يحتفي العالم اليوم بـ يوم اليتيم، وهو الجمعة الأولى من شهر إبريل، ويكثر البحث فيه عما يتعلق بالأيتام من حقوق كفلها الشرع الحنيف، ولعل في مقدمتها أموال اليتيم وهل يجوز للوصي أن يأخذ أجرة في مقابل الوصاية على أموال القصر؟

هل يجوز الأخذ من مال اليتيم نظير القيام على شؤنه؟

وفي جواب هل يجوز للوصي الأخذ من أموال اليتيم أجرة لوصايته عليها؟، قالت دار الإفتاء: يقوم بعض الناس بالوصايا على القصر، وغالبًا ما يكون هؤلاء من الأقارب، خاصة أنهم يعينون من قبل القضاء، سواء أوصى الميت بوصي بعينه أم لا، ولا يكون لكل حالة وفرة من المال؛ بحيث ينقطع للقيام بمصالح مال القاصر، فيلجأ لأخذ أجرة مقابل التفرغ وإدارة المال.

وهذه المسألة يتكلم عليها الفقهاء والمحدثون في الوصية على مال اليتيم، كما يذكرها المفسرون عند تفسير آية النساء المتعلقة بهذا الأمر.

وأما الحكم في هذه المسألة فهو جواز أخذ مال مقابل القيام على مال اليتيم وحفظه وتشغيله، حيث قول الله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 6].

ووجه الدلالة واضح؛ حيث نصت الآية على جواز الأخذ للوصي من مال اليتيم إن كان فقيرًا بالمعروف، قال بعض المفسرين: [والمعروف أن يأخذ من جميع ماله بقدر قيامه وأجرة عمله، ولا قضاء عليه، وهو قول عائشة رضي الله عنها وجماعة من أهل العلم] اهـ. "تفسير البغوي" (2/ 169، ط. طيبة).

علي جمعة يوضح صيغة الصلاة على النبي يوم الجمعة الأخيرة من رمضان الجمعة اليتيمة في رمضان.. أسرارها مع الأقصى وصحة أنها تكفر الصلوات الفائتة

وقال الشيخ المراغي: [أما الأكل من مال اليتيم بلا إسراف ولا مبادرة خوف أخذها عند البلوغ، فقد ذكر الله حكمه بقوله: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي فمن كان منكم غنيًّا غير محتاج إلى شيء من مال اليتيم الذي تحت ولايته فليعف عن الأكل من ماله، ومن كان فقيرًا لا يستغني عن الانتفاع بشيء من مال اليتيم الذي يشغل بعض وقته في تثميره وحفظه فليأكل منه بالمعروف، وهو ما يبيحه الشرع، ولا يستنكره أرباب المروءة، ولا يعدونه خيانةً وطمعًا.

قال ابن جرير: إن الأمة مجمعة على أن مال اليتيم ليس مالًا للولي، فليس له أن يأكل منه شيئًا، ولكن له أن يستقرض منه عند الحاجة كما يستقرض له، وله أن يؤاجر نفسه لليتيم بأجرة معلومة إذا كان اليتيم محتاجًا إلى ذلك كما يستأجر له غيره من الأجراء غير مخصوص بها حال غنى ولا حال فقر، وهكذا الحكم في أموال المجانين والمعاتيه.

وقد روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليس لي مال وإني ولي يتيم فقال: «كُلْ من مال يتيمك، غير مُسرف ولا متأثل مالا، ومن غير أَنْ تقِىَ مالَك بماله». 

والحكمة في هذا أن اليتيم يكون في بيت الولي كولده، والخير له في تربيته أن يخالط الولي وأهله في المؤاكلة والمعاشرة، فإذا كان الولي غنيًّا ولا طمع له في ماله كانت المخالطة مصلحة لليتيم، وإن كان ينفق فيها شيئًا من ماله فبقدر حاجته، وإن كان فقيرًا فهو لا يستغني عن إصابة بعض ما يحتاج إليه من مال اليتيم الغني الذي في حجره، فإن أكل من طعامه ما جرى به العرف بين الخلطاء غير مصيب من صلب المال شيئًا ولا متأثل لنفسه منه عقارًا ولا مالًا آخر ولا منفق ماله في مصالحه ومرافقه كان بعمله هذا آكلًا بالمعروف]. اهـ. "تفسير المراغي" (4 /189، ط. مصطفى البابي الحلبي).

