حقائق من ثورة الجزائر تتكرر في غزة الحاضر.. دروس للتاريخ (1)
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
إذا كان الزمان غير الزمان فالإنسان هو الإنسان وفريضة الدفاع عن النفس والأرض والعرض لا تسقط عنه إلى يوم الدين. وسنة التدافع بين الناس والحضارات والقيم تجعل دوام الحال من المحال ولو دامت للأولين لما دانت للآخرين!؟ وأن الكيل بمكيالين في حقوق الإنسان من القائمين على مجلس الأمن المخيف هو سبب كل الخلل في المعايير والموازين وهذا الدمار المبين.
وفي تاريخ الحروب والثورات التحريرية العظمى دروس للمعتبرين وأن الذكرى قد تنفع حتى البغاة والعصاة والطغاة فضلا عن المؤمنين!!
وبمناسبة إحياء الجزائر للذكرى التاسعة والستين لثورة القرن العشرين بدون منازع في الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر 1954) وربطا بما تصادفه إحياء هذه الذكرى من أحداث جسام جارية في الساحة والساعة الدولية عرفنا إرهاصات بدايتها ولا نعرف نهايتها بعد.. نود أن نذكر المعتبرين بدروس التاريخ الحي الذي عشناه في هذه الثورة لحما ودما وجهادا و"استشهادا" لما يزيد عن السبع سنين مماثلة لما يراه العالم على المباشر يوميا من أهوال الحرب غير المتكافئة بين الحق والباطل في معركة الأحزاب الثانية في فلسطين الحالية والتاريخ بيننا يبقى دائما الشاهد الأمين على المحسنين والمسيئين والظلمة والمجرمين وأصحاب الحق المغتصب الذي لا يسترجع إلا غلابا وافتكاكا باليمين وتلك هي سنة الله في الأولين والآخرين.
تأتي ذكرى هذا العام مشحونة بكثير من الآلام المبرحة والآمال العريضة في الوقت ذاته وهي تصادف قمة الثورة الجهادية الوريثة الشرعية لها في معركة الأقصى بشقيقتها الصغرى فلسطين.
لقد عايشت تلك الثورة الجهادية كابن شهيد ومجاهد في صفوف جيش تحريرها حتى توقيف القتال وتقرير المصير والاستقلال وكنت شاهدا على كثير من مجرياتها المفرحة والمقرحة بورودها وأشواكها؛ بأفراحها بانتصاراتها وأقراحها بالإحباطات والتقلبات والخيانات التي اعترضت مسيرتها الطولية إلى النصر المبين!
ومن مميزاتها أن يوم انتصارها وتحقيق الاستقلال سنة 1962 كان هو يوم ذكرى الغزو والاحتلال سنة 1830 مما يعني أن كل استقلال قد يحمل بذور احتلال كما أن كل احتلال يحمل بذور استقلال إذا بقي عزم الرجال كما كان واقع الحال.
وإدراكا مني بما للثورة الجزائية من أوجه شبه وتطابق أحيانإ مع ما يجري في فلسطين هذه الأيام، إلى درجة التوأمة (السيام) بين الثورتين وخاصة من جهة نوعية الاستيطان وفصيلة المستوطنين أنفسهم خلفا عن سلف.. والدليل على ذلك هي آلاف القوافل من شهداء المغرب العربي الكبير المدفونين في القدس الشريف على مر التاريخ الإسلامي للأمة عندما كانت أمة حرة حتى تحت الاحتلال الأجنبي الخارجي (الأرحم مع الأسف من الاستحلال الداخلي الراهن!!!!)، حيث ذهب أكثر من 4000 مجاهد سنة 1948 ودخلوا من أرض الكنانة سابقا لنجدة الأشقاء في الأرض المباركة التي لم تتغير في وجدان كل مسلم من المحكومين لاحقا في أمة المليارين من أصحاب العين البصيرة واليد القصيرة على امتداد سماع الآذان وتلاوة القرآن من جاكارتا إلى داكار ونواكشوط والرباط وتطوان مرورا بقسنطينة ووهران!؟!
وإني لهذا السبب وغيره أعيد نشر بعض فصول كتابي (جهاد الجزائر: حقائق التاريخ ومغالطات الجغرافيا)، هنا في صحيفة "عربي21"، وهو صورة حية عن جوانب مشرقة من ثورة القرن العشرين التي جسدت أمجاد الحرية والكرامة، تماما كما هو حال غزة وفلسطين هذه الأيام.. لما بين الثورتين من تطابق وتشابه كما قلنا وعشنا في الثورة الاولى مقارنة بما نراه على المباشر في الثورة الفلسطينية العظيمة الثانية التي اختصرت أمة المليارين (من غثاء السيل) في المليونين من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والقدس وجنين.
وإنني أدرك تمام الإدراك الصلة الوثيقة بينهما في حجم التضحيات ومعارك التحرير التي يخوضها الأشقاء الفلسطينيون هناك (كما كان أشقاؤهم هنا لأكثر من سبع سنين دون انقطاع.) في مواجهة أعتى احتلال وأشده شراسة، لا سيما وأنه احتلال يلتف حوله قادة العالم الغربي الاستعماري كله ويدعمونه انتقاما من عدوهم اللدود على هزائمهم السابقة وإحياء لخلافات وأحقاد تاريخية دفينة..
