دائمًا ما يدهشنى توقيت رمضان كل عام وكأنه ميعاد مقدر بالثانية مع حجم الطاقة التى نمتلكها ومع فقدان آخر ذرة من طاقتنا، مع كثرة احتياجاتنا النفسية وغير النفسية، مع تقصيرنا الدينى وشتاتنا الفكرى وحيرة قلوبنا وتزاحم الأحداث فى حياتنا دائمًا ما يأتى رمضان فى موعده المناسب بالثانية وبالأمس القريب كنا فى أحضانه والآن فى انتظار رحماته.
فلست صالحاً ولست ملتزماً يتقلب حالى بين قرب من الله وأُنس وبعد عنه ووحشة ولكنى رزقت بنفسٍ لوامة لا تطيق عصيانه، فسرعان ما تضيق نفسى عند معصيته ولا تنشرح إلا بالتوبة، والشئ الأهم أنى لن أترك جهاد نفسى ما حييت ولن أملّ يوماً من إصلاح ذاتى حتى يقبلنى الله ويتوفنى على حال يحبه ويرتضيه، وسريعاً تمضى الأعوام، ما عادت زمناً بل أرقاماً، ما نكاد نعتادها،حتى تغيّر عدّاده فيبدو العام شهراً، والشهر أسبوعاً، والأسبوع يوماً ونبقى فى ذهول من أمرنا، كيف نصدّق ظلم الأرقام، عندما تصبح تلك السنوات عداد أعمارنا ولا شىء جديد سوى أن أعمارنا تزيد وأجلنا يقترب وما زلنا فى حق ربنا مقصرين، فيارب نسألك توبة لا يعقبها ذنب. السنوات والشهور مجرد أرقام فى عداد أعمارنا ويبقى الإنسان هو الفاعل وهو المفعول، الكل يتساءل الدنيا رايحة فين والبركة كمان راحت وليه الدنيا اتغيرت والحسرة على الماضى الجميل والناس الحلوة راحت فين واللمة الحلوة، فلا الصديق وقت الضيق ولا الجار للجار.. القسوة والوقاحة عنوان كل مرحلة فإلى أين نذهب يا الله!؟.. بالتأكيد ليس العيب فى الدنيا بل العيب فينا.. فنحن من نتغير والسنوات تمر لا ذنب لها، ولا علاقة للأيام بالنضج أيضا، نحن نكبر بمرور الناس بالمواقف بالأزمات والأوقات الصعبة.. لا تقارن ولا تقتبس حياتك من حياة غيرك احتف باختلافك وعش حياتك كما هى بتفاصيلها بجمالها بتفرُدها الآخرون ليسوا مقياساً لما يجب أن تكون عليه حافظ على لونك الخاص فِى عالم يحاول أن يصنع من البشر لوناً واحداً مملا، وحتى لا تتغير علينا الدنيا، لا تتسرع فى علاقاتك بعض العلاقات تكون على هيئة فخ تسعدك شهراً وتهدمك عمراً، نحن لا نعرف قيمة بعضنا إلا فى النهايات، أن تقدم وردة فى وقتها خيرٌ من أن تقدم كل ما تملك بعد فوات الأوان، وأن تقول كلمة جميلة فى الوقت المناسب خير من أن تكتب قصيدة بعد أن تختفى المشاعر، أن تنتظر دقيقة فى الوقت المناسب خير من أن تنتظر سنة بعد فوات الأوان، أن تقف موقفا انسانيا عند الحاجة إليك خير من أن تقدم مواساة بعد فوات الأوان، فلا جدوى أبدا من أشياء تأتى متأخّرة عن وقتها كقبلة اعتذار على جبين ميّت ولا تؤجل الأشياء الجميلة.. فقد لا تتكرر مرة أخرى، أشياء كثيرة خسرناها دون أن نشعر وتلاشت من حياتنا كأنها يوماً لم تكن.. لم نعد نعرف قيمة وجود العائلة حتى نفقدها، لم نعد نعرف قيمة للنقود حتى نحتاج إليها، لم نعد نعرف قيمة من نحب حتى نخسره.. لم نعد نبتسم إلا فى الصور، لم نعد نتكلم ونتفاعل معاً سوى من وراء شاشة.. لم نعد نرى أطفالا يلعبون بالكرة أو ألعابهم البسيطة فى أزقة الحارة.. ما عدنا انتظرنا مناسبة لنحتفل معاً، انحصرت احتفالاتنا عبر مواقع التواصل وإنزال الصور.. أشياء كثيرة خسرناها قد تكون بسيطة جداً لكنها كانت تعنينا.. ماذا فعل بنا العصر التكنولوجي؟ طوّرنا، تقدمنا نلنا أعلى مراتب ولكنه بالمقابل سلب منا أعظم ما نملكه، سلب حياتنا بأكملها أشياء كثيرة خسرناها دون أن نشعر، تلاشت من حياتنا كأنها يوماً لم تكن، حتى تغيرت فى حياتنا كثير من المفاهيم الخاطئة والمشاعر، نحتاج احياناً لبداية جديدة لنقطة ومن أول السطر نحتاج لأن نتوقف عن كل ما فعلناه بأنفسنا نريد ترتيب أوراقنا من جديد نحكم على الأشياء بعقولنا لا بقلوبنا، نريد فتح صفحة لم يكتب فيها حرف ولم تتلوث أى خيبات أو أى ذنوب، وصلنا الجمعة الأخيرة وفى غمضة عين، اللهم ارزقنا خير رمضان وبركته، وأخرجنا منه أوّابين تائبين صابرين.
