هل يجوز الأخذ من مال اليتيم نظير القيام على شؤنه؟.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
يحتفي العالم اليوم بـ يوم اليتيم، وهو الجمعة الأولى من شهر إبريل، ويكثر البحث فيه عما يتعلق بالأيتام من حقوق كفلها الشرع الحنيف، ولعل في مقدمتها أموال اليتيم وهل يجوز للوصي أن يأخذ أجرة في مقابل الوصاية على أموال القصر؟
هل يجوز الأخذ من مال اليتيم نظير القيام على شؤنه؟وفي جواب هل يجوز للوصي الأخذ من أموال اليتيم أجرة لوصايته عليها؟، قالت دار الإفتاء: يقوم بعض الناس بالوصايا على القصر، وغالبًا ما يكون هؤلاء من الأقارب، خاصة أنهم يعينون من قبل القضاء، سواء أوصى الميت بوصي بعينه أم لا، ولا يكون لكل حالة وفرة من المال؛ بحيث ينقطع للقيام بمصالح مال القاصر، فيلجأ لأخذ أجرة مقابل التفرغ وإدارة المال.
وهذه المسألة يتكلم عليها الفقهاء والمحدثون في الوصية على مال اليتيم، كما يذكرها المفسرون عند تفسير آية النساء المتعلقة بهذا الأمر.
وأما الحكم في هذه المسألة فهو جواز أخذ مال مقابل القيام على مال اليتيم وحفظه وتشغيله، حيث قول الله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 6].
ووجه الدلالة واضح؛ حيث نصت الآية على جواز الأخذ للوصي من مال اليتيم إن كان فقيرًا بالمعروف، قال بعض المفسرين: [والمعروف أن يأخذ من جميع ماله بقدر قيامه وأجرة عمله، ولا قضاء عليه، وهو قول عائشة رضي الله عنها وجماعة من أهل العلم] اهـ. "تفسير البغوي" (2/ 169، ط. طيبة).
وقال الشيخ المراغي: [أما الأكل من مال اليتيم بلا إسراف ولا مبادرة خوف أخذها عند البلوغ، فقد ذكر الله حكمه بقوله: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي فمن كان منكم غنيًّا غير محتاج إلى شيء من مال اليتيم الذي تحت ولايته فليعف عن الأكل من ماله، ومن كان فقيرًا لا يستغني عن الانتفاع بشيء من مال اليتيم الذي يشغل بعض وقته في تثميره وحفظه فليأكل منه بالمعروف، وهو ما يبيحه الشرع، ولا يستنكره أرباب المروءة، ولا يعدونه خيانةً وطمعًا.
قال ابن جرير: إن الأمة مجمعة على أن مال اليتيم ليس مالًا للولي، فليس له أن يأكل منه شيئًا، ولكن له أن يستقرض منه عند الحاجة كما يستقرض له، وله أن يؤاجر نفسه لليتيم بأجرة معلومة إذا كان اليتيم محتاجًا إلى ذلك كما يستأجر له غيره من الأجراء غير مخصوص بها حال غنى ولا حال فقر، وهكذا الحكم في أموال المجانين والمعاتيه.
وقد روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليس لي مال وإني ولي يتيم فقال: «كُلْ من مال يتيمك، غير مُسرف ولا متأثل مالا، ومن غير أَنْ تقِىَ مالَك بماله».
والحكمة في هذا أن اليتيم يكون في بيت الولي كولده، والخير له في تربيته أن يخالط الولي وأهله في المؤاكلة والمعاشرة، فإذا كان الولي غنيًّا ولا طمع له في ماله كانت المخالطة مصلحة لليتيم، وإن كان ينفق فيها شيئًا من ماله فبقدر حاجته، وإن كان فقيرًا فهو لا يستغني عن إصابة بعض ما يحتاج إليه من مال اليتيم الغني الذي في حجره، فإن أكل من طعامه ما جرى به العرف بين الخلطاء غير مصيب من صلب المال شيئًا ولا متأثل لنفسه منه عقارًا ولا مالًا آخر ولا منفق ماله في مصالحه ومرافقه كان بعمله هذا آكلًا بالمعروف]. اهـ. "تفسير المراغي" (4 /189، ط. مصطفى البابي الحلبي).
ومن الأدلة أيضًا ما ورد صريحًا في السنة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إِنِّى فَقِيرٌ لَيْسَ لِى شَيْءٌ، وَلِي يَتِيمٌ، قَالَ: فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَادِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ». أخرجه أبو داود وغيره.
قال الإمام الخطابي: [قوله: «غير متأثل» أي غير متخذ منه أصل مال، وأثلة الشيء أصله. ووجه إباحته الأكل من مال اليتيم أن يكون ذلك على معنى ما يستحقه من العمل فيه والاستصلاح له، وأن يأخذ منه بالمعروف على قدر مثل عمله]. اهـ. "معالم السنن" (4/ 86، ط. المطبعة العلمية - حلب).
وقد ورد ذلك أيضًا في كلام بعض الصحابة، قال القاسم بن محمد: جاء رجل إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال له: إن لي يتيمًا، وله إبل أفأشرب من لبن إبله؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن كنت تبغي ضالةَ إبله، وتهنأ جرباها، وتلط حوضها، وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضر بنسل، ولا ناهك في الحلب" رواه مالك في "الموطأ".
كما أن الوصي يشبه الوكيل، فإذا كان الوكيل يجوز له أخذ الأجر على عمله، فكذلك الوصي.
ولا ريب أن عدم القول بالجواز يؤدي إلى إهدار مال اليتامى؛ لعدم قبول أحد للقيام على أموال اليتامى إلا قليلًا.
قال الإمام ابن قدامة: [ويجوز أن يجعل للوصي جُعلًا؛ لأنها بمنزلة الوكالة، والوكالة تجوز بجعل، فكذلك الوصية. وقد نقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يوصي إلى الرجل، ويجعل له دراهم مسماة، فلا بأس. ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة؛ لأنه نائب عنهم، ومقاسمته للورثة على الموصى له لا تجوز؛ لأنه ليس بنائب عنه]. اهـ. "المغني" (6/ 248، ط. مكتبة القاهرة).
وقال الخطيب الشربيني: [وإذا كان الناظر في أمر الطفل أجنبيًّا فله أن يأخذ من مال الطفل قدر أجرة عمله، فإن كانت لا تكفيه أخذُ قدر كفايته بشرط الضمان، وإن كان أبًا أو جدًّا أو أما بحكم الوصية لها وكان فقيرًا فنفقته على الطفل، وله أن ينفق على نفسه بالمعروف ولا يحتاج إلى إذن حاكم كما قاله ابن الصلاح]. اهـ. "مغني المحتاج شرح منهاج الطالبين" (4/ 124، ط. دار الكتب العلمية).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اليتيم يوم اليتيم کان فقیر ا رضی الله أن یأخذ إن کان
إقرأ أيضاً:
هل يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها خوفا من الاغتسال في البرد؟
لعل السؤال عن هل يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها خوفا من الاغتسال في البرد ؟ يعد الاستفهامات المهمة التي فرضتها أجواء البرد الشديد في هذا الوقت من العام، حيث يصعب التعاطي مع المياه في مثل هذه الأجواء الباردة سواء بالاغتسال أو الوضوء الاغتسال من الجنابة، وهو ما يوضح أهمية معرفة هل يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها خوفا من الاغتسال في البرد ؟، خاصة وأن الامتناع عن الزوج يأتي ضمن قائمة الحلول المطروحة للهروب من هذا البرد القارس، وبالتالي فإن حال الكثيرات تفرض السؤال عن هل يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها خوفا من الاغتسال في البرد ؟.
قال الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الامتناع عن الزوج حرام شرعًا، منوهًا بأن الامتناع عن الزوج دون سبب شرعي يعتبر من الأفعال المحرمة شرعًا.
أجاب الدكتور أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء، في إجابته عن سؤال : هل يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها خوفا من الاغتسال في البرد ؟،
أن امتناع الزوجة عن تمكين زوجها ومعاشرته، حرام ولا يجوز شرعًا إلا إذا كان هناك عذر شرعي يمنعها من ذلك، وعلى الزوج أن يصبر على زوجته.
وجاء أن الواجب على الزوجة أن تطيع زوجها إذا دعاها للفراش ولا يجوز لها الامتناع منه ما لم يكن لها عذر كمرض أو حيض أو صوم واجب، أما مجرد عدم رغبتها في الجماع أو خوفها من الاغتسال فليس عذرا يبيح لها الامتناع ، وقد ورد وعيد شديد لمن تمتنع من إجابة زوجها للفراش بغير عذر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح. متفق عليه.