كنا نعتقد، وأن بعض الظن ليس إثما، أن ثورات الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال التي عرفتها مختلف أنحاء المعمورة قد تجاوزتها الوحوش البشرية المسلحة بالنووي والحقد الأعمى في معاداة حقوق الإنسان الفلسطيني خارج حقوق الإنسان التي يحميها حق الفيتو الظالم أمام كل أنظار العالم الأعور الأصم الواجم.
إن الإسلام والاستعمار ضدان لا يلتقيان في مبدأ ولا في غاية، فالإسلام دين الحرية والتحرير، والاستعمار دين العبودية والاستعباد، والإسلام شرع الرحمة والرفق، وأمر بالعدل والإحسان، والاستعمار قِوامه على الشدة والقسوة والطغيان، والإسلام يدعو إلى السلام والاستقرار، والاستعمار يدعو إلى الحرب والتقتيل والتدمير والاضطراب، والإسلام يثبت الأديان السماوية ويحميها ويقرّ ما فيها من خير ويحترم أنبياءها وكتبها، بل يجعل الإيمان بتلك الكتب وأولئك الرسل قاعدة من قواعده وأصلا من أصوله، والاستعمار يكفر بكل ذلك ويعمل على هدمه خصوصا الإسلام ونبيه وقرآنه ومعتنقيه.وهذا المكيال العجيب الغريب بين إنسانين لا يثير القلق فقط حول مصير البشرية في هذا العالم (وحيد القرن) وإنما يعيد السؤال أيضا وبالحاح عما إذا كان للمعارك الحضارية الكبرى التي سعت لتوحيد البشرية على أساس العدل والمساواة تتراجع إلى ما تحت الصفر كما نراها في مجازر المغول الجدد بالصوت والصورة في غزة العزة والإنسانية التي تحتضر في مستشفياتها المنكوبة كلها اليوم والمقطوعة عن الحياة أمام أعين دعاة حقوق الإنسان (الحجري) وليس الإنسان البشري المتحضر المتعلم والمتقدم!!
وما يفيد في هذه الصفحات من ثورة الجزائر (فلسطين الأولى) الأشقاء في الجزائر الثانية ( فلسطين الحالية)، سأسرده ليس من باب تقديم الدروس، وإنما من باب قراءة التاريخ والاتعاظ به وأخذ العبرة منه..
حكاية طريفة
يروي المجاهد محمد الصالح الصديق حكاية طريفة وقعت له وهو في طريقه إلى تونس عن طريق فرنسا مبعوثا من الثورة، فيقول: "قال لي ذلك المترجم إنهم عازمون على قتلي، وأنه لذلك عليّ الهروب إذا ما أطلقوا سراحي هذه المرّة. وفعلا، فقد اتّصلت بقيادة الثورة بالولاية الثالثة، فدبّروا لي طريقة أمرّ بها إلى المشرق العربي عن طريق فرنسا. والغريب أنّ جبهة التحرير أوهمت إحدى الفرنسيات بباريس أنني أعمل مع العدو (أي ضدّ الثورة). وأنه حكم عليّ بالإعدام من طرف المجاهدين، ولا بدّ عليها أن تتستّر علي. فصدّقت ذلك واستقبلتني هي وزوجها، علما أن هذا الأخير كان ثوريا دون علمها. وهكذا قضيت عندهما تسعة عشر يوما. هي تحسب أنني أعمل لحساب فرنسا، وزوجها يعلم حقيقتي، وقد ساعدني حتى غادرت المطار وأفلتُّ بأعجوبة من قبضة المخابرات الفرنسية رغم هويتي المزورة" .
يصف المجاهد حسين دالي المعاملة الحسنة التي كان يتلقاها الطلبة المجندون في جيش التحرير الوطني في الولاية الرابعة فيقول: "كنا نحن المتعلمين نُعامل معاملة خاصّة من المجاهدين، فكان السي سليمان، رحمه الله (مسؤول الناحية)، يأمر أحد الجنود بأن يحملني على ظهره عندما نمر عبر واد، حتى لا أتبلل، ويقول له عني، وآخرين مثلي، إنهم إطارات الوطن في المستقبل" .
يروي المجاهد رزقي بوهراوة في مذكراته قوله: "كنتُ مرّة في أدغال سيدي نعمان مع الرّائد سي حسن محيوز، تبادلنا أطراف الحديث هنيهاتٍ ثمّ استلقيْنا لأخذ قسْط من النوم. وبعد مضيّ بعض الوقت، شعرتُ به يُدخل يده في جيْبي، معتقدا أنّني في سباتٍ عميق. فقلتُ له: ماذا تفعل؟، أتبحث عن الشمّة؟ (وهي تبغ الفم)، توضع تحت اللسان. لقد أخبروك بأنّني أتناولها. أتريد الصّراحة؟، إنّي، والله، لأدخـِّن كذلك سجائر الأطلس! وقد تدفعُني هذه الظروف القاسية إلى شرْب الخمر!. لقد كلّفتْنـي بمهمّة سياسيّة أبعدتْني عنْ مجموعتي، إنّني هائم وحدي في التّلال والأودية. ضحك كثيرًا لكلامي الصريح معه بتلك الجرأة، ولم يعلّقْ على شكواي، ثمّ قال لي رحمه الله: تصبح على خير" .
