واشنطن عقب مهاجمة روسيا الأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، قال الرئيس جو بايدن مرارا وتكرارا إن الولايات المتحدة "ستدافع عن كل شبر من أراضي الناتو"، محذرا روسيا من مواجهة عواقب وخيمة إذا هاجمت دولة عضوا في حلف شمال الأطلسي.

ومنذ تأسيس حلف الناتو قبل 75 عاما، لعب التكتل العسكري الأكبر في العالم دورا رادعا بصورة أساسية، غاب معها أي صدام مباشر بين دوله والاتحاد السوفياتي -حتى انهيار الأخير عام 1991- وروسيا من بعده.

ولم يُفعّل الناتو مادته الخامسة الشهيرة، التي مفادها أن أي هجوم على أي دولة من دول الحلف يُعد هجوما على كل دول الحلف، ويستدعي الرد العسكري، إلا مرة واحدة منذ تأسيسه، وكان ذلك مباشرة بعد تعرّض الولايات المتحدة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وهرع حلفاء أميركا في حلف الناتو إثر ذلك لمساعدة الولايات المتحدة، وشارك العديد منهم في وقت لاحق في حرب الولايات المتحدة بأفغانستان.

ودفع تشكيك الرئيس السابق دونالد ترامب في الحلف وجدواه إلى طرح سؤال جديد حول مصالح واشنطن من البقاء في الحلف، في الوقت الذي تتمتع فيه بقدرات عسكرية ضخمة لا يضاهيها أي من بقية الدول الأعضاء فرادى أو جماعات.

حلف الناتو يوفر غطاء من الحماية والأمن المتبادل لجميع أعضائه (الأناضول) المكاسب من الناتو

ويعرض أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة نورث كارولينا والدبلوماسي الألماني السابق كلاوس لاريس 3 فوائد رئيسية للولايات المتحدة، نتيجة عضويتها في حلف الناتو.

فالناتو يمنح واشنطن حلفاء موثوقين عسكريا واقتصاديا، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قوة ضخمة، ولديها أكبر ترسانة نووية على وجه الأرض، ولا تزال أكبر اقتصاد في العالم، فإن قوتها تصبح أقل من دون حلفائها في أوروبا.

ويتخطى الناتو المجال العسكري، إذ إن له آثار سياسية واقتصادية إيجابية على الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تشتري معظم الدول الغربية أسلحتها ومعداتها العسكرية من الولايات المتحدة، وهو ما جعل إجمالي مبيعات واشنطن من الأسلحة عام 2023 يصل إلى 158 مليار دولار.

الفائدة الثانية أن حلف الناتو يوفر غطاء من الحماية والأمن المتبادل لجميع أعضائه، مما يساعد على تفسير سبب مطالبة الغالبية العظمى من دول وسط وشرق أوروبا بالانضمام إلى الناتو بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991.

وعلى الرغم من خوض روسيا عدة حروب مع جيرانها في مولدوفا وجورجيا، وأخيرا أوكرانيا منذ عام 2022، فإن موسكو لم تغامر بالهجوم على أي من الدول المجاورة الأعضاء في الناتو، حيث من شأن ذلك أن يجلب الحلف بأكمله إلى حرب مع روسيا.

أما الفائدة الثالثة، فتكمن في أن الناتو يساعد الولايات المتحدة على أن تصبح أقوى دول العالم، إذ لم تفرض واشنطن وجودها العسكري في أوروبا بالقوة، وبدلا من ذلك، يرحب حلفاؤها عموما بالقوات الأميركية، ومن خلال الانضمام إلى الناتو وقبول القيادة العسكرية لواشنطن، تمنح دول الناتو الولايات المتحدة نفوذا وقوة غير مسبوقين.

الأميركيون يدعمون الناتو

وأجرى معهد غالوب استطلاعا للرأي شمل 1016 شخصا خلال النصف الأول من شهر فبراير/شباط الماضي، أظهر دعم غالبية الأميركيين التزام بلادهم تجاه حلف الناتو.

وأيّد 47% من الأميركيين ضرورة المحافظة على التزام بلادهم الحالي تجاه الحلف، بينما أشار 20% منهم إلى أن الدعم للحلف يجب أن يزداد، وفي الوقت نفسه، يعتقد 16% منهم أن على الولايات المتحدة تقليل التزامها بحلف الناتو، وفضل 12% فقط أن تنسحب الولايات المتحدة من الناتو بالكامل.

ولم يتأثر الرأي العام بين الجمهوريين المؤيدين للمرشح الرئاسي والرئيس السابق دونالد ترامب بطرحه المعادي للناتو، وقد سبق وذكر ترامب أنه إذا تم انتخابه رئيسا فلن يدافع عن حلفاء الناتو ضد أي هجوم روسي، إذا فشلوا في المساهمة بأموال كافية للحلف.

