ولمَّا كان لمقام القُرب من الله هذه العظائم من الثواب والعطايا فى الدنيا والآخرة فإنه قد غدا مجالًا يتنافس فيه المتنافسون من التائقين إلى ذلك المقام لكى يُحصِّل كلٌّ بحسب اجتهاده وجِدِّه على قدر سعيه من القرب: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه).
ويكون ذلك التنافس فى الأسباب التى تقود إلى القرب من الله، وهى:
أولًا: معرفة الله تلك المعرفة الواجبة لذاتها: (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، لكونها عبادة جزاءها الجنة: (مَنْ مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)، كما أنها طريق وباب للعلم قبل القول والعمل، وبذلك عَنْون البخارى أحد أبواب صحيحه الجامع.
كما أنها استجابة للحض الإلهى على تلك المعرفة واجبة الحمد: (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها) فى صفاته بمقام القلب، وبآيات أفعاله وآثارها فى مقام النفس، وآيات عظَمَته الكونية.
وهذه المعرفة كما يقول حجة الإسلام الغزالى: أفضل المعارف، بل إن معرفة سائر الأشياء أيضاً إنما تشرف لأنها معرفة لأفعال الله عز وجل، أو معرفة للطريق الذى يقرِّب العبدمن الله عز وجل، أو الأمر الذى يسهل به الوصول إلى معرفة الله تعالى والقرب منه.
فهى تقرّب إلى الله من جهتين:
١.تجعل إيمان العارف فى زيادة واضطراد يلزم عنها مزيد شوق ومحبة وتعظيم ولزوم عبودية وسعى للقرب: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقتَ هذا باطلًا سبحانك).
٢.إصلاح القلوب وتنقيتها وتهيئتها للقرب عندما يستقر فيها تلك المعرفة بالعظمة والخشية والرجاء والتوكل وما يحبه تعالى من الاعتقادات والأعمال والأقوال والإرادات.
ثانيًا: العبادة والعمل الصالح الذى يقرب صاحبه من الملكوت لأن العبادة توأم الإيمان والمعرفة وطريق الكمال المُوصل إلى مقام القرب والارتقاء نحو العلو: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، كما أن العبادة تقرب صاحبها من مناجاة القرب مع الله: (يقول الله تعالى قسمتُ الصلاة بينى وبين عبدى نصفين نصفها لى ونصفها لعبدى، ولعبدى ما سأل.
فإذا قال الحمدلله رب العالمين. قال حمدنى عبدى، فإذا قال الرحمن الرحيم. قال أثنى على عبدى، فإذا قال مالك يوم الدين. قال مجَّدنى عبدى، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال هذه بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال هؤلاء لعبدى ولعبدى ما سأل).
ثالثًا: الرياضة النفسية والروحية، وتكون بحمل النفس على المشقة البدنية ومخالفة الهوى بالتقرب إلى الله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، وذلك بصيانة النفس عن الغفلة ومقارفة الخطايا والآثام وشكلية العبادات والغش والنفاق فى المعاملات.
لكن هناك معوِّقات يجب إزاحتها عن طريق القرب من الله، وذلك مثل:
١. محبة شياطين الإنس والجن الصارفين عن صالح الأعمال.
٢. سوء الظن بالله خاصة عند الابتلاءات مما يترتب عليه الجزع والتبرم والاعتراض على القضاء.
٣. أمراض القلوب كالحسد والخديعة والحقد والمكر السيئ، فالقلب الملوث بالأدران والأسقام غير قابل للسير إلى الله فى طريق القرب الذى لا يدركه إلا: (من أتى الله بقلب سليم) إذ كيف يشهد القلب تجليات أنوار القرب وهو محجوب بحجاب كثيف من الأدران؟
٤. الانقياد لشهوات النفس وأهوائها: (ولا تتَّبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).
٥. ضعف الإرادة الذى يُسقط فى فخ الشكلية الطقوسية بمنأى عن الإخلاص.
٦. استحواز التعلقات الدنيوية بالمال والجاه والسلطة على النفس فلا تترك حيزًا بالروح والقلب لمحبة الله وأُنس القرب منه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: على مائدة القرآن الطريق إلى السماء ٢ القرب من فإذا قال من الله
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تدعو الهند وباكستان إلى ضبط النفس
سريناغار (الهند) "أ ف ب": دعت الأمم المتحدة الهند وباكستان إلى ممارسة "أقصى درجات ضبط النفس" بعد يومين من تصاعد التوترات بين البلدين شملت تعليق تأشيرات وطرد دبلوماسيين وإغلاق الحدود، منذ هجوم الثلاثاء على سياح في كشمير حيث تبادلت القوتان النوويتان إطلاق النار لفترة وجيزة في وقت مبكر صباح الجمعة.
وقال المسؤول في الشطر الباكستاني من كشمير سيد أشفق جيلاني لوكالة فرانس برس الجمعة "وقع تبادل لإطلاق النار بين موقعين في وادي ليبا خلال الليل، ولم يتم استهداف السكان المدنيين والحياة مستمرّة والمدارس مفتوحة".
وأكد الجيش الهندي وقوع إطلاق النار بأسلحة صغيرة قائلا إن باكستان نفذته، وأنه "رد عليه بفعالية".
والجمعة، دمّر الجيش الهندي بالمتفجّرات منزلين قيل إنّهما لعائلات منفذي الهجوم، في حين صوّت مجلس الشيوخ الباكستاني بالإجماع على قرار "يرفض" اتهامات الهند "التي لا أساس لها" و"يحذر" بأنّ باكستان "مستعدّة للدفاع عن نفسها".