ورد أن هناك حديثًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ زَوْجتَهُ لِحَاجتِهِ فَلْتَأْتِهِ وإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّور»، ومعني التنور أي إذا كانت تخبز الخبز علي النار ، ومن هنا فإنه ينبغي عليها تلبية زوجها حتى وإن لم تستطع الاغتسال من شدة البرد عليها طاعة زوجها.
حقوق الزوج على زوجتهوكانت دار الإفتاء قد ذكرت أن حقوق الزوج على زوجته مشار إليها في قولُه تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228]،وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ لَكُم مِن نسائكُم حقًّا، ولنسائكِم عليكُم حقًّا» رواه ابن ماجه، ومن أبرز ما يمكن الإشارة إليه من حقوق الزوج على زوجته ما يلي:
أولًا: حقُّ تدبير المعيشة بالمعروف.
ثانيًا: حقُّ إصلاح حال الزوجة عند خوف نشوزها.
ثالثًا: حقُّ الاستمتاع بغير إضرار.
رابعًا: حفظُ مال الزوج وكتمُ أسراره وألا تُدخل بيته أحدًا بغير إذنه.
وقال الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه قد حرم الشرع امتناعَ الزوجة عن زوجها بغير عُذرٍ؛ حرَّم على الزوج الامتناعَ عن زوجته بغير عذرٍ كذلك، وأوجب عليه إعفافَها بقدر حاجتها واستطاعته، وإذا وصلت الحياة بين الزوجين لطريق مغلق، واستحالت العِشرة؛ لا ينبغي أن يُفرِّط أحدهما في حقوق صاحبه.
نبه أمين الفتوى ، إلى أن مثل هذه الأمور لو بالاتفاق لا حرمة فيه أما أن يكون في حاجة لهذا الأمر والزوجة تتركه لا يجوز شرعًا، فهجر الزوج لزوجته من غير قصد أو بسبب لا يجوز ، والعكس هجرة الزوجة لزوجها أيضا لا يجوز شرعًا.
و أضاف أن من الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا.. سورة النساء، 19 .
وقال سبحانه وتعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.. سورة البقرة، 228 ، ومن أشكال العشرة بالمعروف مبيت الزّوج في فراش الزّوجيّة، وأدائه لحقّ الزّوجة عليه، ولا يجوز له أن يترك ذلك إلا بمانع شرعيّ.
حكم امتناع المرأة عن فراش زوجها بسبب شربه للخمروأوضح الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب التي يأثم مرتكبها، كما قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)"المائدة.
وفي رده عن سؤال: ما حكم امتناع المرأة عن فراش زوجها بسبب شربه للخمر ؟، أشار إلى أن المرأة إذا رأت في امتناعها عن جماع الزوج ، رادعًا عما يفعل، وسببًا في هدايته ورجوعه إلى صوابه، جاز لها ذلك، لافتًا إلى ضرورة أن تتحلى المرأة بالحكمة في موعظة زوجها وأن تنوي بذلك الإصلاح، وفعلها هذا تؤجر عليه ويعد من الدعوة إلى الله، فالزوجة تكون أعلم بما يصلح ويقوم سلوك زوجها.
الامتناع عن الفراش بسبب سوء معاملة الزوججاء فيه أن امتناع المرأة عن فراش زوجها معصية عظيمة تستوجب غضب الله تعالى عليها ولعنة الملائكة لها، وينبغي على الزوجة أن تصبر على زوجها وأن تجتهد في أداء حقوقه عليها وأن تحتسب أجرها عند الله تعالى، قال سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}، وكذلك بالدعاء لزوجها أن يهديه الله تعالى وأن يهذب أخلاقه وأن يوفقه إلى حسن معاشرة أهله، وإذا بذلت الزوجة ما في وسعها ولم يستقم زوجها واستمر على غيه والإضرار بها، فإن لها الحق في الطلاق منه.
وأكد الشرع على حق الضعيف في الرحمة به، وجعل المرأة أحد الضعيفين؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم وَالمَرْأة» رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيد كما قال الإمام النووي في “رياض الصالحين.
وجاء أن المرأة أحق بالرحمة من غيرها؛ لضعف بنيتها واحتياجها في كثير من الأحيان إلى من يقوم بشأنها؛ ولذلك شبَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم النساء بالزجاج في الرقة واللطافة وضعف البنية، فقال لأنجشة: «ويحكَ يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ» رواه الشيخان، وفهم ذلك علماء المسلمين، وطبقوه أسمَى تطبيق، حتى كان من عباراتهم التي كوَّنت منهج تفكيرهم الفقهي: "الأنوثة عجز دائم يستوجب الرعاية أبدًا".
