برهنت السياسة المصرية على مدار العقود السابقة، حتى اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أن دعم مصر لفلسطين راسخ في الوجدان المصري ويعتبر بمثابة عقيدة، ومن هذا المنطلق بذلت مصر على مدار أشهر العدوان جهود حثيثة لوقفه، وإدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني، بالتزامن مع ذلك ما زالت تستمر مصر في الضغط للوصول إلى هدنة مؤقتة في غزة، من شأنها أن تقلل التدهور القائم في القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي، وتفضي لوقف دائم يتبعه إطلاق عملية سياسية تهدف لحل الدولتين.

جهود مصر لوقف تدهور الأوضاع في غزة

وعملت الجهود المصرية الحثيثة على طرح حلولا يمكن من خلالها وقف التدهور القائم في قطاع غزة، وهي جهود بدأ التمهيد لها عبر التواصل الدبلوماسي والسياسي المستمر مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التدمير الواضح الذي طال البنية التحتية لقطاع غزة، والعدد القياسي من الشهداء والجرحى، وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل لا يمكن قبوله، وسط استمرار لسياسة «التهجير القسري»، التي تنتهجها إسرائيل بهدف تغيير الوضع الديموغرافي لقطاع غزة، وهو ما أسفر عن وصول تعداد النازحين إلى محافظة رفح حسب الأمم المتحدة نحو 1.9 مليون شخص، أو ما يقرب من 85% من إجمالي سكان القطاع بحسب «المرصد المصري».

ومن ثم طرحت القاهرة الخطة الأكثر واقعية لإيجاد نقطة ارتكاز واضحة يمكن من خلالها التحرك قدما، وبشكل إيجابي لإيجاد حل نهائي للمعضلات التي تكتنف القضية الفلسطينية، وهي خارطة طريق طرحتها مصر خلال قمة القاهرة للسلام التي احتضنتها العاصمة المصرية في الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي، وحضرها أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، وهي القمة التي عبرت بشكل واضح عن الرغبة المصرية في مواكبة الأحداث في غزة بشكل عاجل.

وعلى الرغم من أنه تجري العادة بأن تنعقد مؤتمرات السلام عقب انتهاء العمليات العسكرية، إلا أن مصر حرصت على التحرك بشكل فوري دون أن تنتظر وقف العمليات العسكرية، وطرحت خارطة طريق على 4 مراحل من أجل كسب الوقت والعمل على إيجاد وسائل لتطبيقها بالتزامن مع المسارات الأخرى التي تتحرك فيها لوقف التصعيد الحالي.

خارطة الطريقة المصرية لحل القضية الفلسطينية

تضمنت هذه الخارطة، تصورا شاملا لحل جذور الصراع «العربي- الإسرائيلي»، وتوصف بالحل الأعم والأشمل مقارنة بالتصورات الغربية المماثلة، والتي تنحاز بشكل أو بآخر لتل أبيب، وتستهدف الخارطة المصرية في المقام الأول، تحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، وإعادة إحياء مسار السلام من خلال عدة محاور، تبدأ بالتدفق الكامل والآمن، والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية لأهل غزة.

ويأتي بعد ذلك التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى بين المقاومة، وإسرائيل، ثم البدء العاجل، في مفاوضات إحياء عملية السلام، وصولا لحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولية، مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، في الأراضي الفلسطينية.

ومن ثم يتم تفعيل المرحلة التالية من هذه الخريطة، وهي العودة لمسار الحل السياسي، وفق الثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية، والتي تضمن حق الفلسطينيين المشروع في إقامة دولة مستقلة، للوصول إلى الهدف النهائي هو إقرار تسوية عادلة للصراع «الإسرائيلي- الفلسطيني» من خلال مبدأ حل الدولتين على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مصر فلسطين قطاع غزة الإدارة المصرية القضیة الفلسطینیة فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل يمكن أن تتخلى سوريا عن القضية الفلسطينية؟

إن المشهد السياسي المتغير في سوريا يمثل منعطفا حاسما ليس فقط لمستقبلها الداخلي بل وأيضا للديناميكيات الإقليمية الأوسع نطاقا، وخاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية. وبينما تشق سوريا طريقها عبر مرحلة ما بعد الصراع، فإن دورها المتطور في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط قد يعمل إما على تجديد دعمها التاريخي لفلسطين أو يجعلها تتراجع إلى الانشغالات المحلية. ويتطلب فهم هذا التحول تحليلا عميقا لإعادة تقييم سوريا داخليا وخارجيا، والمصالح الاستراتيجية للاعبين الإقليميين، والفرص والتحديات المحتملة في الاستفادة من نهضة سوريا لصالح التطلعات الفلسطينية.

إن تصريح الرئيس السوري أحمد الشرع فتح مجالا كبيرا للأمل بأنّ القضية الفلسطينية ستبقى محورية بالنسبة لدمشق، خصوصا عندما استنكر الشرع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير أهل غزة، مؤكدا أنها لن تنجح.

