الوطن:
2024-11-14@03:18:48 GMT

د. عاصم عبدالقادر يكتب.. التصوف في مواجهة التشدد

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

د. عاصم عبدالقادر يكتب.. التصوف في مواجهة التشدد

يجد البعض حساسية فى الحديث عن التصوف الإسلامى، وإذا ما وجد فى نفسه داعية الحديث أو ألجأته الحاجة إلى الكلام عنه حام حوله دون أن يذكره باسمه المصطلح عليه فيقول مقام الإحسان أو علم السلوك أو التزكية أو غير ذلك، من الأسماء فى محاولة منه أن يكون بمأمن من النقد أو التصنيف أو غير ذلك.

ولعل السبب فى ذلك هو الخلط والاضطراب فى فهم المصطلح أو عدم تحرير معناه على الوجه الأمثل، أو الصورة الذهنية السلبية التى صُنعت بليل وتم الترويج لها بفعل فاعل أو بسبب تراكم بعض الأخطاء التى تقع من بعض منتسبيه.

والتصوف، بعيداً عن المصطلحات التى جاءت فى بطون الكتب المعنية بهذا الأمر، يدور حول معنى هو الأسمى وهو المراد، وهو تهذيب النفس الإنسانية وتزكيتها والعكوف على إصلاح خللها وضبطها على منهج الوحى الصادر عن الله ورسوله.

وإن أكثر ما يؤرق الخطاب المتطرف هو خطاب الرحمة الذى يفيض من جنبات الشرع الشريف فى أوامره ونواهيه الصادر عن النفوس الزكية المتجردة لله ورسوله والتى أبانت عن أن خطاب التشدد والكراهية لم يكن يوماً ما خطاباً إلهياً أو نبوياً معصوماً، بل خطاب عقول متحجرة ونتاج أفئدة مظلمة لم تتلمس مكامن الرحمة والنور فى نصوص الشرع الشريف، ففهمت الشىء على هواها، وبلَّغت عن الله ورسوله غير مراده، وتسلَّطت بفهم سقيم خارج عن قواعد العلم والأدب وحسن الظن، وغالت فى الأمر، فمنحت بعض خلق الله صك الإيمان، بينما حجبته مُخالفها، ورمته بكل منقصة، واغتالته معنوياً بوصمة الكفر والشرك والابتداع.

وقد لمح النبى ما قد يقع من بعض أفراد هذه الأمة فأخبرهم بأن الدين يسر وأنه لن ينازع الدين أحد إلا صرعه وغلبه، كيف لا وهو الذى قال لأصحابه وللأمة من بعده (بعثت بالحنيفية السمحاء)؟! ولم يقف الأمر عند هذا الإخبار، بل تعداه إلى الأمر الصريح الواجب النفاذ حين خاطبهم وخاطبنا معهم (بَشِّروا ولا تُنفِّروا ويَسِّروا ولا تُعسِّروا) و(إن خير دينكم أيسره) و(إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة).

وقد حسم النبى أمر الإيمان والكفر، وأخبر -وهو المعصوم- أنه ما خاف على أمته الشرك بقدر ما خاف عليهم من أمر الدنيا، لكن قُطاع الطريق على السالكين عقدوا الأيمان على تعكير صفو حياة الناس، فما من مناسبة إلا تركوا ما فيها بمن فيها وتفرغوا للقدح، فلهم فى كل حدث وقفات، وبات عندنا قضايا موسمية تتجدد بتحدد المناسبات الدينية والاجتماعية والوطنية، وأصبحت فى مواجهة عقول لم تعرف من الدين إلا رسمه، ولم تفقه عن الله مراده، وإذا ما حاججتَهم بمعاييرهم زاغوا وراغوا منك كما يروغ الثعلب.

إننا ننشد التصوف الراشد القائم على العلم والعمل، المتسق مع الفهم الصحيح لخطاب الشرع الشريف الذى لم يحرّف ولم يبدّل، وإنما يحقق مقاصد الشرع ويراعى مصالح العباد ويستخرج من النصوص ما يرفع الحرج عن الأمة التى بات واقعها متغيراً نظراً للتحولات الاجتماعية والمتغيرات الإقليمية والدولية، حيث يجب على الإنسان أن يتفاعل مع أحداث الحياة السريعة فى أخذ ورد وفى تناغم من غير تصادم.

