من دروس الانتفاضة 2: النقابات أيقونة الديمقراطية في بلادنا
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
من دروس الانتفاضة 2: النقابات أيقونة الديمقراطية في بلادنا
صديق الزيلعي
حذرت في المقال الأول من أخطار عودة الحكم العسكري، انتصر أي من المتحاربين أو اتفقا على تقاسم السلطة. وذكرت ان الحكم العسكري، تحت أي حجة أو شعار، يؤدي لدكتاتورية قمعية مطلقة. ورغم ان إيقاف الحرب هي الأولوية القصوى لنا، لكن يجب التفكير في قضايا ما بعد الحرب كإعادة التعمير واستقرار الحياة.
يحق لشعبنا ان يفخر بحركته النقابية فهي حركة ديمقراطية ومستقلة ومصادمة ومنحازة تماما لقضية التغيير السياسي والاجتماعي في بلادنا. ولم ينتج ذلك من فراغ أو منحة من سلطة، بل هب نتاج الصيغة التي تأسست بها ـول نقابة، وهي المواجهة القوية التي قادها عمال عطبرة ضد المشروع الاستعماري، وهي التي ملكتها تلك السمات الواضحة. النقابات السودانية قدمت الكثير لشعبنا، عبر التاريخ، وتقدمت صفوفه عند المعارك الحاسمة، وعفت عند المغنم.
كانت النقابات في مقدمة صفوف المقاومة ضد دكتاتورية مايو العسكرية. ورغم حدوث عدة انقلابات عسكرية ضد مايو، بالإضافة لغزو مسلح من الخارج في 2 يوليو 1976، الا ان جميعها لم يسقط الدكتاتورية. ولكن اضرابات النقابات ارغمت الدكتاتورية على التراجع المستمر، حتى جندلتها بالإضراب السياسي العام في الانتفاضة. وهكذا اثبتت النقابات ان النضال المدني السلمي الجماهيري هو أقوي ادوات مواجهة الدكتاتوريات، وليس العمل المسلح. فإضرابات السكة الحديد والمعلمين والمحاسبين والاطباء والقضاة وغيرها هي ما حاصرت الحاكم الفرد نميري، وشلت يديه، وجعلته بكل ما يملك من اجهزة قمعية، يفشل تماما في هزيمة النقابات.
جاء تكوين التجمع النقابي من نقابات الاطباء، المهندسين، اساتذة الجامعة، المصارف، والتأمينات العامة ضربة قوية لكل قوانين ولوائح النقابات المايوية (خاصة لائحة البنيان النقابي لسنة 1972 وقانون النقابات لسنة 1977) التي فرضت ان تدار النقابات من مكتب الفئات بالاتحاد الاشتراكي (التنظيم الواحد الأحد). ورفضت نقابات المهنيين بشجاعة تامة تبعيتها لاتحاد الموظفين المايوي بقيادة كمال الدين محمد عبد الله. ولا يسع المجال هنا لتفصيل صراعات ومواجهات النقابات مع النظام الدكتاتوري. ولكن أخلص بان التجمع النقابي صار القيادة الملهمة للانتفاضة حتى انتصرت، وسقط النظام العسكري الثاني في بلادنا.
هناك اتهام تكرر كثيرا ضد النقابات بانها تنظيمات انانية، لا تفكر الا في مصلحة اعضائها. وهذا قول مردود لان النقابات قامت اساسا للدفاع عن اعضائها من خلال التفاوض الجماعي. ولا يمكن اتهام اتحاد اصحاب الصناعات بانه يدافع عن مصالح اعضائه لأنه اساسا كون من اجل ذلك. واضيف بان النقابات، طوال تاريخها لم تعرف الانانية وحصر كل نشاطها من اجل حقوق اعضائها فقط. فمواقف اتحاد العمال في الدفاع عن طلاب خورطقت المفصولين عندما فصلتهم الادارة الاستعمارية، ودعمه القوي لإضراب البوليس، ومساعدته للمزارعين لتكوين اتحاداتهم، بالإضافة لمواقفه حول القضايا الوطنية والقومية. ولضيف المجال هنا، سأذكر امثلة توضح انحياز النقابات لقضايا الوطن، فكل اضرابات نقابة الاطباء كانت قضية تحسين الخدمات الصحية تحتل المرتبة الاولي من المطالب، كما اعدت نقابة المهندسين برنامجا اسعافيا خلال كوارث الفيضانات والسيول عام 1988، ولنقابة البياطرة دراسات معروفة حول حل ازمة اللحوم بالعاصمة القومية، ومواقف نقابة المصارف حول اصلاح النظام المصرفي موثقة تماما، اما نقابة المحامين فلها ارث طويل في مواجهة القوانين الجائرة ومطالبتها بحكم القانون ن ويذكر جيلنا الندوات الراتبة التي نظمتها النقابة ضد كافة القوانين المايوية الجائرة. وهذه مجرد امثلة والقائمة تطول.