و يجدر الإشارة إلى أنه أمر الإسلام الزوج بإحسان عشرة زوجته، وأخبر سبحانه أن الحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة، فقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم: 21)، وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حسن معاملتهم لزوجاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي» رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها.
حكم رفض الزوجة للجماع بسبب التعبوبين الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، من خلال توضيح واستعراض الحالات التي يجوز فيها امتناع الزوجة عن زوجها ، إذ قال إن الأصل أن الزوجة لا تمنع نفسها عن زوجها إذا طلبها، لكن قد يمكنها الامتناع وعدم التلبية في حالات الإعياء الشديد، والمرض، والعذر: كالحيض أو النفاس، أو إحرام لحج أو لعمرة، مؤكدًا أنه يمكن للمرأة رفض العلاقة مع زوجها أثناء الصيام في نهار شهر رمضان.
واستشهد أمين الفتوى، في حديثه عن حالات منع المرأة نفسها عن زوجها، بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه: «لا ضرر ولا ضرار»، أي لا أضر نفسي ولا غيري، وأيضا بقول الرسول: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، مستكملا بالإشارة إلى قول الله تعالى في كتابه العزيز: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
حكم امتناع الزوجة عن زوجها بسبب رائحتهورد أن الواجب على الزوجين المعاشرة بالمعروف، ومن ذلك أن تطيع الزوجة زوجها في المعروف وخاصة إذا دعاها إلى الفراش ولم يكن لها عذر، فقد ورد وعيد شديد للزوجة التي تمتنع من إجابة زوجها لغير عذر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح. (متفق عليه).
جاء أنه إذا كانت الزوجة تتأذى من الجماع بسبب رائحة زوجها ، فلها الامتناع حتى يزيل هذه الرائحة، فقد جاء في فتاوى ابن حجر الهيتمي –رحمه الله- في الفتاوى الفقهية الكبرى: وَسُئِلَ عَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ من تَمْكِينِ الزَّوْجِ لِتَشَعُّثِهِ وَكَثْرَةِ أَوْسَاخِهِ هل تَكُونُ نَاشِزَةً؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا تَكُونُ نَاشِزَةٌ بِذَلِكَ، وَمِثْلُهُ كُلُّ ما تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ على إزَالَتِهِ أَخْذًا مِمَّا في الْبَيَانِ عن النَّصِّ أَنَّ كُلَّ ما يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ يَجِبُ على الزَّوْجِ إزَالَتُهُ.
حكم امتناع الزوجة عن زوجها بسبب الضربورد في الشرع الحنيف أنه لا يجوز للرجل أن يضرب زوجته إذا كان على وجه الإهانة والانتقام كذلك لا يجوز للمرأة ان تضرب زوجها أو تهينه ، فربما إهانة الرجل لزوجته تُنسى ولكن إهانة المرأة لزوجها لا تنسي.
ويجب أن يكون هناك علاقة حب ومودة وتبادل احترام بين الزوجين، فيجب على الزوجة أن تطيع زوجها وتحترمه لحديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول فيه «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا»، كذلك يجب على الزوج أن يحترم زوجته ويحسن اليه ويتجاوز عن ما أخطأت لقوله –صلى الله عليه وسلم- «واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا».
ولا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضرباً يصيبها بضرر ، فإنّ الضرب المأذون فيه عند السبب المبيح هو الضرب غير المبرّح ، ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ....... فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ "
و قال القرطبي : والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح ، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها ؛ فإن المقصود منه الصلاح لا غير ، فإذا كان الزوج قد ضرب زوجته ضربا مبرحا فقد تعدى حدود الله ، ويحق لها رفع أمره للقاضي وطلب الطلاق لهذا الضرر.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنّه لا يليق بالعاقل أن يضرب امرأته ضربا مبرحا ثم يجامعها في يومه ، فعن عبد الله بن زمعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه " رواه البخاري.
قال ابن حجر : وفي سياقه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته، والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة، والمجلود غالبا ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك، وأنه إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفور التام.
وجاء عن امتناع الزوجة منه إذا دعاها للفراش، فإن كان لسبب من مرض أو تعب بدني أو نفسي بحيث تتضرر من معاشرته فلا حرج عليها ، وأما إذا كان امتناعها لمجرد معاقبته على ضربه إياها فلا يجوز، وقد علمت كيف تأخذ حقها منه بالرفع إلى من ينصفها منه أو بطلب الطلاق.