الجيش السوداني يبدأ عمليات في “الجزيرة”.. و”الدعم السريع” يحرك قوة إلى بورتسودان
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
أفادت مصادر عسكرية سودانية لـ"الشرق"، الخميس، بأن قوات الجيش بدأت عمليات عسكرية، وانتشاراً على تخوم ولاية الجزيرة (وسط)، وتتقدم ناحية مدينة الفاو بولاية القضارف شرقي البلاد، فيما نشرت قوّات الدعم السريع تسجيلاً مصوّراً قالت إنه يظهر تحرّك قوّة تابعة لها من دارفور إلى بورتسودان.
وقالت المصادر إن "العمليات البرية والجوية للسيطرة على مدينة ود مدني (عاصمة ولاية الجزيرة)، بدأت صباح الخميس، بمحاور مختلفة منها المحور الشرقي بولاية القضارف إلى جانب محور مدينة سنار المتاخمتين لمدينة ود مدني".
وأوضحت أن حركة "جيش تحرير السودان" برئاسة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، وحركة "العدل والمساواة" برئاسة وزير المالية جبريل إبراهيم، و"الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال" بقيادة عضو مجلس السيادة السوداني مالك عقار، تقاتل مع القوات المسلحة ضد قوات "الدعم السريع".
واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو على نحو مفاجئ في منتصف أبريل 2023، بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين.
عمليات عسكرية في محاور عدّة
في سياق متصل، أفاد شهود وكالة أنباء العالم العربي (AWP)، بأن قوات من الجيش تتقدم صوب ولاية الجزيرة التي تنتشر فيها قوات الدعم السريع من ثلاثة محاور.
وقال شهود عيان، إن قوة من الجيش تقدمت من مدينة الفاو بولاية القضارف شرق السودان المجاورة للجزيرة من الجهة الشرقية، واشتبكت مع قوات الدعم السريع.
كما تقدمت من مدينة سنار في جنوب شرقي البلاد، ودارت معارك محدودة في قرى سكر سنار غرب ولاية سنار، وتمكنت قوات "الدعم السريع" من صد الهجوم، وأجبرت قوات الجيش على التراجع إلى عمق مدينة سنار، بحسب الشهود.
وقال سكان محليون إن "قوة من الجيش تحركت من مدينة المناقل غرب ولاية الجزيرة، وطردت قوات الدعم السريع من عدة قرى كانت تنتشر فيها خلال الأشهر الماضية".
البرهان: سنحتفل قريباً بالنصر
بدوره، قال رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الخميس، إن القوات المسلحة قادرة على "ردع كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الشعب السوداني والنيل من كرامته وسيادته".
وأضاف البرهان خلال حديثه مع ضباط وجنود سلاح المدفعية في عطبرة بولاية نهر النيل شمال السودان: "سنحتفل قريباً بالنصر وسيحتفل كل الشعب السوداني بالانتصار علي ميلشيا آل دقلو المتمردة على الدولة"، بحسب بيان للجيش.
وأشاد البرهان بمجاهدات كل القوات النظامية بمختلف تشكيلاتها ووحداتها في التصدي "لعدوان المليشيا المتمردة"، حسب تعبيره، مؤكداً أن القوات المسلحة "ستسير نحو إنهاء هذه الحرب قريباً".
"الدعم السريع" إلى بورتسودان
وفي المقابل، نشرت قوّات الدعم السريع في السودان تسجيلاً مصوّراً عبر منصة (إكس) قالت إنه يظهر تحرّك قوّة تابعة لها من دارفور إلى بورتسودان "لدك معاقل الفلول"، حسب تعبيرها.
وأظهر التسجيل المصور، الذي نُشر تحت عنوان "قيادة قطاعات دارفور تودع متحرك جيل التحدي" الكثير من عناصر الدعم السريع المدججين بالسلاح وعربات دفع رباعي.
وقال أحد العناصر في التسجيل "نحن جاهزون نتحرك إن شاء الله من هنا إلى بورتسودان؛ متحرّك جيل التحدي، جاهز يمشي أي مكان والآن عندنا ناس جوا (داخل) متحركاتكم"، في إشارة إلى متحركات الجيش المتجهة إلى ولاية الجزيرة.
