الوطن:
2025-04-29@04:41:45 GMT

د. سيد عبدالباري يكتب.. تزكية الأنفس وتقويم الأخلاق

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

د. سيد عبدالباري يكتب.. تزكية الأنفس وتقويم الأخلاق

إن عناية الإسلام موجّهة بالدرجة الأولى لتزكية النفس وتهذيبها، والمراد من تزكية النفس تطهيرها من نزغات الشر والإثم، وإزالة حظ الشيطان منها، وتنمية فِطْرة الخير فيها، ومتى حَصَلت فى النفس هذه التزكية غَدَت صالحة لغرس فضائل الأخلاق فيها، وتهذيب طباعها تهذيباً مُصلِحاً وكابِحاً ومُقوِّماً ومُوجِّهاً، وطبيعى أنه متى تزكت النفس وتهذبت طباعها استقام السلوك الداخلى والخارجى لا محالة، بخلاف توجيه العناية إلى تقويم السلوك الظاهر فقط، فإنه بناء على غير أساس.

وكل بناء على غير أساس عُرضة للانهيار، ولذلك كان نظر الله تبارك وتعالى فى مراقبته لأعمال عباده موجَّهاً لما فى قلوبهم ونفوسهم، ففى الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ»، ولذلك كانت قيمة الأعمال فى تقرير الجزاء عند الله تعالى على قدر قيمة نِيَّات العاملين لها، ففى الحديث المشهور: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».

وأبان القرآن أن من زكَّى نفسه فقد أفلح، وأن من دسَّى نفسه، أى: غمسها فى أدناس الكفر والمعصية، فقد خاب، فربط الفلاح بتزكية النفس بالإيمان والتقوى، وربط الخيبة بِتَدْنِيس النفس بالكفر، وإذ أبان الله تعالى أنه قد ألهم كل نفس معرفة طريق فجورها وطريق تقواها، علمنا أن تزكية النفس إنما تكون بتقوى الله.

وللتربية أثر عظيم فى تزكية النفس، ولذلك كانت من مُهِمَّات رسول الله صلى الله عليه وسلم التربوية تزكية نفوس أصحابه، ولهذا كانت ثمرات الخُلق القويم للسلوك الدينى وللسلوك الشخصى عظيمة جداً، وعند المقارنة نجدها أجلَّ من الثمرات التى تُحقِّقها المبالغة فى أداء كثير من العبادات المحضة، ولما كان ذلك كذلك، وجدنا النصوص الدينية المُتكاثِرة توجه الاهتمام العظيم والعناية الكبرى لقيمة حسن الخُلق فى الإسلام، وتذكر الخلق الحسن بتمجيد كبير، فمنها على سبيل المثال قول النبى صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ».

فربط الرسول الارتقاء فى مراتب الكمال الإيمانى بالارتقاء فى درجات حسن الخلق، فصدق العبادة لله تعالى عمل أخلاقى كريم، لأنه وفاء بحقّ الله على عبيده، وحُسن المعاملة مع الناس وفاء بحقوق الناس المادية والأدبية، فهى بهذا الاعتبار من الأعمال الأخلاقية الكريمة.

فإذا تَعمَّقنا أكثر من ذلك، فكشفنا أن الإيمان إذعانٌ للحق واعتراف به، رأينا أن الإيمان أيضاً عمل أخلاقى كريم، فإذا ضَمَمْنا هذه المفاهيم إلى المفهوم الإسلامى العام أن كل أنواع السلوك الإنسانى الفاضل فروع من فروع الإسلام وجدنا أن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأحسن الناس خُلقاً لا بد أن يكون أصدقَهم إيماناً، وأخلصَهم نية، وأكثرَهم التزاماً بحقوق الناس المادية والأدبية، فليس من المعقول أن يكون الإنسان ذا خُلق كريم مع الناس وهو يأكل حقوقهم ويتجاوز حدود الواجب الأدبى الذى تُوصِى به الآداب الاجتماعية الإسلامية، فالأسس الأخلاقية والأسس الإيمانية ذات أصول نفسية واحدة.

ولقد أودع الخالق العظيم فى مدارك الأفكار وفى مشاعر الوُجْدان الفِطْرية ما تُدْرَك به فضائل الأخلاق ورذائلها، وهذا ما يجعل الناس يشعرون بحُسن العمل الحسن، ويرتاحون إليه ويمدحون فاعله، ويشعرون بقُبح العمل القبيح وينفرون منه، ويذُمُّون فاعله، وقد أرشدت النصوص إلى وجود هذا الحسِّ الأخلاقى فى الضمائر الإنسانية، وأحالت المسلم المؤمن إلى استِفتاء قلبه فى حكم السلوك الذى قد تميل نفسه إلى ممارسته، فالإنسان لديه بصيرة يستطيع أن يحاسب بها نفسه محاسبة أخلاقية على أعماله ومقاصده منها.

هذا وللأخلاق الإسلامية مُمَيّزات امتازت بها، كالشمول فهى تشمل علاقة الإنسان بخالقه عز وجل، فالإخلاص سرٌّ بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله، وتشمل علاقة الإنسان بنفسه وبنى جنسه، بل وتمتدُّ لتشمل علاقة الإنسان بكل عناصر الكون.

ففى السنَّة النبوية أن امرأة دخلت النار فى هِرَّة حبستها فلا هى أطعمتها ولا تركتها تأكل من خَشَاش الأرض، وأن بَغِياً رأت كلباً كاد يموت عطشاً فسقته فغفر الله لها، كما لا يجوز لمسلم أن يُتْلِف نباتاً أو أن يُخْرِب جماداً؛ لأن هذا إفساد، والله لا يحب الفساد.

