موعد ليلة القدر ثابت أم مُتغير.. 8 علامات تؤكد ظهورها والفوز بالغفران
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
هل ليلة القدر متغيرة في كل عام أم ثابتة ؟ اختلف العلماء على أكثر من أربعين قولًا في تحديد ليلة القدر والسبب في ذلك ورود الأحاديث المختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحديدها، وتعارض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، والقول الأقوى أنّها في الوتر من العشر الأواخر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الآواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة» (رواه البخاري).
الرسول -صلى الله عليه وسلم- علم ليلة القدر من جبريل -عليه السلام- وبسبب شؤم المشاجرة والمُلاَحاة، بين اثنين من الصحابة، رفعت معرفةُ ليلةِ القدر بسبب الشجار، والمخاصمة، والتنازع؛ فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ خَرَجَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالخَمْسِ»، مؤكدة أن التنازع والتشاجر سبب في رفع البَركة، وفي رفع الخير الذي يحدث لهذه الأمة.
والرأي الصّحيح المشهور لدى جمهور الفقهاء، وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، والأوزاعي وأبو ثورٍ: أنّها في العشر الأواخر من رمضان لكثرة الأحاديث الّتي وردت في التماسها في العشر الأواخر من رمضان، وتؤكّد أنّها في الأوتار ومنحصرة فيها.
والأشهر والأظهر عند المالكيّة أنّها ليلة السّابع والعشرين، وبهذا يقول الحنابلة، فقد صرّح البهوتي بأنّ أرجاها ليلة سبعٍ وعشرين نصًا. وقال الطّحطاوي: ذهب الأكثر إلى أنّ ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين، وهو قول ابن عبّاسٍ وجماعةٍ من الصّحابة رضي الله عنهم، ونسبه العيني في شرح البخاريّ إلى الصّاحبين، وعلى الإنسان أن يجتهد العشر كلها.
هل ليلة القدر متغيرة أم ثابتة ؟
ورد أن ليلة القدر هي ليلة متحركة وليست ثابتة ولا يعرفها الناس، فالله تعالى أخفى معرفة ليلة القدر عن الناس، وليلة القدر مخفية كما أخفى الله تعالى معرفة ساعة إجابة الدعاء يوم الجمعة فلا أحد يعلم ليلة القدر في أي يوم من أيام العشر الأواخر من رمضان.
وهناك من يقول إن ليلة القدر هى يوم السابع والعشرين من رمضان، لكنه يجب على المسلم أن يتحرى ليلة القدر فى الأيام الوتر من العشر الأواخر من رمضان وليست فى ليلة السابع وعشرين فقط.
وردتْ أقوالٌ كثيرةٌ لأهْلِ العِلْمِ في تَحديدِ ليلة القدر أوصَلَها الحافِظُ بن كثير إلى خَمسةٍ وعِشْرينَ قولًا، وأوصَلَها الإمامُ ابنُ حَجَرٍ إلى سِتَّةٍ وأربعينَ قولًا، وأوصَلَها الإمامُ السُّيوطيُّ إلى خمسين قولًا، وأقربُ الأقوالِ في ذلك: أنَّها تَنتقِلُ في العَشرِ الأواخِرِ من رَمضانَ، وفيما يَلي كلامُ بَعضِ المحقِّقينَ عن ذلك: قال النَّوويُّ: «وهذا هو الظَّاهِرُ المُختارُ؛ لتَعارُضِ الأحاديثِ الصَّحيحة في ذلك، ولا طَرِيقَ إلى الجَمْعِ بين الأحاديث إلَّا بانتقالِها».
هل ليلة القدر متغيرة كل عام أم ثابتة ؟ وذهَبَ جَماعةٌ من العُلماءِ إلى أنَّها تَنتقِلُ، فتكُونُ سَنةً في ليلةٍ، وسَنةً في ليلةٍ أُخْرى، وهكذا، ورواهُ ابنُ أبي شَيبَةَ في مُصنَّفِه عن أبي قِلابةَ، وهوَ قَولُ مَالكٍ، وسُفيانَ الثَّوريِّ، وأحمدَ بنِ حَنْبلٍ، وإسحاقَ بنِ رَاهويْهِ، وأبي ثَورٍ، وغيرِهم، وعزَاهُ ابنُ عبدِ البَرِّ للشَّافعيِّ، ولا نَعرِفُه عنه، ولكنْ قال به مِن أصحابِه المُزَنيُّ وابنُ خُزيمةَ، وهو المُختارُ عندَ النَّوويِّ وغيرِه، واسْتحسَنَهُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ للجَمْع بين الأحاديثِ الواردةِ في ذلك؛ فإنَّها اختلَفَت اختِلافًا لا يُمكِن معه الجَمْعُ بينها إلَّا بذلك» وقال ابنُ حَجَرٍ: «وأرجَحُها كلُّها: أنَّها في وِتْرٍ من العَشرِ الأخير، وأنَّها تَنتقِلُ كما يُفْهَمُ من أحاديثِ هذا الباب».
أجمع أغلب العلماء والسلف الصالح على أنها متغيرة، ومنها جدول الإمام الغزالي الذى يؤكد أنها غير ثابتة، وكذلك الأولياء الذين يتحرون علاماتها أكدوا أنها متغيرة، وعلى عكس هؤلاء العلماء فقد أكد سيدنا جابر بن عبدالله الانصاري بل أقسم أنها ثابتة وتحديداً يوم 27، وكذلك تفسير النحاس أن سورة القدر عدد كلماتها 30 وكلمة "هي" رقم 27 أي أنه يؤكد أنها ليلة 27.
وستبقى هذه الليلة مباركة مخفية حتى يسعى وراء النيل من فضلها الجميع، لذلك علينا العمل بالنصيحة النبوية الكريمة في الحديث النبوي الشريف وهي تحريها في العشر الأواخر من رمضان على الإطلاق، ولا تختَصُّ ليلةُ القَدرِ بليلةٍ مُعَيَّنةٍ في جميعِ الأعوامِ، بل تتنقَّلُ في ليالي العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّة، والحَنابِلة ، وقولٌ عند المالكيِّة وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العلم.
أحاديث ليلة القدر
أحاديث أن ليلة القدر في العَشر الأواخر:
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالتْ: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يُجاوِر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ، ويقول: «تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ» رواه البخاريُّ (2020)، ومسلم (1169)
عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ : أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: «أُريتُ ليلَةَ القدْرِ، ثُمَّ أيقظَنِي بعضُ أهلِي فنُسِّيتُها؛ فالْتَمِسوها في العَشرِ الغَوابِرِ» رواه مسلم (1166).
عن عبدالله بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول لليلةِ القَدْر: «إنَّ ناسًا منكم قدْ أُرُوا أنَّها في السَّبع الأُوَل، وأُرِي ناسٌ منكم أنَّها في السَّبع الغَوابِر؛ فالْتمِسوها في العَشْر الغَوابِرِ» رواه مسلم (1165)
عن عبدالله بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: «تَحَيَّنوا ليلةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخرِ - أو قال: في التِّسعِ الأواخِرِ» رواه مسلم (1165)
أحاديث الْتِماس ليلة القدر في الوَتْر من العَشر الأواخِر:
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: «تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ» رواه البخاريُّ (2017).
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فقال: «إنِّي أُريتُ ليلةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُها (أو أُنسيتُها)؛ فالْتمِسوها في العَشرِ الأواخرِ من كلِّ وَترٍ» رواه البخاريُّ (2036)، ومسلم (1167).
أحاديث الْتِماس ليلة القدر في التَّاسعة والسَّابعة والخامسة من العَشر:
عن ابنِ عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: «الْتمِسوها في العَشر الأواخِر من رمضانَ؛ لَيلةَ القَدْر في تاسعةٍ تَبقَى، في سابعةٍ تَبقَى، في خامسةٍ تَبْقَى» رواه البخاريُّ (2021).
عن ابن عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما: قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: «هِي في العَشر، هي في تِسع يَمضِين، أو في سَبْعٍ يَبقَين»؛ يعني: ليلةَ القَدْر. رواه البخاريُّ (2022)
عن عُبادةَ بن الصَّامتِ قال: خرَج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ ليُخبِرَنا بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى رجُلانِ من المسلمين، فقال: «خرجتُ لأُخبِرَكم بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى فلانٌ وفلانٌ؛ فرُفِعتْ! وعسى أنْ يكونَ خيرًا لكم؛ فالْتمِسوها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ» رواه البخاريُّ (2023)، ومسلم (1174) والمعنى: في ليلة التاسع والعشرين وما قبلها من الوتر، أو في ليلة الحادي والعشرين وما بعدها من الوتر، أو في ليلة الثاني والعشرين وما بعدها من الشفع.
أحاديث ليلة القدر في السَّبع الأَواخِر:
عن عبداللهِ بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: «الْتمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ - يعْنِي: ليلَةَ القدْرِ - فإنْ ضَعُفَ أحدُكم أوْ عَجَزَ، فلا يُغْلَبَنَّ علَى السَّبْعِ البواقِي» رواه مسلم (1165)
عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ أُناسًا أُرُوا ليلةَ القَدْر في السَّبع الأواخِر، وأنَّ أُناسًا أُرُوا أنَّها في العَشر الأواخِر، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ: «الْتَمِسوها في السَّبع الأواخِرِ» رواه البخاريُّ (6991) واللَّفظ له، ومسلم (1165)
عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: «تَحرُّوا ليلَةَ القَدْرِ في السَّبْعِ الأواخِرِ» رواه مسلم (1165)
عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّ رِجالًا من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أُرُوا ليلةَ القَدْر في المنامِ في السَّبع الأواخِر، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: «أَرَى رُؤياكم قد تَواطأتْ في السَّبع الأواخِر؛ فمَن كان مُتحرِّيَها، فلْيَتحرَّها في السَّبع الأواخِر» رواه البخاريُّ (2015)، ومسلم (1165)
ما ورَد في أنَّها ليلةُ الثَّالث والعِشرين:
عن عبداللهِ بن أُنيسٍ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: «أُريتُ ليلةَ القَدْر، ثمَّ أُنسيتُها، وأَراني صُبحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ»، قال: فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرين، فصلَّى بنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ فانصرَف، وإنَّ أثَرَ الماء والطِّين على جَبهته وأنفِه. قال: وكان عبدالله بن أُنيسٍ يقول: ثلاث وعِشرين. رواه مسلم (1168)
ما ورَد في أنَّها ليلةُ السَّابع والعِشرين:
قال أُبيُّ بنُ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ في لَيلةِ القَدْرِ: «واللهِ، إنِّي لأَعلمُها، وأكثرُ عِلمي هي اللَّيلةُ التي أَمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بقِيامِها، هي ليلةُ سَبعٍ وعِشرينَ» رواه مسلم (762)
عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: تَذاكَرْنا ليلةَ القَدْرِ عند رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ. فقال: «أيُّكم يَذكُرُ حين طلَع القمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ» رواه مسلم (1170) (شِقِّ جَفْنَةٍ: أيْ: نِصف قَصعةٍ؛ قال أبو الحُسَينِ الفارسيُّ: أيْ: ليلة سَبْع وعِشرين؛ فإنَّ القَمَر يطلُع فيها بتلك الصِّفة).
ما ورَد في علامات ليلة القدر:
عن أُبيِّ بنِ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: «هي ليلةُ صَبيحةِ سَبعٍ وعِشرين، وأمارتُها أنْ تطلُعَ الشَّمسُ في صَبيحةِ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها» رواه مسلم (762).
علامات ليلة القدر
أولاً: نزول الملائكة أفواجًا في ليلة القدر، وتكون أكثر من الحصى على الأرض، فقد قال الله تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ»، ورُوِي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «وإن الملائكةَ تلك الليلةَ أَكْثَرُ في الأرضِ من عَدَدِ الحَصَى».
علامات ليلة القدر الصحيحة ثانيًا: اعتدال الجوّ فيها؛ فلا يُوصف بالحرارة، أو البرودة؛ حيث رُوِي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: «ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ».
ورد في أمارات ليلة القدر الصحيحة ثالثًا: طلوع الشمس دون شعاع في صباح اليوم التالي لها؛ فقد ورد عن أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-: «وآيةُ ذلك أنْ تَطلُعَ الشَّمسُ في صَبيحَتِها مِثلَ الطَّسْتِ، لا شُعاعَ لها، حتى تَرتفِعَ»، ثبت في علامات ليلة القدر النقاء والصفاء في ليلتها؛ فقد رُوي في أثرٍ غريبٍ عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: «أمارَةَ ليلةِ القدْرِ أنها صافيةٌ بَلِجَةٌ كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنةٌ ساجيةٌ لا بردَ فيها ولا حرَّ ولا يحِلُّ لكوكبٍ يُرمى به فيها حتى تُصبِحَ، وإن أمارتَها أنَّ الشمسَ صبيحتَها تخرُجُ مستويةً ليس لها شُعاعٌ مثلَ القمرِ ليلةَ البدرِ ولا يحِلُّ للشيطانِ أن يخرُجَ معَها يومَئذٍ».
والعلامة الرابعة من علامات ليلة القدر أن يحدث للإنسان سكون في النفس، خامساً: في ليلة القدر يشعر الشخص بإقبال على الله عز وجل في هذه الليلة، وسابعًا أنه لا ينزل في ليلة القدر النيازك والشهب، وثامنًا: أن يُوفق الشخص فيها بدعاء لم يقله من قبل .
ادعية ليلة القدر مكتوبة.. ردد أفضل 350 دعاء شاملة للخيرات ولا ترد دعاء ليلة القدر .. 7 كلمات مستجابة وردد 210 أدعية يأتيك الخير فورا علامات ليلة القدر منتشرة بين الناس
يعتقد الناس خطأ أن من علامات ليلة القدر سقوط الأشجار، حتى يراها المارة وكأنها مكسورة، بعد تعرضها لرياح عاتية، ثم تعود مرة أخرى إلى موضعها الأصلى، وكأن شيئًا لم يكن.
ويظن البعض أن من علامات ليلة القدر الماء المالح يتحول إلى ماء عذب يستطيع الناس الشرب منه وقضاء حوائجهم، ويزعمون أن الله تعالى فى ليلة القدر يأمر الكلاب بعدم النباح، أو أن الكلاب تفعل ذلك من تلقاء نفسها، لأنها مخلوقات تسبح خالقها وتعلم حقائقه الكونية، وينتظر الناس في تلك الليلة انتشار الأنوار في كل مكان، حتى من الممكن أن يصل الأمر إلى اتساع النور ما بين السماء والأرض، حتى في الأماكن المظلمة التي لا توجد بها أي إضاءة، وقد يسمع البعض ترديد السلام في كل مكان، ولكن الصوت لا يسمعه إلا من يؤمن بذلك.
ويرى البعض أن من علامات ليلة القدر أنه في تلك الليلة، وفى الثلث الأخير منها يرون صورة المساجد: الحرام والنبوى والأقصى، كأنها مجسدة في السماء، كصورة حقيقية، كما يعتقدون أن السماء تنشق وتسقط الأمطار مع حدوث برق ورعد، وذكر الإمام الطبري أنه لا أصل لهذه العلامات السابقة وهي وغير صحيحة، نقلًا عن الإمام الطبرى.
أعمال ليلة القدر
من الأعمال الصالحة في ليلة القدر الدعاء في ليلة القدر يغتنم المسلم ليلة القدر بالإكثار من الدعاء، والأذكار، والتسبيح، وسؤال الله -تعالى- العِتق من النيران، والتعوُّذ منها؛ فالدعاء فيها مُستجابٌ، والاجتهاد فيه مرغوبٌ، ولذلك يتسابق العباد، ويحرصون على التوبة، والفوز برضا الله -عزّ وجلّ-، وتوفيقه، ونَيْل المنزلة الرفيعة.
الصلاة في ليلة القدر تؤدى صلاة القيام ركعتَين ركعتَين كما ثبت في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: «أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن صَلاةِ اللَّيْلِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى».
كيفية قيام ليلة القدر
أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم في ليلة القدر، وجعلها من أفضل الليالي، فهي ليلة مباركة، وهي خير من ألف شهر، قال تعالى : «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِلَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» وقيام هذه الليلة يكون بالذكر، والصلاة، وقراءة القرآن الكريم، والدعاء وغير ذلك، وصلاة التسابيح والإكثار من الصلاة والسلام على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
1- في ليلة القدر غفران للذنب لمن قامها محتسبًا الأجر عند الله عز وجل، فعن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّه قال: «مَن يَقُمْ ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذَنبِه» رواه البخاريُّ (35)، ومسلم (760).
2- فضل ليلة القدر أنزل الله تعالى في ليلة القدر القرآن الكريم، قال تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»
3- فضل ليلة القدر خصّ الله تعالى ليلة القدر بالبركة، قال تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ».
4- تُكتب فيها الأعمار والأرزاق للعام القادم، قال تعالى: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ».
5- ميّز الله العبادة فيها دون باقي الليالي، قال تعالى: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ»
6- تتنزّل الملائكة في ليلة القدر لتحفّ المسلمين، وتملأ الأرض بالخير والرحمة والمغفرة، قال تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ».
7- ليلة القدر تكون خالية من الشّر، وتكثر فيها الطاعة والخير، فهي سلام من الأذى كلّه، قال تعالى: «سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ».
دعاء ليلة القدر
الدعاء عبادة عظيمة يستحب للمسلم أن يكثر من أدعية ليلة القدر ، حيث إن ليلة القدر التي عبادتها خير من عبادة ألف شهر وما أجمل العبادة أن تكون بالدعاء إلى الله تعالى واللجوء إليه، لذلك علينا جميعاً أن نردد ادعية ليلة القدر 2024 في هذه الليالي المباركة، لاغتنمام فضل ليلة القدر ، وعلمنا النبي - محمد صلى الله عليه وسلم- دعاء ليلة القدر، وهو: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني
متى موعد ليلة القدرقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أن موعد ليلة القدر توافق ليلة السابع والعشرين من رمضان، مؤكدًا رأيه بالأدلة العددية التي وردت في سورة القدر، التي منها أن قوله تعالى: «سَلَامٌ هِيَ» فالضمير «هِيَ» هو الكلمة السابعة والعشرون من السورة، وكلمات سورة القدر ثلاثون كلمة، والسابعة والعشرون «سَلَامٌ هِيَ».
أين قال ابن عباس هذا الكلام؟
سأل سيدنا عمر بن الخطاب الصحابة -رضي الله عنهم-، والصحابة مختلفون في موعد ليلة القدر متى هي؟، فكل واحد ذكر له شيئًا فسأل ابن عباس وقال له: لماذا لا تتكلم؟ فقال له: إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت، فأمره أن يتكلم، فقال: السبع - بناءً على أي شيء قال ذلك ابن عباس؟ - قال: رأيت الله ذكر سبع سماوات، ومن الأرضين سبعا، وخلق الإنسان من سبع، وبرز نبات الأرض من سبع، فسأله عمر عن بعض تفصيل هذا ووافقه عليه.
آراء العلماء في كلام ابن عباس:
ذكر بعض المفسرين ومنهم ابن حجر العسقلاني، أن الإعجاز العددي لآيات القرآن الكريم، يعد محاولة لاستنتاج قضايا إعجازية من الأرقام، إما على سبيل التوافق وإما بعمليات حسابية أو بما يسمى «حساب الجُمَّل» الذي يذكر في الحروف المقطعة كما سيأتي.
