السيادة والإمبريالية: الأعمال التجارية الدولية والتمويل وموقع السودان في الإمبراطورية البريطانية
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
Sovereignty and imperialism: International business, finance and the position of Sudan in the British empire
Simon Mollan and Chris Corker سايمون مولان وكريس كوركر
ترجمة بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: نُشِرَ هذا المقال في 22 صفحة بعنوان "السيادة والإمبريالية: الأعمال التجارية الدولية والتمويل وموقع السودان في الإمبراطورية البريطانية" في عام 2023م بدورية "تاريخ الأعمال (التجارية) Business History".
المترجم
*********** ************* **************
الموجز
نتناول بالدراسة في هذا المقال العلاقات بين السودان ومصر إبان فترة الحكم الكلولونيالي من أجل استكشاف الكيفية التي بها أدت السيطرة على الأعمال التجارية والتمويل الدولي إلى دمج السودان داخل الإمبراطورية البريطانية. وندرس أيضا الكيفية التي بدأ بها مركز القوة والسيطرة على تلك العوامل الاقتصادية في التغيير، وكيف غيّر ذلك من موقف السودان. ومن أجل ذلك، قمنا باستكشاف موضوعات ثلاثة: قمنا أولاً بدراسة الكيفية التي ينظر بها مجال العلاقات الدولية إلى مسألة السيادة. واستخدمنا ذلك لطرح عملية تجريد الفهم المشترك أو التقليدي (problematize) لموضوع السيادة من أجل الحصول على رؤى جديدة حول كيفية تأثير العلاقات الإمبريالية على مفاهيم السيادة في سياق الدولة الاستعمارية، وقمنا ثانياً بدراسة تاريخ الأعمال (business history) في السودان فيما يتعلق بهيكل الاقتصاد السوداني. واستكشفنا ثالثاً الكيفية التي ساهم بها التمويل في تشكيل العلاقات بين السودان والإمبراطورية البريطانية. ثم ناقشنا أخيراً الآثار المترتبة على تاريخ الأعمال والتمويل في السودان فيما يتعلق بتاريخ الإمبريالية والكولونيالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
*********** ************ **********
النتائج المستخلصة
أوضحنا في هذا المقال كيف أن الدولة الكلولونيالية في السودان كانت قد أكدت، وبصورة متدرجة، على سيطرتها المتعاظمة على الأعمال التجارية الدولية، وبالتالي على الاقتصاد الكولونيالي الأوسع، وعلى عمليات تمويل الدولة.
لقد قدمنا الحجة على وجود تلك القدرة المعززة لدى الدولة، وعلى زيادة المستوى النسبي لسيادة الدولة، مما أفضى لانفصال أكبر عن مصر، وفي النهاية حدوث استقلال أكبر داخل النظام الإمبريالي البريطاني. وفي بداية هذه المقالة، حددنا أربعة أنواع من السيادة التي يمكن استخدامها – بصورة أشد عمقاً - لاستكشاف المزيد حول كيفية حدوث ذلك التغير مع مرور السنوات، وذلك فيما يتعلق بالنقاط التي غطتها هذه المقالة. وكان النوع الأول من السيادة هو السيادة القانونية الدولية، والتي تم التعبير عنها بالاعتراف المتبادل بين الدول. وكان الثاني هو "سيادة وستفالين" (1)، التي تم التعبير عنها من خلال استبعاد الجهات الفاعلة الحكومية الخارجية من الإقليم. وفيما يتعلق بهاتين الفئتين، نرى أنه من خلال تعزيز السيطرة على جزء الاقتصاد الموجه للتصدير، وتأمين مصادر الإيرادات المالية، ومن خلال عملية تدريجية للانفصال المالي عن مصر، عزز السودان سيادته في كلا المجالين. ومع مرور السنوات، غدت حكومة السودان قادرةً – وبشكل متزايد – على إقامة علاقاتها الخاصة مع شركاء أو دول أجنبية، أو أن ترفض تجديد تلك العلاقات (كما حدث مع الشركة الزراعية السودانية Sudan Plantation syndicate (2))، من دون تأثير أو