باريس- لطالما كان مبدأ حماية حقوق الإنسان في جوهر الاهتمامات الدولية أثناء الحروب ويضع القانون الدولي أمام اختبار صريح وصعب، كما هو الحال اليوم بالنسبة للفلسطينيين الذين ناضلوا طوال العقود السبعة الماضية من أجل البقاء في أرضهم.

وتحت ستار حق الدفاع عن النفس، لا تزال حكومات كثيرة تقدم الدعم الوفير للاحتلال الإسرائيلي ليكمل أركان جريمته الموثقة بالصوت والصورة في قطاع غزة رغم تجاوز عدد الشهداء 33 ألفا والجرحى 75 ألفا بعد مرور 6 أشهر على الحرب.

وبين إلقاء اللوم على الدول المتواطئة مع إسرائيل وانتقاد مكتب المدعي العام في لاهاي، تتزايد علامات الاستفهام بشأن الدور الغائب والضعيف للمحاكم ويبقى السؤال الوحيد والأهم حاليا: هل سيحقق القانون الدولي العدالة لغزة؟

مراري يقول إن المُشرِّع الدولي تغافل عمدا عن وضع آليات تنفيذية لتطبيق قواعد القانون الدولي (الجزيرة) غياب الآلية التنفيذية

أشاد الخبير في القانون الدولي العام بيير إيمانويل دوبان بدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وتأسّف لعدم وجود أي نتائج ملموسة بعد أمر المحكمة وحتى التدابير الإضافية التي مُنحت بناء على طلب قدمته جنوب أفريقيا قبل أيام قليلة.

ويقول دوبان للجزيرة نت إن القانون الدولي لا يتوفر على آلية يمكن أن تجبر إسرائيل بشكل فعال على وقف أعمالها العسكرية، موضحا أنه في إطار نظام ميثاق الأمم المتحدة، يمكن إحالة مسألة عدم الامتثال للتدابير المؤقتة إلى مجلس الأمن لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستستخدم حق النقض (الفيتو).

ويرى مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "أفدي" الدولية عبد المجيد مراري أن المُشرِّع الدولي "تغافل عمدا" عن وضع آليات تنفيذية لتطبيق قواعد القانون الدولي في حالات النزاعات المسلحة والاعتداءات والحروب.

وأضاف للجزيرة نت أن "ما نشاهده من انتهاكات في حرب غزة مذكور في قواعد القانون الدولي لكن لا يوجد من يسهر على تنفيذها، وهذا عيب المؤسسات الدولية بأكملها".

بدوره، يقول خبير القانون الدولي جيل دوفير إن "الأمر الإيجابي هو حصولنا على قرارين نموذجيين من المحكمة في أقل من 3 أشهر، ينصان على ارتكاب جريمة إبادة جماعية وضرورة اتخاذ الوسائل لمنعها".

وقد قدمت جنوب أفريقيا استئنافها في 29 ديسمبر/كانون الأول وعُقدت جلسة الاستماع في 11 يناير/كانون الثاني الماضيين، ثم أصدرت المحكمة قرارها في 26 يناير/كانون الثاني. وبما أن إسرائيل لم تحترمه، فيُتوقع أن يتم تقديم طلب جديد إلى العدل الدولية خلال الأسبوعين المقبلين.

خبراء يتهمون مدعي عام الجنائية الدولية كريم خان باتباع سياسة المعايير المزدوجة في الحرب على غزة (الفرنسية) معايير مزدوجة

وفيما يتلقى مدعي عام الجنائية الدولية كريم أحمد خان الانتقادات والاتهامات بسبب سياسته القائمة على "المعايير المزدوجة" وطريقة تناوله لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، يرى الخبير الدولي دوفير أن "ولاية خان تستمر 9 سنوات يقوم خلالها بتنفيذ النظام الأساسي ثم يغادر منصبه، على عكس الشعب الفلسطيني الذي كان موجودا وسيظل".

وأضاف "من السهل إلقاء اللوم على المدعي العام إلا إنه لا يجب التغاضي عن حقيقة أنه من بين 125 دولة أعضاء في الجنائية الدولية، لم يدعم إجراءاتنا سوى 7 دول، وهي الجزائر وبوليفيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي والمكسيك وتشيلي".