وأضاف المفسرون أنه يتم الاستنتاج من رقم السورة والآية والجزء وعدد الكلمات والحروف والآيات، ومن أرقام صرح القرآن بها، منوهين إلى أن هناك ما يدل على أن العلماء قديمًا استندوا إلى الإعجاز العددي.وأشار المفسرون إلى أن كلام ابن عباس -رضي الله عنهما-، كان محاولة للاستنباط من قِبل ابن عباس - رضي الله عنه - في معرفة ليلة القدر مستأنسا بذكر العدد سبعة في قضايا متعددة في القرآن، ومن أقوى الأقوال في ليلة القدر أنها ليلة السابع والعشرين.
ولفت المفسرون إلى أن الإمام ابن رجب الحنبلي بين في كتابه لطائف المعارف أن طائفة من المتأخرين - ليسوا السلف بل من المتأخرين - استنبطوا من القرآن أنها ليلة سبعة وعشرين من موضعين من القرآن، الأول قالوا: تكرر ذكر ليلة القدر في ثلاثة مواضع في القرآن، وليلة القدر حروفها تسعة، والتسعة إذا ضربت في الثلاثة مواضع التي تكررت فيها فهي سبع وعشرون.
والثاني: أن الله قال فيها: «سَلَامٌ هِيَ»، فيقولون: كلمة «هِيَ» هي الكلمة السابعة والعشرون من السورة، يقولون الكلمات ثلاثون كلمة السابعة والعشرون «سَلَامٌ هِيَ»، ثم نقل ابن رجب عن ابن عطية المفسر صاحب كتاب المحرر الوجيز، أنه قال: هذا من ملح التفسير، لا من متين العلم.
متى ليلة القدر
كشف الإمام الراحل محمد متولى الشعراوي، في فيديو نادر له توقيت ليلة القدر وهذا الفتح حصل عليه من معرفة أسرار القرآن الكريم في الأرقام، وقال إمام الدعاة متحدثًا عن موعد ليلة القدر : إنه عندما كان يعمل أستاذًا للشريعة في المملكة العربية السعودية وقع نقاش بينه وبين علماء مصريين وسعوديين حول توقيت ليلة القدر كانوا حينها جالسين في فندق إقامتهم كل ليلة، وفي إحدى الليالي أثار الشيخ المصري إبراهيم عطية قضية توقيت ليلة القدر.
وأضاف «الشعراوي» مُكملًا حديثه عن موعد ليلة القدر أن الشيخ عطية قال له إنه حينما كان يقرأ في كتاب القرطبي حول توقيت ليلة القدر، وقرأ حديثًا عن رقم 7، وأن سيدنا عمر بن الخطاب سأل سيدنا ابن عباس عن موعد ليلة القدر فقال له ابن عباس: ظني أن ليلة القدر ليلة 27 من رمضان، وذلك لأن الله خلق السماوات سبعًا وخلق الإنسان في 7 مراحل، وأنزل له مقومات الحياة في 7 دفعات، ويعتقد أنه بناء على الرقم 7 وقول الرسول التمسوها في العشر الأواخر تكون ليلة القدر في ليلة 27.
وأشار إلى أنهم كعلماء اختلط عليهم الأمر، فالرقم 7 لا يعني أن ليلة القدر ليلة 27، فهناك الرقم 20 أيضًا مضافًا إليه، واستمر النقاش دون جدوى، مضيفًا بالقول: «حينها دعانا الشيخ المصري محمد أبو عارف، وكان حاضرًا الجلسة لصلاة ركعتين في الحرم النبوي الشريف، وبرّر ذلك بسابق قول الشعراوي لهم إنه إذا اختلط عليهم أمر فعليهم أداء ركعتين في الحرم الشريف».
هل علم موعد ليلة القدر ؟
بين الشيخ الشعراوي أنه في تلك الليلة وصل إليهم لزيارتهم في مقر إقامتهم بالفندق الشيخ إسحاق عزوز، شيخ مشايخ المملكة العربية السعودية، وأحد المحققين في العلم، حيث علم أنهم في الحرم، فذهب إليهم وجلس معهم وسألهم عن سبب وجودهم في الحرم للصلاة في تلك الليلة، فعرضوا عليه الحكاية واستمر النقاش بينهم، وخلال نقاشهم فوجئوا بشخص لا يعرفونه، ويبدو أنه كان يتنصت عليهم، وقال لهم: «ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، اتركوا العشرين يومًا واحسبوا بعدها».
وتابع إمام الدعاة حديثه عن موعد ليلة القدر : «فوجئنا بعد ذلك باختفاء الرجل، لكن كلماته جعلتنا نعيد حساباتنا، وبنينا تقديرنا أنها في ليلة 27 طبقًا لحساب الوحدة، ووفقًا لحساب الرقم 7 بعد العشرين، ختمنا بالقول وفوق كل ذي علم عليم».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ليلة القدر العشر الأواخر موعد ليلة القدر متى ليلة القدر فضل ليلة القدر الصلاة في ليلة القدر أعمال ليلة القدر علامات ليلة القدر القدر ليلة دعاء ليلة القدر فی العشر الأواخر من رمضان صلى الله علیه وسلم علامات لیلة القدر موعد لیلة القدر عن عبدالله بن ع ى الله علیه وسل رضی الله عنهما القرآن الکریم لیلة القدر فی فی تلک اللیلة فی لیلة القدر أن لیلة القدر رواه البخاری ت لیلة القدر لیلة القدر ل رضی الله عنه فی الع شر الله تعالى ه علیه وسل م لیلة الق ر من رمضان ی الله عنه فی الع ش ر الق د ر فی رواه مسلم قال تعالى فی الس فی الحرم ابن عباس قال رسول الق د ر ف لیلة الس عن ابن ع ر من الع ال ق د ر الله صل القدر ا بن عباس هی لیلة ت لاح ى الله ص فی الت ة القد إلى أن ر لیلة عن أبی لیلة 27 عنه ما قال له لیلة س قال ال القد ر فی ذلک
إقرأ أيضاً:
قصة الوادي الصغير (14)
حمد الناصري
تفرّق الناس وهُم في ذهول وحيرة من أمرهم، لا يُسر فيها يُعرف ولا عُسر عنها يُكشف، تتقاذفهم هُموم وحيرة يعجزون عن التعبير عنها، تجثم على صُدورهم ثقيلة كصخور الجبال، ومُربكة تتلاطمها أمواج من فوقها أمواج بصخور الأقدار، تُوشك أن تُهلك الناس في حيرتهم، فيما كان ثابت يتوعّد رجال الوادي سرًّا في نفسه.. بالفوضى والفتن، مُتمتمًا إن لم تكفّوا عن مُطالبتي بالتنحيّ، فسأشعل الوادي بنار الفتنة.. واحذروا فإنها لن تبقي ولن تذر، إنّ مكركم وتجمعكم لا يعنيان أنكم وضعتم حاجزًا بيني وبين غايتي وعزمي أو تتوهمون أنكم جعلتم بيني وبين ما أريد سدًا منيعًا.. وتمتم.. احذر يا عامر النجدي لن تستمر طويلًا وأنا باقٍ في سيح المالح.
