حماد صبح الحروب أنواع، وأشهرها حرب السلاح، ومن الحروب الأخرى الحرب الاقتصادية، والتجارية، والنفسية، وحرب العقوبات التي تنفرد بها أميركا ظالمة جانية على من لا ترضى عنه من الدول مثل إيران وسوريا وفنزويلا. وكل طرف في هذه الحروب وغيرها يستهدف الانتصار على من يحاربه، وفي الأقل تجنب الهزيمة أو التخفيف من خطورتها وخسائرها البشرية والمادية والنفسية.

وحرب السلاح خطيرة متعددة الآثار، وقد تزيل دولا أو تقتطع أجزاء من أراضيها أو تنقص سيادتها الوطنية زمنا يطول أو يقصر. وفي كل حرب للصبر أو طول النفس وقدرة التحمل فاعلية حاسمة في النصر، وفقدان تلك الخصائص النفسية والاجتماعية أو نقصها يجلبان الهزيمة.  وتختلف الشعوب في تلك الخصائص وفرة وقلة، وللعرب نصيب وافٍ منها بحكم جيناتهم الوراثية العرقية، وبيئتهم الصحراوية القاسية، وتاليا بحكم دينهم الإسلامي الذي يعلي قيمة الصبر، ويجزل ثواب الصابرين في الضراء مثل المرض والفقر ومصائب الحياة، وحين البأس، أي في الحرب، ويعدهم بالشهادة أو بالنصر. قال _ عزت كلمته _ : ” إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ” (الزمر – الآية 10 ). وشهدت فتوحاتهم التي تلت إسلامهم مواقف من صبرهم فرادى وجماعات تقترب من تجاوز كونها بشرية، وهي التي مكنتهم  من محو امبراطورية فارس وامبراطورية بيزنطة بعد سنوات قليلة من عمر دولتهم الوليدة الذي لا موازنة بينه وبين عمر هاتين الامبراطوريتين العريقتين القويتين. حين حاصر الجيش العربي الإسلامي بقيادة أبي عبيدة بن الجراح _ رضي الله عنه _ حمص ؛ أرسل هرقل إلى قائده فيها يبشره بأن العرب لن يصبروا على برد الشتاء وعواصفه، فهم حفاة في كثرتهم، ويأكلون لحوم الإبل ويشربون ألبانها التي لا تتوفر إلا صيفا، وفاجأه العرب بصبرهم حتى جاء الصيف، وفتحوا حمص. وما نكب به العرب اليوم من هزائم مذلة في حربهم مع المستوطنة الإسرائيلية لا صلة له البتة بخصائصهم القومية ولا بعقيدتهم اللتين أهلتاهما للنصر قديما، ولا دلالة له على أي خصائص متميزة لدى ساكني هذه المستوطنة المتعددي الأعراق وإن زعموا أنهم من عرقية واحدة. هزائم العرب، وأشهرها وأشقها هزيمة 5 يونيو 1967، سببها الارتجال وغياب التنسيق المحكم بين قياداتهم السياسية والعسكرية، وغياب الخطط التي تساير تطورات الحرب ومفاجآتها نصرا أو هزيمة. كانت الثقة في النصر مطلقة عمياء، فلم يحسبوا للهزيمة حسابا. ماذا نفعل إذا انهزمنا ؟! وفي الجانب الإسرائيلي، حسبوا للهزيمة حسابا مع ثقتهم بالنصر اعتمادا على إحصاء دقيق لقوتهم وقوة عدوهم، وفي حسابهم للهزيمة المستبعدة جهزوا قنابلهم الذرية لضرب عواصم الدول العربية التي هاجموها، وتخصيصا القاهرة ودمشق. ومن الظواهر المدهشة في تلك الحرب التي حسمت في ضحى 5 يونيو بقصف إسرائيل للمطارات المصرية ؛ دعوة بعض الصحف العربية في بيروت العرب إلى مواصلة القتال. كانت دعوة غريبة في جو الهزيمة الصاعقة المباغتة إلا أنها كانت دعوة محقة في أساسها. فما ينبغي الانهيار والاستسلام بهذه السرعة، ومنح إسرائيل الصغيرة الحديثة الوجود هذا النصر الكبير السهل والرخيص التكلفة الذي ما زالت آثاره الهائلة الأضرار ماثلة في الضفة وغزة والجولان، وفي السياسة في المنطقة كلها مجسدا في علاقة دبلوماسية كاملة بين إسرائيل وعدة دول عربية، وفي علاقة غريبة شيطانية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفي تطبيع إسرائيلي يتقدم سرا وعلنا مع دول عربية وإسلامية. وتعويضا للقصور العربي الرسمي في محاربة إسرائيل، وانبثاقا من خصائص الشخصية العربية الصبور ؛ انطلقت المقاومة العربية في لبنان وفي غزة والضفة والقدس، ونازلت إسرائيل في حروب وجولات قتالية حطمت عجرفة كبريائها، وقذفت بها إلى قعر هوة حجمها الحقيقي، وفرضت عليها توازن رعب جعلها تحذر مهاجمة هذه المقاومة، وتفارق زمن استسهال العدوان في المنطقة على من ترى فيه خطرا عليها وفق ما كانت تسميه الحرب الاستباقية أو حرب الإجهاض. ومن آيات صبر المقاومة الفلسطينية ما يحدث في الضفة والقدس. لم تتوقف المقاومة فيهما بعد العدوان الإسرائيلي التدميري الأخير على جنين، وأدخلت المقاومة سلاح الصواريخ لقصف المستوطنات هناك. وأمس قصفت كتيبة العياش مستوطنة رام أون في غلاف جنين. وتوشك إسرائيل، دون مغالاة في التعبير، أن تجن من صلابة وصبر المقاومة الفلسطينية، ومن تبديات جنونها التفكير في مهاجمة جنين في عملية جديدة، ومن هذه التبديات غضبها واستياؤها من عجز السلطة الفلسطينية في محاربة هذه المقاومة، ونحن هنا أمام حالة أعرج يريد أن يتوكأ على كسيح. والفضل ما تشهد به الأعداء. يقول جدعون ليفي الذي نحترم عدالة موقفه منا إن الإسرائيليين حشروا أنفسهم في وجه أعند شعب عرفه التاريخ، وقبل ثلاثة أيام نصح ناحوم برنيع في ” يديعوت أحرونوت ” الإسرائيليين المحتجين على تغيير النظام القضائي بتعلم الصمود في احتجاجهم من صمود الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، وهذه النصيحة من كاتب في مقام برنيع شهادة نفيسة للفلسطينيين، وتومىء إلى توجه في الوعي الإسرائيلي نحو الابتعاد عن الإسفاف والإجحاف الغبيين النمطيين في نظرهم للفلسطينيين والعرب عامة. وسيواصل الفلسطينيون وشرفاء العرب والمسلمين صبرهم في مغالبة هذه الآفة المسماة إسرائيل والمرعية من أميركا أكبر قوة شر وظلم وفجور عرفها تاريخ البشر حتى يستأصلوها من جغرافيتهم وتاريخهم، والبشائر تترى بحينونة انقبارها واندثارها، وسيكون لطبيعتها الذاتية نصيب في انقبارها واندثارها، وقد يكون ما يحدث فيها بسبب تغيير النظام القضائي أول مفاعيل هذا النصيب.   كاتب فلسطيني

