الوطن:
2025-03-13@00:23:35 GMT

د. سيد عبدالباري يكتب.. تزكية الأنفس وتقويم الأخلاق

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

د. سيد عبدالباري يكتب.. تزكية الأنفس وتقويم الأخلاق

إن عناية الإسلام موجّهة بالدرجة الأولى لتزكية النفس وتهذيبها، والمراد من تزكية النفس تطهيرها من نزغات الشر والإثم، وإزالة حظ الشيطان منها، وتنمية فِطْرة الخير فيها، ومتى حَصَلت فى النفس هذه التزكية غَدَت صالحة لغرس فضائل الأخلاق فيها، وتهذيب طباعها تهذيباً مُصلِحاً وكابِحاً ومُقوِّماً ومُوجِّهاً، وطبيعى أنه متى تزكت النفس وتهذبت طباعها استقام السلوك الداخلى والخارجى لا محالة، بخلاف توجيه العناية إلى تقويم السلوك الظاهر فقط، فإنه بناء على غير أساس.

وكل بناء على غير أساس عُرضة للانهيار، ولذلك كان نظر الله تبارك وتعالى فى مراقبته لأعمال عباده موجَّهاً لما فى قلوبهم ونفوسهم، ففى الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ»، ولذلك كانت قيمة الأعمال فى تقرير الجزاء عند الله تعالى على قدر قيمة نِيَّات العاملين لها، ففى الحديث المشهور: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».

وأبان القرآن أن من زكَّى نفسه فقد أفلح، وأن من دسَّى نفسه، أى: غمسها فى أدناس الكفر والمعصية، فقد خاب، فربط الفلاح بتزكية النفس بالإيمان والتقوى، وربط الخيبة بِتَدْنِيس النفس بالكفر، وإذ أبان الله تعالى أنه قد ألهم كل نفس معرفة طريق فجورها وطريق تقواها، علمنا أن تزكية النفس إنما تكون بتقوى الله.

وللتربية أثر عظيم فى تزكية النفس، ولذلك كانت من مُهِمَّات رسول الله صلى الله عليه وسلم التربوية تزكية نفوس أصحابه، ولهذا كانت ثمرات الخُلق القويم للسلوك الدينى وللسلوك الشخصى عظيمة جداً، وعند المقارنة نجدها أجلَّ من الثمرات التى تُحقِّقها المبالغة فى أداء كثير من العبادات المحضة، ولما كان ذلك كذلك، وجدنا النصوص الدينية المُتكاثِرة توجه الاهتمام العظيم والعناية الكبرى لقيمة حسن الخُلق فى الإسلام، وتذكر الخلق الحسن بتمجيد كبير، فمنها على سبيل المثال قول النبى صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ».

فربط الرسول الارتقاء فى مراتب الكمال الإيمانى بالارتقاء فى درجات حسن الخلق، فصدق العبادة لله تعالى عمل أخلاقى كريم، لأنه وفاء بحقّ الله على عبيده، وحُسن المعاملة مع الناس وفاء بحقوق الناس المادية والأدبية، فهى بهذا الاعتبار من الأعمال الأخلاقية الكريمة.

فإذا تَعمَّقنا أكثر من ذلك، فكشفنا أن الإيمان إذعانٌ للحق واعتراف به، رأينا أن الإيمان أيضاً عمل أخلاقى كريم، فإذا ضَمَمْنا هذه المفاهيم إلى المفهوم الإسلامى العام أن كل أنواع السلوك الإنسانى الفاضل فروع من فروع الإسلام وجدنا أن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأحسن الناس خُلقاً لا بد أن يكون أصدقَهم إيماناً، وأخلصَهم نية، وأكثرَهم التزاماً بحقوق الناس المادية والأدبية، فليس من المعقول أن يكون الإنسان ذا خُلق كريم مع الناس وهو يأكل حقوقهم ويتجاوز حدود الواجب الأدبى الذى تُوصِى به الآداب الاجتماعية الإسلامية، فالأسس الأخلاقية والأسس الإيمانية ذات أصول نفسية واحدة.

