معن بشور تستضيف العاصمة اللبنانية في 30 – 31 الجاري الدورة 32 للمؤتمر القومي العربي بحضور أكثر من 180 عضواً من 16 بلداً عربياً وبلدان الاغتراب وعدد كبير من الضيوف والإعلاميين. والمؤتمر المستمر انعقاده السنوي منذ عام 1990 حتى اليوم، رغم كل ما مرّ بالأمة من زلازل وأعاصير سياسية وأمنية واجتماعية، كاطار للتحاور والتشاور بين أعضاء يمثلون معظم الوان الطيف الفكري والسياسي المؤمن بأهداف المشروع النهضوي العربي الستة، ومن غير الملوثة أيديهم بدماء شعوبهم والملوثة خطبهم بدعوات التحريض العرقي والطائفي والمذهبي والفتنوي.
والجدير بالذكر أن أعضاء
المؤتمر يتحملون نفقات سفرهم واقامتهم ويسهمون عبر اشتراكاتهم بتمويل فعاليات المؤتمر في اطار ميزانية محدودة جداً لا تقارن بميزانيات العديد من المؤسسات العاملة في الشأن السياسي أو الفكري أو الاجتماعي. وبهذا المعنى يشكّل استمرار هذا المؤتمر ظاهرة تستحق الدراسة من أعضائه أولاً، ومن أصدقائه والمؤمنين بفكرته ثانياً، كما من العديد ممن يتحاملون عليه بغير وجه حق ويتهمونه بتهم معاكسة لبعضها البعض.. فهذه الدراسة ضرورية للتعرف على عناصر استمرار هذه التجربة على مدى عقود ثلاثة ونيّف في ظروف بالغة الصعوبات من أجل تعميم مثل هذه المؤسسة الجامعة والقادرة على إعلاء صوت المبادئ العليا للأمة على الحسابات الفئوية الضيقة، واعلاء صوت الحوار والتشاور والتحاور على لغة التناحر والتصادم والانقسام، وإعلاء الممارسة الديمقراطية على كل نزعة ذات طبيعة اقصائية ، فيكفي هذه المؤسسة انها انتخبت خلال الأعوام الثلاثين ونيف، عشرة أمناء عامين على التوالي في ممارسة لتداول المسؤولية تكاد تختفي من الكثير من المؤسسات، ناهيك عن الحضور المؤثر في مواجهة كل المحطات المهمة في حياة الأمة خلال كافة هذه العقود. لا شك ان استمرارية هذا المؤتمر كل هذه السنوات يعود الى وجود مؤسسين ومتابعين مؤمنين بحاجة الامة الى إطار جامع يقود حواراً بين مكونات الأمة ويخرج بمواقف واضحة تعبّر عن ضمير الأمة ووجدانها بشكل موضوعي وواضح وشجاع. لكن الأهم في استمرارية التجربة انها تعبّر عن حاجة لدى العديد من المسكونين بهموم الامة الى إطار جامع للحوار بينهم، والى صيغة عمل مشترك تعبّر عن مواقفهم من القضايا الرئيسية في حياة الأمة والتي حدّدها المشروع النهضوي العربي بالوحدة العربية وطريقها التكامل بين اقطار الامة والتفاعل بين أبنائها، والاستقلال الوطني والقومي وطريقه المقاومة بكل اشكالها، والعدالة الاجتماعية وطريقها النضال ضد الاستغلال والفساد، والتنمية المستقلة وطريقها النضال ضد التبعية والتخلف، والتجدد الحضاري وطريقه التمسك بحضارة الامة وتراثها مع انفتاح على روح العصر ومنجزاته. ولعل من الأسباب التي تفسر استمرارية هذه التجربة أيضاً هو قوة الانتماء العروبي الجامع والعابر لكل العصبيات الضيقة، فئوية او عرقية أو طائفية أو مذهبية، فأنبرى المؤمنون بالعروبة الحضارية التقدمية للدفاع عن هوية الأمة بوجه مخططات التمزيق والتقسيم التي تملأ أجواء الامة على كافة المستويات.. وربما من الأسباب المهمة في استمرار هذه التجربة هو حرصها الى استقلاليتها عن الواقع الرسمي العربي على قاعدة لا تبعية ولا عداء، بل دعوة هذا الواقع لاتخاذ المواقف السليمة من قضايا الأمة ونقده حين يلزم، دون الإنزلاق إلى لغة الشتائم والتحريض الذي لا يقود إلاّ الى الفتن. يضاف الى هذه الأسباب أيضاً ان المؤتمر