وضعيات صعبة
يصف المجاهد حسين دالي الوضعية الصعبة جدا التي أصبح يعيشها جيش التحرير الوطني في أواخر سنوات الثورة، فيقول: "كان الأمر صعبا للغاية، كنا نختبئ في الحفر، نفترق على الثالثة صباحا، كلّ واحد منا يذهب إلى مخبئه الذي لا يعرفه الآخر، ثم نعود ونلتقي مساء، لا تجد في النهار إلاّ الفرنسيين، كان الأمر صعبا، أربعة أشهر عانيت فيها، في المنطقة الممنوعة كلّ شيء عدولك، وحتى العصافير، تطير فتفضحك، الذئب يبحث عن علب السردين التي تخفيها ويعثر عليها أينما كانت، الضفدع يفضحك بسكوته، السلاح قل، والجيش كذلك، ولم يبق لدينا إلاّ ما نسميه بالسلاح الإيماني، وهو الإيمان بالوطن، وقنبلة يدوية ليرميها الجندي ويفرّ، وقارورة ماء، وخنجر حتى يفتح علبة السردين، هذا فقط!" .
ويروي أيضا بعض الحيل التي كان يستعملها الثوار لخداع العدو واختراق صفوفه، فيقول: "أقول لك إننا سبقنا فرنسا في محاولة اختراق صفوفها، لقد بعثنا للحركى، رسائل كما لو أنّنا نشكرهم على السلاح الذي أرسلوه لنا (وذلك لم يكن صحيحا)، ففي الجباحية سنة 1958 سجنت فرنسا العديد من الحركى وقامت بتعذيبهم، لأنها اكتشفت تلك الرسائل الوهمية، فكان أن ضربنا بذلك عصفورين بحجر واحد" .
ويروي المجاهد محمد الشريف موهوبي قصته مع أحد الخونة، فيقول: "أذكر أننا بعد تلك المعركة بثمانية أيام، جاءنا بعض المناضلين من أولاد وارث وأبلغونا بما فعله خونة زيمولة، وكان رئيسهم اسمه بلعيد علي عمار، وقد خشي على نفسه من انتقامنا، فصار لا يبيت في منزله، ومرة جاء فعلمنا بالأمر، فذهبت أنا ورابح طوطاح، ووصلنا إلى بيته التي كان بها مخرجان، فحاصرنا الباب من الجهة العليا، وناديته، فأجابتني زوجته، فقلت لها أن تعلم زوجها بأنّ سُكان المنطقة كلهم سيلتقون أمام المسجد، فقالت لي إنه ليس موجودا، ولكننا بقينا نراقب المكان مدة 20 دقيقة تقريبا، حتى رأيناه يخرج متنكرا ومتخفيا بين ثلاث نساء، ولكني اكتشفت أنه ليس امرأة، فسرت وراءه إلى باب المسجد، وكان هناك ركن مظلم هو الحد الفاصل بين النساء والرجال، وهناك نزع الغطاء عن رأسه، وأنا كنت قد أوصيت الحارس أن يُراقبه، ثم غادرت النساء، وتخلف الرجال، وكان الخونة الثلاثة، وبينهم ابن بلعيد علي عمار، الذي كنا ننوي أن نأخذه معنا، لكن ليس لقتله. أما الأب فعندما انكشف، أظهر نفسه، وتعذر بأنه ادعى الغياب عن المنزل لأسباب أمنية، وأبدى استعداده ليدفع مبلغ 15 ألف فرك قديم، فطلبنا منهم أن يُرافقونا فرفضوا، وعندما حاول الرفاق تقييدهم قاوموا، ثم راحوا يصرخون ليسمعهم العساكر في مركز سيدي نعمان، وفي تلك اللحظات قفز ابن بلعيد من النافذة وهرب، فقرر عبد الرحمن عروس، أن يقضي عليهم جميعا" .
"أقول لك إننا سبقنا فرنسا في محاولة اختراق صفوفها، لقد بعثنا للحركى، رسائل كما لو أنّنا نشكرهم على السلاح الذي أرسلوه لنا (وذلك لم يكن صحيحا)، ففي الجباحية سنة 1958 سجنت فرنسا العديد من الحركى وقامت بتعذيبهم، لأنها اكتشفت تلك الرسائل الوهمية، فكان أن ضربنا بذلك عصفورين بحجر واحد" .وعن تعاون بعض الوطنيين الجزائريين مع الثورة تروي المجاهدة باية ماروك قصتها الطريفة مع أحد رجال الشرطة الذي أنقذها من قبضة العدو بأعجوبة، فتقول: "بقيت في نفس العمارة، مُختبئة لدى شرطيّ جزائري في الإدارة الفرنسية، يُدعى حميد مواسي. كان المُجاهدون قد اتصلوا به من قبل، لكي يُكلفوه بمهام، ولكنه رفض، حتى أنّ المسؤولين أرادوا تصفيته، إلاّ أنني حلت دون ذلك، لأنه لم يكن مُعاديا للثورة. وفي الأخير صار يتعاون معنا، وكانت البداية بإخفائي في بيته، فكانت الشرطة تبحث عني في كلّ البيوت، إلاّ بيته هو، لهذا أقول إنه قدم للثورة خدمات جليلة" .
