طبق صغير الحجم لكنه كبير القيمة، يحوى القليل من الطعام والحلوى التي تكفي الكثير من الأسر، يلف من منزل لآخر في محافظات بحري والصعيد قبيل أذان المغرب ليدخل السعادة على قلوب الأهل والجيران، لتأصيل الود بينهم.«الطبق الدوار»، تحرص الأمهات على إحياء هذه العادة الرمضانية القديمة اللاتي توارثنها عن أجدادهن منذ عقود، إذ يكون عنوانه «الود والمحبة» بين الأهل والأقارب سواء مسلم أو مسيحي، وهي عادة كانت إلزامية على ربات البيوت في القرى والريف قديما، إلا أنها أصبحت تقاوم الاختفاء هذه الأيام في بعض الأماكن.

«ميادة»: بيقرب الأهل والجيران

مأكولات وحلوى، هي مكونات «الطبق الدوار»، الذى يخرج من منزل ليدخل الآخر، قبيل أذان المغرب طوال شهر رمضان، ولا يجوز أن يخرج فارغا من المنزل، حسب ميادة الدالي من إحدى مناطق محافظة كفر الشيخ: «الطبق الدوار أحلى حاجة ورثناها من أمهاتنا وجداتنا، كنا صغيرين فكانت ماما وجدتي تعبي طبق بكل أنواع الأكل الموجود في البيت والحلوى في رمضان، وتقولي خدي الطبق وديه لخالة فلانة أو العمة فلانة، بيكونوا جيرانا، فأكون مبسوطة إني رايحة أوديلهم أكل من أكلنا، كان زمان بيقرب الأهل والأحباب من بعض، وأنا لسة حريصة على العادة دى أنا وولادى، قبل المغرب بملأ الطبق من الأكل اللي في دارى وأقول لبنتى وابنى وديه لفلانة أو فلان، بتحس بسعادة إنك لسة بتحيى عادة قديمة مبقتش موجودة زي زمان».

تتذكر «مايسة جاد»، البالغة من العمر 60 عاما، وتعيش في إحدى قرى أسيوط، هذه العادة التي ورثتها عن جدتها وأمها، لكنها ماتزال حريصة على فعلها حتى الآن، وتعتبر «الطبق الدوار»، عنوانا للود والمحبة بين الأهل والجيران، وتابعت: «كل يوم بعمل حساب أهلى وجيرانى في الأكل اللى بعمله، وتوسعنا شوية في موضوع الطبق الدوار ده مبقاش عبارة عن طعام بس، لكن ممكن كمان نحط فيه حلوى مختلفة، زمان ماما كانت بتوزع على الجيران الطبق فيه أكل من اللي بتطبخه بإيدها بس، لكن دلوقتي ممكن أحط فيه حلوى عملتها أو اشتريتها من المحلات، وممكن كمان يكون معاه كنافة أو بسبوسة أو قطايف، هي حاجة كويسة الجيران بيحسوا أنهم مش غرباء عن بعض، وإن اللي في بيتي هو فى بيت جيراني».

«مايسة»: عنوان الود والمحبة

لم يقف طبق «مايسة» الدوار عند جيرانها، بل امتد ليشمل الأبناء والأحفاد، وأضافت: «بقيت اطبخ وأوزع على جيراني وأبنائى المتجوزين وأحفادى، ودا ملوش علاقة بالعزومات اللي بتعمل طوال شهر رمضان، الطبق الدوار دا أساسى عندنا كل يوم قبل أذان المغرب، ولما بيروح لجارتى مثلا مينفعش ترد الطبق فاضى، ممكن تحط فيه حاجة بسطيطة زى رز أبيض أو دقيق، دا كان زمان، لكن دلوقتى تحط فيه حلوى، علشان تانى يوم هى بتكرر نفس اللى أنا عملته فى اليوم التالى، ودا بيخلى الود دايما موجود».

تحرص الجدة «سعيدة المتولى» البالغة من العمر 89 عاما والمقيمة بأحد نجوع محافظة سوهاج، على تنفيذ فكرة الطبق الدوار بينها وبين جيرانها وأولادها وأحفادها ، وقالت: «اللي في بيتي ياكل منه جاري وولادي وأحفادي، من وأنا طفلة كانت أمى تديني الطبق مليان من خيرات الله وتقولى وديه للعمة أو الخالة أو بيت جارنا، وحتى جيرانا المسيحيين بناكل من أكلهم وهما كذلك، وبيحرصوا على مهادتنا بأطباق مختلفة خلال شهر الصوم، وإحنا بنعمل ليهم القلقاس والفطاير المختلفة في صيامهم الكبير، ولحسن الحظ السنة دى بيتوافق شهر رمضان مع الصوم الكبير بتاعهم فبتبقى الأطباق متشابهة نوعا ما».