كما تمتاز أخلاقنا بإقناع العقل، وإشباع العاطفة، وإرضاء القلب والوُجدان، فما من خُلُق حثَّ عليه الإسلام أو حذَّر منه يتعارض مع العقل المستنير، أو يُجافِى القلب السليم، كما تمتاز أخلاقنا بالصلاحية العامة لما فيها من اليسر والسهولة ورفع الحرج والمشقة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: سماحة الإسلام صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

لا تتعجل.. 3 بشائر أخبر عنها النبي في حالة عدم إجابة الدعاء

هل تدعو الله كثيرا ولا يستجاب الدعاء؟ فلا تيأس من الدعاء لأنه عبادة مأمور بها كل مسلم حتى في حالة عدم إجابة الدعاء امتثالا لقول الله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ...}، كما أن الدعاء من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد من ربه.

وفي السطور التالية نتعرف على 3 بشائر أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في حالة عدم إجابة الدعاء نذكرها إليكم حتى تظل قلوبكم متعلقة بالدعاء ولا تنقطع عنه أبدًا..

وذكرت دار الإفتاء المصرية، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يستجيب لدعوة عبده ما لم يتعجل، مشيرة إلى أنه يجب على كل مسلم أن يتحرى  مطعمه ومشربه من مال حلال، وألا يدعو الله بدعوة فيها إثم أو يكون الغرض منها قطيعة الرحم بين الأهل والأقارب.

وفي حالة عدم إجابة الدعاء، ذكرت دار الإفتاء 3 بشائر لمن لا يستجاب دعاؤه وذلك فيما رواه أبو سعد الخدري عن الرسول صلى الله عليه وسلم "ما مِن عبدٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحِمٍ إلا أعطاه اللهُ بها إحدَى ثلاثٍ :

إما أن تُعجَّلَ له دعوتُه في الدنيا

وهي الحالة الأولى حيث يستجيب الله عز وجل لدعاء العبد، ويعجل له إجابته في الدنيا سواء كان دعاؤه بطلب زيادة في الرزق أو طلب تحقيق نعمة معينة.

و إمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ

وفي هذه الحالة يدخر الله سبحانه وتعالى الدعاء إلى يوم القيامة أجرًا له وليكفائه على دعائه بزيادة الدرجات ومغفرة عن الذنوب.

و إمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها

وإما أن يرفع الله سبحانه وتعالى عن العبد ضررا فيدفع عنه ضررا بمقدار الدعاء الذي يدعو الله به تعالى.

دعاء الغضب.. كلمات مستحبة تتخلص بها من العصبيةدعاء الاستعاذة من الفقر وقلة الرزق.. احفظه عن النبي وداوم عليه يوميادعاء بعد العصر لقضاء الحوائج والرزق والفرج .. ردده حتى غروب الشمسدعاء الستر والصلاح.. ردده بيقين وسترى العجب

فضل الدعاء

وأشارت دار الإفتاء إلى أن الدعاء عبادة مشروعة ومستحبة؛ لِما فيه من التضرع والتذلّل والافتقار إلى الله تعالى، وقد حثَّنا الله تعالى عليه وأوصانا به؛ حيث قال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقال أيضًا عزَّ وجلَّ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55].

ونوهت الإفتاء بأنه ورد في السنة النبوية المطهرة فضل الدُّعاء؛ فجاء عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثم قرأ: «﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]» رواه أصحاب "السنن".

وذكرت دار الإفتاء أقوال بعض الفقهاء عن فضل الدعاء ومنهم:

قال الإمام المناوي في "فيض القدير" (3/ 542، ط. المكتبة التجارية): [قال الطيبي:.. فالزموا عباد الله الدعاء، وحافظوا عليه، وخصَّ عباد الله بالذكر؛ تحريضًا على الدعاء وإشارةً إلى أن الدعاء هو العبادة؛ فالزموا واجتهدوا وألحوا فيه وداوموا عليه؛ لأن به يُحاز الثواب ويحصل ما هو الصواب، وكفى به شرفًا أن تدعوه فيجيبك ويختار لك ما هو الأصلح في العاجل والآجل] اهـ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ» أخرجه الترمذي وابن ماجه في "سننيهما".

قال الإمام الصنعاني في "التنوير" (9/ 241، ط. دار السلام): [«لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ» أي: أشد مكرومية، أي أنه تعالى يكرمه بالإجابة] اهـ. ومما سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

طباعة شارك الدعاء إجابة الدعاء عدم إجابة الدعاء

مقالات مشابهة

  • الإسلام.. يجرّد الدين من الكهنوت
  • لا تتعجل.. 3 بشائر أخبر عنها النبي في حالة عدم إجابة الدعاء
  • أفضل وقت لـ صلاة الضحى.. لا تفوت ثوابها العظيم
  • دعاء الغضب.. كلمات مستحبة تتخلص بها من العصبية
  • حكم الصلاة على النبي لطلب الشفاء من الأمراض.. الإفتاء توضح
  • علي جمعة: تعدد أسماء النبي في القرآن دليل على عظمة مكانته
  • خطأ شائع يقع فيه الحجاج يوم عرفة.. أمين الإفتاء يحذر منه
  • الأزهر يحذر من كلمة تفتح باب للشيطان
  • ما حكم عمارة وتزيين المساجد؟.. الإفتاء تجيب
  • ‏رئيس جامعة الأزهر: تقوية مناعة الروح بمكارم الأخلاق ضرورة لتحصين الإنسان ضد الانحرافات