كيف تؤثر مشاهدة ظاهرة كسوف الشمس على المخ؟.. مفاجأة غير متوقعة
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
ظاهرة مذهلة يترقب العالم حدوثها في 8 أبريل الجاري، إذ ستكون الأرض على موعد مع كسوف كلي للشمس، الأمر الذي سيؤدي إلى سيطرة تامة للظلام الدامس على قارة أمريكا الشمالية، وعلى الرغم من الأبحاث العديدة التي أجريت على الحدث الكوني وتأثيره على الكوكب، إلا أن العلماء كشفوا تأثيرًا غير متوقع على المخ في أثناء مشاهدة الكسوف.
ووفق موقع «creyos» الكندي المختص بالأبحاث الأكاديمية حول الصحة العقلية، فإن كسوف الشمس يؤثر على مخ الإنسان ويجعله أكثر نشاطًا ووعيًا بما حوله، إذ سلطت وكالة ناسا، الضوء حول تأثير تلك الظاهرة على البشر، مشيرة إلى أنها تؤثر نفسيًا وعقليًا على الإنسان، وفق موقعها الرسمي.
وأشار أبحاث العلماء إلى أنه عند النظر إلى ظاهرة كسوف الشمس وحركة الأجرام السماوية، يشعر الشخص بالرهبة التي بدورها تؤثر على المخ، وخضع المشاركون في الأبحاث إلى الفحص بالرنين المغناطيسي في أثناء مشاهدة الظاهرة، ووجد العلماء أنّ هناك نشاطًا في المخ مما أدى إلى أنّ المشاركين أصبحوا أكثر وعيًا وتفتحًا للموضوعات المختلفة وأيضًا لديهم هدوء نفسي أعلى من غيرهم.
وبحسب «بي بي سي»، يؤثر الكسوف على صحة الجسم لأن تحول النهار فجأة إلى ليل يثير مشاعر الرهبة داخل الإنسان، ما يجعله أكثر تواضعًا مع الآخرين وارتباطًا بالمجتمع الذي يعيش فيه، لأن الشعور بالرهبة يعمل على تهدئة الصوت المزعج داخل النفس، بحسب ما أثبته شون جولدي، عالم النفس في جامعة جونز هوبكنز، من خلال التحقيق الذي أجراه عن الآثار النفسية للكسوف في عام 2017.
وفي بعض الأبحاث الخاصة بكسوف الشمس لمعرفة ما يحدث داخل الجسم عند مشاهدة الظاهرة الكونية، طلب بعض علماء النفس، من الأشخاص المشاهدين للظاهرة، تصوير مقاطع فيديو لهم خلال هذه اللحظات، لأنها تعتبر مقياسًا في تحول العقلية والسلوك وتؤثر على التصورات العقلية ومدى الاعتمادية على النفس في صنع القرار، وتبين أن الظاهرة الكونية تسببت في تغيير شخصية المشاركين وجعلهم أكثر ميلًا للتواضع وأكثر تفتحًا ولديهم وعي ذاتي.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: كسوف الشمس كسوف كلي ظاهرة الكسوف کسوف الشمس على المخ
إقرأ أيضاً:
مشروع أحمد النوفلي.. والظاهرة القرآنية
ليلة 18 من رمضان هذا العام 1446هـ.. اتصل بي الصديق أحمد النوفلي بأنه يريد أن يأتي عندي في البيت بالمعبيلة، وما هي إلا دقائق معدودات حتى وصل وبيده نسخة من كتابه «تأويل القرآن.. المناهج والإشكالات» الصادر هذا العام 2025م، عن دار الانتشار ببيروت. لقد سررت بأن أرى هذا السِفر يرى النور، الذي وقفت عليه مذ كان فكرة تجول في رؤوسنا، ونتناقش حولها بتداعينا المعرفي الحر. المقال.. يعرض شيئاً من تقديمي للكتاب؛ بقراءته في ضوء مشروع النوفلي الفكري.
«الظاهرة القرآنية».. عنوان كتاب صدر للجزائري مالك بن نبي (ت:1973م) منتصف أربعينات القرن الميلادي المنصرم، تحدث عن القرآن بإثباته وحياً من عند الله. ورغم أن مصطلح «الظاهرة القرآنية» لم يُستعَمل بعد ذلك بعيداً عمّا استعمله الكتاب إلا قليلاً، لكنه -بنظري- يحمل مفاهيم واسعة؛ فهي كل الأعمال المعرفية التي تصدر باستنباط من القرآن أو خدمة له، مثل: إثباته وحياً معجزاً؛ تحدياً أو صِرفةً، ودراسة علو بيانه وشأو أسلوبه، والبحث في علومه كالتفسير والتأويل والنسخ والمكي والمدني، والتحقيق في مصدره وجمعه ونقله، والاستنباط من أحكامه وتشريعاته، وسبر أغوار النفس الإنسانية والاجتماع البشري وسياسة الدول منه.. بل حتى الكتابات غير العقلانية التي تسند دعواها إلى القرآن؛ داخلة تحت دوحة هذه الظاهرة وارفة الظلال.