وتسيطر قوات الدعم السريع على 4 ولايات من أصل خمسٍ في إقليم دارفور، إضافة إلى أجزاء واسعة من إقليم كردفان، الأمر الذي يوفر لها خطوط إمداد من غرب البلاد إلى مدينة أم درمان غرب العاصمة، ومنها إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض وسط البلاد.
تنسيقيّة "تقدم": شبح المجاعة يهدد الملايين
وفي سياق منفصل، حذّرت تنسيقية (تقدم) السودانية، الخميس، مما قالت إنه شبح مجاعة يهدد الملايين بالموت.
وقالت التنسيقية في البيان الختامي لاجتماع هيئتها القيادية إن "الحرب التي تدخل عامها الأول بعد أيام لم تجلب للبلاد سوى الخراب والدمار، وقتلت عشرات الآلاف وشرّدت الملايين... كل يوم يمر ونحن في هذه الحرب تقترب بلادنا من نقطة اللاعودة".
وعُقد الاجتماع على مدى ثلاثة أيام من الثاني من أبريل الجاري إلى الخميس في العاصمة الإثيوبية أديس بابا.
وأوصت التنسيقية بالضغط على طرفي الصراع، لتأمين وفتح المسارات لتوصيل المساعدات الإنسانية.
كما رحبّت بمؤتمر باريس الذي سيُعقد في 15 أبريل الجاري بشأن الأزمة الإنسانية وتوفير الموارد اللازمة لذلك، وناشدت دول جوار السودان بتيسير حصول السودانيين على الإقامات وتوفيق أوضاعهم.
وعبّرت التنسيقية عن إدانتها لما وصفته بتصاعد انتهاكات طرفي الحرب في السودان ضد المدنيّين، "وخاصة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع" في الولايات الخاضعة لسيطرتها.
وتعهدت بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية للكشف عن مرتكبي الانتهاكات ضد المدنيين، داعية طرفي الصراع إلى الكفّ عن استهدافهم.
وبينما اعتبرت "التنسيقية" تعدّد المنابر والوسطاء "مهدراً للطاقات، ويعطي فرصة للطرف المتعنت لتوظيف المبادرات للتنصل من أي التزامات" فقد تعهدت بالعمل مع القوى الدولية على توحيد عملية التنسيق بين كل الوسطاء والمبادرات وضمان وجود المدنيين فيها.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة إلى بورتسودان
إقرأ أيضاً:
السودان: حكومات الحرب الموازية
ناصر السيد النور
إن طرح إقامة حكومات في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع لم يكن مشروعا سياسيا وراء اندلاع الحرب ولكن بالتسلسل المنطقي للأحداث نتيجة للأزمات التي خلفتها الحرب. وعلى ما أثاره هذا المقترح الانفصالي أو الذي يؤسس لانفصال كإحدى استحقاقات إن لم يكن ثمنا فادحا لحرب في البلاد. فقد جاء في الأخبار أن قوات الدعم السريع وقوى سياسية “مدنية” عقدت في العاصمة الكينية نيروبي بهدف مناقشة آلية تكوين حكومات في مناطق سيطرة الدعم أي المواقع التي اخرج منها الجيش أثناء الحرب الجارية بين الطرفين. وهي مناطق وأقاليم بالمعنى الجغرافي تشغلها مساحات واسعة من أقصى الغرب إلى وسط وجنوبي البلاد وعلى الرغم من أن هذه المناطق تعد نقاط انطلاق خاصة في دارفور لقوات الدعم السريع أو حواضن بالمفهوم الاجتماعي الجديد للحرب لتلك القوات بما يشمل الكيانات القبلية المنتمية إليها.
