عن أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِى مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْى عَنِ المُنْكَرِ» متفق عليه.
قصة هذا الحديث أن النبى عليه الصلاة والسلام حذَّر أصحابه من الجلوس فى الطرقات بغير داعٍ أو مصلحةٍ حتى لا يكون الإنسانُ عائقاً فى طريق الناسِ، وسبباً فى التضييق على المارَّة فى طريق سيرهم، فما كان من الصحابة الكرام إلا أن أبدوا عذرهم فى ذلك، بأن مصالحهم وأمور معاشهم ترتبط فى بعض الأوقات بالجلوس فى الطرقات كبيع وشراء وانتظار لحاجة تتعلق بأمور معاشهم، فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن وجههم إلى التزام آداب الطريق طالما أنهم لا يستطيعون ترك ذلك طالما أن الحاجة ماسة لجلوسهم فى الطرق، وبيّن لهم جواز جلوسهم طالما التزموا بالآداب والأخلاق والسلوكيات الحميدة، وحذرهم عليه الصلاة والسلام من ترك الآداب المتعلقة بذلك، كما حثهم على ضرورة مراعاة تلك الآداب، حرصاً على سلامة الناس من كل ما يضرهم حساً ومعنى، فالناس شركاء فى طرقهم التى يسيرون فيها، فكان لهذه الطرق من الحقوق والواجبات التى تحفظ على الناس سلامتهم وأمنهم وتيسير معاشهم، كما أن الالتزام بهذه الآداب يُديم الألفة والمودة بينهم، ويمنع وقوع الأذى، وتطاول الناس على بعضهم باللسان واليد مما يجلب الشحناء والبغضاء بينهم، وأهم هذه الآداب: أن يغض الإنسان بصره عن مطالعة ما لا يحل له، فغض البصر قد جاء الأمر به فى قول الله تعالى «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...» [النور: 30، 31] فالإنسان مسئول يوم القيامة عما رأى وأبصر «إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً» [الإسراء: 36].
ثم وجه صلى الله عليه وسلم إلى كف الأذى، ويشمل النهى عن كل ألوان الإيذاء، ومن ذلك الأذى بالقول أو الفعل أو الإشارة أو حتى مجرد النظر الذى يمتلئ غيظاً وقسوة. وأيضاً منه أذى الناس فى طرقهم التى يسيرون فيها سواء على أقدامهم أو بالسيارات، فينبغى ألا يقوم بتعطيل إشارة مرور، أو التسبب فى إيذاء المارة كالتبول فى الطرق العامة، أو إلقاء القمامة، أو تلويث الماء، فينبغى ألا يكون الإنسان سبباً فى إزعاج الناس فى طرقهم، بل عليه أن يميط الأذى عن الطريق كما قال صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الَّذِى يَتَخَلَّى فِى طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِى ظِلِّهِمْ» رواه مسلم.
وقال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «بَيْنَمَا رجل يمشى بطرِيق وجد غُصْن شوك فَأَخَّرَهُ فَشكر الله لَهُ فغفر الله لَه»، وَفِى رِوَايَة لمُسلم، قَالَ: «لقد رَأَيْت رجلاً يتقلَّبُ فِى الْجنَّة فِى شَجَرَة قطعهَا من ظَهْرِ الطَّرِيق كَانَت تُؤذى الْمُسلمين».
ومن الآداب أيضاً ردُّ السلام، حيث إن إفشاء السلام فيه إشاعة ونشر لثقافة السلام بين المجتمع وأفراده، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ﴾ [النساء: 86].
ومن آداب الطريق أن يكون الإنسان حسن الكلام، لا يقول إلا خيراً، فينصح المارة والجالسين فى الطرق إذا وجد أن الأمر يحتاج إلى نصح وتوجيه وإرشاد، فإذا ما وجد إنساناً يتلفظ بألفاظ خادشة للحياء، أو يتلفظ بكلمات سُوقية فعليه أن يوجهه إلى خطأ هذا التصرف، أو أن يجد إنساناً يعتدى على إنسان بالضرب أو الشتم أو التنمر، فينبغى نصحه باللين واللطف وتوجيه مثل هؤلاء إلى أن يقولوا للنَّاس حُسناً، فذلك من علامات، وأمارات الإيمان بالله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخارى ومسلم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سماحة الإسلام حق الطريق صلى الله ع فى الطرق ى الله ع
إقرأ أيضاً:
الخداع تحت غطاء الصداقة وخيمة الثقة !
قد لا تتخيل يومًا أن يصدمك صديق أو عزيز عليك بخدعة محكمة، قد لا يكون من بني جلدتك لكنه تودد إليك ليصل إلى مكانة عظيمة في قلبك، فكثيرًا ما تحدثك نفسك: "ربّ أخٍ لك لم تلده أمك".
المخادع قد لا يكون غريبًا أو بعيدًا عن محيط حياتك، فمن الممكن أن يكون من أقرب الناس إليك. لن نُسمِّي أسماء أو نقرب علاقة الدم والنسب، لكن نذهب إلى الصدمات التي يمكن أن تتوالى إذا ما جدَّدت الثقة في ذلك الشخص مرة أو مرات عدة.