وتقص جميلة دريش بعض ما تعرفه عن اجتماع 22 الذي انعقد في منزل عائلتها، وبمشاركة أخيها إلياس، فتقول: "كان أخي إلياس يحضر ضيوفه، ويطلب من أمّي أن تُحضّر لهم المكان، وكان لدينا سطح المنزل في "لارودوت" تنصب فيه أمي خيمة، تخرجنا لنبيت فيها، وتترك المكان لهؤلاء الضيوف، إذ أنهم يمرون من الحديقة وعندما يُغادرون يستعملون نفس الطريق، إذ يمرّون عبر السطح إلى الحديقة، ويفرون، وفي حي "لارودوت" (المرادية حاليا) لم نكن عائلة مُشتبها فيها، بل إنّ الشُرطة لم تكن تُفتّش بيتنا، فمنزل السيد بيسيتي (وهو معمر اسباني)، كان يُطلّ على سطح بيتنا، وكان يرى الناس يأتون ويزوروننا، وأننا ننظم سهرات، خاصّة في شهر رمضان، فكان يقول للمفتشين أن لا يقربوا بيتنا، ويصفنا بالنبلاء، الذين لا يمكن أن يكونوا ثوريين.
عندما اكتشفت السلطات الفرنسية أمر أخي إلياس جاؤوا ليقبضوا عليه، وكان بيتنا محاذيا لبيت عمي، وعندما جاء العسكر دخلوا بيت عمي، وأهل بيت عمي لم يخبروهم أنهم مخطئون، بل تركوهم يبحثون، حتى يتمكن إلياس من الهرب، وأرسلت زوجة عمي ابنها إلينا ليُخبرنا بالأمر، فراحت أمي تمزق الوثائق وترميها، وأثناءها خرج أخي ليذهب إلى العمل، كما لو أنّ شيئا لم يكن، ومر على شرطي الحراسة، وسلم عليه، فرد عليه التحية دون أن يعلم أنّه الشخص الذي جاء العساكر للبحث عنه.
وهكذا أفلت من قبضتهم، ليلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني" .
ويروي المجاهد الشاب أحمد بناي (المدعو جمال) قصة التحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني فيقول: "دون أن أعلم أحدا بالأمر اتجهت إلى البرواقية، وكان البرد قارسا، ولاحظت أنني لا أشبه سكّان تلك المنطقة، فاشتريت عرّاقية، وهو اللباس الذي كانوا يرتدونه، حتى لا يتفطن أحد لأمري، ولو أنني كنت أحمل أوراق الهويّة معي. وعلى الخامسة صباحا كان عليّ أن ألتحق بالحافلة التي تنقل من البرواقية إلى بوسكن، وهي مسافة تُقدر بحوالي ستّين كيلومترا، رغم أنني كنت أحمل أوراق الهويّة، وكنت أفكر في أنه إذا تمّ سؤالي أدعي أنّ لديّ عائلة في ذلك المكان وأتيت إليها زائرا، أو شيئا من هذا، وعندما وصلت إلى بوسكن، كان هناك دركيّان واقفان يُفتشان كلّ من يدخل إلى السّوق، ولكن، ولحسن الحظ، لم يكلماني، ذلك أنني كنت صغيرا، ولم أكن أثير الشُبهات، خاصّة وأنني أخذت كلّ احتياطاتي، ومنها أن أتجنب الحديث بالفرنسية، لأنّ سكّان تلك المنطقة لا يُجيدونها. لا بأس، دخلت إلى السوق، فالتقيت شيخا يبيع دجاجتين صغيرتين، وتشاء الصُدف أن يكون شيخا أعرفه، اسمه بن شتيح، حيث كان يعمل عند جدي وعند أبي في المزرعة، وعندما نظر إلي استغرب، وسألني عن سبب قدومي، فقلت له إنّ لي رسالة عليّ أن أو صلها للمُجاهدين، وأنّ عليه إيصالها إليهم، وطلبت منه أن يُوصلني إليهم، وهكذا التحقت بالثورة بعد امتحان شاق لإخلاصي وإرادتي" .
وعن تعاون بعض "الحركى" مع جيش التحرير الوطني بكل إخلاص وشجاعة، يروي الضابط رزقي بوهراوة بعض المفارقات الطريفة لهذه الحالات فيقول: "أؤكد هنا أنه بفضل هذه العلاقة القائمة على الثقة المتبادلة بيننا مع أهل القرية المخلصين للثورة أصبحنا ندخل إلي أولاد وارثْ في جنح الظلام، ونبيت أحيانا في منازل بعضهم. وصادف مرّة أنْ كنّا خمسة في دار أحدهم ، فجاء أحد الجنود الفرنسيّين ، ونادى على عبدالرّحماني، قائلا له : هيّا إلى المناوبة. لقد كنّا نسمع هذا الكلام ونحن داخل الدّار في أمان، ممّا يدلّ على الإخلاص الذي تحلّى به هؤلاء المساندون للعدوّ ظاهرا، والمتعاملون معنا بكل إخلاص في الواقع" .