مضت أيام غير يسيرة على توعّد ثابت قومه والبلدات المُجاورة وقرية البحر والجبل، وتهديده بإشعال لهيب الفتنة في رمال الوادي الصغير وعينهُ على قريتا التراث والعتيقة وفي داخله وجع ثقيل، وضاقت عليه سُبل الحياة على أرض رمال الوادي، فأسماها بـ"الأيام العسيرة..".
طأطأ برأسه ضيقًا وأسفًا وحُزنًا وتمتم، من ضيّعني في أحلك الظروف الصّعبة، من أدخلني في هذه الدوامة مُجادلاُ الغربيين ومُحاورًا الشرقيين وجعلني مُفرّطًا بين أهلي وجماعتي، منبوذا في مجتمع الوادي الصغير ورماله، واستدرجني لأن أضع كل شيء بعلمه، وباعد بيني وبين ما أريد فعله، ومن يختلف معي، سأجعل حياته جحيمًا لا يُطاق.. لن تُخمد ثورة أقمتها على عدل وفكر يتوق إلى العلياء ولكني مُرغم الآن أن استبدلها بتفريط وغيظ ونُفور، فأشعل في صُدروهم الغيظ والغلّ والبُغض، بنار الفتنة التي لا تنطفي أبدًا، فتنة حتى الزمن لا يستطيع إخمادها، فتنة مُستعرة بخيبات تتدثّر بما وراءها مُنذ الفتنة الأولى وما يحدث الآن من تفرّق وتمزّق، لن يهنأ مُحسن بها ولا استقرار لـعامر على رمالها وأرضها.
مشى ثابت حافي القدمين بعد أن تمزّق نعله، وبرفقته غلام الباشق صاحبه ومُستشاره الأمين الذي أعنته مشقة السفر إلى مُحسن الشيخ ابن الحارة التاسعة وخلفه ثلاثة نفر يمشون بخطوات مُتباعدة وكأنهم لوحدهم، يسيرون الهُوينا، يُراقبون كل شيء بحذر.. لا يستريحون إذا استراح ثابت وغلام الباشق، بل يقفون على حافة الطريق، لا يتخلون عن حذرهم وإن أحسّوا بالتعب والارهاق، فهم جُبلوا على مُواجهة الشدائد، وحين وصل ثابت ومن معه إلى دار مُحسن الشيخ، رحب بهما.. وبيّن له ثابت عن قناعته بالتخلي عن المُتحد وقال:
ـ لا أريد بغيا ولا ظُلما ولن أكون طرفًا في إثارة النعرات والعصبيّات التي من شأنها المساس بوحدة وتماسك أمة الأعراب، ورغم أنّي وقفت وبحزم وصلابة ضد الغُرباء جميعًا وكافحتُ وجاهدتُ لإبقاء العُروبة نقية وقوية وكبيرة على أرض الاعراب، والمُحافظة على الكنوز والثروات الدفينة التي لا يعرفها كثير من الناس والتي يُحاول الغُرباء أن يُخفونها عن رجالنا، ليتقاسمونها تحت ذرائع شتى بينهم، ولا ينالنا منها إلا النزر اليسير وعلى صُورة مُساعدة ومنّة منهم إلينا.. لكن قومنا اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا وضيّعوا ما كنت أنوي إنجازه لهم ولكل أمّتنا.
ولقد جئتكم اليوم أمُد يدي إليكم لأبايعكم زعيمًا وقائدًا لثورة مُتجددة ضد الغُرباء جميعًا، مُتمنيًا عليك بتكثيف الجُهود لتوطيد التقارب مع ذي السحنة الرصاصية، والجوار البحري.. وإني لأعاهدك بالسير خلفك في كل ما تراهُ صوابًا.
فرح محسن الشيخ بكلام ثابت وانفرجت أساريره وأردف قائلا:
ـ حياك الله يا ثابت وأنا مُمتن لك على هذه الجرأة والشجاعة، ولك مني كل الشكر والعرفان بحسن القول والفعل.. وأرغب أن أستفيد من خبرتك في التعامل مع الغُرباء وسائر المجتمعات بحرًا ورمالًا.
اجاب ثابت بنبرة حازمة:
ـ أدعوك لانتهاج نهجًا مُختلفًا عني، بأن تكون قويًا لا تُجامل ولا تُداهن، جبّارًا بعزم الرجال الأوفياء عنيدًا في مُواجهة الخصوم وكسر جبروتهم، ذلك هو طريق الارتقاء والقوة والإيمان.. وتذكّر دومًا أنك سليل عائلة لها عراقة بالشموخ والشجاعة والكرم.
تنحنح مُحسن الشيخ قليلا وكحّ ليُحسّن من صوته وتلاها بسعلة لتنقية ما في صدره:
ـ كل التقدير لك على تجشّمك مشقة السّير إلينا وتقديم النصح لنا، والاخ لأخيه كحزام الظهر، كما يُقال، ولقد تحمّلت وعثاء السفر، فأنت قُدوة حقًا، وحرصك على مجتمعنا لا يُدانيه حرص للوصول إلى الفلاح الذي نطمئن به وأعدك بأني سألتزم بنصيحتك في نهج التحدي والمُواجهة وستسمع بالأخبار التي تُسعدك وتُريح بالك، وأني سأحمل الأمانة التاريخية بثقة وحرص شديدين ولن أسمح لعابث أن يعبث بها أو أن يُعكر صفوها عُنوة أبدًا.