وانتقد الخبير القانوني مكاتب الاتصالات التي تقوم بالدعاية بهدف إضعاف صوت الجنائية الدولية لأنها "تريد عالما لا يحكم فيه سوى المال والسلاح والسلطة".

وأكد أن المحكمة تُعدّ السلطة القضائية الوحيدة في العالم التي اعترفت بفلسطين كدولة وأن لها ولاية قضائية سيادية على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، لذا يجب التمييز بين دور المدعي العام والمحكمة.

من جانبه، يرى المحامي الفرنسي دوبان أن القانون الدولي فقد مصداقيته ويتّكل على المعايير المزدوجة، خاصة بالمقارنة مع ما حدث ضد روسيا في سياق الحرب الأوكرانية حيث أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسرعة كبيرة.

ويتفق مراري مع الرأي القائل إنه يجب إلقاء اللوم على المدعي العام "لأنه لو تحلى بالجرأة والشجاعة الأخلاقية والإرادة لتحقيق العدالة، لاستطاع فعل ذلك، حتى لو تعرض للانتقادات ودفع الثمن كما حدث مع سابقته فاتو بنسودا حيث مُنعت من دخول الولايات المتحدة ووُضعت على قائمة العقوبات التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية".

وحول الدول الأعضاء في المحكمة التي لم تدعم الملف الفلسطيني، قال عبد المجيد مراري إنها داعمة في الأساس لإسرائيل وتساعدها بالأسلحة، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أما الدول الأفريقية فإن معظمها لا يملك رفاهية اتخاذ القرارات.

تسييس

وفي الوقت الذي يتوفر فيه مكتب المدعي العام على كل الوثائق التي تؤكد ارتكاب الإبادة الجماعية ضد أهالي غزة، بدأت بعض الدول في تغيير مواقفها وتحاول أخرى وقف دعمها لإسرائيل، وهو ما قد يؤدي بطريقة "لا مركزية" إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الاحتلال، وفق دوبان.

أما خبير القانون الدولي دوفير، فيرى أن الأمور تسير إلى الأمام على المستوى القانوني لكنها سياسيا أمام باب مسدود إذ لم يفعل مجلس الأمن شيئا خلال 6 أشهر، وحتى عندما امتنعت واشنطن عن التصويت قالت إن قرارها كان إرشاديا وليس إلزاميا.

وتابع "لا يستطيع أحد إنهاء الفظائع التي تحدث في غزة لأن السياسة لا تزال عالقة في لعبة الولايات المتحدة والقوى العظمى، واليوم نتوفر على محكمتي العدل والجنائية فقط، علما أنه عندما وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا -التي كانت جريمة حرب- لم يكن لدينا أي وسيلة قانونية للحكم عليها آنذاك".

وأضاف "يجب أن نفهم أنه في الوقت الحالي لدينا حكومة من المتطرفين الذين يديرون إسرائيل وأن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يراهن على الحرب لبقائه في منصبه وإلا سيتعين عليه الاستقالة ثم التوجه إلى السجن".

في السياق، يؤكد المحامي مراري أن دور الجنائية الدولية ومهام المدعين العامين فيها تم تسييسه بالتزامن مع استخدام الدول ورقة الفيتو، خاصة الولايات المتحدة التي كانت تتصدى لكل التحقيقات التي لا تخدم مصالحها في بعض المناطق، مثل العراق وأفغانستان.

وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بررت الجنائية الدولية تخاذلها بشأن الملف الفلسطيني بالقول إن العائق المادي يحول دون تنفيذ التحقيقات في الأراضي الفلسطينية، وزعمت أن إسرائيل لا تتعاون معها لأنها ليست دولة عضوا في المحكمة.

وبالنسبة لمسألة نقص التمويل، أكد مراري أن المحكمة تلقت الدعم المالي من بلجيكا، بقيمة 5 ملايين يورو، مباشرة بعد الدعوى التي قدمها الفريق القانوني في لاهاي يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لكنها امتنعت عن إعلان ذلك، مضيفا أن إسبانيا قدمت وعدا بتمويل التحقيق كذلك نظرا لمواقفها المؤيدة للقضية الفلسطينية.