تدخل من وزارتي المالية أو الخارجية البريطانية، أو من الحكومة المصرية في القاهرة. وكان النوع الثالث من السيادة الذي تطرقنا له في هذا المقال هو السيادة المحلية (domestic sovereignty) التي يعبر عنها بالدولة التي تمتلك السلطة داخل إقليم ما، وغالباً ما ترتبط "السيادة المحلية" باحتكار العنف المحلي. وفيما يتعلق بهذا النوع من السيادة، فإن التأثير المباشر للتغيرات في وضع الأعمال والتمويل - الذي تمت مناقشته هنا - محدود لدرجة ما، إلا بحسبانه مصدراً للدخل لدعم مؤسسات الدولة التي تمارس هذه السلطة. أما النوع الرابع من السيادة، فهي سيادة تمثل نطاق كل الأنشطة التي يمكن للدول أن تمارس عليها سيطرة أحادية بشكل فعال (interdependence sovereignty)، مثل السيطرة على الحدود ومرور البشر والبضائع ورؤوس الأموال والمعلومات عبر تلك الحدود. وفي هذه الشأن على وجه الخصوص كان هناك تعزيز للسيادة فيما يتعلق بقدرة حكومة السودان على السيطرة على صناعة التصدير الرئيسية - زراعة القطن - والبدء في عملية التأميم وسحب رأس المال – مثل ما حدث مع الشركة الزراعية السودانية؛ ودور الدولة بحسبانها مستثمرة ومديرة لمشروع الجزيرة. ويقدم هذا أيضاً مساهمة صغيرة ولكنها جديرة بالملاحظة والاهتمام في تأريخ الشركة البريطانية القائمة بذاتها (Free – Standing Company)، من خلال التأكيد على أن الشركات الدولية القائمة على الامتيازات والتي تمتلك أصولًا ثابتة كانت عرضة للتأميم – وهذا هو أحد الأسباب المقترحة لتراجع شكل الشركات الحرة / القائمة بذاتها في العالم إبان منتصف القرن العشرين.
ومن خلال زيادة السيطرة على الأعمال التجارية الدولية والاقتصاد والتمويل، غيرت الدولة الكلولونيالية موقف السودان مؤسسياً داخل النظام الإمبريالي، وعلى هذا النحو أظهرت قدرتها السيادية. ويمكن القول إن هذا جعل إنهاء الكولونيالية (decolonization) أكثر احتمالا. وبالتالي فإن هذا المقال يكمل الأدبيات المنشورة عن إنهاء الكولونيالية في السودان (3)، وذلك من خلال تقديم منظور طويل المدى حول القوة النسبية للعوامل المسببة للإمبريالية (التي تتمثل تحديداً في رأس المال الدولي/الأعمال التجارية الدولية، والمصالح المالية والسياسية لكل من بريطانيا ومصر) من أجل أن يكون لها تأثير دائم وعسير التغيير على المستعمرة. ويشير هذا أيضاً لعمليات التفكك الأعمق التي أصابت النظام الإمبريالي البريطاني بأكمله، خاصة بعد عام 1945م.
وبالإضافة إلى هذه المساهمة التأريخية (historiographical)، يمكننا كذلك استخلاص عدد من الاستنتاجات المحددة فيما يتعلق بطبيعة النظام الإمبريالي في شمال إفريقيا، والتي ترتبط بالموضوع (في هذا العدد الخاص من المجلة). وحين شرعت الإمبريالية البريطانية في الميل نحو إنهاء الكلولونيالية، تنافست الجهات الفاعلة المؤسسية المختلفة داخل النظام الإمبريالي مع بعضها البعض. ومع مرور الوقت غدت الدولة الاستعمارية السودانية - على مستوى الجهات الفاعلة في الدولة - منفصلة بشكل متزايد عن مصر (خاصة في مجال السيطرة المالية)، وهو ما يتوافق أيضاً مع التفسير القائل بأن حكومة السودان الكولونيالية كانت قادرة على اتباع سياسات تخدم مصالح السودان (كما كانت تراها) بصورة مستقلة نسبياً عن الحكومة الإمبريالية في لندن أيضاً. وفي هذا السياق، يمكننا أن نبدأ في رؤية نظام "عالمي" في طور الظهور، والذي غدا لاحقاً "نظام الدول العالمية في فترة ما بعد الحرب post -war international states system"، الذي كان على النقيض تماماً من فترة "نظام الحكم الإمبريالي ما قبل عام 1940 ".
