عمرو علان في خضم معركة مخيَّم جنين الأخيرة في 3 تموز 2023، وبينما كان مجاهدو “كتيبة جنين” يخوضون معركة صمودٍ بطوليةٍ، كتفًا إلى كتفٍ مع باقي فصائل المقاومة في الضفَّة في مواجهة عدوانٍ واسعٍ على المخيَّم، وبينما كانت تقف في الأثناء قوات أمن السلطة الفلسطينية، والسلطة بصورةٍ عامةٍ، موقف المتفرِّج مما يجري في المخيَّم، وجَّه رئيس السلطة، محمود عباس، دعوةً لأمناء الفصائل الفلسطينية لأجل عقد اجتماعٍ طارئٍ “للاتفاق على رؤيةٍ وطنيةٍ شاملةٍ وتوحيد الصف لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتصدي له” كما ورد في البيان الصادر عن رئاسة السلطة.

قرأ البعض في هذه الدعوة محاولةً لامتصاص غضب الشارع الفلسطيني بسبب مواقف السلطة المشينة أثناء العدوان على المخيَّم، لكن هل بالفعل أحاطت تلك القراءة بجميع أهداف هذه الدعوة وأبعادها؟ لم يكن اختباء حمَلة السلاح من منتسبي أجهزة السلطة الأمنية في بيوتهم وداخل مقراتهم الأمنية خلال العدوان بالأمر الجديد، ولا كان اختفاؤهم كليًا من ساحة القتال أمرًا خارج السياق، فإن مشروع السلطة العلني يقوم برمته على قمع أي حراكٍ مقاومٍ جديٍ في الضفَّة، وعلى حماية الاحتلال ومستوطناته من جميع أعمال المقاومة ذات الجدوى، فيما تسميه السلطة “حفظ الأمن والاستقرار”، ولقد سخَّرت لأجل ذلك جل طاقاتها في إنجاح “التنسيق الأمني” مع الاحتلال دون استحياءٍ، اللهم خلا تصريحاتٍ كلاميةٍ بين الحين والآخر عن وقف “التنسيق الأمني” دون تطبيق شيءٍ منها على أرض الواقع، إذ ترى السلطة في “العنف الثوري” والمقاومة المسلَّحة ضد الاحتلال تهديدًا على اصل فكرة وجودها ودورها الوظيفي، أو بصيغةٍ أخرى، خطرًا على سرابٍ اسمه “مشروع السلام” الذي لازالت تحلم به. لذلك يمكن الجزم بأن هدف إنهاء حالة المقاومة النامية في الضفَّة واجتثاثها من جذورها، قد بات مشروعًا موحَّدًا للسلطة والاحتلال معًا. لعل محاولة قراءة دعوة عباس أمناء الفصائل للاجتماع من هذه الزاوية يعد اكثر انسجامًا مع واقع الحال، إذ إن “توحيد الصف لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتصدي له”، كما ذَكَر بيان رئاسة السلطة، لم يكن يلزمه اجتماعاتٍ فصائلية، لا سيما في أثناء ذروة اشتعال المعارك على الأرض، فسبيل ذلك معروفٌ إن صدقت النوايا، بل الأرجح أن ما جاء في الشطر الأول من البيان، الذي قال “الاتفاق على رؤيةٍ وطنيةٍ شاملةٍ”، كان الدافع الحقيقي من وراء دعوة السلطة تلك في هذا التوقيت. لقد قال عباس في كلمته التي ألقاها خلال زيارته للمخيَّم عقب العدوان، بأن السلطة الفلسطينية “سلطةٌ واحدةٌ ودولةٌ واحدةٌ، قانونٌ واحدٌ وأمنٌ واستقرارٌ وأمانٌ واحدٌ”، ليضيف بعد ذلك بأنه سيقص اليد التي تمتد إلى وحدة الشعب وأمنه واستقراره من ضلوعِها، ملمحًا بهذا الكلام إلى الفصائل المسلَّحة في المخيَّم، التي تعدها السلطة خارجةً على القانون. يدعم