وإذا كانت الحكومات الموازية المزمع بحثها أو تطبيقها من قبل الدعم السريع تبدو للوهلة الأولى مشروعا سياسيا يعززه الموقف العسكري أكثر من دواعي شرعية أو قانونية وإدارية تستدعي إقامة حكومات مجهولة المهام والاختصاصات هذا إذا لم تعنِ غير إقامة كيانات مستقلة شبه دولة. ولعل الخلط بين مفهومي الحكومة والدولة في فكرة المشروع مع تداخل ما أفرزته الحرب من حالات استقطابات جهوية تطالب بفصل الأجزاء الغربية من البلاد على أسس عنصرية لها جذورها التاريخية والاجتماعية في البلاد يجعل من هذا الطرح مشروعا محتملا في المستقبل القريب. وقد زادت الحرب وبررت لهذه النزعات الانفصالية بما أحدثته من شروخات مجتمعية مفسحة المجال إلى بروز تيارات انفصالية أعلنت عن مسميات كياناتها المنفصلة عقيب اندلاع الحرب، وتستنسخ هذه الكيانات من تجارب الانفصال في التاريخ السياسي للبلد الذي لم يشهد استقرارا سياسيا يدعم من وحدته بين المكونات المتنافرة.
ومن ناحية أخرى يعد هذا الطرح تراجعاً في موقف وخطاب الدعم السريع السياسي الذي تكون على أسس عسكرية بحتة تبحث الآن وسط نيران المعارك عن تشكيل سياسي إلى جانب شعارات أخرى مختطفة عن قوى سياسية هامشية لم تكن ضمن أجندة قوات الدعم السريع، بل على النقيض من ذلك فقد عمل الدعم منذ تكوينه على محاربتها. فجاء تبنيه لها لجوء اضطراريا لملء فراغ سياسي في حاجة لتبرير حربه وإن تكن ما ينسب إليه من انتهاكات قد دحض أكثر هذه الشعارات وأفرغها من مضمونها. وقد يتيح تمدد القوة العسكرية إعادة التشكيل الإداري في مناطق سيطرته ولكن يكمن التحدي في التوافق السكاني عليها. ومن سياق تطورات الأحداث فإن فكرة الحكومة الموازية ما هي إلا تطورا لفكرة إدارية سبق للدعم السريع تطبيقها في مناطق سيطرته ما عرف بالإدارة المدنية رحبت بها قوى سياسية أخرى على العكس مما يقابله مقترح الحكومة الموازية المطروح.
ولكن ما الذي يعنيه إقامة حكومة في تلك المناطق بعد مضي عشرين شهراً من الحرب؟ فالتوقيت أي تكن دلالته العسكرية لا يسعفه منطق بالمعنى السياسي حيث إن الفراغ الديمغرافي وانهيار بنية الدولة التحتية تجعل من قيام هذه الحكومات اشبه ما تكون بحكومات المنفى تبحث عن موضع وسط ركام خراب الحرب. وما حققته الحرب من سيطرة قد لا يحققه الإعلان عن اجسام إدارية لا تحمل من صفة الحكومة أكثر من اسمها وليس وظيفتها. فإذا قامت قوات الدعم بتطبيق هذا المقترح فإنه سيظهر تقسيمات مجتمعية وقبلية حادة، فجّرتها الحرب وساعدت في ظل تنامي خطاب العنصرية والكراهية على تقبلها كحقائق أكثر منها حدودا جغرافية إدارية افتراضية. وهذا الطرح لم يكن جديدا من قبل الدعم فقد صرح من قبل قائده محمد حمدان دقلو بإعلان حكومة موازية في مناطق سيطرته إلا أن هذا الطرح الجديد في ظل التراجعات العسكرية التي تشهدها قوات الدعم السريع قد يفرض إن لم يكن بسبب شرعية الواقع فقد يكون بضرورة الظرف.
