د. يوسف عامر يكتب: نبذ التخاصم والتشاحن
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
فى هذه الأيام المباركات -العشر الأواخر من رمضان- يتلمس المسلمون ليلة القدر التى أنزل الله تعالى فى شأنها سورة كاملة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1 - 5].
وترتبط هذه الذكرى فى نفوس المسلمين وقلوبهم بطهارة القلوب، ليس فقط لأنها موسم من مواسم الخير التى ينبغى أن يتهيأ فيها القلب للأنوار، والقلوب أوعية إما أن تملأ بالنور أو تكون محلاً لسواه! وإنما لأن فرص الخير قد تفوت المرء إذا انشغل بشىء من التخاصم والتشاحن.
وقد جاء فى السُّنةِ ما يؤيدُ هذا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «تُفتحُ أبوابُ الجنةِ يومَ الِاثنينِ والخميسِ فيغفرُ لكلِّ عبدٍ لا يُشركُ باللهِ شيئاً إِلَّا لعبدٍ بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناءُ، فيقولُ: أَنظِرُوا هذينِ حتى يصطلحَا» [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إنَّ اللهَ لَيطلعُ ليلةَ النصفِ مِن شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خَلقِهِ إِلَّا لمشركٍ أو مشاحنٍ» [رواه ابن ماجه].
وقد ورد ما يؤيد هذا المعنى وهو خاص بليلة القدر، فقد خرج سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخبرُ بليلةِ القَدرِ، فتَلَاحَى [تَنازَعَ وتخاصَمَ] رجلانِ مِن المسلمينَ، فقال: «إنى خَرجتُ لِأخبرَكُم بليلةِ القدر، وإنه تَلاحَى فلانٌ وفلانٌ، فرُفعَتْ [أى نُسيّتُها]، وعسَى أنْ يكونَ خيراً لكم، التمسُوها فى السبعِ والتسعِ والخمسِ» [رواه البخاري]. إنَّ التنازعَ والتخاصمَ والتشاحنَ والبغضَ كلّها أمورٌ تحجبُ صاحبَها عن نفحاتِ اللهِ تعالى، فإذا أراد المسلمُ أن يُوفّقَ لمواسمِ الخيرِ التى مِن أفضلِهَا وأكرمِها على اللهِ تعالى ليلةُ القدرِ فعليهِ أنْ يُطهرَ نفسَهُ مِن التنازع والتشاحن والتخاصم.
وقد يتساءلُ البعضُ: لم إذِنْ قال صلى الله عليه وسلم: «وعسَى أنْ يكونَ خيراً لكم»؟! وهل فى مِثلِ هذا خيرٌ؟!
نقول: نعم فى هذا خير كثيرٌ...، وبوسعنا أن ندرك طَرَفاً من هذا الخيرِ بقليلٍ من التأملِ، فهذه الحادثةِ عرفَتْ منها الأمةُ كلُّها مدى أثَرِ التشاحنِ والتنازعِ فى حجبِ الإنسانِ عن الخيرِ، ففى هذا دعوة لتطهير الإنسان نفسه، ولمنع التخاصم بين الناس، ودعوة للتحاب والتآلف، وفى هذا خيرٌ لا يُنكرُ للمجتمعِ كلِّه.
كما أنَّ فى هذا خيراً من جهةٍ أخرَى، أَلَا وهى الاجتهاد فى سائرِ أيامِ الشهرِ الفضيلِ، وفى زيادةِ الاجتهادِ زيادةُ البركةِ والنورِ والخيرِ والثوابِ ودوامِ التحلِّى بالفضائلِ والتخلِّى عن الرذائل، وهل مِن شكٍّ فى أنَّ هذا خيرٌ عظيمٌ؟!
وها هو سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرشد الأمة إلى مظانِّ هذه الليلةِ، فيقول صلى الله عليه وسلم: «التمسُوها فى السبعِ والتسعِ والخمسِ»، أى: التمسوها فى الليلةِ التاسعةِ والعشرينَ، وفى الليلةِ السابعةِ والعشرينَ، وفى الليلةِ الخامسَةِ والعشرينَ من شهرِ رمضان.
والتماسُ ليلةِ القدرِ فى هذه الليالى وفى غيرِها يستدعى مِن كلِّ مسلمٍ مزيداً من العبادة لله تعالى والإقبال عليه سبحانه، فهو أيضاً يَستدعى مزيدَ تَنزّهٍ عن الشحناءِ والتخاصمِ والتنازعِ، وإلى مزيدٍ من التحابِّ والتآلفِ والتوادِّ والتراحمِ.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر العتق من النار صلى الله علیه وسلم هذا خیر فى هذا
إقرأ أيضاً:
الزكاة.. حق لا يقبل التأخير
حثّ الله تعالى على المسارعة إلى الخيرات، والمبادرة في أداء الطاعات والعبادات، لننال أعلى الدرجات، ونحصل على أعظم الأجور والهبات، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، ومن تلك الأعمال والواجبات إخراج الزكاة، قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين).
والزكاة مِن العبادات التي متى ما توفرت شروطها وانتفت موانعها، وجب على المكلَّف بها المبادرة بإخراجها، وعدم تأخيرها، لأنها حق يجب صرفه لمستحقيه فوراً، فإن أخّرها بغير عذر، ولغير حاجة أَثِمَ، لقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) وَالْأَمْر عَلَى الْفَوْرِ.
فالمبادرة في إخراج الزكاة في وقتها، ومن دون تأخير أسلمُ للمكلَّف، لأن التأخير يجرّ عليه آفات وتبعات من جراء تراكم الواجبات، فيستثقل إخراجها، ويعجز عن النهوض بها، والله يقول: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، وقد يعاجله أجلُه قبل إخراجها في وقتها، فيكون قد قصّر في أداء ركن من أركان الدين، ويعتبر من الكانزين الذين قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
ولا يعتبر تأخيرها لإدراك فضيلة الوقت مسوغاً شرعياً، كأن يحين وقت إخراجها فيؤخرها لشهر رمضان أو لغيره من الأيام الفاضلة، فإنّ أفضل وقت تدركه فيه الزكاة هو وقت وجوبها، فلا يجوز تأخيرها عنه.
فبادر يا من وجبت في ماله الزكاة بإخراجها فوراً، من غير تسويف أو تأخير، لقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ».
ولا بأس أن يخرج المرء زكاته بنفسه، أو عن طريق من يوكّله، من الجهات المختصة في الدولة التي تعمل في خدمة فريضة الزكاة، وصرفها على مصارفها، لتعزيز السعادة والتلاحم المجتمعي.. إذ إنَّ المسارعة في العبادات دليل على رجاحة العقل وسلامة الدين، ومن تلك العبادات فريضة الزكاة التي لا يجوز تأخيرها عن وقتها. والزكاة بركة ونماء للمال، ينمو بها المال ويكثر ولا ينقص، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وعن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» قَالَ: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ...»، وهي حصن منيع تحفظ المال من التلف والضياع، فقد ثبت في الحديث أن الملائكة تدعو كل يوم للمتصدقين والمنفقين بالنماء والبركة، وللممسكين بالتلف والضياع، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ، أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهُمَّ، أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».
أثر كبير
للزكاة أثر كبير على الفرد والمجتمع، فعلى مستوى الفرد نجد أثرها في تزكية نفسه وتطهيرها من البخل ومن الطمع وغيرها من الأمراض، قال جلّ في علاه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، وعلى مستوى المجتمع نجد أثرها في تحقيق الموازنة في المجتمع، وسد حاجة الفقراء والمساكين، وهي سبب لنزول الرحمة على المجتمع ككل، قال سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).