وعلى مستوى الأعمال التجارية الدولية، صارت حكومة السودان أقل ترحيبا وأكثر تدخلا في سعيها للسيطرة على الأصول الزراعية الحيوية للقطن، وذلك في تناقض صارخ مع فكرة أن المستعمرات البريطانية كانت دوماً متقبلة وداعمة للأعمال التجارية. ويقدم لنا ذلك نظرة ثاقبة للطبيعة الديناميكية والمرنة للإمبريالية البريطانية في الشرق الأوسط، وخاصة شمال أفريقيا في ذلك الوقت. وتغيرت مقاليد السلطة وتحولت داخل السودان، وبين السودان وجارتها المباشرة مصر. وكانت كل تلك الأمور مرتبطة ببعضها البعض، ومثلت جزءًا من مجموعة من القرارات السياسية التي اُتُّخِذَتْ من أجل تعزيز سلطة الدولة - في هذه الحالة، على حساب الأعمال البريطانية الدولية، وعلى حساب النفوذ السياسي المصري. وفضلاً عن ذلك، زودت تلك التغييرات الدولة القومية المستقبلية بالهياكل والمؤسسات التي بقيت حتى لما بعد الفترة الكلولونيالية. وبالتالي أصبحت الأعمال الروتينية وخيارات وهياكل قوة الحكم الكلولونيالي جزءًا من مستقبل السودان، مع كل المشاكل التي قد يجلبها الاعتماد على مسار الاستقلال، والتركيز (المفرط) على محصول نقدي واحد.
*********** *********** ***********
إحالات مرجعية
1/ بحسب تعريف موسوعة الويكيبديا، فإن "سيادة وستفالين Westphalian sovereignty" هو مبدأ القانون الدولي بأن لكل دولة سيادة على أراضيها وشؤونها الداخلية، ويتم استبعاد جميع القوى الخارجية، والتدخلات في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، كل دولة متساوية في القانون الدولي. بعد انتشار النفوذ الأوروبي في جميع أنحاء العالم، أصبحت هذه المبادئ المثل العليا في القانون الدولي. https://shorturl.at/acmzH
2/ كون رجل الأعمال الأمريكي لي هنت Leigh Hunt (1855 – 1933م) تلك الشركة الزراعية في لندن عام 1900م. وكان الرجل قد طاف بأرجاء السودان، وكان شديد الحماسة والثقة في توفر فرص تجارية جمة لزراعة القطن فيه. وكون هنت شركة (زراعية) ذات مسؤولية محدودة في السودان. وكانت له من قبل ذلك استثمارات في أمريكا وكوريا. وهناك كتاب عن سيرة حياة الرجل عنوانه:
Leigh S.J. Hunt High Stakes: The Life and Times of
3/ استشهد المؤلفان هنا بكتاب هيذر شاركي المعنون "العيش مع الاستعمار
"Living with Colonialism: Nationalism and Culture in the Anglo-Egyptian Sudan
alibadreldin@hotmail.com
///////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: حکومة السودان السیطرة على من السیادة هذا المقال فی السودان فیما یتعلق السودان فی من خلال فی هذا من أجل
إقرأ أيضاً:
كماشة على السودان
يبدو أن الانتصارات الكبيرة التي يحققها الجيش السوداني والتي اقترب بها من السيطرة على العاصمة الخرطوم وغالبية المناطق التي كان يسيطر عليها الدعم السريع منذ أبريل 2023 قد عجلت بإظهار مخططات تقسيم السودان وفرض ذلك باعتباره أمرا واقعا.