لم يبق أمامنا إلا التصوف الراشد بأدبياته وما يرسخه فى الإنسان من سلام مع الإنسان وسائر الأكوان بعدما فشلت حركات الاستبداد والاستعلاء بالإيمان فى طرح خطاب راشد يعمل على المشترك وينحِّى المختلف فيه.

لقد كشفت الأيام لنا أننا أمام مدرستين، مدرسة تربى أبناءها على الانكسار لله وخفض الجناح لعباده، أحد أدبياتها ما ترجمه ابن عطاء الله السكندرى فى حكمته «ادفن نفسك فى أرض الخمول، فما نبت مما لم يُدفن لا يتم نتاجه»، وبين مدرسة تُلقن صغارها وهُم فى المهد «أنت أستاذ هذا العالم وسيده»، فينتفخ الصغير كبراً وصلفاً، ويتعالى على عباد الله فيشبّ وقد رأى أنه هو ولا شىء غيره، فإما أن تكون من بنى جلدته وحزبه، وإما أن تكون فى مرمى الإقصاء والسب والاغتيال المعنوى، بله القتل والسفك بلازم فهمه السقيم، وبدعوى إقامة الحق وتمكين الشرع، والحق والشرع من هذا كله براء.

لقد سادت الأمة بفهم علمائها من فقهاء ومُحدثى الصوفية، فدونكم الشاذلى وابن عطاء الله وزكريا الأنصارى والدردير وغيرهم ممن لا يقع ذكرهم تحت حصر، حيث العلم والعمل والمشاركة فى أحداث الحياة وصناعة الإنسان والبنيان فى قناعة بأن المنهج الحق هو التعمير لا التدمير، وهو الإنارة لا الإثارة، وهو الرحمة لا التشدد.

عندما غُيِّبت هذه المعانى وغُيِّب التصوف وغُيِّبت معه مناهج التزكية التى كانت قرينة علوم الشريعة، والتى يمتاح جميعها من معين واحد، أطل التطرف برأسه، وسكن الرؤوس، وعشعش فى القلوب، وغزا كل المستويات والشرائح الاجتماعية المختلفة من دون تفرقة.

نعم، غاب التصوف فظهر التشدد، وظهرت معه أدواته من انغلاق الفهم وضيق الأفق وضبابية الرؤية وعدم النظر فى مآلات الخطاب، وتنحَّى النفَس المحمدى الرحيم الذى يفيض حناناً وشفقة بالخلق، فنتج عن ذلك تعطيل لمقاصد الشرع، وتضييق على مصالح العباد، وفهم الأمور على غير مرادها، وفهم الوحى على غير مقاصده، وانتقلنا من محل النزاع، وتصدَّر للبلاغ عن الله من ليس أهلاً، وفُهمت النصوص من غير تمكُّن من أدواتها -كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح- وانتُزعت بعيداً عن سياقاتها ولم ينظروا فى سباقها ولحاقها ومساقها، وجعلوا الظنى فى مقام القطعى، والقطعى محل الظنى، وسحبوا مسائل الفقه المتفق عليها الدائر الحكم فيها بين الجواز وعدمه والحِلِّ والحُرمة إلى مسائل العقيدة التى تدور حول الإيمان وعدمه، فضاعت مفاتيح النصوص، وأبت النصوص أن تفيض بمكنونها، فصرنا إلى حال بئيس نحتاج إلى فيض مدد إلهى يُخرجنا من هذه الكبوة.

إن الأمة بحاجة إلى إحياء فقه التصوف الراشد وتحويله إلى سلوك يسرى فيها كما يسرى الماء فى الورد فنستعيد الخطاب المحمدى الرحيم بما يحمله من حنان وشفقة تنعقد معه الجمعية بين الحق والخلق فى إقرار وإذعان بأن العبد عبد والرب رب مستوجب للعبادة فتتجلى عطاءاته وفيوضاته على عباده، فاللهم أدركنا واسلك بنا سبيل عبادك الذين منحتهم حُسن الفهم عنا فكانوا لك وكنت لهم ولياً ونصيراً.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: التصوف التسامح اليسر التشدد عن الله

إقرأ أيضاً:

حزب الله: قادرون على مواجهة إسرائيل العاجزة عن احتلال قرية رغم العدوان

أكد مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف أن المقاومة ما زالت تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة والصواريخ، وأن الجيش الإسرائيلي عاجز حتى الآن عن احتلال أي قرية لبنانية رغم مرور أكثر من 50 يوما على العدوان.