والمقارنة التي يركن إليها الدعم السريع في حكومة السودان القائمة بشرعية الأمر الواقع التي لجأت إلى مدنية بورتسودان الساحلية واتخذتها مقرا لمؤسساتها وسلطاتها السيادية لا تعني سهولة انتقال أجهزة الدولة بذات الطريقة كما يرغب فيها الدعم السريع، ولأن الفرق بين حكومة تقليدية ترسخت ومعترف بها عالميا يختلف عن أي تشكيل حكومة طارئ تفرضه قوة السلاح وتغيب فيها معطيات إدارة الدولة. والتجاء الحكومة إلى خارج عاصمتها شكل من جانبه فراغا للمرة الأولى في مركزية الدولة الرمزية، وفي الوقت نفسه منح الحكومة في “بورتسودان” تحكما في خدمات الدولة تفسيرا على الموقف من الحرب استخدم ضد المواطنين تمييزا على أساس الانتماء العرقي والجهوي. وعلى الرغم من دعوات سابقة طالبت بها قوى سياسية من بينها الدعم السريع -بالضرورة- من نزع الشرعية عنها وبل عدم الاعتراف بها دوليا ولكن ظلت الحكومة قائمة تمارس سلطاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية بما فيها استبدال العملة النقدية في مناطق سيطرتها أيضا. وبعض من تلك الممارسات التمييزية شكلت ضغطا على مواطني مناطق سيطرة الدعم السريع مما جعلها ينظر إليها كحكومة موازية لسيطرة الدعم السريع تعمل ضد مصالحهم.
وقد لاقى هذا المقترح اعتراضات وصلت إلى حد الانتقادات مما يشير إلى خطورة المشروع برمته على وحدة السودان كما يبرر المعترضون من داخل القوى المدنية تنسيقية القوة الديمقراطية (تقدم) بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك التي تناوئ الحرب وضد الحكومة العسكرية القائمة في السودان بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان. وهذه الاعتراضات السياسية قد لا توقف مبدأ هذا المشروع لأنه يقوم بالأساس على عوامل عسكرية لها نتائج متحققة سيطرة على مناطق بعينها ولا يعتقد بأن يأخذ الدعم السريع بالمخاوف التي يبديها السياسيون من القوى المدنية التي تتهم من قبل مشعلو الحرب بممالأتها للدعم السريع في ظل الخصومة السياسة قبل وبعد الحرب بين الأطراف السياسية المتنازعة. وما يبرر لهذه الاعتراضات على مشروع الحكومة الموازية ما يعقبها من واقع انفصالي سيكون من الصعب التعامل معه أو الحد من تداعياته ولأنه يعرض البلاد فيما تبقى من وحدتها الترابية إلى دويلات عدة وستستعد كل المكونات القبلية والجهوية على المضي على هذا الاتجاه مما يعني عمليا تحول السودان دولة وشعبا إلى انقسامات أكثر حدة مما هي عليه. ومن ثم فإن هذه المناطق التي تبسط قوات الدعم السريع سيطرتها عليها وبما أحدثه التحول في الموقف العسكري للجيش بدخول الحركات المسلحة الدارفورية بما يعرف بالقوات المشتركة والتي تقاسم اثنيا مجموعات الدعم السريع مناطق السيطرة نفسها لن تخضع لمقترح المشروع بتصور الدعم السريع.
والتحدي الأبرز الذي يواجه هذا الطرح (الحكومة الموازية) لا يتوقف عند المستوى السياسي وربما العسكري فتكوين إدارة مدنية كما حدث في ولاية الجزيرة عندما اجتاحتها قوات الدعم السريع ومناطق أخرى وما مثله من سيطرة مطلقة لهذه القوات وهي عسكرية بالأساس لا يمكن لأي إدارة مدنية أن تتمكن من تنفيذ مهامها تحت ظل واقع أمنى غير مستقر. وكثيرة هي العوامل التي تحول دون تنفيذ هذا المقترح منها ما هو استراتيجي ولوجستي وغيرها مما يعد من الأمور التأسيسية في إدارة الدولة وخدماتها المدنية. ولكن مع تمدد نطاق العمليات العسكرية بين الطرفين وغياب لحل تفاوضي مدني لإنهاء الحرب سيكون قيام كيانات موازية بقوة السيطرة واقعا ستفرضه الأحداث أكثر من مقترحات التصورات السياسية المطروحة على موائد التداول السياسي.
كاتب من السودان
نقلا عن القدس العربي اللندنية_26/12/2024م
الوسومناصر السيد النور