ويتساءل الخبير في القانون الدولي دوفير "هل توفرت لدى المحكمة الأموال الكافية للتحقيق في ملف دارفور والمذكرة التي أصدرتها ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير وفي ليبيا أيضا؟ من موّل هذه التحقيقات آنذاك؟"، معتبرا أن الجواب هو انعدام الإرادة الدولية عندما يتعلق الأمر بفلسطين.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الجنائیة الدولیة القانون الدولی المدعی العام

إقرأ أيضاً:

الديمقراطيون بالشيوخ الأميركي يعرقلون مشروع قانون لمعاقبة الجنائية الدولية

الثورة نت/
عرقل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي، مساء امس الثلاثاء، محاولة من الجمهوريين لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية احتجاجا على مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
وعارض المجلس مشروع القانون بأغلبية 54 صوتا مقابل 45، وهو ما يعني أن الإجراء لم يحصل على الأصوات الستين اللازمة لإجراء تصويت لإقراره في مجلس الشيوخ، المؤلف من 100 عضو.
والسيناتور جون فيترمان هو الديمقراطي الوحيد الذي صوت لصالح التشريع مع الجمهوريين، فيما أحجم السيناتور الديمقراطي جون أوسوف عن التصويت.

وكان مشروع قانون “مكافحة المحكمة غير الشرعية” يهدف إلى فرض عقوبات على أي أجنبي يحقق مع مواطنين أميركيين أو مواطني أي دولة حليفة ليست عضوا في المحكمة، ومنها: إسرائيل، أو يقبض عليهم، أو يحتجزهم، أو يحاكمهم.
وكان مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون قد أقر التشريع في وقت سابق من هذا الشهر بأغلبية 243 صوتا مقابل 140.

وقال ديمقراطيون في مجلس الشيوخ إنهم يتفقون مع الكثير من بنود مشروع القانون لكنهم وصفوه بأنه واسع النطاق للغاية، ما قد يهدد بإغضاب حلفاء مهمين للولايات المتحدة، وفرض عقوبات على موظفين من المستويات الدنيا في المحكمة التي مقرها هولندا.
وقالت كبيرة الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية السيناتور جين شاهين، إن الحزب حاول التوصل إلى حل وسط مع الجمهوريين، لكنه لم يتمكن من ذلك.

وعبر الجمهوريون في وقت سابق عن أملهم في تمرير مشروع القانون في الوقت المناسب ليوقعه الرئيس دونالد ترمب، وليصبح قانونا بعد وقت قصير من تنصيبه في 20 يناير كانون الثاني، خاصة مع اعتزام نتنياهو زيارته في البيت الأبيض في الرابع من فبراير المقبل.
ولم يرد مسؤولون في البيت الأبيض على الفور على طلب التعليق على ما إذا كان ترمب سيستخدم أمرا تنفيذيا لفرض العقوبات.

مقالات مشابهة

  • رويترز: المحكمة الجنائية الدولية تطالب إيطاليا بتفسير إعادة نجيم إلى ليبيا
  • من داخل المحكمة.. كيف تدار المحاكمة الجنائية بمشروع القانون الجديد؟
  • بعد وصول ترامب للرئاسة.. مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية
  • الديمقراطيون بالشيوخ الأميركي يعرقلون مشروع قانون لمعاقبة الجنائية الدولية
  • مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لمعاقبة الجنائية الدولية
  • الشيوخ الأميركي يعرقل مشروع قانون لمعاقبة الجنائية الدولية
  • عاجل| واشنطن بوست: يتوقع أن يبدأ مجلس الشيوخ الأمريكي اليوم التصويت على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
  • اليوم.. "الشيوخ الأمريكي" يصوت على معاقبة "الجنائية الدولية" بسبب إسرائيل
  • مجلس الأمن يناقش اليوم تقرير المحكمة الجنائية نصف السنوي بشأن السودان
  • المحكمة الجنائية الدولية تطالب السودان بتسليم البشير