شَغَلَتْ الظاهرة القرآنية بالي منذ أمد، فجاء كثير من أعمالي الفكرية انطلاقاً من القرآن وبإلهام من نهجه واقتباس من نظمه. وكنت كلما التقيت بأحد المشتغلين بالدراسات القرآنية ألقيت في روعه الفكرة؛ رجاءَ أن يكتب فيها، وكان من هؤلاء أحمد النوفلي، الذي طرق جانباً منها لتخرج دراسته القيّمة «تأويل القرآن».
أحمد بن مبارك النوفلي.. أحد أبناء الحلقة الفقهية العمانيين، وخريج المعاهد الإسلامية، لم يتحول عن اهتمامه بالفقه، وظل وفياً له؛ بحثاً وكتابةً، مع اشتغاله بالتربية والوعظ وخلطته بالناس، فجاءت دراساته متوجهة للمجتمع.
لفهم مشروع النوفلي؛ علينا تتبع الخارطة الزمنية لمؤلفاته:
- المرحلة الوعظية: أصدر فيها: «فن استغلال الوقت»؛ 2004م، و«الفتور في حياة الداعية»؛ 2005م، في الدعوة والوعظ، وقد أعطته دربة لفهم جانب من النفس الإنسانية، وأهّلته للبحث والتأليف.
- المرحلة الانتقالية: أصدر فيها «البُعد الغائب من مفهوم العمل الصالح»؛ 2009م، و«إنكار المنكر.. قراءة تحليلية في روايتي مسلم النيسابوري وابن جعفر الإزكوي»؛ 2011م. شكّل الكتابان جسراً عبر عليه من تجربته الوعظية إلى مشروعه الفكري، حيث اشتملا على بواكير المراجعة الفكرية، لكنهما بلغة أقرب إلى أسلوب المربي.
مرحلة النوفلي الانتقالية.. ثمرةٌ من ثمرات مرحلة انتقالية أكبر عاشتها سلطنة عمان بين عامي 2005 و2010م. فالتغيّرات التي حدثت بينهما استدعت تحولاً في الفكر الديني، ولضبط بوصلة التفكير اتخذنا القرآن معتصماً، فأعدنا النظر في المنهج الذي ينبغي أن نفهمه به، فاتجهنا إلى «العلم القرآني» بجعله معياراً نقوّم به الفكر ونزن به الطرح، ولم يكن أمامنا لاعتبار الدين الملزِم إلا القطع في الدليل؛ سنداً ودلالةً. فأصدرنا عام 2007م «الإيمان بين الغيب والخرافة» [خميس العدوي وخالد الوهيبي]، حررنا فيه قواعد الإيمان من القرآن. ثم أعقبناه عام 2009م بكتاب «السنة.. الوحي والحكمة»، [خميس العدوي وزكريا المحرمي وخالد الوهيبي]، الذي خصصناه لقضايا السنة النبوية والأحاديث المرفوعة إلى النبي الخاتم.
- المرحلة الفكرية: كانت الظاهرة القرآنية مهيمنة على طروحاتنا خلال المرحلة الانتقالية، فأفكارنا ورؤانا يكاد تصدر عن مشرب واحد هو العلم التنزيلي في نقد الظن التأويلي. من تلك المرحلة انبثق مشروع النوفلي الذي تميزت به مرحلته الفكرية.. وهو مشروع قائم على «التمييز بين العلم والظن» بحسب الإيراد القرآني، أو «مسائل الدين والرأي» بحسب التنظير الفقهي، أو (العلم التنزيلي والظن التأويلي) بحسب توصيفي في كتاب «السياسة بالدين».
بهذا التمييز التأصيلي.. الذي تمتع برؤية واضحة ومنهج متماسك؛ عمل أحمد النوفلي جَهده ليكون دقيقاً في تطبيقه على المسائل المطروحة بمنهج نقدي موضوعي، غير منحازٍ لهذا الفكر أو ذاك، ولا متعصب لمذهب دون آخر، فأصدر حلقاته الثلاث: «أقانيم اللامعقول.. قراءة نقدية في التقليد والأسطورة والخرافة»؛ ٢٠١٢م، و«أقانيم اللامعقول.. تحليل ونقد روايات الوحي والملائكة»؛ ٢٠١٥م، و«أقانيم اللامعقول في الرؤى والأحلام.. السؤال والتحليل والنقد»؛ ٢٠١٧م.