«سعيدة»: «اللي في بيتي ياكل منه جاري»

تتذكر«سعيدة»، أيام طفولتها وسيرها فى الشارع بالطبق الدوار، مؤكدة أنها كانت أيام خير، وتابعت: «كنت بتلاقى الشارع مليان أطفال وستات كل واحدة فيهم شايلة طبقها وبتخبط على باب جارتها أو حد من أهلها، زمان مكنش فى حد بيجوع، كان الطبق بيكفى الكل، لقمة هنية بتكفى مية، لكن دلوقتي الصغار مبقوش حريصين لكن إحنا حريصين على إن العادة دى تبقى موجودة، علشان كدة زوجات ولادى وأحفادى بيتجمعوا فى بيتي بيت العيلة، وكل واحدة تطبخ صنف وتعمل حلوى، وفى الآخر نجمع من كل الأصناف ونُعد أطباق ونرسلها لباقى الأهل والجيران».

رغم صِغر سنها إلا أنها حرصت على إحياء عادة كانت تفعلها والدتها قبل وفاتها، وهى توزيع ما يجود به المنزل على الأهل والجيران فيما تسميه «الطبق الدوار»، هي فايزة عبداللطيف، البالغة من العمر 37 عاما، ابنة إحد قرى محافظة الغربية، حيث تُعلم أطفالها، قيّم الود والمحبة بين الجيران، وواصلت: «وأنا صغيرة كانت ماما حريصة على وضع عينات من كل أنواع الطعام طوال شهر رمضان في الطبق الدوار، وتوزعه على الجيران، علشان كدة كان فى حب وود بينا وبينهم، وتلاقيهم أول ناس بيلحقونا لو حصل أى حاجة، هما الإخوات اللي لم تلدهم أمى، علشان كدة بعمل نفس اللى كانت بتعمله، كل يوم بحط أنواع الطعام والحلوى الموجودة عندى في السرفيس الكبير وأخلى أطفالى يوزعوها على الجيران».

سعادة كبيرة يشعر بها أطفال «فايزة»، بعد الانتهاء من توزيع الطعام فى الطبق الدوار، وقالت: «الكل بيتراضى والعيال بيبقوا مبسوطين إنهم بيعملوا حاجة خير وعادة حلوة، كمان جارتي ممكن ترد الطبق فيه فلوس أو حلوى لأطفالى فدى حاجة بتفرحهم، ومن كام يوم جارتى ردت الطبق فيه تِوك لبنتى اشترتها وهى بتشترى لبنتها، الأصل في موضوع الطبق الدوار ده هو الود والمحبة، وإننا منحسش إن فى فرق بينا، هي ممكن تكون حاجة بسيطة لكن معناها كبير أوى».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: عادات رمضان الأكل في رمضان اللی فی

إقرأ أيضاً:

استمرار الحرب يقلص خيارات السودانيين في البحث عن لقمة العيش

فع الصراع المستمر منذ ما يقرب من عامين بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مصطفى حسين، إلى اللجوء إلى مهن بديلة لتوفير لقمة العيش لعائلته بسبب توقف المرتبات عقب بدء الصراع في منتصف أبريل 2023.

ومع طول أمد القتال الذي بدأ في العاصمة الخرطوم ثم امتد إلى مدن أخرى غرب ووسط البلاد، لجأ ملايين العمال والمهنيين والموظفين في القطاعين العام والخاص إلى العمل في مهن بسيطة مثل إصلاح الأحذية القديمة والزراعة، بينما أصبح آخرون باعة جائلين في الولايات التي نزحوا إليها بسبب القتال، واتجه غيرهم لبيع الخضروات والفواكه.

مصطفى حسين، الذي يعمل بوكالة السودان للأنباء، لجأ في بداية الأمر إلى الزراعة لإعالة أسرته بعدما اضطر إلى النزوح من مدينة أم درمان إلى القضارف شرقي البلاد، لكن الحظ لم يحالفه في المهنة الجديدة، فنزح مرة ثانية إلى ولاية النيل الأبيض، وهناك فتح مشروعاً كان مصيره الفشل أيضاً بسبب المعارك التي لا تهدأ.

