الأجواء الروحانية تخيم على مساجد مصر التاريخية في شهر رمضان الكريم
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
في أجواء عامرة بالنفحات الإيمانية، تتلألأ المساجد التاريخية في مصر طوال أيام شهر رمضان المبارك، لا سيما في مدينة القاهرة التي اشتهرت بأنها مدينة الألف مئذنة، والتي ظلت عامرة بعبق تاريخ عريق منذ دخول الإسلام أرض الكنانة.
وقد أبرزت وكالة الأنباء القطرية الرسمية "قنا" الأجواء الروحانية التي تخيم على مساجد مصر التاريخية في شهر رمضان المبارك، فقالت إنه على مر العصور، ظلت المساجد التاريخية في مصر شاهدة على تعلق المصريين بها، خاصة في شهر رمضان المبارك، الذي تتهافت فيه القلوب إلى عبق هذه المساجد، سواء في حلقات تلاوة القرآن في النهار أو في صلوات التراويح والتهجد ليلا.
من بين هذه المساجد التاريخية، يبرز جامع عمرو بن العاص الذي أسسه الصحابي الجليل عمرو بن العاص في العام 20 هـ - 641 م بعد فتح مصر، والذي ظل منذ ذلك التاريخ من بين أكثر المساجد استقبالا للمصلين طوال شهر رمضان المبارك، على ضوء رمزيته التاريخية المهمة؛ كونه أول مسجد تأسس في مصر وإفريقيا، حيث يقع في قلب مدينة الفسطاط عاصمة مصر الإسلامية الأولى، وكان يعرف أيضا بمسجد الفتح، والمسجد العتيق، وتاج الجوامع، كما كان مركزا للحكم ونواة للدعوة للدين الإسلامي، وذلك جنبا إلى جنب مع مساجد أخرى تحظى بمكانة واهتمام لدى المصريين، مثل مسجد أحمد بن طولون، والجامع الأزهر الذي بناه القائد جوهر الصقلي في عصر الدولة الفاطمية بأمر من المعز لدين الله الفاطمي، وكذلك مساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة، والرفاعي، والسلطان حسن، والناصر محمد بن قلاوون.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور محمد الكحلاوي رئيس المجلس العربي للاتحاد العام للآثاريين العرب، لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن تعلق المصريين بالمساجد الجامعة في شهر رمضان المبارك وحرصهم على إحياء لياليه المباركة فيها يعود إلى تقديرهم الكبير لدور هذه المساجد الجامعة أو مساجد الأمصار، مثل جامع عمرو بن العاص، والتي تحظى بمكانة خاصة كونها من تأسيس الصحابة أو التابعين، كما أن هذه المساجد كانت تعرف بالمساجد "العمرية" نسبة إلى عمر بن الخطاب صاحب الفتح، أو مساجد أهل الراية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويشير الكحلاوي إلى أن تعلق المصريين بهذه المساجد التاريخية العريقة يتجسد بشكل كبير في جامع عمرو بن العاص، الذي يحتل مكانة مميزة في قلوب المصريين في شهر رمضان المبارك، ويشهد إقبالا كبيرا من المصلين على مر العصور، تيمنا بما كان يفعله الصحابة، لافتا إلى أن المصريين توارثوا هذه العادة الطيبة من الفتح الإسلامي وعصر الفتوحات الإسلامية.
وفي السياق ذاته، يقول الدكتور أيمن فؤاد سيد أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن المساجد التاريخية العريقة في مصر، لا سيما في مدينة القاهرة، اكتسبت أهمية خاصة لدى المصريين، خاصة في شهر رمضان المبارك، ومن أبرزها وأقدمها جامع عمرو بن العاص، حيث كان لهذا المسجد دور بارز في مهد التاريخ الإسلامي في مصر، إلى جانب مسجد أحمد بن طولون بمدينة القطائع، العاصمة التي شيدها ابن طولون، والذي ما زال محتفظا بتخطيطه ومبانيه كاملة، فضلا عن الجامع الأزهر الذي أسسه الفاطميون تحت اسم مسجد "القاهرة" قبل أن يتحول اسمه فيما بعد في القرن الخامس الهجري إلى الجامع الأزهر.