توادَعَا.. وانطلق ثابت في طريقه وإلى جانبه مُستشاره غلام الباشق، وخلفه حُراسه الثلاثة بمسافة غير بعيدة، فتحدث الباشق بدهشة:
ـ قرأت وسمعت كثيرًا عن السّحر واكتشفت أنّ من البيان لسحرًا فقد كان كلامك يطرب الآذان ويلين القلوب كالسحر ولقد سحرت مُحسن الشيخ بكلمات جعلته ينقاد إليك ويستسلم لتوجيهاتك بلا مُقاومة، أيُعقل أن يُسحر سليل المجد بكلمات رقيقة من مدح واستدراج، تلقاها كالظمآن المُنقطع إلى الماء الصافي، وأيقنها الرجل في نفسه، وتخلّى عن حذره وشُكوكه.. ولكني أتساءل تُرى من يكون ذلك العدو الإفتراضي الذي تشجّع لمواجهته مُحسن الشيخ غير المُنافس الكبير على زعامة الوادي الصغير الذي أتخيّل أنه سوف يميل إلى هيمنة القوة التي يُمنّي بها قومه ويعتد بها، فرجال الحارة التاسعة، أشداء وأقوياء ولهم علاقة كبيرة بالجوار البحري ذي العيون السوداء وفارعي الطول، وعاصم الذي اصطفّ معنا ذات مرة ضد الغرباء هو منهم، والجوار البحري مُهيمن على جُزر رمثة وهُبلان، وقيل أنّ الجزيرتين تعودان للحارة الثامنة وهي أصغر الحارات مساحة،مُطوقة بين جبال صلدة، إن شاءت أمطار الوديان جرفتها بغير رجعة أو بقيت في دوّامة الخوف من القادم، وليس للحارة الثامنة منفذًا مُطلًا على البحر، فساحل البحر طولًا وعرضًا وعُمقًا تحت سيطرة رجال الوادي الصغير، وأغلب الحارات العشر لها تسميات خاصة ترتبط مرجعيتها بالوادي الصغير، وهي كثيرًا ما تصطدم بعلاقاتها بين المرجعيتين وادي الاعراب والجوار البحري، ويعني ذلك أنها لم تكن مُستقلة بذاتها يومًا عن الوادي، فتجدها مُقسّمة بين مرجعية رجال الوادي الصغير، الذين هيمنوا على بحر الأعراب والبحر الكبير والبحر العميق المفتوح وبين ذوي السحنة الرصاصية وكما يبدو أنّ في قبضتهما البحر والرمال وأمّا الجزء الأخر المُنفصل بمساحات بحرية ضحلة فهو تحت هيمنة ذوي العيون السود وفارعي الطول وأولئك الاقوام، يكرهون بعضهم منذ زمن طويل.. وأرض الحارة الثامنة صلبة تنحدر إلى الحارة التاسعة بلا مُستقر لها.
وإني أخشى أن يستبدل عامر النجدي ابن البلدة العتيقة بالوادي الصغير إلى مُتحد، تختلف ألوانه وفق مآلات أقوام الرمال والكثبان، فهم يقولون بأنّهم فخر الرجال ورمالهم منبت الحضارات.
عقّب ثابت وهُو يُحاوره، وبإبتسامة عريضة:
ـ لا تقلق.. واصبر فالفتنة لم تكتمل بعد.. فهي كالملحمة تمامًا، لها شُخوص وعناصر لازمة لا تكتمل إلاّ بهم، ومن ثم ستتفاعل بطريقة محبوكة وبأدوار مُختارة للإمتاع ثم سترى بأم عينيك الأحداث وتفاعلاتها، حين تشتعل النيران من كل جهة، ومن هنا يأتي التغيير بعكس الثوابت التي سارت عليه.. انتظر وسترى آخرها.. فنحن فقط في بداية الفتنة.
ـ إلى أين تذهب الان يا. ث.ا ب.ت، قالها غلام الباشق في نفسه ثم أخرجها إلى أين يا سيدي؟
ـ إلى حيث ترى عيناك، وتستيقن وقتها بأنّ ثابت، اسم عظيم على مُسمى أعظم يُخطئ من يستهين بها.
قرعٌ على الباب بإلحاح لا صبر فيه ولا تأنّي.. رحّب به ابن البلدة العتيقة، وبلدة عين الماء القديمة، فلقد تعوّد مُجتمع البلدة العتيقة بعد الترحيب بالضيف، تقديم ما يُمكن تقديمه، مما لذّ وطاب وما هو متوفر من طعام وشراب لدى أهل الدار مع قُربة من الماء وإبريق للاغتسال وتطييب الجسد من تأثره من أغبرة ومشقة السفر، وبعد الهدوء وتمكين الضيف والراحة النفسية، يُنشدون ضيفهم عن العلوم والاخبار التي جاء بها أو تلقاها خلال سفره.. ثم يبسط ما لديه، وما جاء به من خبر.. ثم تحدّث ثابت إلى مُضيفه عامر النجدي قائلا:
ـ جئتُ إليك وكُلي شوق وشغف للاطلاع على مكنونات تاريخ العائلة النجدية العريقة، فمنذ أن دخلت الرمال وكثبانها العالية، آنستُ سحرًا، قد خبأته أيام خلت لقوم تربطنا بهم وشائج كثيرة وعلاقتنا لم تضعضعها تقادم السنون، ولنا فيها أرحام وجذور، وتُراث جدّنا الكبير.
وكأنّ لكلام ثابت وقعًا مُريحًا وسُرورًا كبيرًا على قلب عامر، وكأنه اكتشف مدخلًا إلى قلب ابن بلدة التراث وعين الماء القديمة.. فيما حرص عامر النجدي على أن يكون الرجل الأصيل في شجاعته ورجولته:
ـ مرحبًا بك يا أبن عمّنا.. نحن كلنا آذانٌ صاغية لما ستقول.
أطربت تلك الكلمات الترحيبية أذان ثابت فانطلق بعيدًا في مُخيلته وتقافزت بنات أفكاره الطامعة في قيادة الوادي الصغير أمام عينيه وحدّق في عيني مُحدثه وشرع بالقول:
ـ يا سيدي ـ لا أعرف كيف أصف حال الأعراب اليوم واقعًا، واختصرهُ لك وأنت أعلم به مني.. أبطالنا وشُجعاننا في القبور والمُصلحون مُحاصرون بحرس شديد واختفى ذوي البأس من قومنا في ظُلمات اليأس والقنوط، وارتقى الخونة المنابر والمناصب وتضاعفت أعداد الفقراء والمعوزين وجفّت أرض الأعراب حتى قحطت من زاد ومن ماء، والرمال خالية من أية حياة إلّا كثبانها المُلتهبة، ولا غمامة تُبشر بغيث وسمائنا خاوية قاحلة، وكأنّما رمال الاعراب قد أصبحت جذع نخل خاوٍ لا خير فيه ولا نفع يُرتجى منه، ولا أمل في الأفق حتى إن سقطت قطرة عابرة أو تشكّلت سحابة مُنفردة، سرعان ما تفرّقت وتمزّقت فلهيب الرمال تصهرها.. من يموت فيها، يحترق فلا يبقى له أثر، وكأنّ الطبيعة كشفت وجهها الغاضب على وجودنا فأصبحت الحياة بلا روح ولا سُكون غير غياهب من الظلام تُمزّق الأكباد، وعُتمة كاتمة لا يُرى فيها إلاّ الظنون ولا ينتابها إلاّ أفكار الموت السوداوية وأنّ أقرب صفة لها هي" رمال الموت" وقد وجدنا أكثر الناس خارجين عن طاعة أؤلي العزم والمكانة العتيقة.