وقال حسين البالغ من العمر 37 عاماً، وهو متزوج وأب لطفلة، في تصريحات لـ"الشرق"، إن العمل في المؤسسة التي يعمل بها توقف مع بداية الحرب ولم يتلق موظفوها رواتبهم إلا بعد شهرين وجرى تقليصها بنسبة 60%، علماً بأن المرتبات قبل الحرب كانت لا تكفي لتغطية النفقات الشهرية، وهو الأمر الذي دفعه للبحث عن حل بديل، وفق تعبيره.

وأضاف: "بعد أن وصلت إلى مدينة الفاو بولاية القضارف أول ما خطر ببالي هو وض تجربة الزراعة، على اعتبار أن المنطقة تشتهر بها، وتحوي مشروعاً زراعياً كبيراً وهو مشروع الرهد، شرعت في الفور في تنفيذ الفكرة وتشاركت مع أربعة أشخاص جميعنا موظفين في مهن مختلفة، نازحين من الخرطوم عدا واحد من أهل المنطقة، استأجرنا نحو 20 فداناً وبدأنا في زراعتها في الموسم الشتوي الماضي".

عقبات وتحديات
ورأى حسين أن تجربة الزراعة أفادته من ناحية تعلم مهارة جديدة، فهو لم يسبق له العمل في هذا المجال، وقال إن "الأمر انطوى على الكثير من التحديات، لكنه تمكن مع شركائه من اجتيازها في البداية، بالاستعانة بخبرات الآخرين إلى جانب أن الشريك الخامس من أبناء المنطقة ولديه معرفة بها وبالتفاصيل الخاصة بالزراعة".

لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فسرعان ما فشل مشروعه بسبب غلق السلطات المحلية قنوات الري بعد اجتياح قوات الدعم السريع مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وتحويل المياه إلى مشروع الرهد الزراعي لعمل مصدات مائية على قنوات الري بالمشروع الزراعي بغرض منع امتداد سيطرة الدعم السريع إلى ولاية القضارف شرقاً.

وأوضح حسين، أن "هذه الخطوة قادت لحدوث عطش بمشروعنا الزراعي الأمر الذي رفع من تكلفة الميزانية التي رصدناها للمشروع فاضطررنا لجلب وابورات (معدات) لسحب المياه القليلة الموجودة في الترع (قنوات الري) للمشروع الزراعي، وبعد أن نضبت القنوات جف الزرع ومات المحصول وخسرنا كل شيء".

هذه التجربة القاسية دفعت حسين، إلى النزوح للمرة الثانية إلى ولاية النيل الأبيض في الجنوب، وهناك افتتح مطعماً صغيراً تخصص في تقديم (البوش) وهي وجبة محلية تصنع من الخبز، مع شريك آخر وهو أيضاً موظف في القطاع الحكومي.

تبدد الحلم
في بادئ الأمر كان مشروع حسين الثاني يمضي بخطى ثابتة، لكن تقدم قوات الدعم السريع وسيطرتها على طريق جبل مويا القومي الذي يربط ولايات النيل الأبيض والجيرة وسنار بشرق وغرب البلاد، قاد إلى حصار النيل الأبيض مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بنسبة 100% الأمر الذي أدى إلى تداعي المشروع.

أما محمد أبكر، الذي يعمل مدرساً في المرحلة الثانوية، فعمل بائعاً للعطور في سوق القش غربي مدينة أم درمان بعد تعطل المدارس في المنطقة التي يقيم فيها وعدم تلقيه راتبه منذ ما يقرب العامين.

وقال في حديثه لـ"الشرق"، "منذ انطلاق الرصاصة الأولى توقفت جميع المدارس هنا، حتى بعد استئناف الدراسة في بعض الولايات لم تفتح مدارسنا أبوابها ولم نصرف رواتبنا بحجة أننا نتواجد في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مع مرور الوقت لم يكن أمامي خيار غير البحث عن مصدر دخل لتوفير الأكل لأولادي بعد أن انتهت كل الأموال التي ندخرها، عملت في عدة مهن شاقة من بينها عامل بناء ونقل البضائع من المخازن إلى أن انتهى الحال إلى بيع العطور في سوق ليبيا، وبعدها انتقلت إلى سوق القش، بعد أن صار سوق ليبيا يتعرض لضربات جوية بشكل شبه يومي".

