نقتسم الوجع والجوع معاً وسننجو معاً بإذن الله (كاريكاتير)
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
يمانيون/ كاريكاتير
نقتسم الوجع والجوع معاً وسننجو معاً بإذن الله (كاريكاتير)
ً#اليمنفلسطين.المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
نموت نموت ويحيا الوطن!
هذا صدر بيت شعر من النشيد الوطني الرسمي لتونس والذي يفتتح بـ:
"حماة الحمى يا حماة الحمى *** هلموا هلموا لمجد الزمن
لقد صرخت في عروقنا الدماء *** نموت نموت ويحيا الوطن.
إلى أخر النشيد الذي هو مصري في الأصل ومن شعر شاعر النيل مصطفى صادق الرافعي كتبه في الثلاثينات لتحفيز المصريين لمقاومة الاستعمار البريطاني لمصر أما تلحينه فينسب أحيانا للفنان المصري محمد فوزي وأحيانا أخرى للموسيقار محمد عبد الوهاب.
وحين اعتمده التونسيون منذ الثلاثينات نشيدا للثورة على الاستعمار الفرنسي أضافوا له بيتين من أشهر قصائد شاعرهم العبقري أبي القاسم الشابي بعنوان (إرادة الحياة) وهما:
إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلابد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي *** ولا بد للقيد أن ينكسر.
وذلك بسبب بحر العروض والقافية المشتركين بين قصيدة الرافعي وقصيدة الشابي رحمهما الله.
ذكرت هذه المعاني القيمة التي تلهب شعور الجماهير وتحرك حماسها من أجل الفداء بالروح حتى يحيا الوطن محررا من دنس المذلة وخزي المهانة. حتى طلع علينا الشاعر اللبناني المشاغب والرافض للقوالب الموروثة ليقول علنا: "لست مستعدا للموت من أجل وطن لا أجد فيه كرامتي ولا أتمتع فيه بحقوقي بل يتحول باستبداد وظلم بعض رؤساء جمهورياته الوراثية إلى وطن يطردني ويهجرني..."
إذا قرأتم اليوم سرديات السوريين المنفيين والضاربين في أرض الله منذ عقود أو الناجين من مجازر بشار وأبيه يدرك أن استعادة الوطن يعني استعادة الحقوق والحرية من أنياب ومخالب وحوش بشرية قتلة ومجرمين..وأتذكر أنا ما قاساه آلاف المفكرين والمثقفين والنخب من آلام الهجرة من بين العرب والذين كتب الله لي أن أتعرف عليهم وأعيش ما عاشوه من غربة في الدول التي قاومنا استعمارها وهيمنتها.. ثم وجدنا أنفسنا لاجئين في مدنها الباردة لأنها تملك دستورا يحمينا ومكنت العديد من رفاقنا من اللجوء السياسي وعاش معنا أولادنا فتكلموا لغة وطن اللجوء وتعلموا في مدارسها واندمجوا في مجتمعاتها ونشأوا على قيم الحرية والعدالة التي وجدناها لدى مستعمرنا القديم ولم يمنحها لنا حين استولى على خيراتنا واستخرب أرضنا (و ليس استعمر) وحين فرض على مجتمعنا قوانينه وتقاليده منذ 1881 فسمى هذا الاستخراب "حماية" حتى يقنعنا بأننا تحت حمايته وتحت جناح رحمته!
الغريب أن هذه الحيلة انطلت وما تزال تنطلي على "نخبة" من التونسيين والعرب والمسلمين تخرجت من جامعات أوروبا فحصل لديها اعتقاد كاذب وهو أن هذه الأمم الغربية مثل أعلى في التقدم العلمي والحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية بفضل التكاتف بين أفرادها عن طريق مؤسسات الضمان الاجتماعي المقننة والتي تمنح الحق لكل مواطن فيها أن يوهب جراية ويسند ماليا فننسى ويغيب عن إدراكنا أن المجتمعات الغربية ترمي كبار السن من جدود وجدات عيالهم، فيما يعرف بدور العجائز وفي الحقيقة أماكن لعزل الطاعنين في السن ليموتوا في غربة مؤلمة وبلا رحمة من ولد صالح أو بنت صالحة انشغلا عنهم بالعمل الشاق في مصنع أو إدارة أو شركة تحولهم إلى عبيد جدد في أسواق النخاسة والربح السريع و الصراع المتوحش!