وفنّد عفيف في كلمته بمناسبة يوم شهيد حزب الله، الادعاءات الإسرائيلية بأن مخزون حزب الله من الصواريخ تراجع بنسبة كبيرة، مشيرا إلى أن قصف المقاومة لضواحي تل أبيب وحيفا والجولان وعمق الكيان الصهيوني يثبت عكس ذلك.

وأكد أن مجاهدي حزب الله في الخطوط الأمامية لديهم ما يكفي من السلاح والعتاد لخوض حرب طويلة على كافة الجبهات.

وفيما يتعلق بالحديث عن مفاوضات سياسية أو حراك سياسي أكد عفيف أن السبب الحقيقي والوحيد وراء ذلك سيكون هو ميدان المعركة وصمود مقاتلي المقاومة فيه، بمعنى أن الحراك السياسي والمفاوضات، إن حدثت، ستكون نتيجة لما يجري على الأرض من مواجهة عسكرية وليس العكس.

وشدد عفيف على أن جيش الاحتلال لم يتمكن من بسط سيطرته حتى الآن على أي قرية لبنانية رغم محاولاته المستمرة، وأنه يعجز عن التقدم بريا بسبب المقاومة الشرسة التي يواجهها.

كما أشار إلى أن إسرائيل فشلت في إقامة معسكرات جديدة داخل الأراضي اللبنانية على غرار ما كانت تفعله سابقاً.

وحول علاقة الحزب مع الجيش اللبناني، أكد عفيف متانتها، معتبرا أن كلا من المقاومة والجيش يقومان بدورهما في حماية لبنان كل بطريقته وإمكاناته، وشدد على استحالة فصل هذه العلاقة رغم محاولات البعض زرع الفتنة بينهما.

حملات التشكيك

وفي إشارة إلى ما وصفها بحملات التشكيك التي تتعرض لها المقاومة، أكد مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله أن الحزب يدرك حجم الدمار والمعاناة التي يتكبدها الشعب اللبناني، لكنه يؤكد وقوف الناس خلف المجاهدين حتى تحقيق النصر، ورأى أن صمود أبطال المقاومة في الميدان هو المحرك الأساسي لأي حراك سياسي يبحث عن حل للأزمة.

ومن جهة أخرى، دعا عفيف خصوم حزب الله السياسيين في لبنان إلى تحمل مسؤوليتهم الوطنية وإدانة العدوان الإسرائيلي على لبنان، بدل التشكيك في نية المقاومة وتحميلها مسؤولية ما يحدث.

وطالبهم بالتوقف عن الحديث عن "حرب إسرائيل على حزب الله"، واعتبار ما يحصل عدوانا على لبنان وشعبه بأسره من الجنوب إلى الشمال.

وأشاد عفيف بتضحيات شهداء المقاومة، مشددا على أن محور المقاومة يسير نحو تحقيق انتصار تاريخي رغم حجم الخسائر والتضحيات، مؤكدا أن "ما يسطره المجاهدون من بطولات في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، سيغير المعادلات السياسية في المنطقة وسيحدد مصير لبنان والشرق الأوسط ككل في المرحلة المقبلة".

مقالات مشابهة

  • حكم الشرع في عدم القدرة على الوضوء
  • منتخب مصر ضد المغرب.. مواجهة صعبة على "شط القناة"
  • التوكُّلُ على الله في مواجهة أعداء الله وصعاب الحياة
  • عضو أمانة الوحدوي الناصري حميد عاصم يكشف أسباب توقف مشاورات السلام في اليمن
  • الشرع في ميزان العقل
  • أحمد الشيخ يكتب: لا تحاكموا وسام شعيب.. حاكموا المجتمع
  • رمضان عبد المعز: هذا الأمر من الجرائم البشعة فى الدنيا والآخرة.. فيديو
  • حكم الشرع في غسل الأواني التي لمسها الكلب
  • حزب الله: قادرون على مواجهة إسرائيل العاجزة عن احتلال قرية رغم العدوان
  • سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (2)