كثيرًا ما كتب المصنفون في مقدماتهم عن أسباب التأليف، وكثيرًا ما يتردد بين الأسباب إسعاف طلب هذا وتلبية مطلب ذاك، وهنا يكون التأليف بإشارة من طرفٍ آخر لكنها تصادف هوى ورغبة عند من يؤلف وتعضدها دوافع ذاتية، ثم يخرج المؤلَّف (الكتاب) من رحم تلك القصة. وهكذا كانت قصة كتاب ألفه الفقيه العالم محمد بن علي بن محمد المنذري (ت:1286هـ) المولود بمدينة أدم سنة 1233هـ، وأحد المهاجرين إلى جزيرة زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان (1219-1273هـ)، ثم كان رئيس القضاة في عهده وفي عهد ابنه السيد ماجد بن سعيد (1273-1287هـ)، وكان تأليف الكتاب بإشارة من هذا الأخير أي السيد ماجد بن سعيد.

تحتفظ بأصل المخطوط دار المخطوطات العمانية، وقد نُشِر مصورًا من لدن مركز ذاكرة عمان بعناية الباحث فهد بن علي السعدي الذي قدَّم له دراسة ضافية، ورجّح أن هذه النسخة هي أصل المؤلف وبخطه سنة 1278هـ.

في مقدمة الكتاب يقول المنذري: «وبعد فهذه نبذة صدرت من المعترف في حقه بالتقصير، عن مبلغ متضمن الحقائق واستكشاف الأمور، حُوْكَتْ لقصد تمهيدها لمتراسلات ينابيع كوثرية المعنى الشامل بمجانح لمعان زواهر دراري المعاني المتقنة في منظومة الملك الأفخم ذي السلطان، صدر الملوك وخاقان الزمان والمكان، خِضَمِّ الجود والكرم، مسدي المِنَح والنعم، المُعَرَّى في جدواه عن الكف والقبض والمن والندم، سيد العرب والأزد ومِدرة الأقيال وآل عدنان، رافع لواء الدولة بالقهر وعلو الشأن، ليث الملوك ماجد بن سعيد بن سلطان، أعانه الله على العمل بمتقن منهج القَوام...»، ثم قال بعد كلام في معرض ثنائه على السيد ماجد: «وما أنا بإهداء هذا الشكل إلى جناب حضرته، على وفور فضله وشهرته، إلا كَمُهدي التمر إلى هجر، ومُسدي النور إلى القمر» وذكر في المقدمة أن قصده أن يضمِّن مادة كتابه اثني عشر أصلاً من العلوم: «من لغة، ومعنى، ومعانٍ، وبيان، وبديع وفصاحة، وإعراب وتصريف، وعروض، وقوافٍ، وقلبٍ وتصحيف» وهو يعني هنا أن أصل مادة كتابه علوم اللغة هذه، لكنه استطرد بعد ذلك بالإشارة إلى تضمينه تفريعات من علوم أخرى كالفلك وأصول الفقه، وأصول علم الهيئة، والجغرافيا، وكذلك بعض مباحثاته وحجاجه مع غيره. ثم أشار إلى أصل قصة تأليف الكتاب، وهي أن السيد ماجد بن سعيد بن سلطان نظم بيتين من الشعر هما قوله:

وأُورِدُ نفسي في الشدائد كلِّها

بِعزمٍ وحزمٍ واقتحام الكتائبِ

وما الموتُ في الهيجاء إلا كأنه

سُلافة خمرٍ من ثغور الكواعبِ

ثم طلب من المنذري أن ينظم بيتين على شاكلتهما فقال:

وأُورِدُ نفسي كلَّ ضنكٍ بهمةٍ

تَتِيهُ بِحَوليها عُزومُ المواكبِ

فما الراح من شَنْبَا الكعاب ألذ لي

سلافة خمرٍ من ثغور الكواكبِ

فما كان من المنذري إلا أن شرح الأبيات جميعًا واستخرج ما فيها من العلوم إسعافًا لمطلب السيد ماجد. وقد قسم شرحه هذا الذي سماه (ميزان القَوام لشرح نظم نجل الإمام) إلى مباحث سماها أقوالًا، وهي أحد عشر قولًا في: اللغة وما تعلق بها، وفي شرح معنى الأبيات وإعرابهن، وفي علم الفصاحة، والتصريف، وفيما في الأبيات من البديع والبيان، وفي علم المعاني، وعلم البديع، وعلم القلب وقواعده، وفيما يتعلق بالأبيات من علم الميزان، وفي علم القوافي وما تعلق بها.