قد تتوالى الأخطاء، وتظن في كل مرة بأنك قد تعلَّمت من الدروس الماضية، لكنك تكتشف مع مرور الوقت مجرَّد شخص يعيش الوهم ويكذب الكذبة ويصدقها، فالأخطاء تُرتكب ثانية وثالثة وعاشرة.
في سياق الخيانة بأنواعها، برع الحكماء في وصفها، وخرج إلى العلن مجموعة وفيرة من الحكم والمواعظ التي تلامس جراح المخدوعين، وتجعلهم يفتحون جراحهم أمام الآخرين كنوع من التنفيس عن النفس أو لأخذ العبر والتنبه والحذر.
ومن صدق ما قيل: "مع كل ضيق أصبحنا نخسر صديق"، والبعض يرى بأن الغدر والخيانة من الصديق هي أشد من ألف طعنة سيف قاطع، وعندما يتحدث البعض عن الصداقة فإنه يؤكد بأنها سفينة مبحرة يحركها الوفاء، ويغرقها فعل الغدر والخيانة. والصداقة هي أيضًا صخرة قوية لا يحطمها إلا مطرقة الغدر. وقيل قديمًا: "احذر عدوك مرة، وصديقك ألف مرة".
ومع توالي الأحداث والمواقف، سوف تثبت لك الأيام حقيقة ربما كنت يومًا تجهلها، لكن طعمها المُر هو من يجعلك تستفيق من غيبوبة الابتسامات الجميلة والأقنعة التي تُخفي وراءها الوجوه القبيحة، لتؤكد لكل من يُحدثك عن الخيانات بأنه "لا يجب عليك أن تخاف من غدر الأعداء، بل احذر من غدر الأصدقاء، فإنه أقوى وأصعب على العقل والروح".
يتصوَّر البعض بأن طريق خداع الآخرين، سواء الأصدقاء أو غيرهم، هو جزء من الفهم الخارق للعادة، فمن فكرة إلى أخرى يتيقن البعض بأنهم قادرون على أخذ ما بيد الآخرين من أشياء بطرق ملتوية ومبتكرة. لكن الواقع هو أن الزمن يُثبت لك مدى تفاهة تفكيرهم.
البعض يكف يده عن الإنفاق وإعطاء الناس حقوقهم، ويعتقد بأنه بذلك يوفر للمستقبل أو أنه قادر على إقناع الغير بأنه غير مستحق للعطاء، أو يمكنه أن يظلم وقتما يريد، فما "يدخره البخيل يأكله النصاب".
البعض يعلّق أموره على حبال الوهم، ويعتقد بأن كل الناس من حوله أشخاص مسالمون مدركون لخطورة أفعالهم وسوء نواياهم، لكن الحقيقة أن البعض يُقبل على المحرَّمات دون أن يفكر ولو لثوانٍ معدودة بأن كل ما يفعله سيرُدّ إليه بصورة أو أخرى.
يخطئ من يعتقد بأن النصب أو الاحتيال أو الخداع أو الخيانة هي شطارة ومهارة لا يجيد فنونها سواه أو غيره من المحتالين. الصداقة أسمى وأشمل، ومن الملاحظ بأن الأصل الطيب يُنبت نباتًا طيبًا، ولا علاقة للصحبة أو الزمالة في أمر الخيانة بشيء.
هل العِشرة بين الناس سبب كافٍ لوقف سموم الخديعة والتعدي على الحرمات؟
لا أعتقد ذلك مطلقًا، بدليل أن أشخاصًا خُدعوا من زملائهم بعد سنوات من العِشرة الطيبة. لحظة التحول من الخير إلى الشر تأتي في غضون ثوانٍ معدودة، ينقلب حال البعض ويدخلون بوابات الضلالة دون أن يكون هناك سابق إنذار أو تجربة قديمة.
يشتكي بعض الناس من حالة الحسد والشحناء والبغضاء التي تنشب ما بين الأهل والأصدقاء والزملاء نتيجة حصول البعض على نعمة من الله، تسود القلوب وتتلوث الألسن بالكلام الجارح، متناسين ما ورد في الحديث الشريف عن يزيد بن أسد القسري قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتحب الجنة؟" قلت: نعم، قال: "فأحب لأخيك ما تحب لنفسك".
من لا يخاف الله، لا يهاب المحرَّمات، فما أكثر قضايا النصب وخيانة الأمانة في ساحات المحاكم، وبعض القصص مخزية للغاية، وتستغرب كثيرًا كيف حدثت؟ ولماذا حدثت؟
أعتقد بأن غياب الضمير، وضعف الإيمان، والتراخي في ارتكاب المحرَّمات هي جزء من الأسباب، فالخيانة صفة ذميمة، تعرض لها القرآن الكريم في خمس معانٍ مختلفة منها: المعصية، والذنب، ونقض العهد، وغيرها.