صور بطولية
وعن بعض الصور الرائعة للوطنيين الذين كانوا يتظاهرون بالتعاون مع العدو وهم في حقيقتهم من أخلص الناس للثورة، وقد قدموا خدمات جليلة للوطن والثورة يقول المجاهد أحمد عثمان: "كثير من الناس لا يعرف قصّة "الفاد" وأعلم أننا استطعنا تدميرها، ذلك أن حسان باي، وهو ابن الحراش، كان معهم، ثم تراجع، وفكر في أنّ مسيرته النضالية كلها كانت في خدمة الوطن، قبل أن يجد نفسه يتعامل مع الفرنسيين، وأراد أن يعود إلى جبهة التحرير الوطني، فطلب منه الهاشمي تواتي، أن يفعل ذلك ولكن سرّا، ويبقى يحضر اجتماعاتهم لكي ينقل الأخبار للجبهة، وبهذه الطريقة تمكنا من تفكيك الجبهة "الجزائرية الديمقراطية"، والخطيرة التي كانت تهدد الثورة في الصميم وبالتالي استقلال الجزائر، بكلّ تأكيد" .
وعن أسر أحد جنود العدو ومحاولة إنقاذه من قبضة المجاهدين، بتدبير حيلة طريفة قام بها أحد الضباط الفرنسيين يروي المجاهد رزقي بوهراوة في مذكراته كل تفاصيل هذه الحادثة فيقول: "أذكر أن جيش التحرير الوطني قد أسر جنديّا فرنسيّا، فأرسله إلى تامقوط، وبعد البحث والتّحرّي تيقـّن الفرنسيّون أنّه أسير عندنا في مركز تامقوط، فكلّفوا نقيبا لهم لتحريره، فالتحق بجيش التّحرير، مدعيا أنه من المرتزقة، ومن الذين هم ضدّ هذه الحرب الظالمة. وكان الأسير يحرسه بعض الشيوخ الذين لا يخرجون معنا إلى المعارك، فاستغلّ النّقيبُ الماكر هذه الفرصة، فاقتربَ من هؤلاء الشيوخ، وطلبَ منهم أنْ يعلـّموه الصّلاة ليعْتنق الإسلام، وهكذا نال ثقتهم، حتى أنهم قالوا له بأنّ معهم أسيرا فرنسيّا؟ فقال لهم بمنتهى الخبث والدهاء: دعوني أرى هذا النذل، أخذوه إليه، ولمّا اقتربَ منه، أشار له بطرف العيْن، ثمّ نعته بأقبح الشتائم، وقال له: جئتَ لتقتل الجزائريّين الذين يدافعون عن وطنهم أيّها الملعون!.
ومرّت الأيّام ، وجاء خبر قدوم سي عميروش إليْنا، فتساءل النّقيب المتنكـِّر عن سبب مجيئه؟ فقيل له: ربمـا جاء ليأخذ معه الأسير. فقال : من الأفضل قتله . فأجيب: بل الأفضل أنْ يأخذه عميرش. ولمّا أيقن أنّ الفرصة ضاعتْ منه ، وأنْ لا أمل له في إنقاذ الأسير، قرّر أنْ يهرب قبل أنْ يُكتشف أمره ، متعلِّلا بقضاء الحاجة والوضوء للصّلاة . وهكذا فرّ وعاد بخفـّي حنين إلى مركزه" .
وعن بعض الاستفزازات العنصرية التي كان يمارسها جنود الاحتلال ضد الجزائريين، حتى من المجندين في الجيش الفرنسي مما يبعث في نفوسهم بعض الحمية فتحدث نتائج مفيدة للثورة والوطن، يروي المجاهد عبد العالي مجاوي إحدى هذه الحالات فيقول: "وقع ذلك في إحدى الثكنات العسكرية، بباتنة، كان المسؤول عليها مُلازم فرنسي مُتخرّج من المدرسة العليا لضبّاط فرنسا، وصالح نزار كان مُساعدا له، وفي إحدى جولات التفتيش رأى المسؤول جنودا جزائريين تابعين له وكانوا يحرسون، فقال لهم إنه عوض المكوث جميعكم مكتوفي الأيدي، فليُبادر بعضكم ببناء سور صغير، علّه يحميهم إذا ما حدث شيء، ففعلوا، وبنوا السور، ومرّ ذلك المسؤول بعد يومين، ورأى السور، ولكنّه لم يُعجبه، ودفعه برجله فتهدم، فقال إنّ هذا "عمل عربي" ما يعني أنّ العمل العربي عادة ما يكون رديئا، فاستاء صالح نزّار الذي كان برفقته من هذه العبارة، واعتبرها إهانة، بل جعلته يُقرّر أن ينتقم من ذلك المسؤول، ويُريه كيف يكون "العمل العربي"! فاتّصل بالثوّار، وقال لهم إنّه مستعد لمُساعدتهم في الهجوم على الثكنة والاستيلاء على كلّ السلاح الموجود فيها، والقضاء على مسؤوليها، ففعل، واستولى الثوّار على الثكنة، فقال صالح نزّار الثائر لذلك المسؤول العنصري: "هل رأيت كيف يكون العمل العربي؟" .
وعن الخيانات والمؤامرات الغريبة والطريفة، التي كانت تقوم بها الإدارة الاستعمارية لقمع الثورة، يروي المجاهد حسين زهوان أحد هذه الأعمال الخسيسة المعقدة فيقول: "علمت السبب بعد تلك الحادثة، إذ أنّ بلقاسم كريم قدم في ذلك اليوم للاتصال باللجنة الثورية للوحدة والعمل الذين كانوا يُحضرون للثورة، بعد أن ربط بينهم مصطفى بن بولعيد. هذا الأخير قال إنه لا يُفجّر ثورة يغيب عنها من حمل السلاح منذ سنة 1947، وكان يقصد بلاد القبائل. وتمّ الاتصال بين الطرفين بعد حادثة وقعت لمناضل من منطقة القبائل، أرسلته الحركة الوطنية لمنطقة الأوراس لكي يختفي فيها، واسمه اعراب اعمر، وظلّ مختبئا عن الأعين لمدّة، غير أنه انهار معنويا، وسعى لأن يُسلّم نفسه إلى السُلطات الفرنسية، واتّصل بالمسؤول الفرنسي، فوافق على أن يعفو عليه على أن يُثبت حُسن نيّته في تسليم نفسه، وذلك بإنجاز عملية في صالح فرنسا، فقتل أحد زملائه، ويُدعى زناتي، وقطع له أصبعه، كدليل على حسن نيته تجاه السلطات الفرنسية، غير أنّ المسؤول الإداري الفرنسي، الذي كان يعلم أنّ اعراب من منطقة سيدعلي بوناب، قال له إنّ هذا لا يكفي، ودعاه لأن يُنجز عملا آخر، وهو القبض على أوعمران وبلقاسم كريم حيّين، أو يقتلهما. فغادر أعراب الأوراس فجأة، ودون سابق إنذار، وهو ما جعل بن بولعيد يشكّ في أمره، ويُرسل تحذيرا إلى المُناضلين قائلا أنّ شُكوكا تحوم حول الرجل بشأن مقتل المناضل زناتي. وبعد الحادثة بأيّام قلائل قدم اعراب إلى بلكور، والتقى بأوعمران الذي كان على اطّلاع بتحذير بن بولعيد، فمشى الاثنان، مع مُناضلين آخرين، وهما محمد حمداش، وموحيس، ومرّوا ببلكور وحديقة التجارب، إلى أن وصلوا إلى غابة وادي المرأة المُتوحّشة، فهاجم اوعمران الرجل، ولكنّ هذا الأخير استطاع أن يستدرك الوضع، ويتحكّم في اوعمران الذي نادى على صاحبيه، فقدما، وحينها فرّ واعراب، فأطلق عليه اوعمران رصاصة فأصابه بها في ظهره فسقط في الوادي، وعندما سمع حارس الغابة ضجيجا حاول أن يطلع على ما حدث، غير أنه رأى المُسدّس في يد اوعمران فاختبأ، ولكن اعراب لم يمت!" .
وتحكي المجاهدة باية مروك قصة أحد الخونة (من طويلى العمر)، فتقول: "عمر البياع (مثلما كنا نناديه)، كان مجاهدا ثم خان، وصار يعمل مع العدو، فحاول المجاهدون في مرات كثيرة أن يتخلصوا منه، ولكنهم لم يستطيعوا، وفي مرة كان هناك مجند في الجيش الفرنسي، جاء في رخصة، وأراد الالتحاق بالمجاهدين، فأمروه أن يقتل هذا الخائن، فذهب وراءه، وضربه بالسكين، ولكنه لم يمت، وأنا قبل ذلك، كنت أعرف حورية (زوجته الثانية)، وهي صديقة طفولة، فأعطاني المسؤولون قنبلة لكي أضعها تحت سريره، ولكنها لم تفتح لي الباب، وذلك لأنه كان يغلق عليها قبل أن يخرج، لأنه لم يكن يثق في أي أحد!" .
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تاريخ الجزائر الاستعماري فرنسا فرنسا الجزائر تاريخ استعمار أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش التحریر الوطنی حقوق الإنسان التی کان الذی کان إلى الم قال له لم یکن
إقرأ أيضاً:
يوم للتاريخ يوثق وحدة المصريين ضد التهجير.. النواب يتحدثون من معبر رفح ويؤكدون دعم القضية الفلسطينية
النواب يؤكدون ندعم القيادة السياسية للتصدي لأية محاولات تمس أمن مصرالشعب المصري يقف صفًا واحدًا في مواجهة أي محاولات لتهديد سيادته على أرضهإصطفاف تاريخي يوثق وحدة المصريين ضدد التهجير
أكد عدد من النواب خلال مشاركتهم في الوقفة الاحتجاجية الواسعة أمام معبر رفح الحدودي، أن الشعب المصري بعث برسالة للعالم بأنه لا مجال لتهجير الفلسطينيين، وأنه لن يقبل بها المخطط الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
النواب أكدوا دعم القيادة السياسية للتصدي لأية محاولات تمس أمن مصر، مشيرين إلى أن الشعب المصري يقف صفًا واحدًا في مواجهة أي محاولات لتهديد سيادته على أرضه.