ولمّا نظرتُ إلى هذا المشروع.. وجدتُ أن هناك فجوة لم تسد ثغرتها، وهي المعارف التي تتعلق بالقرآن ذاته؛ المعروفة بـ«علوم القرآن»، فأشرت للنوفلي أن يعالجها؛ بحثاً وتحليلاً بنفس المنهج الذي سار عليه في ثلاثيته، فعمل على تأليف كتابه «تأويل القرآن.. المناهج والإشكالات» بروح الباحث الجاد، الذي يتقصى المعلومة من مظانها، ويربط فرعها بأصلها، ويحاكم ظن تأويلها إلى منهجه الذي ارتضاه من العلم التنزيلي.
بعد إنجاز الكتاب دفع إليّ النوفلي مسودته الأولى؛ وطلب أن أقترح له عنواناً ناظماً لمواضيع الكتاب. قرأت الكتاب وقدمت له ملاحظاتي ومقترحاتي وآرائي حول مادته ومنهجه وآرائه. وكان رأيي بأن الكتاب يشكّل حلقةً رابعة لمشروعه «أقانيم اللامعقول»، لأنه يعالج قضايا مكملة للحلقات الثلاث، وينسج بنول المنهج نفسه، وكان رأيه أن يجعله مستقلاً. ثم تناقشنا حول العنوان، فرسا رأيه على «تأويل القرآن.. المناهج والإشكالات».
من يطالع الكتاب؛ قد يتساءل عن مناقشته أصول الفقه وعلم الرواية، فمن العادة أنها لا تدرس ضمن حقول التأويل؛ الذي ينتمي إلى علم الكلام؟ إن مَن يتأمل النظرية المعرفية لدى المسلمين، يجدها تتألف من منظومات: أصول الفقه وعلم الرواية وعلم الكلام، التي تبتغي إيجاد حكم أو حل إشكال غير منصوص عليه في القرآن، وهذا هو غرض التأويل، الذي عَمَلُه بالأساس سد «الفجوة الزمنية» الحاصلة بين لحظة تنزل الوحي ولحظة إعادة استعماله. كما أن المسلمين رغم اتفاقهم على الرجوع إلى القرآن؛ هم طرائق متنافرة، رثت عُرى مودتهم، فسلكوا مسلك التأويل لاستمدادهم من القرآن ما يعضد آراءهم ومواقفهم ومعتقداتهم، فكانت هذه النظرية المعرفية معتمدهم في نقل دلالة النص مما نزل به؛ إلى الاحتجاج للواقعة التي هم بصددها. بيد أن هذه الطريقة لم توصل ما انقطع من حبل وحدتهم.. بل أوصلتهم إلى تبني «معتقد الفرقة الناجية»، فأورثتهم الصراع والتخلف الحضاري الذي نشهده. فكان على النوفلي وهو يعالج موضوع التأويل ومناهجه أن يتطرق إلى هذه المنظومات المشكّلة للنظرية المعرفية القديمة، بكونها من أدوات التأويل.
بنى أحمد النوفلي كتابه «تأويل القرآن.. المناهج والإشكالات» على نقد مناهج تأويل القرآن وتفسيره، وفقاً (للعلم التنزيلي والظن التأويلي). إلا أنه لم يَسْعَ إلى بناء منظومة معرفية جديدة للتعامل مع النص القرآني، وكان رأيه أن مَن يعمل على تفكيك أو نقد منظومة معرفية معينة لا يلزمه أن يبني بديلاً عنها؛ فحسبه الكشف عن انتهاء صلاحية المناهج الآفلة، إذ البناء يحتاج إلى رؤية أخرى تقوم على العديد من المفاهيم والأفهام. ومع اتفاقي مع النوفلي على أهمية النقد والتفكيك المعرفي، وهو ما أقوم به في طروحاتي، لكن العمل لا يكتمل إلا ببناء نظرية جديدة يتمكن الناس من العمل بقواعدها والاحتكام إلى ضوابطها، وإلا عاشوا في تيه الأفكار واضطراب الأحكام، كما هو الحاصل الآن مع الكثيرين ممن يمارسون تدبر القرآن. إذ النقد ذاته لا ينهي العمل بالنظريات المعرفية؛ مهما بلغت قدرة النقد على كشف خللها وإبطال خطلها، إذ يبقى العقل وفياً لمنظوماته القديمة؛ حتى تحل محلها نظرية جديدة صالحة لأن تفيد مستعمليها.
ختاماً.. لم يظهر أحمد بن مبارك النوفلي مؤشراً لتحوله عن معالجة قضايا الفكر خارج نطاق الظاهرة القرآنية، بيد أنه من خلالها نامٍ في تفكيره ومتجدد في طروحاته.