وبعد ظهر الثلاثاء، أطلق ثلاثة مسلّحين على الأقل النار في منتجع باهالغام الواقع على مسافة 90 كيلومترا برا من مدينة سريناغار الكبيرة، ما أدى إلى مقتل 25 هنديا ونيبالي واحد، حسبما أفادت الشرطة الهندية.
ومنذ ذلك الحين، وجهت الحكومة الهندية القومية المطرّفة أصابع الاتهام إلى إسلام آباد، التي طالبت بأدلّة مندّدة بالاتهامات وواصفة إياها بأنّها "غير عقلانية وغير منطقية".
ومنذ التقسيم في العام 1947 واستقلالهما، خاضت الدولتان اللتان تملكان أسلحة نووية، ثلاثة حروب. ودخلتا أخيرا في دوامة من الإجراءات العقابية والانتقامية في إطار الردود المتبادلة بينهما.
وبعد هجوم دامٍ على قافلة عسكرية هندية في العام 2019، تبادل البلدان إطلاق النار. وأُلقي القبض على قائد طائرة مقاتلة هندية ثمّ أُعيد إلى نيودلهي، في حادثة يذكّر فيها المسؤولون الباكستانيون منذ الثلاثاء.
"أحلك أوقاتها"
ويتوقع الكثير من الخبراء ردا عسكريا من نيودلهي. وقال المحلّل برافين دونثي من مجموعة الأزمات الدولية لوكالة فرانس برس، إنّ هذا الهجوم الذي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه حتى الآن، "سيعيد العلاقات بين البلدين إلى أحلك أوقاتها". وفي هذا السياق، دعت الأمم المتحدة إلى "حل سلمي".
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة مساء الخميس في نيويورك، "نحض الحكومتين ... على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وضمان عدم تدهور الوضع".
غير أنّ نيودلهي وإسلام آباد تسعيان إلى إرضاء الرأي العام الذي تؤججه وسائل الإعلام. وقد تحوّل إلقاء اللوم إلى تصعيد عبر الحدود.
ومساء الخميس، أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية أنّها التقت مستشارين في إسلام آباد "لتحذيرهم من محاولات الهند تصعيد التوترات"، مضيفة أنّ باكستان "مستعدّة لمواجهة أي مغامرة".
وفي أول رد فعل له على هجوم كشمير، صعّد رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي خطابه، وقال "أقول لكل العالم: ستحدد الهند هوية المسلحين ومن يدعمهم وتلاحقهم وتعاقبهم. سنطاردهم إلى أقاصي الأرض".
وأعرب عدد من القادة الأجانب عن تعازيهم له، بينما أكدت الولايات المتحدة الوقوف "بجانب الهند".
"حرب شاملة"
والأربعاء، تعهّد وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ الانتقام من "أولئك الذين نظموا هذا (الهجوم) سرا"، في تهديد مبطّن لباكستان.
وردّ نظيره الباكستاني خواجة آصف عبر شبكة "سكاي نيوز" الجمعة وقال "سنرد، وسنعدّل ردنا اعتمادا على ما تفعله الهند... هناك احتمال لاندلاع حرب شاملة وسيكون لذلك عواقب وخيمة".
وكانت الهند افتتحت معركة العقوبات الأربعاء، عبر إعلان سلسلة إجراءات انتقامية دبلوماسية ضدّ إسلام آباد، شملت تعليق العمل بمعاهدة رئيسية لتقاسم المياه، وإغلاق المعبر الحدودي البري الرئيسي بين الجارتين، وخفض أعداد الدبلوماسيين.
في المقابل، أعلنت إسلام آباد عقب اجتماع نادر للجنة الأمن القومي بعد ظهر الخميس، طرد دبلوماسيين وتعليق التأشيرات للهنود، وإغلاق الحدود والمجال الجوي مع الهند ووقف التجارة معها.
ورغم عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، نشرت الشرطة الهندية رسوما مركّبة لثلاثة مشتبه فيهم، من بينهم مواطنان باكستانيان، واصفة إياهم بأنّهم أعضاء في جماعة "لشكر طيبة" الجهادية التي تتخذ من باكستان مقرا.
ويُشتبه في أن هذه الجماعة نفذت الهجمات التي أسفرت عن مقتل 166 شخصا في مدينة بومباي الهندية في نوفمبر 2008.
إضافة إلى ذلك، عرضت الشرطة مكافأة مقدارها 2 مليون روبية (أكثر من 20 ألف يورو) مقابل معلومات تؤدي إلى القبض على المشتبه فيهم.
ومنذ التقسيم في عام 1947 واستقلالهما، تتنازع الهند وباكستان السيادة على كامل إقليم كشمير الذي تقطنه غالبية مسلمة وتم تقسيمه بين البلدين.
ويقاتل متمردون في كشمير منذ العام 1989 لتحقيق استقلال الإقليم أو اندماجه مع باكستان. وتتهم نيودلهي إسلام آباد منذ فترة طويلة بدعمهم. لكن باكستان تنفي ذلك وتقول إنها تكتفي بدعم نضال سكان كشمير من أجل تقرير المصير.
الخميس أيضا، أعلن الجيش الهندي مقتل أحد جنوده في اشتباكات في منطقة باسانتغار.