وأظهر استطلاع غالوب أن أغلبية الجمهوريين (53%) يدعمون الحفاظ على التزام الولايات المتحدة تجاه حلف الناتو، أو زيادة التزامها تجاهه، وفي الوقت نفسه يقول 26% من الجمهوريين إن الولايات المتحدة يجب أن تقلل دعمها للتحالف، ويريد 16% منهم أن تنسحب الولايات المتحدة من الناتو.

المنافسة مع الصين

يتهم الكثيرون من المعلقين الأميركيين حلف الناتو بتجاهل الخطر والتحدي الأكبر أمام واشنطن والمتمثل في الصين، لذا اتخذ الحلف وإدارة بايدن خطوات عملية لردم هذه الهوة. وفي يونيو/حزيران 2022، وبعد بضعة أشهر فقط من غزو روسيا لأوكرانيا، أصدر الناتو وثيقة إستراتيجية وصفت، لأول مرة، الصين بأنها تهديد إستراتيجي.

وذكرت الوثيقة أن "طموحات جمهورية الصين الشعبية المعلنة وسياساتها القسرية تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا"، وأضافت أن "العمليات الهجينة والسيبرانية الخبيثة لجمهورية الصين الشعبية وخطابها التصادمي، ومعلوماتها المضللة تستهدف الحلفاء، وتضر بأمن التحالف".

من جهتها، أقرت إستراتيجية الأمن القومي في عهد الرئيس بايدن، والتي صدرت قبل نهاية عام 2022، بأهمية حلف الناتو، وأشارت إلى المخاطر المزدوجة من روسيا والصين. وقالت: "لقد لعبت تحالفات أميركا وشراكاتها دورا حاسما في سياسة أمننا القومي على مدى 8 عقود، ويجب تعميقها وتحديثها للقيام بذلك في المستقبل".

ونصت على أن "الناتو استجاب بوحدة وقوة لردع المزيد من العدوان الروسي في أوروبا، حتى عندما تبنى الناتو أيضا أجندة جديدة واسعة النطاق في قمة مدريد 2022، لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة من جمهورية الصين الشعبية".

وحذر سومانترا مايترا، خبير الشؤون الدولية بمركز تجديد أميركا، مركز بحثي قريب من الرئيس السابق دونالد ترامب، أوروبا من تجاهل الناتو المخاطر الصينية.

وقال إنه "من غير الحكمة أيضا أن نتوقع تحمّل حلف شمال الأطلسي أي عبء فيما يتصل بالصين. إن الرأي العام الأوروبي يكره الصراع مع الصين".

كما أشار إلى أن الآثار المترتبة على حلف الناتو، بسبب صراع محتمل في مضيق تايوان، تتمثل بالحاجة للجيوش الأوروبية لإعادة ملء الفراغ العسكري الأميركي في شمال المحيط الأطلسي حال اضطرار الولايات المتحدة إلى إعادة نشر بعض قواتها في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

ولا يرجح مايترا أن يتدخل حلف الناتو بشكل مباشر في أي أزمة مستقبلية أو حرب مع الصين بسبب تايوان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الولایات المتحدة حلف الناتو

إقرأ أيضاً:

القضاء يمنع إدارة ترامب من ترحيل مهاجرين ويعلق إغلاق إذاعة صوت أميركا

منع قاض اتحادي أمس الجمعة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الترحيل السريع للمهاجرين، بينما علق قاض آخر خطوات الإدارة الأميركية لإغلاق شبكة "صوت أميركا" الإذاعية الممولة من الحكومة.

وأصدر قاضي المحكمة الجزئية الأميركية براين ميرفي في بوسطن أمرا تقييديا مؤقتا على مستوى البلاد يستهدف حماية المهاجرين الخاضعين لأوامر نهائية بالإبعاد من الترحيل السريع إلى بلدان أخرى غير تلك التي تم تحديدها بالفعل أثناء إجراءات الهجرة.

وعلى الفور رد متحدث باسم وزارة العدل قائلا: "انتخب الشعب الأميركي الرئيس ترامب، ولا ينبغي السماح لأي قاض ناشط غير منتخب باغتصاب السلطة التنفيذية خاصة في مسائل الأمن القومي".

وجاء قرار ميرفي في دعوى قضائية تقدمت بها الأحد الماضي مجموعة من المهاجرين الذين يمثلهم مدافعون عن حقوق المهاجرين يطعنون في سياسة تبنتها إدارة الهجرة والجمارك الأميركية في الآونة الأخيرة تستهدف التعجيل بترحيل آلاف المهاجرين الذين أطلق سراحهم من الاحتجاز سابقا.

وطلب الأمر التنفيذي الصادر في 18 فبراير/شباط من المسؤولين مراجعة جميع حالات الأفراد الذين سبق إطلاق سراحهم من الاحتجاز، ومن بينهم الذين امتثلوا لشروط إطلاق سراحهم، لإعادة احتجازهم وترحيلهم إلى بلد ثالث.

إعلان

وجادل محامو المهاجرين أن هذه السياسة تعرض عددا كبيرا من الأشخاص لخطر الترحيل إلى بلدان قد يواجهون فيها خطرا من دون تقديم أي إشعار لهم أو فرصة لتقديم دعوى مبعثها الخوف.