علينا، وفي ذكرى الانتفاضة، ان نحافظ على هذا التاريخ المجيد، وندعم مطالب الحركة النقابية باعتماد قانون النقابات الموحد (2020) كقانون ديمقراطي للنقابات، وهو نتاج جهود كبيرة من مركز الايام للدراسات وبمشاركة تجمع المهنيين والاحزاب والأكاديميين.
وندعو لان تقوم الكوادر النقابية التي عاشت زخم والق نضالات الانتفاضة ان تعمل لكي تملك خبراتها للأجيال الجديدة، ليس لنقلها حرفيا، ولكن للتعلم منها، لمواجهة التغييرات الكبيرة والعديدة التي حدثت في بلادنا خلال الثلاثين عاما الماضية، وشملت كافة اوجه الحياة ومنها النشاط النقابي.
siddigelzailaee@gmail.com
من دروس الانتفاضة: حكم العسكر هو حكم الفرد المطلق
الوسومالانتفاضة الديمقراطية السودان المقاومة النقابات د. صديق الزيلعي دكتاتورية مايو العسكريةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الانتفاضة الديمقراطية السودان المقاومة النقابات د صديق الزيلعي فی بلادنا
إقرأ أيضاً:
دروس من مدرسة غزة
منى بنت حمد البلوشية
عندما أتحدَّث عن غزة العِزة أشعر وكأنّ دروس الحياة بأجمعها اجتمعت في هذا الشعب المقاوم، الذي جاهد وصبر وما زال يجاهد، الذي لم يكن سهلًا على إخواننا في غزة ما حدث لهم من سفك الدماء والشهداء الذين ارتقت أرواحهم إلى السماء، كم هو مؤلم لهم ما حدث من فقد وتشتت وضياع وهدم لبيوتهم وتجويع وكل هذا حدث في غضون 471 يومًا من المذابح والدمار، وقبلها بأعوام كثيرة، ورغم هذا لم تفتر يومًا همتهم للدفاع عن أرضهم وحريتهم، فسلام على الصامدين المجاهدين.
ألا تستحق غزة أن تكون مدرسة وتُلقِننا دروسًا في الحياة؟ فهي مثالًا حيًا للجهاد والصبر والحكمة والقوة، منذ أن وِلدنا وغزة وسائر فلسطين تقاوم وتحت الاحتلال الصهيوني الغاصب الذي انتهك الحقوق وسلب شيئًا ليس له، ما هي الدروس التي علمتنا غزة وستبقى معلقة في الأذهان؟ الدروس كثيرة وليتنا لا نغفل عنها ونجعلها دروسًا لنا وللأجيال القادمة.
بعد إعلان وقف إطلاق النَّار في غزة استعادت الأرواح أنفاسها قليلًا في سائر أنحاء فلسطين وعمّ الفرح الذي امتزج بالبكاء واستذكار ما حلّ بهم من فقد لأحبتهم وهدم لبيوتهم وللذكريات الجميلة التي كانت تجمعهم، رغم أنني قررت أن أكتب عن الدروس من مدرسة غزة إلا أن أناملي تقول في نفسها كيف ستكتبين تلك الدروس كلها وهل سيستوعب ذلك يومًا واحدًا وهل فعلًا يمكنني وصف ما حلّ بها، بالفعل لن أن أستطيع كتابتها في يوم واحد لأنها تحتاج الجهد والكثير مني، فهي كثيرة فالمدرسة الغزية علمتنا ما لم نكن نعلم عنه من قبل وأنضجت عقولنا وكبرنا معها.