قالت النائبة هند رشاد أمين سر لجنة الاعلام والثقافة بمجلس النواب، إن الوقفة الشعبية العارمة امام معبر رفح اليوم تعكس أعمق معاني التضامن الوطني والالتزام الثابت بمبادئنا الراسخة تجاه القضايا العربية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وأضافت بأن مصر كانت وستظل الحامي الأمين للحقوق الفلسطينية، ولن تسمح بأي محاولات لتصفية هذه القضية أو التفريط في أي جزء من أرضها أو أمنها.
وشددت هند رشاد على إن دعوات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء تمثل مسعى غير قانوني وغير أخلاقي، يشكل تهديدًا للأمن القومي المصري ويعكس تجاهلًا تامًا لإرادة الشعوب، فسيناء ليست ملاذًا للفلسطينيين القسريين، بل هي جزء من الوطن المصري الذي يسعى كل مصري للحفاظ عليه وحمايته، وأن أي محاولة لفرض حلول أحادية أو غير متفق عليها من قبل أصحاب المصلحة في المنطقة لن تجد لها مكانًا في مصر، ولن يسمح بها الشعب المصري.
وأكدت النائبة هند رشاد، أن هذا التحرك يعكس رفضًا قاطعًا من قبل الشعب المصري لتوجيه أية حلول بديلة للقضية الفلسطينية بعيدًا عن المسار الصحيح بجانب دعمه لقرارات القيادة السياسية للدوله والرئيس عبد الفتاح السيسي وتأكيدة على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، طبقًا للقانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة.
وأوضحت عضو مجلس النواب بإن هذا الاحتشاد الشعبي هو رد فعل طبيعي تجاه محاولات الضغط المستمرة من القوى الكبرى لتصفية القضية الفلسطينية، وقالت" لقد عاهد الشعب المصري نفسه أن يكون صوتًا حقيقيًا للقضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية، ولن يتراجع عن هذا الدور التاريخي الهام، و نحن في مصر نؤمن بأن فلسطين هي قضية جميع العرب، ولكنها أيضًا جزء أساسي من الأمن القومي المصري، وبالتالي، فإن أي محاولات لتغيير الوضع الجغرافي أو السياسي في المنطقة ستظل محل رفض كامل من قبل الشعب المصري بكل أطيافه.
وقالت النائبة هند رشاد، من هنا من أمام معبر رفح أؤكد أن مصر لن تسمح بأن يتم اتخاذ سيناء مكانًا للتهجير القسري، وستظل ساحة للنضال الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة، بينما تواصل مصر مسيرتها في دعم الشعب الفلسطيني على الصعيدين السياسي والإنساني.
وأكدت أن هذه الوقفة هي تأكيد على أننا، كشعب مصري، سنظل داعمين للقيادة السياسية للتصدى لأية محاولات تمس أمن مصر أو تهدد استقرار المنطقة بأسرها.
من جانبه.. أكد النائب أحمد أدريس عضو مجلس النواب، أن الوقفة الوطنية الحاشدة التي شهدها معبر رفح اليوم هي بمثابة رسالة واضحة وقوية للعالم أجمع، بأن الشعب المصري يقف صفًا واحدًا في مواجهة أي محاولات لتهديد استقرار المنطقة أو المساس بسيادته على أرضه وإن مصر، قيادة وشعبًا، ترفض رفضًا قاطعًا كل أشكال الضغوط أو التدخلات التي تهدف إلى تغيير الواقع الجغرافي في المنطقة لصالح أي طرف كان، مهما كانت الظروف.
وأضاف أحمد أدريس أن حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن نقل الفلسطينيين إلى سيناء ليس فقط تهديدًا للأمن القومي المصري، بل هو أيضًا انتهاك صارخ للحقوق الفلسطينية ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، مؤكدا على أن سيناء، التي هي جزء من مصر، لا يمكن أن تُستخدم كأداة في المخططات الدولية التي لا تضع في اعتبارها مصالحنا الوطنية، ولا يمكن أن تكون وطنًا بديلاً للفلسطينيين.
وشدد النائب قائلا" أرض فلسطين هي أرض فلسطينية، ولا حل سوى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية.
وأضاف أن التحرك الشعبي اليوم هو بمثابة تأكيد على أن المصريين لا يقبلون بأي مساعٍ تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو فرض حلول غير عادلة، وهو تأكيد على أن قضية فلسطين ستظل في قلب الوعي الشعبي المصري، وأن الشعب المصري سيظل دائمًا سندًا لأشقائه الفلسطينيين في نضالهم المشروع من أجل حقوقهم، كما أن هذه المظاهرة هي دليل واضح على أن الشعب المصري، بمختلف فئاته، يرفض أن يتم استخدام مصر في مشاريع لا تخدم مصالحها ولا مصالح أشقائها الفلسطينيين.