ولقد أودع الخالق العظيم فى مدارك الأفكار وفى مشاعر الوُجْدان الفِطْرية ما تُدْرَك به فضائل الأخلاق ورذائلها، وهذا ما يجعل الناس يشعرون بحُسن العمل الحسن، ويرتاحون إليه ويمدحون فاعله، ويشعرون بقُبح العمل القبيح وينفرون منه، ويذُمُّون فاعله، وقد أرشدت النصوص إلى وجود هذا الحسِّ الأخلاقى فى الضمائر الإنسانية، وأحالت المسلم المؤمن إلى استِفتاء قلبه فى حكم السلوك الذى قد تميل نفسه إلى ممارسته، فالإنسان لديه بصيرة يستطيع أن يحاسب بها نفسه محاسبة أخلاقية على أعماله ومقاصده منها.

هذا وللأخلاق الإسلامية مُمَيّزات امتازت بها، كالشمول فهى تشمل علاقة الإنسان بخالقه عز وجل، فالإخلاص سرٌّ بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله، وتشمل علاقة الإنسان بنفسه وبنى جنسه، بل وتمتدُّ لتشمل علاقة الإنسان بكل عناصر الكون.

ففى السنَّة النبوية أن امرأة دخلت النار فى هِرَّة حبستها فلا هى أطعمتها ولا تركتها تأكل من خَشَاش الأرض، وأن بَغِياً رأت كلباً كاد يموت عطشاً فسقته فغفر الله لها، كما لا يجوز لمسلم أن يُتْلِف نباتاً أو أن يُخْرِب جماداً؛ لأن هذا إفساد، والله لا يحب الفساد.

كما تمتاز أخلاقنا بإقناع العقل، وإشباع العاطفة، وإرضاء القلب والوُجدان، فما من خُلُق حثَّ عليه الإسلام أو حذَّر منه يتعارض مع العقل المستنير، أو يُجافِى القلب السليم، كما تمتاز أخلاقنا بالصلاحية العامة لما فيها من اليسر والسهولة ورفع الحرج والمشقة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: سماحة الإسلام صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