غزة علمتنا جميعًا بأن من يُريد يستطيع بلا سلاح ولا قوة سوى قوة الإرادة للاستمرار، فكل شيء قابل لأن يتحقق حتى يأتي وعد الله عزوجل "لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا"، وأنّ الشدائد تربي المرء مهما كان كبيرًا أم صغيرًا فلا بأس فالحياة تحتاج لهذه الشدائد حتى يكبر العقل، ولكن لا أن يكبر قبل أوانه، فقد أظهرت المرأة الفلسطينية قوتها وأصبحت امرأة بدرجة امتياز مع مرتبة شرف ووسام يعلق على كتف كل امرأة منا نحن النساء فقد خاضت حروبًا لم تكن تعلم بأنها ستقف فيها وقفات فخر رغم كل الجراح والألم والفقد الذي حدث لها ورغم عدم قدرتها على تحمل ما خاضت ومخاض الألم كأنها ولادة متعسرة وأقسى من ذلك، إلّا أن إرادتها أقوى من كل شيء يثنيها لاستكمال مسيرتها.
وكيف للرجال حين طحنتهم الأيام ويكابدون مرارة كل شيء بلا استثناء وأصبحوا جبالًا وصناديد يضرب بهم المثل، فمن الذي يستطيع أن يهدم جبلًا تشبّع حتى أصبح متماسكًا لا أحد يجرؤ على هدمه من قساوة ما حدث لهم، أي تشبيه هذا الذي يحق لي أن أصف به قوتهم وقهرهم على العدو الغاصب.
غزة علمتنا أن من أراد أن يكون ابنه أو حتى هو حافظًا لكتاب الله عزوجل لن يثنيه شيئًا عن ذلك وإن كان تحت الأنقاض، فلم تتوقف حلقات تحفيظ القرآن الكريم ودروسها عن الاستمرار فقد كانت هي مصدر قوتهم التي هزموا بها العدو والمحتل الغاصب، فكيف لا يكون قوتهم مصدرهم الذي أمدهم الله ووعدهم بالنصر القريب "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ" علمتنا غزة أن كل الماركات والترندات التي ينادي بها الكثيرون ويروجون لها، لا معنى لها إن لم يكن بهدف أمضي إليه، وأنها زائلة ولن تبقى على حالها.
غزة علمتنا قول النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف"؛ لذلك لا بُد لأن يتسلح المرء بالقوة التي تجعله كل شيء يهابه والوقوف في وجه الظالم والمعتدي، وأن هذه الأمة تحيا بالدماء والدفاع المستميت فمع كل شهيد يخرج ألف رجل فمع كل دم وشهيد يولد ألف رجل.
غزة علمتنا كيف يكون الرضا في أشد المواقف وهي عند الفقد وكيف بشّر الله عزوجل الصابرين في كتابه العزيز والمواساة الإلهية لهم في قوله تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" وفي قوله تعالى: "أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ"، و"لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" هكذا هو المؤمن في جميع أحواله عليه بالرضا وعدم السخط؛ بل عليه أن يواسي نفسه ويلجأ لله عزوجل في كل أموره، فهذه هي التربية الإسلامية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم التي تأسسوا عليها والمواساة الإلهية لهم.
شكرًا لغزة ولدروسها التي لن تنسى مهما مر عليها الزمن، شكرًا لها لأنها علمت العالم أجمع أن الأزمات والشدائد تظهر المعادن، شكرًا لها لأنها علمتنا أن النصر فوق كل شيء وأن الأوطان غالية وليست لأحد إلّا لأهلها، فما زالت غزة تنتصر حتى يأذن الله تعالى لها بالنصر الكامل بخروج المحتل الصهيوني الغاصب من البلاد، فما زال الألم والفقد يكسو الوجوه والذكريات تلازمهم فعلى كل منا ألا يتوقف عن المقاطعة فهي سلاحنا الذي ما زلنا نحارب به الكيان الصهيوني، فلا تقع في الفخ أيها القارئ العزيز قاوم كرجال غزة وكن على العهد. شكرًا غزة وسيبقى للحديث بقية في قلوبنا وأعيينا إلى أن تُطهر الأراضي الفلسطينية عامة من دنس اليهود الصهاينة، فما زلنا نتعلم من مدرسة غزة ولن تنتهي الدروس؛ فالحرب لم تنتهِ بعد.