ولكن هذه النخبة العربية المسلمة في الحقيقة تم اجتثاثها من تراثها الإسلامي الأصيل وأصبحت مثل زهرة عباد الشمس تتفتح إذا اتجهت نحو شمس فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا وطبعا ربوها في مدارس الغرب وجامعاتها أن تتنكر لماضيها المجيد وتتنصل من جذورها العميقة فبحثت على نعمة الانصهار التام في مجتمعات الغرب.. ولا نتردد في القول بأن التونسي تحول إلى "فرنسي صغير درجة ثانية" وأن المصري تحول إلى "إنجليزي صغير درجة ثانية" فلا نتعجب بعد هذا المسخ الحضاري أن يستمر استغلال القوى الغربية لخيرات أراضينا وأن تصدر لهم دولنا عن طواعية سواعد وعقول شبابنا ليعملوا لديهم بعد أن دفعنا نحن أعز ما نملك ليتعلموا ويصبحوا كوادر مؤهلة للشغل وبناء الأوطان فأصبحوا بناة لدول الغرب بل وقلدناهم كمغلوبين يقلدون الغالب حسب رأي علامتنا عبد الرحمن ابن خلدون في سائر ملبسهم ومأكلهم وفي انتحال لغتهم وأحيانا دينهم!!
ونعود إلى عنوان المقال لنؤكد أن هذه الانحرافات الخطيرة قضت على أوطاننا الأصلية والأصيلة لتعطينا وهما يسمى زورا وبهتانا "اللحاق بركب الحضارة" وهو الشعار الذي كان الحبيب بورقيبة رحمه الله يرفعه باستمرار على مدى عهد حكمه لتونس وهو مؤمن، ربما عن حسن نية، أن الغرب هو الحضارة وأن على شعوبنا نحن محاولة اللحاق بركبه وبوسائله هو وبقيمه هو وهذه عقيدة النخبة التونسية المسلمة التي صدقت الزعيم بورقيبة واتبعت خطاه حتى أدركنا الإفلاس النهائي لكل جهودها الواهمة للحاق بركب الحضارة!!
الوطن ليس رقعة جغرافية من الأرض بل مساحة حضارية من قيم ديننا وكفاءة لغتنا وخصوصية تقاليدنا وهذه الكنوز هي التي من واجبنا الحفاظ عليها وتوريثها لعيالنا من بعدنا.وإذا قرأتم اليوم سرديات السوريين المنفيين والضاربين في أرض الله منذ عقود أو الناجين من مجازر بشار وأبيه يدرك أن استعادة الوطن يعني استعادة الحقوق والحرية من أنياب ومخالب وحوش بشرية قتلة ومجرمين.. في حين أن المهجرين قسرا من الشعب السوري يعدون بالملايين بداية من الإسلاميين الناجين من مجزرة حماة سنة 1982، ولنا منهم أصدقاء ورفاق منافي وزملاء في جامعة قطر طالما تذاكرنا وتبادلنا قصص المحن والتشرد وضياع العيال بين المدارس وفقدان الوطن وتلاشي الذكريات مع الزمن.
وأتذكر ذات يوم من التسعينيات في مقهى باريسي قدم لي صديق نخبة كريمة من الطيارين الليبيين الذين انتدبتهم (شركة فرنسا الجوية) ليكونوا لديها قباطنة طائرات (إيرباس) بعد أن عوقب العقيد القذافي بتجميد شركة طيرانه والصديق قدم لي الاخوة الليبيين بقوله: "أقدم لك مجموعة من الكلاب السائبة...!" وهو النعت الذي أطلقه العقيد المعقد على كل من يعارضه فضحكنا جميعا ونحن نفكر بحزن وألم في أوطان فقدناها ولم تعد أوطاننا إلى أن يحين يوم تحريرها من الاستبداديات الداخلية الغبية وهي أعتى من الاستبداديات الخارجية التي تستبيح أرضنا وتنتهك عرضنا.
لهذه الأسباب نقترح تعديل عبارة الوطن من المطلق الراهن إلى تنسيب "المواطنة" التي هي اشتراك شعب ما في التمتع بالحقوق والحريات في حالة وفرتها لنا الأوطان! فالوطن ليس رقعة جغرافية من الأرض بل مساحة حضارية من قيم ديننا وكفاءة لغتنا وخصوصية تقاليدنا وهذه الكنوز هي التي من واجبنا الحفاظ عليها وتوريثها لعيالنا من بعدنا. وفي حال توارثنا أوطانا تكون بحق أوطاننا يكون من حقها علينا أن نموت من أجلها وتحيا هي حرة خفاقة الراية مرفوعة الرأس محمية بمواطنيها الكرماء المكرمين مدى الدهر.