هذا الفهم لفحوى كلام عباس ما قامت به السلطة من حملة اعتقالاتٍ جديدةٍ، استهدفت بها كوادر “سرايا القدس” و”كتيبة جنين” وباقي فصائل المقاومة في الضفَّة، ولقد بدأت تلك الحملة أثناء العدوان الأخير على المخيَّم واستمرت لما بعده، بما يجعل ما كشفته القناة “14” العبرية أمرًا غير مستغرَبٍ، إذ قالت إن مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين التقوا في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على جنين، واتفقوا على منح أجهزة الأمن الفلسطينية الفرصة لمواجهة مجموعات المقاومة هناك. تشير هذه المعطيات، بالإضافة إلى تاريخ تعامل السلطة المعروف مع المقاومة عمومًا، إلى طبيعة “الرؤية الوطنية الشاملة” التي كانت تأمل السلطة بالتوصل إليها، حينما دعت إلى اجتماع الأمناء العامين أثناء العدوان. فهل كانت تراهن السلطة ضمنًا على الاحتلال كي يُنجِز بالقوة الخشنة في المخيَّم ما عجزت هي عن تحقيقه بالقوة الناعمة؟ وهل كانت تأمل بأن يحضر أمناء الفصائل الاجتماع على وقع إنهاء حالة المقاومة في جنين وهزيمتها؟ كي تفرض على فصائل المقاومة رؤيتها “الوطنية الشاملة” القائمة على “التنسيق الأمني” والقبول بشروط “الرباعية”؟ يبدو أن هذا ما قد التقطته حركة “الجهاد الإسلامي” وبنت عليه موقفها من قبول دعوة السلطة لاجتماع الأمناء، فاشتراطها اطلاق صراح كوادر “سرايا القدس”، الذين اعتقلتهم أجهزة أمن السلطة، يعد اضعف الإيمان كي يظهر بأن هناك أي جدوى مرجوَّةٍ – مهما كانت ضئيلةً – من الحضور، وبأن السلطة مستعدةٌ للتراجع عن جريمتيّ “التنسيق الأمني” ولعب دور حارس المستوطنات. لقد كان حريًا بباقي الفصائل الفلسطينية اتخاذ موقفٍ مماثلٍ من هذا الاجتماع، لا سيما أن القاهرة اكتفت بتأمين استضافة الاجتماع ولم تكن الداعية إليه، مما يرفع الحرج عن الفصائل الفلسطينية في مسألة رفض دعوةٍ وجهتها دولةٌ عربيةٌ لحضور اجتماعٍ على أرضها. يظهر أن الفصائل الفلسطينية لاتزال تدور في نفس الساقية، وتتعامى عن التحولات الهامة في ساحة الضفَّة، وعما تقتضيه هذه المرحلة من مواقف سياسيةٍ أكثر وضوحًا وصرامةً اتجاه السلطة وأجهزتها الأمنية، وليس الحديث هنا عن خطواتٍ ميدانيةٍ اتجاه السلطة، لكن المواقف السياسية الضبابية في ظِل تصاعد الفعل المقاوم في الضفَّة على الأرجح أن يكون لها مردودٌ سلبيٌ في هذه المرحلة. كاتب فلسطيني

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الفصائل الفلسطینیة التنسیق الأمنی

إقرأ أيضاً:

عائدات الضرائب واتفاقية باريس.. السلطة الفلسطينية تحت مقصلة الاحتلال (حقائق وأرقام)

تجني السلطة الفلسطينية الثمار المرة لاتفاقية باريس الاقتصادية، بعد أن كبلت نفسها بالتوقيع عليها قبل أكثر من 30 عاما، وحصرت نشاطها المالي كاملا بيد دولة الاحتلال الإسرائيلي، ليتحكم به كيف يشاء، ويقتطع من الأموال الفلسطينية ما يحلو له.