الدور التاريخي لسوريا والعامل الإسرائيلي

تاريخيا، حافظت سوريا على موقف ثابت ضد الاحتلال الإسرائيلي وكانت داعما نشطا لحركات المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، أدى الصراع السوري المطول إلى إضعاف قدراتها العسكرية وتعطيل نفوذها الإقليمي، مما جعلها عرضة للتدخلات الإسرائيلية. إن هذا الضعف ينعكس في العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة ضد الأهداف السورية، حتى بعد تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تفكيك الكثير من البنية التحتية العسكرية السورية. إن الاستهداف المنهجي لدمشق من قبل القوات الإسرائيلية حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد يؤكد على استراتيجية تل أبيب طويلة الأجل لضمان بقاء سوريا ضعيفة وغير قادرة على إعادة تأكيد نفسها كلاعب إقليمي هائل.

وبعيدا عن العدوان العسكري، تعكس سياسات إسرائيل في جنوب سوريا استراتيجية أوسع للتوسع الإقليمي والتلاعب المحلي. إن احتلال الأراضي السورية بحجة إنشاء "منطقة عازلة" يوضح هذه النية. وفي حين يزعم المسؤولون الإسرائيليون أن هذا الاحتلال مؤقت، فإن السوابق التاريخية تشير إلى خلاف ذلك. إن استمرار احتلال مرتفعات الجولان وفيما بعد جبل الشيخ، على الرغم من الاعتراضات الدولية، يعد بمثابة تذكير صارخ بطموحات إسرائيل الإقليمية طويلة الأجل. إن رفض سكان قرى الجنوب السوري للمساعدة الإسرائيلية يسلط الضوء بشكل أكبر على العداء الراسخ وانعدام الثقة تجاه مناورات إسرائيل لمحاولات ترسيخ الاحتلال في الجنوب السوري.

المشهد السياسي المتغير في سوريا وإعادة التموضع الإقليمي

إن إعادة إعمار سوريا بعد الصراع تجلب معها إعادة تقييم حتمية لتحالفاتها السياسية وأولوياتها الاستراتيجية. ويبقى السؤال: هل يمكن أن تعمل إعادة دمج سوريا في السياسة الإقليمية كمحفز للمناصرة الفلسطينية، أم أن المخاوف المحلية ستطغى على التزاماتها التاريخية؟

إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تمثل تحولا كبيرا، وتوفر فرصة للتأثير على الموقف العربي الجماعي تجاه فلسطين. ونظرا للحقائق الجيوسياسية المتغيرة في الشرق الأوسط، حيث قامت بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن إعادة دمج سوريا يمكن أن توفر توازنا لهذا الاتجاه. ومع ذلك، فإن الكثير يعتمد على كيفية وضع دمشق نفسها داخل جامعة الدول العربية، وما إذا كانت قادرة على إحياء الدعم العربي الجماعي لحقوق الفلسطينيين.

وعلاوة على ذلك، فإن خيارات السياسة الخارجية السورية في السنوات القادمة ستكون حاسمة. وفي حين تسعى إلى إصلاح العلاقات مع القوى الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، تظل هناك إمكانية الاستفادة من هذه العلاقات للدفع نحو موقف عربي أكثر توحدا ضد السياسات الإسرائيلية.

السبل المحتملة لدعم فلسطين

مع الاستقرار السياسي المتوقع في سوريا، تبرز العديد من الفرص الاستراتيجية لتعزيز دورها في القضية الفلسطينية:

الدعوة الدبلوماسية: يمكن تسخير الحضور الإقليمي والدولي المستعاد لسوريا للدفاع عن الحقوق الفلسطينية. من خلال المشاركة النشطة في المنتديات الدولية والدفع نحو قرارات تدين التوسع الإسرائيلي، يمكن لسوريا إعادة تموضع نفسها كمدافع في الخطوط الأمامية عن السيادة الفلسطينية.

وسائل الإعلام والتعبئة العامة: يمكن تحويل المشهد الإعلامي السوري، الذي يتوسع تدريجيا إلى ما هو أبعد من روايات زمن الحرب، إلى منصة قوية للدفاع عن الفلسطينيين. من خلال تنشيط الخطاب العام حول فلسطين من خلال الحملات الإعلامية، يمكن لسوريا أن تلعب دورا محوريا في تشكيل الرأي العام العربي.

تعزيز شبكات المقاومة: تاريخيا، قدمت سوريا الدعم اللوجستي والسياسي لفصائل المقاومة الفلسطينية. والسؤال الآن هو ما إذا كان من الممكن تنشيط هذا الدعم بطريقة تتماشى مع حقائق ما بعد الحرب في سوريا. إن تعزيز التحالفات مع الفصائل الفلسطينية دون تعريض مكانة سوريا الجيوسياسية الأوسع للخطر سيكون بمثابة عمل توازن دقيق ولكنه ضروري.

الاستفادة من عضوية جامعة الدول العربية: إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية توفر وسيلة للتأثير على السياسات الإقليمية فيما يتعلق بفلسطين. ومن خلال العمل على مواجهة الاتجاه المتزايد للتطبيع العربي مع إسرائيل، يمكن لدمشق أن تلعب دورا في إحياء الإجماع العربي على الحقوق الفلسطينية.