وأشار ميرفي الذي عينه الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، إلى أنه بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، يتمتع المهاجرون بالحماية من الترحيل إلى بلدان قد يواجهون فيها احتمال تعرضهم للتعذيب.

وفي وقت سابق منحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، الوكالات الفدرالية سلطة واسعة لتكثيف جهود ترحيل المهاجرين من البلاد، حيث أصدر وزير الأمن الداخلي بنيامين هوفمان، مذكرة توسع سلطات الوكالات الفدرالية في اتخاذ إجراءات ضد المهاجرين.

يُذكر أن ترامب صرح في أكثر من خطاب له بوجود "عدد كبير من القتلة، وتجار المخدرات، والمرضى العقليين، والإرهابيين" بين المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون الحدود من المكسيك إلى الولايات المتحدة، مدّعيا أن هؤلاء فرّوا من السجون ومستشفيات الأمراض العقلية في بلدانهم، وأنهم يساهمون في تصاعد الجرائم العنيفة داخل بلاده.

البيت الأبيض بدأ تنظيم رحلات جوية لترحيل المهاجرين غير النظاميين (مواقع التواصل) "صوت أميركا"

وفي سياق متصل، علق قاض أميركي أمس الجمعة خطوات إدارة ترامب لإغلاق شبكة "صوت أميركا" الإذاعية الممولة من الحكومة.

وأصدر القاضي جاي بول أويتكين أمرا تقييديا مؤقتا في قضية رفعها موظفو إذاعة "صوت أميركا" ونقاباتهم ومنظمة مراسلون بلا حدود في محكمة فدرالية في نيويورك.

وقال المدير التنفيذي لمنظمة مراسلون بلا حدود في الولايات المتحدة كلايتون ويمرز: "نحن راضون للغاية لأن القاضي وافق على تجميد أي إجراء آخر من جانب الحكومة لتفكيك صوت أميركا".

وأضاف ويمرز: "نحث إدارة ترامب على رفع تجميد تمويل إذاعة صوت أميركا فورا وإعادة موظفيها إلى وظائفهم من دون مزيد من التأخير".

إعلان

وبدأت إدارة ترامب عمليات تسريح جماعي للموظفين في إذاعة "صوت أميركا" وغيرها من وسائل الإعلام الممولة من الولايات المتحدة هذا الشهر كجزء من خططها لخفض ميزانية الحكومة الفدرالية والقوى العاملة بشكل كبير.

وقرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قطع التمويل الذي وافق عليه الكونغرس لوكالة الولايات المتحدة للإعلام العالمي (يو إس إيه جي إم)، وهي الوكالة الأم لإذاعة "صوت أميركا"، في سياق تخفيض الإنفاق العام.

كما استهدف إذاعة "أوروبا الحرة/إذاعة الحرية" التي تأسست في الحرب الباردة وكانت موجهة إلى الكتلة السوفياتية السابقة، وإذاعة "آسيا الحرة" الموجهة إلى الصين وكوريا الشمالية ودول آسيوية أخرى تفرض قيودا شديدة على وسائل الإعلام.

وقد أصدر قاض آخر أمرا تقييديا مؤقتا بعد أن طعنت إذاعة "أوروبا الحرة/إذاعة الحرية" في قرار وكالة الولايات المتحدة للإعلام العالمي بحجب ميزانيتها البالغة 77 مليون دولار لعام 2025.

وتأسست إذاعة "صوت أميركا" خلال الحرب العالمية الثانية، وتبث في جميع أنحاء العالم بـ49 لغة بهدف الوصول إلى البلدان التي تفتقر إلى حرية الإعلام.

ورحبت موسكو وبكين بقرار إغلاق وسائل الإعلام المدعومة من الولايات المتحدة والتي كان ينظر إليها على مدى عقود على أنها ركائز نفوذ للقوة الناعمة الأميركية.

مقالات مشابهة

  • بكين تدعو واشنطن للتمسك بمبدأ الصين الواحدة في علاقاتها مع تايوان
  • العسكريون في فرنسا ودول أوروبية أخرى يستعدون لسيناريوهات المواجهة مع روسيا
  • شولتس: الاتحاد الأوروبي مستعد للرد على أميركا بشأن الرسوم الجمركية
  • سفيرة الكويت لدى الولايات المتحدة تلتقي السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام
  • واشنطن بوست: حرب ترامب على الجامعات تضع الولايات المتحدة في خانة الاستبداد
  • القضاء يمنع إدارة ترامب من ترحيل مهاجرين ويعلق إغلاق إذاعة صوت أميركا
  • تعليق جديد من الولايات المتحدة على اعتقال إمام أوغلو
  • الناتو بدون أمريكا.. أزمة غير مسبوقة
  • جنبلاط يتهم الولايات المتحدة بالضغط على لبنان للتطبيع مع إسرائيل
  • كندا ترد على أميركا: حرب تجارية انتقامية قادمة