جديد "نكبات" الاتفاق
أصدرت محكمة الاحتلال المركزية في القدس، الخميس، أمرا يقضي بحجز مبالغ هائلة من أموال المقاصة الفلسطينية التي تتحكم دولة الاحتلال في جمعها.

وقررت المحكمة تجميد مبلغ 652 مليون شيكل (الدولار يساوي 3.6 شيكل) من مخصصات السلطة الفلسطينية كتعويض لصالح 187 مستوطنا إسرائيليا، بزعم أنهم من ضحايا العمليات التي تنفذها المقاومة. وفق ما أوردته القناة 14 العبرية.


تفاصيل من اتفاقية باريس
اتفاقية باريس الاقتصادية ملحقً اقتصادي لاتفاقية أوسلو التي وقعتها السلطة ودولة الاحتلال في باريس في نيسان/أبريل 1994، لتنظِّيم العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، مع تحديد الإطار الزمني لها بخمس سنوات، بحيث يتم تعديل هذه الاتفاقية لاحقا بما يتناسب مع الواقع الفلسطيني، لكن ذلك لم يحدث.

تتكون اتفاقية باريس الاقتصادية من 83 بندًا، تؤسس لاتفاق تعاقدي يحكم العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ويشمل الضفة والقطاع.

أعطت هذه الاتفاقية دولة الاحتلال اليد العليا في السيطرة على الوضع الاقتصادي الداخلي والخارجي الفلسطيني، وألحقت الاقتصاد الفلسطيني بها.

يرى المحلل الاقتصادي الفلسطيني عزام أبو السعود بأن الاتفاقية تضمنت نواقص شديدة للاقتصاد الفلسطيني والتي تظهر بأن القائمين عليها غير مطلعين على الداخل الاقتصادي وليسوا على معرفة جيدة به.

اقتصاد يخدم الاحتلال
ويقول في تصريحات سابقة لـ"عربي21" بأن الذين قاموا على صياغة الاتفاقية في حينه لم يعتمدوا على تقارير ودراسات تسد الثغرات في القضايا الاقتصادية بل اعتمدوا على معلومات غير دقيقة؛ خاصة أنها تمس الاحتياجات اليومية أو المتوفرة لدى الشعب والمنتج المحلي.

ويتحدث المحلل عن عدة أشكال "للبلاء" جلبتها هذه الاتفاقية وعيوب ضخمة جدا، أهمها أنها اعتمدت بالأساس على أن يكون الاقتصاد الفلسطيني خادما للاقتصاد الإسرائيلي وليس مستقلا على الإطلاق، لافتا إلى أنها أصبغت عليه صفة التبعية الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي وهو الأمر الأخطر في بنود الاتفاقية فلم يُعط الفلسطينيون الاستقلالية في التصرف الاقتصادي.

ويشير إلى أن أحد العناصر الذي جعل الاتفاقية مدمرة للاقتصاد الفلسطيني هو موضوع العملة، حيث تضمنت الاتفاقية ألا تكون هناك عملة وطنية أو بنك مركزي فلسطيني.

ويضيف: "كلها أمور كانت تعتبر سيادية ولكن تم التغاضي عنها أو تأجيلها إلى فترة ثانية ولم تتم مراجعة الاتفاقية، وبحسب الاتفاق فإنها يجب أن تراجع كل عدة سنوات لكنها بقيت على الأسس القديمة التي صيغت قبل عشرين عاما".


صبغة قانونية لسرقة الأموال الفلسطينية
أضفت دولة الاحتلال صبغة قانونية على سرقة الأموال الفلسطينية تحت عناوين مختلفة، مما يجعل تراجع الحكومة الإسرائيلية عن ذلك أمرا مستحيلا.

وفي هذا السياق أقر الكنيست قانون خصم قيمة رواتب الأسرى والشهداء التي تدفعها السلطة من أموال المقاصة وبشكل نهائي في تموز/ يوليو2018.