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

خالد حنفي: شراكة استراتيجية عربية - صينية لمواجهة تحديات الحرب التجارية العالمية

بحث الدكتور خالد حنفي، امين عام اتحاد الغرف العربية، مع رئيس المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية CCPIT، رين هونغبين، في سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثماريّة بين العالم العربي والصين، لا سيما في المجالات والقطاعات الواعدة، خصوصاً في التكنولوجيا المتقدمة والاقتصاد الرقمي وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، بالإضافة إلى قطاعات الصناعة والاقتصاد البرتقالي وريادة الأعمال والابتكار وغيرها من المجالات الحيوية التي تسهم في تحقيق الرؤى والأهداف للوصول بالعلاقات العربية -الصينية إلى مستويات الشراكة الاستراتيجية. 

165 خبيرًا ومسؤولًا يشاركون في مؤتمر دولي لدعم صناعة المعارض بالقاهرةوزير الاستثمار: نتطلع إلى المزيد من التعاون المشترك بين مصر والسعودية


وأثنى أمين عام الاتحاد على التعاون البارز والوثيق بين اتحاد الغرف العربية والمجلس الصيني لتعزيز وتنمية التجارة الدولية CCPIT، لافتا إلى أن قطاع السياحة يعتبر من القطاعات التي يمكن الاستفادة منها لرفع مستوى التعاون السياحي حيث تعتبر مقاطعة هاينان من المقاطعات السياحية الرئيسية في الصين كما وتعتبر المنطقة العربية ذات ارث ثقافي وحضاري وسياحي جاذب مما يساهم في رفع حجم السياح الصينيين الوافدين الى المنطقة العربية وكذلك السياح العرب الذين يزورون الصين.

ورأى أن هناك أهمية لتعزيز التعاون بين الشباب العربي والصيني في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وذلك بما يحقق الأهداف الاستراتيجية والتطلعات المنشودة ليس فقط في المشاريع المتصلة بالثورة الصناعية الرابعة، بل من اجل بناء جسور التواصل الثقافي والحضاري بين الجانبين العربي والصيني.

وأوضح الدكتور خالد حنفي أن البلدان العربية التي أيدت مبادرة الحزام والطريق منذ اليوم الاول لاطلاقها، جاهزة من أجل تنفيذ المشاريع التنموية الواعدة في هذه المبادرة ولا سيما في مجال النقل واللوجستيات بما يحول المشاريع الاستثمارية الطموحة الى مشاريع منفّذة على ارض الواقع، تمتد من البلدان العربية الى البلدان الأفريقية ودول الآسيان وصولا إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول أمريكا الجنوبية.

ولفت أمين عام الاتحاد إلى أن العالم العربي شريك استراتيجي هام بالنسبة إلى الصين حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين ٤٠٠ مليار دولار ومن الممكن رفع هذا الرقم إلى ٦٠٠ مليار دولار، إذا صدقت النوايا وعملنا سويا في إطار تحقيق المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة. وأوضح انه في إطار الواقع الجيوسياسي المستجد في ظل الحرب التجارية الدائرة اليوم نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ١٢٨ دولة حول العالم، فإن البلدان العربية متفهمة للمتغيرات الجيوسياسة.

 ولأجل ذلك بدأت البلدان العربية بتنويع شراكاتها التجارية والاقتصادية مع دول العالم ولا سيما مع الصين التي تمتلك فوائض مالية ضخمة يمكن توظيفها في أماكن مختلفة حوّل العالم ومنها البلدان العربية وذلك من خلال ضمانات سيادية ومشاريع يشارك فيها القطاع الخاص العربي والصيني عبر استثمارات ضخمة تعود بالنفع على الجانبين العربي والصيني.

وثمن رئيس المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية، الرؤى والأفكار التي اقترحها امين عام الاتحاد في سبيل تقوية وتعزيز العلاقات الاقتصادية العربية-الصينية، لافتا إلى أن مقاطعة هاينان من خلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي ومن خلال ما تمتلكه من مقدرات وطموحات، يمكن أن تكون نقطة البداية نحو تحقيق التطلعات لبناء علاقات وشراكات استراتيجية مع العالم العربي.

واعتبر أن العلاقات العربية–الصينية أثبتت على مر السنوات أنها علاقات قادرة على التطور والاستدامة، بفضل الإرادة المشتركة والدعم المؤسسي، لاسيما من خلال التعاون والتنسيق الاستراتيجي القائم بين المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية CCPIT واتحاد الغرف العربية، الذي يلعب دورا محوريا في توسيع آفاق الشراكات مع الشركاء الاستراتيجيين وفي مقدمهم الصين.
كذلك التقى امين عام الاتحاد الدكتور خالد حنفي، محافظ مقاطعة هاينان، ليو شياومنغ، حيث رأى خلال اللقاء أنه في ظل الظروف السياسية والجيوسياسية التي يمر بها العالم اليوم تجعلنا نفكّر بشكل أكبر في بناء شراكة استراتيجية عربية - صينية من اجل مواجهة تحديات الحرب التجارية العالمية التي افتعلتها الولايات المتحدة الأمريكية.