ووضع للكتاب فهرسًا في أوله، وتحت بعض الأقوال مباحث فرعية ميَّزها بعبارة «وفيه كذا..»، ومن بين كل تلك الأقوال يستوقفنا القول الأول في اللغة أكثر من غيره، إذ ضم مباحث طريفة منها مثلا: شرح الكواعب والكعبة وكون أم القرى وما لها من التمثيل بدوائرها، وذكر المساحات وهيئة الأرض والسماوات بدوائرها، وقسمة الأرض ودائرة الأقاليم، وثبوت حركة الطلوع والغروب من العالم الأعلى، ودحض حجة الأوروبيين من كون الحركة للعالم الأسفل دون الأعلى. وقد ضمن المؤلف تلك المباحث رسومات تتصل بعلم الهيئة والمساحات مثل رسم موقع مكة من الأرض محاطة بالممالك، وفي الدائرة الوسطى كتب: «اورشليم الجديدة أي مكة»، على أن اسم اورشليم الجديدة جاء في الكتاب المقدس، ولمعناه تأويلات عديدة ذُكِرت في بعض الكتب. وقد رجح المؤلف كروية الأرض وقال إنها خُلِقت بعنصرين صاعد وهابط، ثم أورد درجات دوران الأرض وقياساتها، ونقل شيئا من المعلومات مما سماه «كتب النصارى»، ورسم مدارات كواكب المجموعة الشمسية في دوائر دقيقة. ولعل كل ذلك مما يدعو إلى مزيد تأمل في هذا المؤَلَّف الطريف في زمانه بالنظر إلى ثقافة مؤلفه وخلفياته مقارنة بمجايليه من أهل عصره.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حسام بدراوى يستعرض مصر المستقبل كما يراها فى كتابه الجديد

ألقى المفكر السياسى الكبير د. حسام بدراوى محاضرة بعنوان» مصر المستقبل كما يراها» داخل نادى السيارات المصرى بالقاهرة، حيث كان فى استقباله محمد عسكر نائب رئيس مجلس إدارة النادى والمهندس نبيل البشبيشى رئيس اللجنة الثقافية للنادى ود. إبراهيم حجازى عضو مجلس إدارة النادى.

وقدم «بدراوى» كتابه الجديد «مصر التى فى خاطرى»، قال بدأت الكتاب بمقالة عنوانها هو اسم الكتاب، وهى مستوحاة من محاضرة ألقيتها فى جامعة عين شمس فى احتفالية بالدكتور أحمد عكاشة رائد الطب النفسى فى مصر، ولاقت ترحيبا كبيرًا وتعجبًا من استدامة تفاؤلى بمستقبل مصر وإيمانى بشعبها وجينات الحضارة فى وجدانه، رغم ما يظهر على السطح من غير ذلك. وقصدت فى هذا المقال ربط الماضى العظيم بالمستقبل وحتمية ارتباطه بتطور العلم والبشرية.

والمدخل الثانى للكتاب هو نص خطابى أمام مؤتمر الحوار الوطنى فى يونية 2023 لأنه شبه جامع لمعتقداتى السياسية وأفكارى التى أكررها علنًا منذ أكثر من أربعين عامًا، بل وزدت عليها مجموعة من الباركودات لمن يريد أن يتابع الخطاب وما تلاه من حوارات دارت حوله فى أكثر من ثمانية عشر لقاء تليفزيونيًا محليًا وعربيًا ودوليًا.

وأضاف «بدراوى»: الكتاب مقسم إلى ثلاثة فصول: الأول عنوانه «للتاريخ» ووضعت فيه بعض ما كتبت عبر التاريخ لتوثيق وجهة نظرى السياسية وبدأته بمقال ورسالة كنت كتبتها إلى وزير الداخلية عام 1984 وكنت فى الثالثة والثلاثين من عمرى بعنوان» رجل فى مأزق» وتردد فى وضعها بين غلافى الكتاب لأنها تمس أسرتى، ولكنى عدت وقررت النشر إيمانًا بتوثيق الأحداث فى وقتها كما رأيتها، حتى وإن تغير فهمى بمعرفة لاحقة بعد ذلك، وسيفهم القارئ حالة مصر فى هذا الزمن ويتعجب من تشابه الأوضاع من ناحية المبدأ.

وقال المفكر الكبير إن المقالات السياسية أو التى توحى بأمور سياسية وكلها مقالات منشور أغلبها فى جريدة «المصرى اليوم» وأحيانًا فى «الأهرام» وفى صفحتى على «الفيس بوك» ووسائل «السوشيال ميديا» المتجددة والتى حمت ما أقول من تحريفات أو اقتطاعات يصيغها ويصنعها البعض ليشيع ويختلق معانى تختلف عن أصل النصوص المتكاملة لأغراض سياسية.