وبموجب ما يسمى قانون التعويض لضحايا العمليات، يسمح القانون الإسرائيلي بالمطالبة بتعويض قدره 10 ملايين شيكل عن كل شخص قتيل، و5 ملايين شيكل عن كل شخص مصاب بدرجة كبيرة من الإعاقة.

حقائق وأرقام عن الاقتطاعات
أكدت وزارة المالية الفلسطينية في تقرير حديث، أن قوات الاحتلال تحتجز ما يقارب 7 مليارات شيكل من أموال المقاصة (عائدات الضرائب الفلسطينية) منذ عام 2019 وحتى شهر شباط/ فبراير الماضي، رافضة تحويلها إلى الخزينة الفلسطينية.

وتتذرع سلطات الاحتلال بأن جزءا من هذه الأموال مخصصة لقطاع غزة (2 مليار)، ومخصصات عائلات الأسرى (3.7)، ورسوم ضريبية على المغادرين من الضفة نحو الأردن عبر المعابر البرية (1.2).
ومنذ عام 2012 وحتى شباط/ فبراير الماضي بلغ إجمالي الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة 20.6 مليار شيكل.


اقتطاع نصف المقاصة منذ حرب غزة
وصعدت سلطات الاحتلال منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من إجراءاتها المالية، حيث ضاعفت قيمة الاقتطاعات من أموال المقاصة لتزيد عن 50% من قيمتها الإجمالية الشهرية، كما تعمدت إلى تأخير تحويلها بشكل غير مسبوق.

وبينت الوزارة أنه في حين كانت هذه العائدات تُحوّل خلال الأسبوع الأول من كل شهر، باتت تُصرف الآن بعد منتصف الشهر، ما زاد من تعمق الأزمة المالية للحكومة الفلسطينية.

مبالغ غير معلومة وتأخير صرف الرواتب
وأشارت الوزارة إلى أن المصادر الرسمية الإسرائيلية بدأت مؤخراً تتداول عن اقتطاعات لأرقام كبيرة من الأموال المحتجزة كتعويضات "لعائلات قتلى أو جرحى إسرائيليين"، محملة الجهات الرسمية الفلسطينية مسؤولية ذلك عبر الاستيلاء على مبالغ غير معلومة بشكل دقيق من أموالنا المحتجزة.

ولفتت إلى أن هذا التأخير أثر بشكل مباشر على قدرة الحكومة على صرف رواتب الموظفين العموميين في موعدها، وأعاق من قدرتها على الإيفاء بالالتزامات المالية الأخرى، ما أدى إلى مفاقمة الأزمة الاقتصادية وزيادة الضغوط المالية عليها.

مقالات مشابهة

  • «نشأت الديهي» يكشف تفاصيل اجتماع القاهرة الأخير لحشد الجهود للقضية الفلسطينية
  • لماذا سحبت تونس اعترافها باختصاص المحكمة الأفريقية وما مخاطر ذلك؟
  • لماذا سحبت تونس اعترافها باختصاص المحكمة الإفريقية وما مخاطر ذلك؟
  • مصر: السلطة الفلسطينية ستدير غزة بعد فترة انتقالية مدتها 6 أشهر
  • المبعوث الأمريكي: يمكن لحركة الفصائل الفلسطينية الاحتفاظ بدورها السياسي دون سلاح
  • هل اقتربت نهاية حكم الرئيس عباس؟ .. إسرائيل تُنفذ أخطر مخططاتها وتبدأ بالتحرك نحو حل السلطة الفلسطينية
  • عائدات الضرائب واتفاقية باريس.. السلطة الفلسطينية تحت مقصلة الاحتلال (حقائق وأرقام)
  • «مصطفى بكري»: مصر لعبت دورا بارزا في توحيد الفصائل الفلسطينية
  • تحركات مصرية لاحتواء التصعيد في غزة تصطدم بتباين مطالب إسرائيل وحركة الفصائل الفلسطينية
  • إسرائيل: نقاش يدور حول فكرة تحويل السلطة الفلسطينية إلى مناطق إدارية