ووفقا لهذه المخططات العالمية فقد تحركت مجموعات عسكرية سياسية لمحاصرة الدولة السودانية ومؤسساتها في الداخل بالتوازي مع تحركات إقليمية تقودها كينيا وإثيوبيا ودوائر غربية لحصار الدولة السودانية من الخارج أما في داخل السودان تحرك عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان السابق والذي يمثل المخطط الدولي لتشكيل قوى سياسية وميثاق جديد بقصد منح فرع آخر لقوى الحرية والتغيير غطاء دوليا لتشكيل حكومة تمثل الدعم السريع وبرعاية دولية وإقليمية تم حشد فصائل عسكرية مسلحة للانضمام لهذا التجمع مثل الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو والمتمردة في جبال النوبة وجنوب كردفان وحركة تحرير السودان بزعامة محمد عبد الواحد نور والتي تسيطر على مناطق جبال مرة في دارفور والغريب أن هذه القوى العسكرية تعادي بشكل تاريخي مجموعات عرب الشتات التي تتشكل منها قوات الدعم السريع، ولكنها اليوم بفعل رعاية التحالف الاستعماري الجديد تناست خلافاتها مع الدعم السريع وعرب الشتات لتنخرط جميعها في تحالف لإسقاط الدولة السودانية والقضاء على الجيش الذي نجح في تحقيق انتصارات أذهلت الجميع وتوشك على استرداد كامل الدولة السودانية.
ووفقا لما يشبه الإجماع عند المتابعين للشأن السوداني فإن تشكيل الحكومة الموازية في الأراضي التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع هو تقسيم إجباري للسودان خططت له ومولته قوى إقليمية ودولية وتنفذه الآن مجموعات سياسية وعسكرية سودانية تدعي الحفاظ على مدنية الدولة وعلمانيتها وتحت شعار محاربة ما يسمى بالإسلاميين في السودان.
وقد أفاد أحد المنتسبين لهذا التحالف السوداني الجديد الذي انطلق من أديس أبابا ونيروبي أنهم قد حصلوا على وعود أوربية وإقليمية بالاعتراف بحكومتهم فور إعلانها كما أوضح أن هناك 200 مليون دولار أعلنت عن تقديمها الإمارات العربية كدعم إغاثي وإنساني لأبناء السودان ستكون تحت سيطرة الحكومة الجديدة.
ويرى المراقبون أن سيطرة الدعم السريع على أربع ولايات من إقليم دارفور قد أغرى الممولين الدوليين بإمكانية إعلان دولة انفصالية في غرب البلاد تسمح بأن تكون محطة انطلاق لمهاجمة بقية الدولة السودانية وضرب استقرارها والسماح بتشكيل دويلة أخرى في جبال النوبة وجنوب كردفان بزعامة عبد العزيز الحلو ولا يمكن أن نغفل هنا تلك التحركات المفاجئة التي قامت بها دولة جنوب السودان والتي اعترفت فيها باستفتاء يسمح للدولة الجنوبية بالسيطرة على منطقة أبيي الغنية بالنفط وهو استفتاء أجري عام 2013 من خلال مكون واحد وهم أبناء قبائل دينكا نقوك ورفضه أبناء المكون الثاني وهم قبائل المسيرية العرب كما رفضه مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي ودولتا شمال وجنوب السودان وهو يأتي في إطار إحكام الحصار على السودان في الداخل وفي الخارج وتهديد بإشعال حروب متعددة ضد الدولة السودانية لإجبارها على تسليم السلطة لممثل التحالف الاستعماري عبد الله حمدوك وتابعه حميدتي تمهيدا لنقل جميع ثروات السودان إلى عواصم الغرب الأوربية.