ومن الأدلة أيضًا ما ورد صريحًا في السنة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إِنِّى فَقِيرٌ لَيْسَ لِى شَيْءٌ، وَلِي يَتِيمٌ، قَالَ: فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَادِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ». أخرجه أبو داود وغيره.

قال الإمام الخطابي: [قوله: «غير متأثل» أي غير متخذ منه أصل مال، وأثلة الشيء أصله. ووجه إباحته الأكل من مال اليتيم أن يكون ذلك على معنى ما يستحقه من العمل فيه والاستصلاح له، وأن يأخذ منه بالمعروف على قدر مثل عمله]. اهـ. "معالم السنن" (4/ 86، ط. المطبعة العلمية - حلب).

وقد ورد ذلك أيضًا في كلام بعض الصحابة، قال القاسم بن محمد: جاء رجل إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال له: إن لي يتيمًا، وله إبل أفأشرب من لبن إبله؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن كنت تبغي ضالةَ إبله، وتهنأ جرباها، وتلط حوضها، وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضر بنسل، ولا ناهك في الحلب" رواه مالك في "الموطأ".

كما أن الوصي يشبه الوكيل، فإذا كان الوكيل يجوز له أخذ الأجر على عمله، فكذلك الوصي.

ولا ريب أن عدم القول بالجواز يؤدي إلى إهدار مال اليتامى؛ لعدم قبول أحد للقيام على أموال اليتامى إلا قليلًا.

قال الإمام ابن قدامة: [ويجوز أن يجعل للوصي جُعلًا؛ لأنها بمنزلة الوكالة، والوكالة تجوز بجعل، فكذلك الوصية. وقد نقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يوصي إلى الرجل، ويجعل له دراهم مسماة، فلا بأس. ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة؛ لأنه نائب عنهم، ومقاسمته للورثة على الموصى له لا تجوز؛ لأنه ليس بنائب عنه]. اهـ. "المغني" (6/ 248، ط. مكتبة القاهرة).

وقال الخطيب الشربيني: [وإذا كان الناظر في أمر الطفل أجنبيًّا فله أن يأخذ من مال الطفل قدر أجرة عمله، فإن كانت لا تكفيه أخذُ قدر كفايته بشرط الضمان، وإن كان أبًا أو جدًّا أو أما بحكم الوصية لها وكان فقيرًا فنفقته على الطفل، وله أن ينفق على نفسه بالمعروف ولا يحتاج إلى إذن حاكم كما قاله ابن الصلاح]. اهـ. "مغني المحتاج شرح منهاج الطالبين" (4/ 124، ط. دار الكتب العلمية).

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: اليتيم يوم اليتيم کان فقیر ا رضی الله أن یأخذ إن کان

إقرأ أيضاً:

هل يجوز أن أقوم الليل بالدعاء فقط؟.. أجره لن يفوتك في هذه الحالة

لعل السؤال عن هل يجوز أن أقوم الليل بالدعاء فقط يعد من الأمور التي يبحث عن حكمها الكثيرون ، ممن عرفوا فضل قيام الليل الذي يتضاعف في شهر رجب لأنه من الأشهر الحُرم ، فيما يتعذر عليهم الصلاة أو قراءة القرآن ، ومن ثم ينبغي الوقوف على حقيقة هل يجوز أن أقوم الليل بالدعاء فقط ؟.

فضل قيام الليل في رجب.. 9 جوائز ربانية تجعلك لا تفوته بعد الآنهل صلاة أربع ركعات بعد العشاء تعدل قيام ليلة القدر؟.. انتبه

هل يجوز أن أقوم الليل بالدعاء فقط

قالت دار الإفتاء المصرية ، عن مسألة هل يجوز أن أقوم الليل بالدعاء فقط ؟، إن قيام الليل، وإحياءه، يحصُل بعمارته بالصلاة وغيرها من أنواع العبادة كتلاوة القرآن، والدعاء، وذكر الله تعالى، والاستغفار، ونحو ذلك، مشيرة إلى أن قيام الليل لابد فيه من الصلاة.