التحديات التي يتعين التغلب عليها والمضي قدما

في حين أن هذه الفرص موجودة، فإن العديد من التحديات قد تعيق قدرة سوريا على تبني القضية الفلسطينية بشكل كامل:

القيود الدولية والإقليمية: لا تزال سوريا خاضعة لعقوبات اقتصادية كبيرة، تفرضها في المقام الأول القوى الغربية. وأي دعم صريح للمقاومة الفلسطينية قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الدبلوماسية والاقتصادية، مما يجعل من الضروري لسوريا أن تبحر في هذه القيود بعناية.

الأولويات المحلية: إن الحاجة إلى إعادة البناء الاقتصادي والاستقرار السياسي قد تحول تركيز القيادة السورية بعيدا عن القضايا الخارجية. ونظرا لمدى الدمار الذي لحق بالبنية الأساسية، فمن المحتمل أن تتراجع أهمية المناصرة الفلسطينية إلى مرتبة أدنى من الاهتمامات الأكثر إلحاحا بإعادة البناء الوطني.

السياسة الفلسطينية المجزأة: تشكل الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية تحديا آخر. كانت سوريا تاريخيا داعما قويا للفصائل المعارضة للمفاوضات الإسرائيلية، ولكن المشهد السياسي الفلسطيني المتغير يتطلب نهجا أكثر دقة، وسوف تكون المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ضرورية حتى تتمكن سوريا من الدفاع عن قضيتها بفعالية.

التوصيات الاستراتيجية لتعظيم المكاسب الفلسطينية

لضمان بقاء القضية الفلسطينية أولوية في الحسابات الجيوسياسية المتطورة في سوريا، يمكن اتخاذ عدة خطوات استراتيجية:

مأسسة العلاقات السورية الفلسطينية: إن إنشاء آليات رسمية للحوار والتعاون بين الحكومة السورية والقيادة الفلسطينية من شأنه أن يضمن استمرار المشاركة في القضايا الرئيسية.

توسيع نفوذ وسائل الإعلام: ينبغي لوسائل الإعلام السورية أن تعمل بنشاط على مواجهة الروايات الإسرائيلية والتحيز الغربي ضد المقاومة الفلسطينية، مع التأكيد على الظلم التاريخي والانتهاكات الحالية لحقوق الفلسطينيين.

التواصل الدبلوماسي: ينبغي لسوريا أن تستفيد من علاقاتها مع القوى الناشئة مثل الصين وروسيا للدفع نحو المزيد من الدعم الدولي لفلسطين، وخاصة داخل المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة.

التعبئة الشعبية: إن تشجيع المظاهرات العامة والمبادرات الثقافية التي تسلط الضوء على النضالات الفلسطينية من شأنه أن يعزز الدور التاريخي لسوريا كمركز للنشاط المؤيد للفلسطينيين.

اغتنام الفرصة من أجل فلسطين

إن التحول السياسي في سوريا يمثل فرصة فريدة لتنشيط دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الغاية يتطلب تحقيق توازن دقيق بين الاستقرار الداخلي والنشاط الإقليمي. ومن ناحية أخرى، يتعين على القيادة الفلسطينية أن تتعاون بشكل استباقي مع سوريا لضمان بقاء فلسطين اعتبارا رئيسيا في أجندة السياسة الخارجية السورية.

مع استمرار تحول الديناميكيات الإقليمية، من الأهمية بمكان أن تعمل سوريا وفلسطين جنبا إلى جنب لمواجهة التوسع الإسرائيلي والحفاظ على القضية الفلسطينية في طليعة المناقشات الإقليمية. وبفضل الدبلوماسية الاستراتيجية، وتأثير وسائل الإعلام، والتعبئة الشعبية، يمكن لسوريا أن تبرز مرة أخرى كلاعب محوري في الدعوة إلى حقوق الفلسطينيين، مما يضمن بقاء القضية مصدر قلق دائم ومركزي في السياسة في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: حل الدولتين.. الطريق لإنهاء دوامة العنف وإرساء السلام الدائم
  • رئيس الكونجرس اليهودي يتطلع لمقترح مصر بشأن القضية الفلسطينية.. ويؤكد: السلام يتحقق بحل الدولتين
  • أمين سر فتح: نثق في القيادة المصرية.. ومطمئنون أن القضية الفلسطينية أمن قومي مصري
  • الأمين العام للأمم المتحدة: جهود مصر لدعم القضية الفلسطينية محورية
  • دور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية
  • دفاع النواب: مصر ركيزة استقرار الشرق الأوسط ولن تتخلى عن القضية الفلسطينية
  • كاتب صحفي: الدولة المصرية تبنت تحركا جادا تجاه القضية الفلسطينية
  • رئيس دفاع النواب: الجهود الدبلوماسية المصرية عرقلت مقترح ترامب لتصفية القضية الفلسطينية
  • هل يمكن أن تتخلى سوريا عن القضية الفلسطينية؟
  • خبير: جهود الدبلوماسية المصرية لا تتوقف عن دعم القضية الفلسطينية