ولأنى رجل إيجابى، فالسمة العامة لما كتبته وأنشره فى هذا الكتاب يحتوى صياغة لحلمى وأحلام الشباب الذين يتحاورون معى لبلادنا وعلى مبادرات وحلول لقضايا متعددة مطروحة، وليس فقط تسجيل تحديات ومشاكل، خصوصًا فيما يخص كيفية استقرار الحكم فى مصر وتطبيق الديمقراطية، والسير نحو ترسيخ قواعد الدولة المدنية الحديثة وتحديد أين تقع معركة مصر المستقبل.

وأشار «بدراوى» إلى أن الفصل الثالث المعنون بـ» تطوير التعليم إرادة سياسية» قائلا: وجدت عرض مجموعة مقالات عن التغلب على تحديات تطبيق سياسات تطوير التعليم، والتى نشرت عام 2010 فى «المصرى اليوم» لسببين، أولهما أن أسس تطوير التعليم متفق عليها ومعروفة وسبب تأخر تطبيقها سياسى وليس تقنيًا أو ماليًا، وثانيهما: ليتعرف القارئ على الواقع منذ ثلاثة عشر عامًا، ويقارنه بلقطة الحاضر، ويتعجب معى أننا مازلنا نناقش نفس المواضيع، بنفس الشكل وكأننا ندور فى حلقة مفرغة، وأن الزمن عندنا لا يمر.

وأضاف «بدراوى»: أعقبت ذلك بمجموعة من العناوين تربط التعليم بالتكنولوجيا ووظائف المستقبل، وأنهيتها بمقال مهم عن اختلاف الوسيلة عن الهدف فى التعليم.

حلم العدالة والتنمية الإنسانية، بدون إرادة سياسية هى توجهات نظرية، لذلك يضم الكتاب ثلاثة مداخل للعدالة: العدالة على العموم وفى الخصوص والعدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية، والكثير حول الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، ومعها حرية الصحافة وكله فى إطار مبادئ الدستور الذى وافق عليه الشعب.

وفى ختام الندوة قال د. «بدراوى»: أرجو أن يكون كتابى توثيقًا للقطة تاريخية تمر بها مصر، من وجهة نظر سياسى مر بالأحداث من داخلها ومرتبه الأحداث وأحاطت به وكادت تغرقه، وكما قال د. رفعت السعيد المحترم رحمه الله فيما كتبه فى الأهرام بعد ثورة 2011 وأسجله بين دفتى هذا الكتاب توثيقًا لرؤية مثقف مصري، وسياسى محنك وكان رئيسًا لحزب التجمع المختلف عن فلسفتى السياسية، ولكننا نجتمع سويًا على عشق مصر،وكم فى مصر من عاشقين قادرين ومؤهلين.

حضر الندوة أكثر من 75 قامة فكرية وثقافية وسياسية من أعضاء النادى وعلى رأسهم الوزراء السابقون د. عادل عبدالباقى وزير التنمية الإدارية وشئون مجلس الوزراء ومحمد فايق وزير الإعلام الأسبق ود. جودة عبد الخالق وزير التموين الأسبق ود. مختار خطاب وزير قطاع الأعمال الأسبق ود. مجدى حماد رؤوف رشدى والمطران منير حنا مطران الكنيسة الإنجليكينية وسهير السكرى الرئيس الجديد لروتارى القاهرة ود. سامح السحرتى الخبير الدولى فى الرعاية الصحية ود. مؤنس الشيشتاوى.

مقالات مشابهة

  • حسام بدراوى يستعرض مصر المستقبل كما يراها فى كتابه الجديد
  • مباحثات عمانية صومالية في الأوقاف والشؤون الدينية
  • ميدان الذيد يشهد منافسات جديدة لـ ” سن الفطامين”
  • مصرع طفل دهسته سيارة مسرعة على طريق الداخلة بلاط بالوادى الجديد
  • أمل رزق تنشر صورا جديدة من خطوبة ابنتها هيا
  • ثورة 30 يونيو.."سنوات الخماسين" لـ ياسر رزق بين يناير الغضب ويونيو الخلاص
  • مصرع طفل صدمته سيارة بواحة بلاط في الوادي الجديد
  • قفزة عمانية في التحول الرقمي
  • أبني علاقاتك وشكل صداقاتك في المستقبل على ميزان الحرب
  • ضبط مخدرات بقيمة مليونى جنيه فى القاهرة