ويضيف الدكتور أيمن فؤاد سيد أن تعلق المصريين بهذه المساجد بدأ منذ العصور الأولى من الفتح الإسلامي، حيث كان مسجد عمرو بن العاص مركز العلم، قبل أن يتم في العصر الأيوبي والمملوكي إنشاء مدارس مثل مدرسة السلطان حسن، ومدرسة الظاهر برقوق، ومدرسة قبة الناصر محمد بن قلاوون، منوها بأن هذه المدارس موجودة بشارع المعز لدين الله الفاطمي بصفة خاصة، حيث انتقل دور تقديم العلم من المساجد التاريخية لها لاحقا.
ومن جانبه، يقول الدكتور جمعة عبد المقصود أستاذ ترميم الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن السر وراء تعلق المصريين بهذه المساجد في شهر رمضان المبارك يرجع إلى القيمة التاريخية لها، إلى جانب احتضانها خلال الشهر الفضيل خطباء وأئمة يحملون أصواتا مميزة في قراءات القرآن الكريم، ما يزيد حرص المصريين على قضاء صلواتهم بها، لا سيما صلوات التراويح والتهجد، التي تتلألأ بها هذه المساجد على مدار أيام شهر رمضان المبارك.
ويضيف عبد المقصود أن الأجواء الروحانية التي يشعر بها المصلون في هذه المساجد التاريخية تعود إلى أدوارها المهمة في تثبيت أركان هذا الدين، منذ إنشاء جامع عمرو بن العاص باعتباره أول مسجد بني مع الفتح الإسلامي لمصر، كما لا تتوقف أهمية هذا المسجد وغيره من المساجد التاريخية عن أداء الصلوات، بل تمثل قيمتها التاريخية والمعمارية والفنية عامل جذب مهما للوافدين من شتى بقاع العالم الإسلامي طوال العام.
وعلى غرار مسجد عمرو بن العاص، يشير الدكتور جمعة عبد المقصود إلى أن الجامع الأزهر يتمتع بمكانة خاصة لدى المصريين في شهر رمضان المبارك، نظرا لدوره العريق وروحانياته التي تضرب في عمق التاريخ؛ لكونه جامعا وجامعة، وكان له أثره الواضح على حياة المصريين وهويتهم، وكذلك من الناحية التعليمية، وحلقات العلم والدروس العلمية التي كانت وما زالت تدرس به.
وإلى جانب هذا الدور المهم للمساجد التاريخية في مصر لنشر العلم، يقول الدكتور محمد ورداني أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن دور المساجد في مصر في شهر رمضان المبارك يمتد إلى طقوس وأجواء روحانية تمتاز بالألفة والمودة، من بينها -على سبيل المثال- احتضان الجامع الأزهر إفطار آلاف الصائمين يوميا، خاصة الطلاب الوافدين، إلى جانب استمتاعهم بالاستماع للقرآن الكريم وروائح دروس العلم التي تفوح في أروقته على مدار اليوم.
ويضيف الدكتور محمد ورداني أن أروقة المساجد في مصر استوحت من الجامع الأزهر والمساجد التاريخية العريقة أجواء روحانية مماثلة في شهر رمضان المبارك، كما شملت أيضا مسابقات للقرآن الكريم، لا سيما بين الأطفال؛ بهدف تعزيز فكرة القدوة الحسنة واتباع سبل الصالحين، والاطلاع على علوم القرآن وتأويله، ليكون هذا الشهر الفضيل فرصة تتجدد معها كل عام الروح الإيمانية العطرة.
وعلى ضوء تلك النفحات الإيمانية المتجددة في شهر رمضان الفضيل، يكمن دور المساجد التاريخية في مصر كمنارة مضيئة على مر العصور لنشر الدين والحفاظ على الهوية، وذلك منذ تأسيس جامع عمرو بن العاص في قلب الفسطاط، أول عاصمة إسلامية لمصر، وصولا إلى القاهرة "مدينة الألف مئذنة"، التي انتشر من قلب جوامعها فقه هذا الدين بمختلف مذاهبه إلى أرجاء العالم الإسلامي، حيث لا تزال جدران هذه المساجد شاهدة على سيرة علمائها الأجلاء الذين ملأوا الأرض علما في شتى البقاع.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مصر المصري القاهره رمضان المبارك شهر رمضان الكريم الاسلام عاصمة شهر رمضان قطر فی شهر رمضان المبارک جامع عمرو بن العاص المساجد التاریخیة التاریخیة فی مصر الجامع الأزهر یقول الدکتور هذه المساجد إلى جانب لا سیما
إقرأ أيضاً:
تجديد مسجد الفويهي بسكاكا وإعادة تظليله بخشب الأثل وجريد النخل
سكاكا
يُعد مسجد الفويهي بمدينة سكاكا بمنطقة الجوف، أحد مساجد المرحلة الثانية لمشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، والذي سيخضع للترميم وفق مجموعة من التدخلات المعمارية المخطط لها بعناية، لتعيده إلى صورته الأصلية التي تكونت عند بنائه عام 1380هـ، وتحافظ على أسلوب التظليل التقليدي في سرحة المسجد، باستخدام مواده الأصلية المكونة من خشب الأثل وجريد النخيل، في خطوة تعكس مقاصد عدة منها المحافظة على الهوية العمرانية للمسجد، والاهتمام بتعزيز الحضارة الإسلامية للمملكة، وتطوير المدن والقرى التاريخية.