القومي العربي التزم من بداياته بالامة بالمقاومة نهجاً لمواجهة كل احتلال أو عدوان أو حصار، فكانت له مبادرات هامة على هذا الصعيد، سواء في دعم المقاومة الفلسطينية وانتفاضات الشعب الفلسطيني، أو مساندة المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي ومؤامرة الفتنة داخل العراق، أو الدفاع عن المقاومة اللبنانية ورفض وصمها بالإرهاب، بل في مبادرات عملية اطلقها لكسر الحصار على أي دولة عربية تتعرض للحصار، وتسليط الأضواء على معاناة أبناء هذه الأقطار الإنسانية من جراء هذه الحصارات. ومستقبلية هذا المؤتمر تتجلى من خلال اهتمامه بالشباب، حيث كانت أول قراراته عام 1990، إقامة مخيم ستوي للشباب القومي العربي، ما زال قائماً كل عام، وتنعقد دورته الثلاثون في الثلث الأخير من أيلول/يبتمبر 2023، بالإضافة إلى إشراف أعضائه على ندوات فكرية شبابية سنوية، وعلى ملتقى شبابي تضامني، ورحلات شبابية تضامنية إلى عدّة أعطار عربية. ولعل ما يميّز هذه التجربة أيضاً هو انها تعطي الفكر والتحليلات ذات الطبيعة الاستراتيجية أولوية في مناقشاتها مدركة ان العمل الذي لا توجهه رؤية أو فكر سليم مآله الفشل والضياع، وأن الفكر الذي لا يصاحبه فعل مصيره الفراغ والفشل والتلاشي، ومن يتابع التقارير السياسية التي يناقشها المؤتمر في كل دورة منذ سنوات عدّة، يلاحظ أنها تتضمن رؤى استشرافية للتطورات على المستويات العربية والإقليمية والدولية بما كان يعاكس الرؤى السائدة في تلك الأيام. من هنا تبرز أهمية هذه الدورة لدى أعضاء المؤتمر لتطويرها وتخليصها من أي سلبية عالقة بها، ومن قبل أصدقاء المؤتمر من اجل الحرص عليها والسعي لاغنائها، ومن قبل الاخرين من أبناء الامة للاستفادة من دروسها وتحصين العمل السياسي والحزبي والنقابي والثقافي والإعلامي العربي بوجه العديد من المزالق التي يمكن ان يقع فيها.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
القومی العربی
هذه التجربة
إقرأ أيضاً:
حازم شريف يطالب بحل مشاكل الصحفيين وإسقاط ديون المؤسسات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال حازم شريف رئيس تحرير جريدة "المال"، إنه طوال الوقت نتحدث عن مشاكل الصحفيين، والحصول على خدمة تستدعي إسقاط الديون عن المؤسسات.
وأوضح "شريف" خلال جلسة سبل الإصلاح المالي والاقتصادي في المؤسسات الصحفية المنعقدة الآن بنقابة الصحفيين، إن البنية الصحفية المصممة في مصر تعمل على التحكم في تحول التكلفة الرئيسية ومن 2018 بدأ هذا التحول.
وانطلقت أمس السبت فعاليات المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين بحضور ومشاركة واسعة من المتخصصين والجمعية العمومية.
وفي وقت سابق أعلنت نقابة الصحفيين المصريين بالتنسيق مع الأمانة العامة للمؤتمر السادس للصحافة المصرية برنامج المؤتمر، الذي ينعقد خلال الفترة من 14 إلى 16 ديسمبر الحالي، ويشارك فيه نخبة واسعة من المتحدثين المصريين والعرب، وممثلو الاتحاد الدولي للصحفيين.
ويتضمن برنامج المؤتمر جلسات لأبرز القضايا والموضوعات الملحة، التي تهم الصحفيين المصريين، وأوضاع الصحافة المصرية، بالإضافة لإعلان نتائج الاستبيان الخاص بالمؤتمر، الذي شارك فيه أكثر من 1500 صحفي.
ودعت الأمانة العامة للمؤتمر جموع الصحفيين المصريين للمشاركة في المؤتمر، ومناقشة كل القضايا المتعلقة بمهنة الصحافة، وأوضاعها وتحدياتها للوصول لتوصيات معبرة عن الصحافة المصرية وأوضاع الصحفيين.