وأوضح أنه في إطار الحديث عن تعزيز التعاون التجاري والاستثماري مع مقاطعة هاينان فإننا لا بد من ان نتحدث عن محورين رئيسيين: اما المحور الاول فله صلة بالسياحة، بينما المحور الثاني فيتعلق بالاستثمار، وينبثق من هذين المحورين المشاريع التي تجعل من مقاطعة هاينان وجهة سياحية بالنسبة الى البلدان العربية. اما بالنسبة الى الاستثمار فهناك الكثير من المشاريع الاستراتيجية التي يمكن تنفيذها في مقاطعة هاينان من الجانب العربي. وبيّن انه لتعميم هذين المحورين كان هناك مقترح مبدئي لإنشاء مركز لريادة الأعمال والابتكار والاقتصاد البرتقالي ومقره في مقاطعة هاينان، سيكون بمثابة منارة عالمية وسيسهم في دعم وتمكين الشباب من الجانبين العربي والصيني عبر المشاريع الابتكارية التي ستعزز واقع الابتكار في مقاطعة هاينان .

من ناحيته تطرق محافظ مقاطعة هاينان إلى أهمية المقترح بإنشاء مركز عربي - صيني لدعم رواد الأعمال والابتكار والاقتصاد البرتقالي، متمنيا ان يتم إنشاء هذا المركز في اقرب فرصة ممكنة بحيث يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والشاملة للبلدان العربية والصين. وكشف عن أنه سيتم في الفترة القادمة إنشاء مطار ضخم في مقاطعة هاينان باستثمارات ضخمة بما يجعل من هذا المطار محطة مهمة ورئيسية في إطار تعزيز الصين علاقاتها التجارية والاقتصادية مع باقي دول العالم ومنها على وجه الخصوص البلدان العربية.

وأوضح أن مقاطعة هاينان تعتبر آخر مقاطعة تم انشاؤها في الصين وتبلغ مساحتها ما يزيد عن ٥ آلاف كيلومتر مربع بينما يبلغ عدد السكان فيها حوالي ١٠ مليون نسمة وهناك اهتمام كبير من جانب الرئيس الصيني بان تصبح هذه المقاطعة منطقة لوجستية محورية عبر الاستثمار فيها في مشاريع التكنولوجيا المتطورة مما يجعلها قبلة للشركات العالمية الكبرى ومن بينها الشركات العربية. ولفت في هذا المجال إلى ان هناك إمكانية كبيرة للتعاون بين الصين والبلدان العربية في مجال الفضاء.

طباعة شارك اتحاد الغرف العربية المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية التكنولوجيا المتقدمة الصين الشباب العربي

مقالات مشابهة

  • اقتصاد الحرب
  • قيادي بحزب العدل: مصر حافظت على استقلالية قرارها الوطني وقاومت الحرب الاقتصادية
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • حزب العدل: مصر حافظت على استقلالية قرارها الوطني وقاومت الحرب الاقتصادية
  • وزير إسرائيلي: الانتصار في غزة مفتاح التطبيع مع السعودية
  • خالد حنفي: شراكة استراتيجية عربية - صينية لمواجهة تحديات الحرب التجارية العالمية
  • كريم خالد عبد العزيز يكتب: قوة المقاومة.. مفتاح التغلب على التحديات
  • من أمثلة المجتمعات التي ساندت الجنجويد بجانب القحاطة (..)
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: قَدَر البرهان وعفوية حماد عبد الله
  • أوكسفام: “إسرائيل تستخدم أسوأ أنواع العقاب الجماعي بحق غزة