وأوضحت “ الإفتاء ” في إجابتها عن سؤال: ( هل يجوز أن أقوم الليل بالدعاء فقط دون صلاة ؟)، أن الدعاء  فقط ليس قيام ليل ولكنه عبادة فقط، يثاب عليه الإنسان ثواب الدعاء، لكن قيام الليل لابد فيه من الصلاة.

وأضافت أن الصلاةُ بالليل هي أفضل ما يشتغل به العبد؛ لاشتمالها على قراءة القرآن، والدعاء والاستغفار، لكن إذا كنت عاجزًا عنها بسبب انشغالك بالعمل، فإن أجر قيام الليل لا يفوتك إذا أحييته بأي نوع من العبادات السابق ذكرها.

وتابعت : وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عَمَّنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ: أَيُّمَا أَفْضَلُ لَهُ؛ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ التَّسْبِيحُ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَالْأَذْكَارِ؟ فأجاب: "...وَأَمَّا إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ، فَالْقِرَاءَةُ لَهُ أَفْضَلُ إنْ أَطَاقَهَا، وَإِلَّا فَلْيَعْمَلْ مَا يُطِيقُ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا نَقَلَهُمْ عِنْدَ نَسْخِ وُجُوبِ قِيَامِ اللَّيْلِ إلَى الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ.

ما هو قيام الليل

وبين  الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن قيام الليل مصطلح كبير يشمل سنة العشاء، والشفع والوتر، وصلاة التهجد، والتراويح، وقراءة القرآن، والدعاء ليلًا، فكل هذا من قيام الليل.

ونبه إلى أن أي طاعة يؤديها الإنسان ليلًا من بعد العشاء إلى قبل الفجر تسمى قيام ليل، فمن صلى الشفع والوتر فهو يكون قام الليل بالشفع والوتر أو من قام الليل بقراءة القرآن أو بالدعاء.

وتابع: وقيام الليل هو: قضاء معظم الليل أو جزء منه ولو ساعة في عبادة الله بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل ، ويطلق القيام ويراد العبادة عموماً، وصلاة الليل خصوصًا.

فضل قيام الليل

عدّ العُلماءُ بضعة َفضائل لصلاة قيام اللّيل، منها:
1- عناية النبيّ - عليه الصّلاة والسّلام - بـ صلاة قيام اللّيل حتى تفطّرت قدماه، فقد كان يجتهدُ في القيام اجتهادًا عظيمًا.
2- صلاة قيامُ اللّيل من أعظم أسبابِ دخول الجنّة.
3- صلاة قيامُ اللّيل من أسباب رَفع الدّرجات في الجنّة.
4- المحافظونَ على صلاة قيام اللّيل مُحسنونَ مُستحقّون لرحمة الله وجنّته، فقد مدح الله أهل قيام اللّيل، وعدَّهم في جملة عباده الأبرار.
5-مدح الله أهل قيام اللّيل في جملة عباده الأبرار، فقال - عزَّ وَجَل -: « وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا».
6- صلاة قيام اللّيل أفضَلُ الصّلاة بعد الفريضة.
7- صلاة قيامُ اللّيل مُكفِّرٌ للسّيئاتِ ومنهاةٌ للآثام.
8-شرفُ المُؤمن صلاة قيام اللّيل.
9- صلاة قيامُ اللّيل يُغْبَطُ عليه صاحبه لعظيم ثوابه، فهو خير من الدّنيا وما فيها.
 

مقالات مشابهة

  • حكم بيع العملات القديمة والعملات من بلاد أخرى.. دار الإفتاء تجيب
  • هل يجوز أن أقوم الليل بالدعاء فقط؟.. أجره لن يفوتك في هذه الحالة
  • حكم الصوم في شهر رجب .. دار الإفتاء تجيب
  • حكم صيام شهر رجب.. الإفتاء تجيب
  • تشتاق نفسي للعمرة فهل يجوز الاقتراض لأدائها؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز للمرأة السفر للحج بدون محرم؟.. الإفتاء: يجوز بشرط
  • هل تُعاد الصلاة بسبب السرحان وعدم الخشوع.. لجنة الفتوى تجيب
  • حكم استخدام الصابون المعطر أثناء الإحرام.. دار الإفتاء تجيب
  • حكم طهارة المريض المحجوز بالعناية المركزة.. الإفتاء تجيب
  • ما حكم تأجيل الحمل بسبب عدم القدرة على رعاية الأولاد؟.. دار الإفتاء تجيب