اللهم ارفع واجبر كسرنا، وانظر لنا نظرة رضا واعفُ عنا، وأدخلنا برحمتك فى عبادك الصالحين.. يا رحمن يا رحيم.
سكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
ورئيس لجنة المرأة بالقليوبية
magda [email protected]
.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لم نعد
إقرأ أيضاً:
خطيب الجامع الأزهر: تقوى الله أمثل طريق للطمأنينة في الدنيا والآخرة
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "الاستعداد لشهر رمضان"
وقال الدكتور ربيع الغفير، إن تقوى الله أمثل طريق وأقوم سبيل للطمأنينة في الدنيا والسعادة في الأخرة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، لذلك يجب على المسلم الاستعداد لشهر رمضان، وأجلُّ ما يستقبل به هذا الشهر: سلامة الصدور، وطهارة القلوب، وتزكية النفوس، والسيرة لا تطيب إلا بصفاء السريرة ونقاء القلوب، لأنه لا يوجد أجلُّ من استقبال مواسم الطاعات بتوبة صادقة نصوح لله جل وعلا، فيستقبل هذه المواسم، وقد أقلع وتخلَّى عن ذنوبه ومعاصيه التي لطالما قيَّدته، وحرمته من كثير من الطاعات والحسنات ومن أبواب الخيرات.
وأوضح خطيب الجامع، أنه يجب على كل مسلم أن يحرص على ألَّا يدخل عليه رمضان إلا وهو طاهرٌ نقيٌّ، فإن رمضان عطر، ولا يعطر الثوب حتى يغسل، وهذا زمن الغسل، فاغتسلوا من درن الذنوب والخطايا، وتوبوا إلى ربكم قبل حلول المنايا، واتقوا الشرك فإنه الذنب الذي لا يغفره الله لأصحابه، واتقوا الظلم فإنه الديوان الذي وكله الله لعباده، واتقوا الآثام، فمن اتقاها فالمغفرة والرحمة أولى به، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾.
وحث خطيب الجامع الأزهر المسلمين على السباق في ميادين الطاعات، ومضمار القربات؛ ليدخل شهر رمضان وقد تهيَّأ العبد تهيئةً إيمانيةً، فيدرك من حلاوة الصيام ولذة القيام ما لا يقدر قدره، فإن قلوب المؤمنين تترقب بلهفةٍ ذاك الشهرَ العظيم، والضيفَ الكريم، الذي يرونه نعمة كبرى، وهبةً عظمى من الرب الكريم، لهذا كان السلفُ -رضي الله عنهم- يجعلون دخول شهر شعبان للاستعداد المبكّر لاستقبال رمضان، حتى لا يدخل عليهم الشهرُ الفضيل إلا وقد روّضوا أنفسَهم على ألوانٍ من الطاعات والقُربات، فشهر شعبان بمثابة الفترة التدريبية التي تسبق دخول مضمار السباق، والبوابةَ الممهِّدة للدخول في السباق الأخروي، فالخيل التي لا تُضمَّر ولا تَتَدرب؛ لا تستطيع مواصلة السباق وقت المنافسة كما ينبغي، بل قد تتفاجأ بتوقّفها أثناء الطريق.
وأضاف أن العاقلُ من عرف شرف زمانه، وقيمة حياته، وعظّم مواسمَ الآخرة، واستعد لهذا الزمن العظيم من الآن، وهيأ قلبَه ليتلقى هبات الله له بقلب سليمٍ، متخفِّف مما ينغّص عليه التلذذ بالطاعات، كأن يجتهد الإنسان في إنهاء ما قد يشغله في رمضان من الآن، وأن يتدرب على بعض أعمال رمضان كصيام ما تيسر من أيام شعبان، وأن يزيد قليلاً على نصيبه المعتاد من صلاة الليل، وأن يزيد قليلاً على وِرده الذي اعتاده من القرآن.
وفي ختام الخطبة أكد الغفير، أهمية التدرب على تلاوة القرآن الكريم في شعبان، كما أن من أعظم ما يعين على تهيئة النفس لرمضان: كثرةُ الدعاء، والإلحاحُ على الله تعالى في أن يبارك له في وقته وعمره، وأن يبارك له في شعبان ورمضان، وأن يجعله في رمضان من أسبق الناس إلى الخير؛ فإن العبد مهما حاول فلا توفيق ولا تسديد إلا بعون الله وتوفيقه، والعبدُ مأمورٌ بفعل الأسباب، واللهُ تعالى كريم، لا يخيّب مَن وقف على بابه، وفعل ما بوسعه من الأسباب.