د. مختار محمد عبدالله يكتب: الصيام في كتاب الله تعالى
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
إنها مناسبة كريمة يقول عنها الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (سورة البقرة الآية: 183)
هذا النداء العظيم نداء الحبيب الأعلى سبحانه وتعالى لأحبابه الكرام من المؤمنين الذين رضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً، الله تعالى ينادى على عباده المؤمنين فيقول (يا أيها الذين آمنوا) أى يا من آمنتم بالله إليكم هذا الخبر السار، إليكم هذه المناسبة التى كلها فرح وكرامة من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، كتب عليكم الصيام أى: فرض عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أى: كما فرض على الأنبياء السابقين لسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأقوامهم.
نفهم من هذا أن الصيام كان مفروضاً على الأنبياء السابقين كسيدنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، عليهم السلام وغيرهم من الأنبياء.
يقول سيدنا معاذ رضى الله عنه وهو أعلم الأمة بالحلال والحرام: والعبرة هنا بأصل الصوم لا بأشكاله وصوره وفروعه والمعنى: أن الصوم فرض على الأمم السابقين من قبلنا باعتبار أنه صوم إنما الكيفية والأيام تختلف عن شريعة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم.
هذا باب يفتح المنافسة لعباد الله المؤمنين الذين يريدون أن يسابقوا إلى رضوان الله تعالى ليس فقط فى أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بل حتى فى الأمم السابقة من قبلنا.
هذا باب الصائمين قد فتح فى هذه الأيام المباركات التى يقول عنها النبى صلى الله عليه وسلم (إذا كان أول ليلة فى شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادى منادٍ: يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر.) (رواه الإمام الحاكم فى المستدرك)
هذا الشهر الكريم الذى نستلهم خيره ونتنسم عبيره من تقوى الله يخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان أول ليلة من رمضان ماذا يحدث يا رسول الله؟ الرسول هنا سيفصح عن صفحة من صفحات الغيب، عن أمر لا يعلمه أحد إلا من خلال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أن أول ليلة من رمضان المبارك تغل الشياطين وتسلسل وتقيد وتضعف وسوستها أو تنعدم،
وتفتح أبواب الجنة وفى هذه الليلة المباركة يحدث أمر عظيم فى السماء قد يغفل عنه أهل الأرض، والنبى صلى الله عليه وسلم يعلمنا ما الذى يحدث فى السماء (فتحت أبواب الجنة) يبشر النبى أمته بأن هذه الليالى المباركة تفتح أبواب الجنة المليئة بالملائكة والنعيم والخيرات والبركات وكأنها عروس تزف إلى خطابها يفيح عبيرها لعباد الله الذين يصومون ويصونون صومهم ويحفظونه. وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، والحمد لله على هذه البشرى بانزواء جهنم وإغلاق أبوابها فهذه أيام الجنة أيام الطاعة أيام مناجاة الله تعالى، إنه موسم الخيرات وموسم البركات وموسم رفع الدرجات عند رب الأرض والسماوات سبحانه وتعالى. ونادى مناد من قَِبَل الرحمن: أن يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، هذا أوان الذين يبغون الخيرات، الذين يقومون لله بالأسحار من المؤمنين والمؤمنات، هذا أوان عودتنا جميعاً إلى الله تعالى
قال العلماء فى معنى الصوم: هو حفظ النفس عن الطعام والشراب والشهوة المباحة فى نهار رمضان وصون الباطن عن ارتكاب المحرمات.
ويقول الإمام القشيرى رحمه الله تعالى (من شهد الشهر صام لله، ومن شهد خالق الشهر صام بالله، فالصوم لله يوجب المثوبة، والصوم بالله يوجب القربة. الصوم لله تحقيق العبادة والصوم بالله تصحيح الإرادة. الصوم لله صفة كل عابد والصوم بالله نعت كل قاصد. الصوم لله قيام بالظواهر والصوم بالله قيام بالضمائر. الصوم لله إمساك من حيث عبادات الشريعة والصوم بالله إمساك بإشارات الحقيقة، من شهد الشهر أمسك عن المفطرات ومن شهد الحق أمسك فى جميع أوقاته عن شهود المخلوقات. من صام بنفسه سُقِى شرابَ السلسبيل والزنجبيل، ومن صام بقلبه سُقِى شراب المحاب بنعمة الإيجاب. ومن صام بِسِرِّهِ فهم الذين قال فيهم الله تعالى «وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً» (سورة الإنسان: 21) شراب يا له من شراب!! شراب لا يُدار على الكف لكنه يبدو له من اللطف. شراب استئناس لا شراب كأس.
أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الصيام القرآن شهر رمضان صلى الله علیه وسلم أبواب الجنة الله تعالى من شهد
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: أوروبا المنكسرة (سلطة الأم أم سلطة الأب)
تتحول أوروبا لتصبح هامشاً على المتن الأميركي، وتفقد بهذا دورها الأخلاقي والحضاري مما يجعل الثقافة الأوروبية ذات العمق الفلسفي تتحول إلى هشاشة فكرية، حيث تتأمرك في لغتها ومصطلحاتها ومفاهيمها، حتى اللغة الإنجليزية تحولت لتكون (إنجليزية أميركية) في مفرداتها وفي سياقاتها، وكل أوروبا مع اتحادها المعلن رسمياً لكن اللغة التي تمثل خطاب الاتحاد الأوروبي ليست لغة أي دولة عضو في الاتحاد بل اللغة الجامعة هي الإنجليزية ولكن بصيغتها الأميركية تحديداً أي لغة أميركا، ويتبع ذلك كون أميركا هي التي تدير الشأن الأوروبي، عبر القيادة العسكرية (الناتو) وعبر النظرية الاقتصادية بصيغة الليبرالية الجديدة والرأسمالية والسوق الحرة، قاضيةً على بقايا الاشتراكية الاجتماعية، سواء اشتراكية حزب العمال البريطاني أو سائر الاشتراكيات التي سادت أوروبا الغربية في الستينات وما بعدها لدرجة أن تفاخرت مارجريت ثاتشر بتحويل حزب العمال البريطاني لحزب غير اشتراكي، وجعلت هذا الحزب مفخرةً لها، حيث أشارت إلى ما سمته العمال الجديد (نيو ليبار) حين سئلت عن أهم منجز حققته، وانزاح قانون التأميم من ميثاق الحزب، وحلت محله السوق الحرة، وهو نتيجة لتدشين ثاتشر مع ريجان نظرية الليبرالية الجديدة، فاختار حزب العمال ركوب موجة الوسط السياسي والاندماج مع نظريات السوق الحرة، وهذا ما جعل ثاتشر زعيمة المحافظين حينها تفاخر بقضائها على نظرية حزب العمال الاشتراكي وتحويل الحزب للوسط ليسير مسار التحول الرأسمالي. وبهذا تم القضاء على آخر الصيغ الأوروبية الاقتصادية التي كانت توازن بين رأس المال والاشتراكية الاجتماعية، وتبع ذلك اكتمال الأمركة حيث الخضوع لأميركا بوصفها المستعمر الناعم الذي لا يحتل الأرض بجيوشه ولكنه يحتل العقول واللغة والاقتصاد، ويتحكم بالقرار العسكري والقرار الاقتصادي، ومعهما القرار الثقافي وهوية الأمركة، وتظل أوروبا تمعن في الغرق خارج معناها دون بارقة بوعي تحرري، وهذه مهارة سلطة الأم وهي سلطة ناعمة تختلف عن السلطة الأبوية الخشنة.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض