هل يجوز الأخذ من مال اليتيم نظير القيام على شؤنه؟.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
يحتفي العالم اليوم بـ يوم اليتيم، وهو الجمعة الأولى من شهر إبريل، ويكثر البحث فيه عما يتعلق بالأيتام من حقوق كفلها الشرع الحنيف، ولعل في مقدمتها أموال اليتيم وهل يجوز للوصي أن يأخذ أجرة في مقابل الوصاية على أموال القصر؟
هل يجوز الأخذ من مال اليتيم نظير القيام على شؤنه؟وفي جواب هل يجوز للوصي الأخذ من أموال اليتيم أجرة لوصايته عليها؟، قالت دار الإفتاء: يقوم بعض الناس بالوصايا على القصر، وغالبًا ما يكون هؤلاء من الأقارب، خاصة أنهم يعينون من قبل القضاء، سواء أوصى الميت بوصي بعينه أم لا، ولا يكون لكل حالة وفرة من المال؛ بحيث ينقطع للقيام بمصالح مال القاصر، فيلجأ لأخذ أجرة مقابل التفرغ وإدارة المال.
وهذه المسألة يتكلم عليها الفقهاء والمحدثون في الوصية على مال اليتيم، كما يذكرها المفسرون عند تفسير آية النساء المتعلقة بهذا الأمر.
وأما الحكم في هذه المسألة فهو جواز أخذ مال مقابل القيام على مال اليتيم وحفظه وتشغيله، حيث قول الله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 6].
ووجه الدلالة واضح؛ حيث نصت الآية على جواز الأخذ للوصي من مال اليتيم إن كان فقيرًا بالمعروف، قال بعض المفسرين: [والمعروف أن يأخذ من جميع ماله بقدر قيامه وأجرة عمله، ولا قضاء عليه، وهو قول عائشة رضي الله عنها وجماعة من أهل العلم] اهـ. "تفسير البغوي" (2/ 169، ط. طيبة).
وقال الشيخ المراغي: [أما الأكل من مال اليتيم بلا إسراف ولا مبادرة خوف أخذها عند البلوغ، فقد ذكر الله حكمه بقوله: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي فمن كان منكم غنيًّا غير محتاج إلى شيء من مال اليتيم الذي تحت ولايته فليعف عن الأكل من ماله، ومن كان فقيرًا لا يستغني عن الانتفاع بشيء من مال اليتيم الذي يشغل بعض وقته في تثميره وحفظه فليأكل منه بالمعروف، وهو ما يبيحه الشرع، ولا يستنكره أرباب المروءة، ولا يعدونه خيانةً وطمعًا.
قال ابن جرير: إن الأمة مجمعة على أن مال اليتيم ليس مالًا للولي، فليس له أن يأكل منه شيئًا، ولكن له أن يستقرض منه عند الحاجة كما يستقرض له، وله أن يؤاجر نفسه لليتيم بأجرة معلومة إذا كان اليتيم محتاجًا إلى ذلك كما يستأجر له غيره من الأجراء غير مخصوص بها حال غنى ولا حال فقر، وهكذا الحكم في أموال المجانين والمعاتيه.
وقد روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليس لي مال وإني ولي يتيم فقال: «كُلْ من مال يتيمك، غير مُسرف ولا متأثل مالا، ومن غير أَنْ تقِىَ مالَك بماله».
والحكمة في هذا أن اليتيم يكون في بيت الولي كولده، والخير له في تربيته أن يخالط الولي وأهله في المؤاكلة والمعاشرة، فإذا كان الولي غنيًّا ولا طمع له في ماله كانت المخالطة مصلحة لليتيم، وإن كان ينفق فيها شيئًا من ماله فبقدر حاجته، وإن كان فقيرًا فهو لا يستغني عن إصابة بعض ما يحتاج إليه من مال اليتيم الغني الذي في حجره، فإن أكل من طعامه ما جرى به العرف بين الخلطاء غير مصيب من صلب المال شيئًا ولا متأثل لنفسه منه عقارًا ولا مالًا آخر ولا منفق ماله في مصالحه ومرافقه كان بعمله هذا آكلًا بالمعروف]. اهـ. "تفسير المراغي" (4 /189، ط. مصطفى البابي الحلبي).
ومن الأدلة أيضًا ما ورد صريحًا في السنة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إِنِّى فَقِيرٌ لَيْسَ لِى شَيْءٌ، وَلِي يَتِيمٌ، قَالَ: فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَادِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ». أخرجه أبو داود وغيره.
قال الإمام الخطابي: [قوله: «غير متأثل» أي غير متخذ منه أصل مال، وأثلة الشيء أصله. ووجه إباحته الأكل من مال اليتيم أن يكون ذلك على معنى ما يستحقه من العمل فيه والاستصلاح له، وأن يأخذ منه بالمعروف على قدر مثل عمله]. اهـ. "معالم السنن" (4/ 86، ط. المطبعة العلمية - حلب).
وقد ورد ذلك أيضًا في كلام بعض الصحابة، قال القاسم بن محمد: جاء رجل إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال له: إن لي يتيمًا، وله إبل أفأشرب من لبن إبله؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن كنت تبغي ضالةَ إبله، وتهنأ جرباها، وتلط حوضها، وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضر بنسل، ولا ناهك في الحلب" رواه مالك في "الموطأ".
كما أن الوصي يشبه الوكيل، فإذا كان الوكيل يجوز له أخذ الأجر على عمله، فكذلك الوصي.
ولا ريب أن عدم القول بالجواز يؤدي إلى إهدار مال اليتامى؛ لعدم قبول أحد للقيام على أموال اليتامى إلا قليلًا.
قال الإمام ابن قدامة: [ويجوز أن يجعل للوصي جُعلًا؛ لأنها بمنزلة الوكالة، والوكالة تجوز بجعل، فكذلك الوصية. وقد نقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يوصي إلى الرجل، ويجعل له دراهم مسماة، فلا بأس. ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة؛ لأنه نائب عنهم، ومقاسمته للورثة على الموصى له لا تجوز؛ لأنه ليس بنائب عنه]. اهـ. "المغني" (6/ 248، ط. مكتبة القاهرة).
وقال الخطيب الشربيني: [وإذا كان الناظر في أمر الطفل أجنبيًّا فله أن يأخذ من مال الطفل قدر أجرة عمله، فإن كانت لا تكفيه أخذُ قدر كفايته بشرط الضمان، وإن كان أبًا أو جدًّا أو أما بحكم الوصية لها وكان فقيرًا فنفقته على الطفل، وله أن ينفق على نفسه بالمعروف ولا يحتاج إلى إذن حاكم كما قاله ابن الصلاح]. اهـ. "مغني المحتاج شرح منهاج الطالبين" (4/ 124، ط. دار الكتب العلمية).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اليتيم يوم اليتيم کان فقیر ا رضی الله أن یأخذ إن کان
إقرأ أيضاً:
حكم عدم سجود التلاوة خلال قراءة القرآن.. الإفتاء تكشف
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن سجود التلاوة مشروعٌ لإظهار تمام العبودية لله سبحانه؛ وذلك حال تلاوة المسلم أو استماعه لآية من الآيات الداعية في معناها إلى السجود لله تعالى.
وأضافت دار الإفتاء، عبر موقعها الإلكتروني، أن سجود التلاوة ليس فرضًا؛ فجاز تركه بلا إثم لـمَنْ لم يتمكن منه؛ كمَنْ لم يكن على طهارة مثلًا؛ مراعاةً للتأدب في حضرة الله المولى تعالى.
وتابعت الإفتاء أن في الذكر سعةٌ لـمَنْ لم يسجد لعذرٍ ولو كان متطهرًا؛ كأن يقول: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
وذكرت آراء عدد من الفقهاء منهم:
قال العلامة القليوبي في "حاشيته على شرح المحلي على المنهاج" (1/ 235، ط. دار الفكر): [يقوم مقام السجود للتلاوة أو الشكر ما يقوم مقام التحية لمَن لم يُرد فعلها ولو متطهرًا؛ وهو: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر] اهـ.
وقال العلامة سليمان الجمل في "حاشيته على شرح المنهج" (1/ 467، ط. دار الفكر): [فإن لم يتمكّن من التطهير أو من فعلها لِشُغْلٍ قال أربع مرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ قياسًا على ما قاله بعضهم من سنّ ذلك لمَنْ لم يتمكن من تحية المسجد لحدثٍ أو شغلٍ، وينبغي أن يقال مثل ذلك في سجدة الشكر أيضًا] اهـ.
واختتمت بالتأكيد على أن سجود التلاوة عند مواضعه من القرآن الكريم سُنة مؤكدة في حق التالي والسامع؛ فيثاب فاعله ولا يؤاخذ تاركه، وفي الذكر سعةٌ لمَن لمْ يسجد؛ كأن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
ما حكم المرور أمام المصلين أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب
قراءة البسملة في الصلاة.. الإفتاء تحدد 4 أحكام صحيحة
هل يجب إعادة الوضوء بعد النوم الخفيف؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي
حكم الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل.. الإفتاء توضح
سجود التلاوة: هو الذي سببه تلاوة آيةٍ من آيات السجود في القرآن، وهو مشروعٌ باتفاقِ الفقهاءِ. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (2/ 4، ط. دار المعرفة)، و"حاشية الدسوقي" (1/ 308، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للنووي (4/ 61، ط. دار الفكر)، و"الإقناع في فقه الإمام أحمد" للحجاوي المقدسي (1/ 154، ط. دار المعرفة).
دليل مشروعية سجود التلاوةالأصلُ في ذلكَ: قولُه تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 107-109].
قال العلامة الزمخشري في "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" (2/ 699، ط. دار الكتاب العربي): [فإذا تُلِىَ عليهم خرّوا سجدًا، وسبحوا الله؛ تعظيمًا لأمرهِ، ولإنجازه ما وعد في الكتبِ المنزلةِ، وبشَّرَ بِهِ من بعثةِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وإنزالِ القرآنِ عليهِ، وهو المرادُ بالوعدِ في قوله: ﴿إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا﴾.. ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾ أي: يَزِيدُهُم القرآنُ لينَ قلبٍ ورطوبةَ عينٍ] اهـ.
وما رواه البخاري في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ علينا السورة، فيها السجدة فيَسْجُد ونَسْجُد، حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته".
قال العلامة الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 311، ط. دار الحديث): [الحديث دليل على مشروعية سجود التلاوة، وقد أجمع على ذلك العلماء] اهـ. وممَّا سبق يُعلَم الجواب عمَّا جاء بالسؤال.