إنّ ما يعصر قلبي أنّ مُجتمع الوادي والرمال يُتابعون وكأنهم غير مُبالين ممّا يحدث، ويُؤلمني بعمق ما يدور في أروقة مجالسهم، فرغم كل ما حدث وما يُحيط بهم تراهم يتحدثون بحكمة ورُؤية عاقلة، يرعون الاخلاق ويستأثرون بالقيم، يُحافظون على الأمان، يُبصرون ما لا تُراهُ الأعين ويُصوّبون ما تُخفيه الصدور ويتصرفون بثقة وعزم يصعب اختراقهما، كصمّام أمان لحفظ كريم الاخلاق وعزيز القيم من الضياع والاندثار.. تُرى ما بال مُجتمع التراث وأهل العزة العتيقة والكرامة، في صمت وانكسار...؟
توقف فجأة عن الكلام ونكّس رأسه إلى صدره.. ثم أردف، نحن يا إبن البلدة العتيقة نحتاج إلى من يجمع شتاتنا ويجمع كلمتنا، ويفهم صمت أعيننا، ولا حاجة لنا إلى خُطب مُطوّلة ولا استنفار وتحريض ولا حاجة لنا إلى نداءات بلا نفع ولا فائدة، بل نحتاج إلى طريق الصواب والجد نسير به نحو العزة والكرامة، طريق يشق الرمال ويُحولها إلى قوةٍ تهزم الأعداء.
استفزت تلك الكلمات عامر نخوة ومروءة النجدي ومن معه واستثارت فيه غيرة البدوي الاصيل، فالأعراب قوم لا تُغادرهم غيرة الإيثار في السراء والضراء، ويُقدم غيره على نفسه، بسخاء وكرم إنساني فريد ويُظهر منزلة العطاء كفضيلة عظيمة، والعربيّ الأصيل به نخوة وعزة وكرامة، توارثها أبًا عن جد، وإبن الرمال بدويّ غيور لا يرضى بالمذلة ولا يقبل الهوان يعتز بمنبته وأصله وجُذوره، مُتمسك بالعادات والتقاليد من أهم صفاته الشهامة والكرم.. إلتفت عامر النجدي إلى أحد رجاله من بلدة عين الماء القديمة، فانبرى الرجل مُتهللًا، بشوش الوجه، مُرحبًا بالجميع بصوت مسموع وبروح طيبة مُتحدثّا:
ـ نحن أحقّ من أيّ أحدٍ، وبالأخص من أؤلئك الذين يطمعون في المقام والمكانة، حتى أؤلئك الذين اختلفت أفكارهم، بنزعة أو تعصّب أو ساروا إلى المحذور من المُختلف معهم، نقول لهم الوادي الصغير، سيكون كبيرًا بجهدنا وكفاحنا ولن يخضع لسطوة أحد، شرقيًا كان أم غربيًا ومن على شاكلتهم من الاعراب المُتخلفين عن الركب المُتأصّل فينا، فما كان من أهل البلدة القديمة والعتيقة ومن حولهما من بلدات الاعراب، ورجال الرمال والكثبان، أن يخذلوا بعضهم البعض ولا أن يرغبوا بأنفسهم بنصيب زائد، حتى، لو كانوا في مخمصة وجوع، ولكن رجال الرمال تغيروا فأصابتهم نعمة وثراء فانبهروا بها وتغيّرت علاقتهم بالآخر، فنال منهم عدوّهم نيلًا، وحين وطأ أعداؤهم مقامهم داسهم، مُتشدّقًا بسطوته عليهم، واستخدمهم كغطاء لسلب كل ما في رمالهم من ثروات وكنوز ، وجعلهم مُتفرقين، مُمزقين، يسهل التغلّب عليهم، و زيادة في الحذر أقول لك حتى الجوار البحري وذوي السحنة الرصاصية لا مأمن منهم، ناهيك عن ذوي العيون الجاحظة وفارعي الطول وذي الأنوف المُفطحة.
سكت فجأة.. ثم أردف وقد تسمّرت عيناه في عين ثابت:
ـ اسمعوا.. وعُوا، ما أقول.. نحن من البلدة العالية، عبر الأزمان، قديمة التاريخ، أصيلة المنبت، ومنا الجد الأكبر وهو أول من أقام عين الماء في البلدة القديمة وإبنه عبدالاعلى وهو أول من فكّر بتخزين الماء، ليبقى كمصدر جوفي ومخزون احتياطي في الارض وقد أنشأ سالم ابن الجد عبدالاعلى في البلدة القديمة والمعروفة بالبلدة العتيقة جسرًا للماء في فضاء كبير، وأقام على عين الماء مُحيط، يقوم باحتواء الماء، من غير تسرّب للماء الجوفي المُخزّن تحته تُربة صلبة وعلى طبقة صخرية، تمنع تسرب الماء إلى الأسفل أو خارج الجسر.. أجدادنا الاعراب صنعوا أشيائهم بأيديهم ولم يطلبوا من الغُرباء مُساعدة أو عون وإني لأخشى في قادم الازمان الباقية، أن يحدث خلاف عميق ويحتدم صراع كبير حول الماء.
وكما تعلمون أنّ جدي الأكبر هو أول من وضع جدارًا من الصُخور على حوافّ الجسر، لكي يبقى الماء ثابتًا لا يتسرّب لمُدد طويلة، وشاع اسم "السدّ" بين مجتمع الوادي وسيح المالح والحارات وقرية الجبل وقرية البحر، ويُرجح الكثيرون بأنّ كلمة السد منشؤها قرية البحر، حيث أنّ في البحر سدًا يحجب الماء المالح عن الماء العذب.؛ وفي البلدتين العتيقة والتُراث وما جاورهما يُعرف السد، بـ"جسر الماء".
