غزوة بدر الكبرى هى ثانى حدث استثنائى فى تاريخ الدعوة الإسلامية بعد الهجرة النبوية لانها كانت اول معركة عسكرية فاصلة بين طلائع الايمان وجحافل الكفر وصناديد الباطل فقد كان كفار قريش ثلاثة أضعاف المسلمين فمن الناحية النظرية هنالك تفاوت رهيب من حيث العدد والعتاد والخبرة الميدانية وهو ما يرجح منطقيا بهزيمة ساحقة للمسلمين هذه المعطيات الواضحة تسببت فى صراع نفسى معقد بين الخوف من اقتلاع الدعوة من جذورها ووأدها للابد وبين الامل واليقين بموعود نصر الله بجعل كلمة الحق هى العليا، بعدما فرغ القائد العسكرى من الأخذ بالاسباب الدنيوية لجأ إلى حلول السماء لذا تضرع النبى ودعا ربه دعاء المضطر الملهوف فاستقبل القبلة ثم مد يديه يهتف بخشوع الموقن بقدرة الجبار اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم آت ما وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض، فمازال يتوسل حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله قوله «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين».
فأمده الله بالملائكة المسومين وهنا يروى ابن عباس عن الصادق المصدوق أنه قال هذا جبريل أخذ برأس فرسه أداةُ الحرب ويشرح ذلك تقى الدين السبكى مع أن جبريل قادر على أن يهلك الجمع بريشة من جناحه فقلت وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للمؤمنين وتكون الملائكة مددا معنويا بان تلقى الرعب فى نفوس الكافرين وتطمئن وتثبت المستضعفين رعاية لصورة الأسباب وسنتها التى اجراها الله على عباده.
فكما انطوت معركة بدر على معجزة من أعظم معجزات التأييد والنصر للمسلمين، تجرى معجزة مشابهة على ارض غزة التى اهلها فى صبر لا ينقطع وعزيمة لا تنفد وإقدام لا حدود له. بالرغم من الحرب الظالمة تدخل شهرها السابع تحت عنوان الابادة الجماعية برعاية امريكية أطلسية مفضوحة يندى لها جبين البشرية يندد بها كل احرار العالم من كل الاديان والاعراق بعدما وصل حجم الدمار الشامل إلى مستوى لم يسبق له مثيل فقد وصف تقرير وول ستريت جورنال الاخير بأن إسرائيل أسقطت 29 ألف قنبلة، دمرت ما يقارب 70% من المنازل بالقطاع فهى أكثر الحملات الاجرامية تدميرا فى التاريخ الحديث ويثبت ذلك حجم الدمار المروع فى القطاع البائس فى شهور قليلة أكبر من الذى أحدثه قصف الحلفاء على المدن الألمانية لعدة سنوات. ولم تتوقف المأساة على البنية التحتية فقط بل وصل الحقد الأسود لجريمة العقاب الجماعى الذى وصل بحرمان اكثر من 2 مليون انسان معظمهم من الاطفال والنساء من ابسط مسببات الحياة كالماء والدواء والغذاء فقد كانت جميع المساجد التى يزيد عددها على 1000 مسجد تقريبا بمثابة حجر زواية لمجتمع اللاجئين فى المخيمات تقوم بجمع الصدقات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين قد دمرت بشكل كامل أو جزئى بالاضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية 10 أضعاف مستوياتها قبل الحرب. ولا توجد حتى سيولة نقدية لشراء المتاح فى الأسواق وتقترب غزة من حافة كارثة المجاعة مع انهيار كامل لكافة الخدمات الأساسية وذلك هدف اولئك البرابرة الطغاة بجعلها منطقة غير قابلة للحياة الادمية لعقود حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر لكن هيهات هيهات لما توعدون.
يتحرى المسلمون ليلة القدر فى الليالى العشر الاخيرة الوترية وقد يختلفون على ميعادها لكن لولا الأدب مع الله لقلت أن من يريد مكان ليلة القدر هذا العام سيجدها فى أطلال غزة بين البيوت المدمرة والشوارع الدامية والمخيمات المكتظة بالثكالى والجرحى والايتام والجياع ومع ذلك ستجد وجوههم ناضرة إلى ربها ناظرة ترجو رحمته ونصره وكلهم يقين فى وعده الخالد.
«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: غزوة بدر
إقرأ أيضاً: