكب العدو مجازر مروعة بحق المدنيين، وقصف المنازل على رؤوس ساكنيها، وأمام الهجوم الإسرائيلي العنيف لا تزال المقاومة الفلسطينية صامدة وثابتة في مواجهة هذا الجيش المتغطرس، مع تنفيذها لكمائن عسكرية الحقت خسائر قوية في صفوفه، وفقاً لاعترافه….
أهمية جباليا
يقع مخيم جباليا ضمن نطاق بلدة جباليا إلى الشمال من مدينة غزة، وهو بمثابة العمود الفقري لمحافظة شمال غزة، وأكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من بلداتهم الأصلية إلى القطاع إبان نكبة عام 1948، ومع أن مساحته لا تتجاوز 1.5 كيلومتر مربع، إلا أنه يضم كتلة سكانية تعد من الأكثر اكتظاظا على مستوى القطاع، ويحيط به عدد من البلدات والتجمعات السكانية أبرزها بيت لاهيا، وبيت حانون، وتاريخيا شكّل مخيم جباليا جبهة محورية في مسار النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، فمنه انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى “انتفاضة الحجارة” عام 1987، وامتدت الانتفاضة لاحقا إلى سائر مناطق قطاع غزة، عبر التظاهرات الشعبية والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة (مولوتوف) على دورياته وجنوده ومراكزه، ومع اندلاع الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى” عام 2000، كان للاجئي المخيم دور لافت من خلال تشييع جنازات شهداء الانتفاضة والانطلاق منها صوب مواقع وثكنات الجيش الإسرائيلي والاشتباك مع جنوده، ثم ما لبثت أن تطورت أدوات الاشتباك لتشمل إطلاق النار واقتحام المستوطنات المقامة على أراضي القطاع وحفر أنفاق من تحتها وتفجيرها.
صمود تاريخي
ومثل سائر مخيمات ومدن في غزة، اجتاح الجيش الإسرائيلي جباليا ومخيمها مرات عديدة بين عامي 2001 و2003، إلا أن المواجهة الأبرز كانت قبل 20 عاما، وتحديدا مع نهاية سبتمبر ومطلع أكتوبر 2004، آنذاك أطلق الجيش عملية “أيام الندم”، وسمتها الفصائل الفلسطينية “أيام الغضب”، وشملت بلدات جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، واستغرق الاجتياح 17 يوما، وخلّف ما يزيد عن 160 شهيداً فلسطينيا ومئات الجرحى، ومني فيها الجيش الإسرائيلي بخسائر بشرية ومادية عديدة، وكان من أهم ملامح التطور في العمل العسكري للفصائل الفلسطينية التي برزت في تلك المواجهة:
– صمود المقاومة في التصدي للجيش الإسرائيلي على مدى 17 يوما، وهي المدة الأطول التي تسجلها عملية عسكرية من هذا النوع في تلك الفترة.
– الإعلان عن عدد من الأسلحة الجديدة التي استخدمها المجاهدون الفلسطينيون في مواجهة آليات الجيش وقواته وأبرزها: العبوة الناسفة من نوع “شواظ 3″، وقاذفي “الياسين” و”البتار” المضادين للدروع، وكلها من إنتاج محلي.
– الكشف لأول مرة عن المتحدث العسكري باسم كتائب عز الدين القسام “أبو عبيدة”، الذي عقد مؤتمرا صحفيا هو الأول من نوعه خلال الاجتياح، شرح فيه طبيعة تواجد الجيش الإسرائيلي على أطراف المخيم وآليات التصدي له.
– تطور العمل الإعلامي من خلال ظهور أفلام ومشاهد توثق بالصوت والصورة عمليات نشطاء الفصائل الفلسطينية التي استهدفت الجيش الإسرائيلي وآلياته.
ومثّلت هذه المواجهة نقطة محورية في مسار الانتفاضة، إذ قالت الفصائل الفلسطينية إن الجيش الإسرائيلي عجز عن اقتحام المخيم وظل يناور مُسلحيها على أطرافه، واندحر عن جباليا دون تحقيق أهدافه في “إخضاع المقاومة”.
التاريخ يعيد نفسه
واليوم وبعد عام من معركة طوفان الأقصى يدفع الجيش الإسرائيلي بلواء عسكري جديد إلى مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بعد أسابيع من المعارك الضارية هناك، حيث انضم لواء «كفير» إلى لواءي «جفعاتي» و«401» في جباليا، وبذلك تكون هناك 3 ألوية تعمل في جباليا التي تواجه فيها القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة تتمثل في قدرة مجاهدي كتائب القسام على إبداء مقاومة شديدة، فاجأت بها إسرائيل، خصوصاً من خلال تفخيخ المنازل، ونصب عبوات ناسفة في الشوارع ونجاحها في استخدام أنفاق قديمة أعادت إصلاح بعضها جزئياً وجهَّزتها لتنفيذ مثل هذه العمليات، والاعتماد على أزقّة الشوارع الصغيرة بالمخيم لمفاجأة جيش الاحتلال.