إفطار الصائم عبادة عظيمة

امتدح ربنا، جل وعلا، عباده الأبرار بإطعام الطعام رجاء ثواب الله ورضاه، قال سبحانه: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذه الفضيلة من خير خصال الإسلام، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»، وبيّن صلى الله عليه وسلم أنّ في إطعام الطعام وقاية ونجاة من النار، فعن عَدِيَّ بْن حَاتِمٍ، رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا ‌النَّارَ ‌وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». ومن صور إطعام الطعام تفطير الصائمين.
وإن فطار الصائمين من العبادات العظيمة التي حثّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم ورتّب عليها أجراً كبيراً، فجعل أجر المطعم كأجر الصائم، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «‌مَنْ ‌فَطَّرَ ‌صَائِمًا ‌كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا».
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لمن أكرم الصائمين بالإفطار، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَ: «‌أَفْطَرَ ‌عِنْدَكُمُ ‌الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ»، فلو لم يكن لإفطار الصائمين فضل وأجر، لما اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء لمن أفطر على موائدهم وأكل من طعامهم! ويحصل تفطير الصائم بأدنى شيء، إلا أن أكمله إشباعه، لأنه يحصل به المقصود من تقوية الصائم على العبادة، واستغناؤه في تلك الليلة. 
وإفطار الصائم في شهر رمضان وغيره يعزز قيم التسامح والتآزر، ويزيد روابط المحبة بين الناس، وهو نوع من أنواع الجود والخير، والمؤمن العاقل من يبادر إلى فعل الخيرات التي تضاعف أجره وثوابه وخصوصاً في شهر رمضان، وقد «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، ‌وَأَجْوَدَ ‌مَا ‌يَكُونُ فِي رَمَضَانَ»، وورد أن كثيراً من الصالحين كانوا يحرصون على إطعام الطعام ويعتبرونه من أفضل العبادات، وربما آثر بعضهم غيره بفطوره وهو صائم طلباً للأجر والثواب، «وكان ابنُ عمرَ لا يفطرُ ‌إلا ‌مع ‌اليتامَى ‌والمساكينِ».
ونخلص مما سبق إلى أن تفطير الصائمين من أجمل صور التعاطف والمحبة والرحمة في المجتمع، وهو من أجلّ القربات وله أجر عظيم يساوي أجر الصائم نفسه.
كل معروف صدقة  
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على بذل المعروف، والمعروف اسم جامع لكل ما ندب إليه الشرع من وجوه الإحسان وفعل الخير، وقد أمر الله بفعله، وحث عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، ووعد فاعله بالثواب العظيم في الدنيا والآخرة، فينبغي على المؤمن ألّا يحقر من المعروف شيئاً، وأن يحرص على صنع المعروف وبذل الإحسان للناس.
يقول الله في محكم تنزيله: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، «سورة النساء: الآية 114». يقول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77». 
وقد جعل الله صُنع المعروف صدقة لفاعله، قال رسول الله: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُه عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». وصور المعروف كثيرة وعديدة، فينبغي على المسلم أن ينافس فيها ويحرص عليها، كي ينال ثوابها وأجرها، وألّا يقلل من قيمة أي خيرٍ يفعله.
وصية
أوصى النبي أحد أصحابه فقال: «عَلَيْكَ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ لِلْمُسْتَسْقِي مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَائِهِ، أَوْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ»، وهي وصيته للنساء أيضاً، فقد قال: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». 
أي: لا تستصغرنَّ شيئاً تقدمْنَهُ هبة أو هدية، فهو من المعروف الذي يُديم الودّ ويؤلف بين القلوب. ومن قدّم معروفاً في الدنيا أثابه الله به في الآخرة، قَالَ رسول الله: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
حديث
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
فتوى 
ورد إلى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي سؤال: «صليت الظهر في الدوام وبعد رجوعي نمت ولم أستيقظ إلا عند المغرب فصليت العصر والمغرب، فهل صومي صحيح»؟
فأجاب المجلس «صومك صحيح، لأن النوم عن الصلاة لا يؤثر على صحة الصوم، ولكن ينبغي للصائم اغتنام شهر رمضان في الإكثار من الأعمال الصالحة، ومن أهمها المحافظة على أداء الصلاة في وقتها، قال الله تعالى: ‌(حَافِظُوا ‌عَلَى ‌الصَّلَوَاتِ ‌وَالصَّلَاةِ ‌الْوُسْطَى، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، «سورة البقرة: الآية 238».
 قال ابن مسعود رضي الله عنه: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: ‌الصَّلَاةُ ‌عَلَى ‌وَقْتِهَا»، (متفق عليه).

أخبار ذات صلة «تمكين المجتمع»: التصريح المسبق شرط لجمع التبرعات «دبي الخيرية» تحتفل بصاحبات الهمم

مقالات مشابهة

  • إفطار الصائم عبادة عظيمة
  • أسامة فخري الجندي: الأخلاق مفتاح القرب من الله ورسوله وأثقل ما يوضع في الميزان
  • هشام عبد العزيز: الإسلام يضع منهجًا متكاملًا للأخلاق والمعاملات بين الناس
  • يوم الشهيد وذكرى 10 رمضان
  • حسام موافي: من يشمئز من ذكر الله والرسول عليه مراجعة نفسه
  • المفتي يكشف أسباب نهي النبي عن خروج الأطفال بالطعام
  • ازهاق النفس البشرية محرمة بكافة الشرائع السماوية،
  • سُنَن الفطرة
  • ‏اليمن يكتب فصلًا جديدًا في التضامن العربي
  • أحمد عمر هاشم: الرسول ﷺ نموذج في الوفاء والتقدير لزوجته خديجة