وقال أحمد ادريس إن هذا الموقف الشعبي الكبير هو اعلان عن تفويض وتأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواقفه الثابتة اتجاه القضية الفلسطينية واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لحماية مصالحنا الوطنية والحفاظ على أمننا القومي.
وأكد النائب أحمد عاشور عضو مجلس النواب إن التحرك الجماهيري الذي شهدناه اليوم هو تعبير حقيقي عن وحدة الشعب المصري ودعمه لقرارات القيادة السياسية، الذي لا يقبل المساس بمقدراته أو القبول بأي مساعٍ تهدف إلى تغيير واقع المنطقة بما يتعارض مع إرادته، مشيرا إلى أن هذا الاحتشاد هو رسالة واضحة للعالم بأن مصر لن تسمح بتهديد أمنها القومي أو بتغيير التركيبة السكانية في سيناء، تلك الأرض التي تعد جزءًا لا يتجزأ من مصر.
وأضاف أحمد عاشور إلى إن هذه الوقفة الحاشدة ليست فقط احتجاجًا على تصريحات الرئيس الأمريكي السابق، بل هي تأكيد على أن الشعب المصري يقف دائمًا بجانب الشعب الفلسطيني في نضاله المستمر من أجل استعادة حقوقه المشروعة، و لا يمكن لأي محاولات خارجية أن تقوض من حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم أو أن تفرض عليهم واقعًا جديدًا بالقوة.
وشدد عضو مجلس النواب على أن مصر طالما كانت وستظل داعمة للقضية الفلسطينية، وقد قدمت وتقدم العديد من التضحيات في سبيل حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن، لا يمكن القبول بأن تكون سيناء، التي هي جزء من أمن مصر واستقرارها، ساحة للتطبيقات السياسية التي تخدم أجندات خارجية على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني أو سيادة مصر.
وأوضح "عاشور" أن موقف مصر الرافض لمخططات التهجير يتفق مع مبدأ العدالة والشرعية الدولية، حيث أن الحل العادل للقضية الفلسطينية هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وفقًا للقرارات الدولية، وليس عبر تهجير قسري أو فرض حلول لا توافق عليها الأطراف المعنية.
القوى الشعبية والأحزاب السياسية يشاركون في الوقفة التضامنية أمام معبر رفحمن رفح إلى العالم: التهجير خط أحمر.. التفاف تاريخي لدعم القضية الفلسطينيةوأكد النائب أحمد عاشور أن هذه المظاهرة الشعبية الحاشدة تبرهن على أن الشعب المصري بكافة فئاته ومؤسساته يظل قوة دافعة للمواقف الوطنية الراسخة، وأن موقف مصر القوي في دعم القضية الفلسطينية هو جزء لا يتجزأ من نضال الأمة العربية بأسرها.
وأشار إلى أن الشعب المصري سيظل حريصًا على الحفاظ على هويته الوطنية، وسيظل صوت الحق في دعم الشعب الفلسطيني، قائلا" نؤكد مجددًا أن مصر لن تقبل أبدًا بأن تكون جزءًا من أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو تغيير واقع المنطقة بما يضر بحقوق شعوبها.
النائبة مايسة عطوة: احتشاد المصريين أمام معبر رفح لتأكيد موقف الدولة المصرية برفض تهجير الفلسطينيين
قالت النائبة مايسة عطوة عضو مجلس النواب، إن احتشاد الآلاف من المصريين أمام معبر رفح منذ فجر اليوم في مشهد وطني غير مسبوق اعتراضًا على أي محاولات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مؤكدة أن هذا التحرك الشعبي الذي جاء كرد فعل طبيعي على تصريحات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، التي دعا فيها إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، يعكس موقف مصر الثابت والمبدئي في دعم القضية الفلسطينية ورفض أي حلول على حساب الأمن القومي المصري.
وأضافت مايسة عطوة قائلة: لقد أظهر الشعب المصري، بمختلف فئاته، وحدة قوية في مواجهة أي محاولات للتغيير الديموغرافي أو المساس بسيادة مصر على أراضيها، مشددة على أنه لا مكان في خارطة مصر للتهجير القسري، ولا مكان لأي مساعٍ تهدد استقرار منطقتنا أو تمس بحقوق الفلسطينيين في أرضهم، مؤكدة على أن سيناء هي جزء لا يتجزأ من تراب مصر، ولا يمكن أن تكون خيارًا بديلًا للفلسطينيين، بل هي أرض مصرية خالصة.
وأعلنت النائبة دعمها للموقف الرسمي للدولة المصرية الذي يرفض أي تدخلات خارجية في حل القضية الفلسطينية وتأكيدًا على موقف مصر الثابت في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ومواصلة دعم حقوقه المشروعة في تقرير مصيره.
وأشارت إلى إن هذا التحرك الشعبي يعكس الروح الوطنية العالية لشعب مصر في الدفاع عن القضايا العربية، ويؤكد على أن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي مصري قبل أن تكون قضية عربية.