هلاك جنود الاحتلال
أعلن جيش الاحتلال أنه نجح في تفكيك كتائب القسام والقضاء على قدراتها، لكنّ الأحداث على الأرض تحديداً في جباليا ومخيمها تشير إلى أن ذلك ليس دقيقاً، خصوصاً أن الكتائب ما زالت تنفّذ عمليات أسفرت عن مقتل كثير من الضباط والجنود، أبرزهم أخيراً قائد اللواء 401، وتقول مصادر ميدانية من داخل كتائب القسام في مخيم جباليا إن الاحتلال تكبَّد خسائر فادحة، ولا يعلن كل خسائره خلال العملية الحالية مشيرةً إلى أن عناصرهم يطورون أساليب وتكتيكات في كل مرة تفاجئ الاحتلال وهذا ما نشاهده عبر إعلام الاحتلال الصهيوني فلا يكاد يمر يوم حتى يعلن العدو عن هلاك جنوده في مقبرة جباليا، ناهيك عن المشاهد التي تبثها كتائب القسام بشكل يومي توثق تدمير آلياته العسكرية بالعبوات الناسفة وقذائف الياسين 105.
كتائب القسام في جباليا
كتائب القسام في شمال قطاع غزة (جباليا، وبيت لاهيا، وبيت حانون)، 6 كتائب قتالية، تضاف إليها كتيبة «تخصصات» تقدم خدمات عسكرية أخرى، مثل «الدروع، والقنص، والهندسة، والخدمات الطبية، وغيرها»، كما تشرح مصادر من داخل الكتائب، ويوجد في مخيم جباليا وحده 3 من هذه الكتائب القتالية، هي: غرب جباليا (كتيبة عماد عقل)، ووسط جباليا (كتيبة فوزي أبو القرع)، وشرق جباليا (كتيبة سهيل زيادة)، وهي الكتائب الثلاث التي تقود حالياً الاشتباكات وتنفذ سلسلة عمليات داخل المخيم، كما تتلقى دعماً من كتيبة «الفرقان» (الشيخ رضوان)، وكتيبة «عسقلان» (بيت لاهيا)، من الجهات الجنوبية والشمالية والغربية لجباليا، وكلتا الكتيبتين تنفذ سلسلة عمليات من محاور عدة؛ مثل إطلاق صواريخ مضادة وتفجير عبوات ناسفة في آليات عسكرية إسرائيلية، ولهذه الكتائب، كما تقول المصادر، دور كبير في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كما أنها عملت على قتل وجرح وأسر العشرات من الإسرائيليين من المناطق المحاذية لشمال القطاع، وقتلت إسرائيل كثيراً من أسراها نتيجة محاولة استهداف قيادات تلك الكتائب.
تكتيكات متجددة
من أهم التكتيكات التي تلجأ كتائب القسام إلى استخدامها في معارك شمال القطاع، استخدام صواريخ حربية إسرائيلية ألقتها الطائرات ولم تنفجر، حيث تعيد استخدامها في تفخيخ منازل، كما جرى في عدة حالات تفجيرها في القوات الراجلة لدى اقتحامها تلك المنازل، وتستخدم المنازل المتضررة بشكل أساسي لتفخيخها، وتدخلها القوات الإسرائيلية بهدف أن تكون كمائن لها، لاستهداف المجاهدين الفلسطينيين بشكل أساسي وكذلك المدنيين، وتُعرِّضهم للخطر كل مرة، كما كثفت كتائب القسام من عمليات تفخيخ فتحات أنفاق جرى إصلاحها لهذا الغرض لتفجيرها في القوات الإسرائيلية، والاعتماد على العبوات الناسفة التي زُرعت في الشوارع للهدف نفسه بعد أن استبعدت مثل هذا الخيار في بداية الحرب بسبب ربما توقع حماس أن إسرائيل «لن تدخل القطاع براً» بعد هجوم السابع من أكتوبر، ولوحظ استخدام مجاهدي المقاومة الفلسطينية، أخيراً، نفقاً جرى تفجيره مسبقاً بعدما تسلل داخله عناصر من الكتائب إلى مناطق شرق جباليا وهاجموا قوة إسرائيلية، وما زال سلاح الصواريخ المضادة للدروع أهم سلاح تستخدمه كتائب القسام وسرايا القدس منذ بداية المعركة، خصوصاً بعد تطويرها ما عُرف بقاذف «الياسين 105»، وهو صاروخ طوِّر محلياً بعد تطويره عن قاذف الآر بي جي والتاندوم، وتم قُبيل هجوم السابع من أكتوبر من العام الماضي، زيادة إنتاجه بشكل كبير بتوصيات من قيادة المقاومة الفلسطينية.