والبلدتان- العتيقة والتُراث- أصلهما واحد، وسُقيا الماء فيهما، عذب لا مُلوحة فيه ونقرأ في التراث " بلدتين أصلهما وفعلهما ومنبتهما مُشترك يُسقيان من منبع واحد وفي روض مكنون." وكما هو مذكور في نص أصول البلدتين، أنهما كانتا بلدة واحدة، وانفصلتا إلى كيانين، أحدهما يُعرف بـ بلدة عين الماء القديمة وتقع أسفل الجبل العظيم الذي خلّد اسمه الجد الأكبر، عبدالأعلى، والطرف الآخر يقع على مسافة غير بعيدة، وهو المكان الذي أقام به، ابن عبدالاعلى جسر الماء، والذي يُعرف بـ البلدة العتيقة وهذه البلدة، هي السُكنى الأولى للجد الاكبر، عبدالاعلى. والبلدتين مُتلاصقتين ويُعرفن قديمًا بالتوأم.. وما أودّ قوله، هو.. إن لم ننتبه إلى إبداعات الأجداد وإرثهم العريق وما تركوا لنا من أعراف وتقاليد منذ آلاف السنين، ونمشي على خُطاهم ونقتدي بأفعالهم ونُطوّر بعضها كما فعلوا، ونُنتج كل احتياجاتنا بأنفسنا كما فعلوا.. بالحكمة وقوة العلاقة بالأرض وبشجاعة وعزم، فإنّ الأغراب جميعهم سوف يطئون رمالكم ولن يخرجوا منها.
أمّا عن تفاصيل حديثكم لدى سيدي عامر النجدي، فإذا كُنتم تُريدون ضمّ القُرى جميعها والحارات جميعها والرمال والكثبان وقرية الجبل وقرية البحر وقرية الأعلى، والبلدتين التُراث والعتيقة وإقامة مُتحد وتحالف لا اشتقاق فيه، باسم " الوادي الصغير " فنحن أوّل المُؤيدين، عقدنا عزمنا ونشُد على أيديكم في إنجاز هذا المُتحد وباسم الوادي الصغير.. وأمّا إذا رأيتم غير ذلك، فلسنا معكم، ولا نؤيد غير تلك الفكرة ولا نرى الصواب إلا بها، فكل مُتسرّع مهزوم وكل مُنفرد مُنكسر وكل مجتمع وله خصوصياته لا يُشبه غيره ونحن لا نتّهم أيّا منكم بوهن الفكر أو سفه الأماني.. لنا عزة وإباءٍ وكرامة عالية، ومن تنزع منه تلك القيم يُداس، وحاشاكم أن تكونوا على ذلك الحال، ولكن لا حياة بلا أثر ولا رواسخ بلا كبرياء.. وكونوا كالذي استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله، عزّ عليه أن تذهب النار بلا بصيرة، فوضع عليها أكوام حجارة وتركها مُستعرة، لعلّها تنفعه أو تنفع الناس أو يُؤخذ منها جذوة، يستوقد منها غيره ووجود الماء أصل الحياة والبقاء، وفيه تجارة لا يُستخفّ بثقلها في البلاد ولا يُستهان بها لتمكين الإبداعات والعقول التي نذرت نفسها لكي تكون أرضهم في صدارة الحياة تستظل بعزة رجالها وتحتمي بسيوفهم وحكمتهم، لا خوف عليها ولا رهبة ولا خطر يتربّصها إلّا خرافات أخرجتها عقول الغرباء التي وجدت في بعض نماذج الرجال ضالّتها لأنهم يُشبهونهم في المكر والخداع.
سكت وسمّر عينيه في الجمع المُتحلق حوله.. انصتوا إليّ بإمعان وحرص.. إذا علا السّفلة صدر السّيادة ووهن الحزم فإنّ المُرجفين سينالون غايتهم لأنّ أساس كيانهم مرتبط بالخوف والجُبن، فتبًا للأفكار المُتخبطة والعُقول الضّحلة والنفوس الحاقدة...نفوس غشيت بصيرتها أفكارًا سوداء، فحالت بينها وبين الحق والحكمة وتاهت في حيرة وتيه بين الحقّ والباطل.
تنحنح عامر النجدي الذي قدّمه قومه رجال عين الماء القديمة وأهل البلدة العتيقة، ليكون الخليفة الوحيد لـ "فالع" ولزعامة الوادي الصغير، وأعلن النّجدي والمُجتمعون وقتها، أنهم لا يعترفون بزعامة ثابت أبدًا، وقال بهدوء الواثق:
ـ من يركع مرة للخونة، ويكون عاجزًا أمام مُواجهة الغُرباء، فهو لا يصلح للزعامة ولا شجاعة تُرتجى منه ولا نكترث به أبدًا، وأنا من حيث عرفتموني، ابن حكيم قرية عين الماء القديمة وسيّدها أبًا عن جد، وجدي الاول عبدالاعلى وأنا حفيد السيد سالم الراس القائم على البلدة العتيقة وهو أول من أقام جسر الماء فيها.
وعقّب عامر النجدي متحدثًا:
ـ إنّ مطالبتك بزعامة سيح المالح لا أساس لها، زعامة عرّضت رمال الاعراب ذات العراقة التاريخية إلى فوضى وصل صداها إلى أبعاد من الخيارات، منها مخاض مُجتمعي وحراك سار بهم إلى التفكك،ورمالنا واسعة ومُستقبلها لا يزال غامضًا بسبب ما أوقعتمونا فيه من نزاعات شتى، مُكلفة وقاسية. ولذا يا أخ ثابت، لا نعترف بمطالبتك بزعامة سيح المالح ولن نترك الحبل يفلت أبدًا من قبضتنا طالما رجال القريتين العتيقة والتراث باقيين ولن نقبل بأي زعامة من غير رجال البلدة العتيقة وقرية التراث.
سكت ثم أردف، مُتحدثًا عن زعامة قرية عين الماء القديمة.. كُلًا من قريتنا التوأم العتيقة وقرية التراث، يتشاركان المنبت والأصول ورجال القريتين أقوياء ذوي بأس شديد كانوا في مُقدمة من قاتل الغُرباء بلا تردد ولا هوان، أؤلئك المُعتدين سُرّاق التراث، نهبوا ثروتنا واستولوا على كنوز أرض الأعراب، وأشعلوا الفتن ونشروا الفوضى في أرضنا وهم من جاؤوا بـك إلى زعامة سيح المالح المُتحد، ثم أرادوا أن يُسيدوك على الوادي الصغير وعلى كل القرى والحارات والبلدتين التُراث والعتيقة والرمال والكثبان والساحل الطويل أيضًا.. فاعلم يا ـ ثابت ـ نحن لم و لن نقبل بذلك مُطلقًا، وإني أدعو كل رجل ذي غيرة وأمانة وشرف وعزّة أن يقف معنا، لتشكيل حلف يجمعنا نحمي به أرضنا واموالنا.
لبَّى الكثيرون النداء والتحقوا بمن اصطفّ من الرجال وتجمعوا تأييدًا لعامر النجدي بكل حماس وهمّة، وأطلقوا على أنفسهم "مسمى عُصبة البلدتين" وكتبوا عهدًا بينهم وجعلوا لهم شعارًا هو "مسعى واحد وسيرة واحدة".