وتعود أهمية المسجد إلى كونه أحد أقدم المباني التراثية بمدينة سكاكا، ويعرف باسم مسجد شامان نسبة إلى صاحب المسجد الذي قام بإنشائه شامان خلف الفويهي، وكان المسجد قد تعرض للضرر؛ نتيجة حادثة سير عام 1430هـ، وأعيد صيانته والمحافظة على وضعه القديم، ويستخدم لإقامة الصلوات الخمس منذ إنشائه حتى اليوم.
وسيجدد مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية مسجد الفويهي (هنا)، ليزيد مساحته من 72.33 م2، إلى 93.98 م2، فيما ستبقى طاقته الاستيعابية عند 28 مصليًا، وذلك على طراز المنطقة التراثي، باستخدام تقنيات البناء بالطين وتوظيف المواد الطبيعية، حيث يعد الطراز المعماري للمنطقة فريدًا في فن العمارة ويتميز بقدرته على التعامل مع البيئة المحلية والمناخ الصحراوي الحار.
وفي الوقت الذي يمثّل فيه طراز منطقة الجوف التراثي انعكاسًا لمتطلبات الثقافة المحلية، يُعد المسجد النواة الرئيسة في مكونات العمران وبناء الهوية المعمارية للمنطقة، وسيعمل مشروع الأمير محمد بن سلمان على معالجة العناصر والمكونات المعمارية للمسجد واستبدالها بعناصر تراثية، فيما سيبقى على ما يميزه مثل السرحة التي بنيت بأسلوب تظليل تقليدي مكون من خشب الأثل وجريد النخيل، إذ يسمح أسلوب التظليل التقليدي بمرور الضوء الطبيعي والتهوية، وكذلك السماح بالامتداد البصري من سرحة المسجد، فيما سيتم تطوير سقف السرحة وكل عناصر المسجد من مواد طبيعية من البيئة المحيطة بالمسجد.
ويعمل مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية على تحقيق التوازن بين معايير البناء القديمة والحديثة بطريقة تمنح مكونات المساجد درجة مناسبة من الاستدامة، وتدمج تأثيرات التطوير بمجموعة من الخصائص التراثية والتاريخية، في حين يجري عملية تطويرها من قبل شركات سعودية متخصصة في المباني التراثية وذوات خبرة في مجالها.
ويأتي مسجد الفويهي ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية في مرحلته الثانية التي شملت 30 مسجدًا في جميع مناطق المملكة الـ13، بواقع 6 مساجد لمنطقة الرياض، و5 مساجد في منطقة مكة المكرمة، و4 مساجد في منطقة المدينة المنورة، و3 مساجد في منطقة عسير، ومسجدان في المنطقة الشرقية، ومثلهما في كل من الجوف وجازان، ومسجدًا واحدًا في كل من الحدود الشمالية، وتبوك، والباحة، ونجران، وحائل، والقصيم.
يذكر أن إطلاق المرحلة الثانية من مشروع تطوير المساجد التاريخية أتى بعد الانتهاء من المرحلة الأولى، التي شملت إعادة تأهيل وترميم 30 مسجدًا تاريخيًا في 10 مناطق.
وينطلق المشروع من أربعة أهداف إستراتيجية، تتلخص بتأهيل المساجد التاريخية للعبادة والصلاة، واستعادة الأصالة العمرانية للمساجد التاريخية، وإبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية، وتعزيز المكانة الدينية والثقافية للمساجد التاريخية، ويسهم في إبراز البُعد الثقافي والحضاري للمملكة الذي تركز عليه رؤية 2030 عبر المحافظة على الخصائص العمرانية الأصيلة والاستفادة منها في تطوير تصميم المساجد الحديثة.