وقال أبكر، إنه "لا يستطيع توفير لقمة العيش لأبنائه إلا بشق الأنفس، في ظل الانفلات الأمني بالمنطقة، فكثيراً ما يتعرض المارة لعمليات نهب من قبل خارجين على القانون وفي كثير من الأحيان يستولون على كل ما يجنيه في يومه خلال رحلة عودته".

ويتعشم المعلم أن تعمل الحكومة على استئناف الدراسة، في جميع أنحاء البلاد، وصرف رواتب المعلمين.

إضراب المعلمين
وأعلنت لجنة المعلمين السودانيين، الاثنين الماضي، دخول المعلمين في ولاية كسلا شرقي البلاد، في إضراب مفتوح بسبب عدم صرف الرواتب التي قالت إنها لن تكفي لأسبوع واحد، وشددت على أن المنتمين لها "لن يتراجعوا عن خطوتهم إلى حين تحقيق مطالبهم".

من جهته، يشير أحمد البدوي، المتحدث باسم تنسيقية المهنيين والنقابات، إلى أن المهنيين والموظفين لجأوا إلى العمل بعدد من الحرف والمهن البديلة، فبعضهم اتجه للتجارة وقيادة المركبات والعمل باليومية وغيرها.

وقال في تصريحات لـ"الشرق"، إن "الأوضاع مع مرور الوقت ازدادت تدهوراً بعد توسع نطاق الصراع في إقليمي دارفور وكردفان غرباً ووصولها إلى الجزيرة وسط البلاد وسنار إلى الجنوب الشرقي"، مشيراً إلى أن عدد الذين فقدوا وظائفهم بشكل كامل وصل إلى 67% من العاملين بالقطاعين العام والخاص بسبب النزوح وتدمير مؤسساتهم، وفقاً لاستطلاع أجرته تنسيقية المهنيين في الأشهر الستة الأولى للحرب، وهم العائل الوحيد لأسرهم ولا يملكون حلاً غير البحث عن مهن بديلة في غياب أي دعم لهم.

واعتبر أن 90% من العمال لا يكفيهم دخلهم الشهري لإعالة أسرهم، لافتاً إلى أن 23% فقط من الموظفين تمكنوا من صرف رواتبهم في الأشهر الأولى للحرب في وقت كانت تشهد فيه البلاد استقراراً نسبياً، حيث تمكن 21% فقط من صرف رواتبهم في أبريل 2023، واستمر التدهور حتى مايو، فانخفضت النسبة إلى 11%.

وفي أغسطس الماضي، انخفض عدد من صرفوا الرواتب إلى 3%، مشيراً إلى أن هذا الأمر أثر على معيشة العاملين بمؤسسات الدولة بدرجة كبيرة.

ونوه البدوي، إلى أن أكثر من 35% ممن شملهم الاستطلاع يعانون من أمراض مزمنة، و98% منهم لم يجدوا أي مساعدات طبية خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، مضيفاً أن "72% من العاملين في القطاعين الحكومي، والخاص ليس لديهم تأمين عمل، وأن 90% من العمال في مهن غير منتظمة تدهورت أوضاعهم بسبب فقدانهم أعمالهم".

وذكر البدوي أن التقديرات تشير إلى أن عدد من فقدوا وظائفهم في القطاعين الحكومي والخاص بلغ مليونين من جملة نحو ثلاثة ملايين.

بورتسودان - الشرق  

مقالات مشابهة

  • شهيد لقمة العيش.. القصة الكاملة لمصرع شاب في حادث مأساوي
  • قبل مسلسل «فنجان نابليون» لـ روجينا.. أعمال رمضانية ناقشت قضايا المرأة
  • استمرار الحرب يقلص خيارات السودانيين في البحث عن لقمة العيش
  • الخثلان: كفارة واحدة تكفي عند الحلف على شيء ما عدة مرات.. فيديو
  • الرئيس السيسي: نسعى لتوفير موارد دولارية تكفي إنفاق الدولة
  • مدير مستشفى بجنين: الوضع مروع وإمدادات الماء والغذاء لا تكفي
  • مشروع مصري - إسباني لتحسين كفاءة الري والإنتاجية الزراعية في الدلتا والصعيد
  • بين الطيبة وعدشيت القصير.. العدو ينفذ عملية تمشيط وإحراق بيوت
  • يوم الكاري في اليابان.. تاريخ تطوره من وجبة عسكرية لـ طبق شعبي
  • كتاب “بشرط” الصادر عن دار الدحنون .. كيف يمكن ربط الأطفال بتراثنا العربي القديم؟