أنظار في كتب عمانية ميزان القوام .. كتاب من بلاط سلطان
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
كثيرًا ما كتب المصنفون في مقدماتهم عن أسباب التأليف، وكثيرًا ما يتردد بين الأسباب إسعاف طلب هذا وتلبية مطلب ذاك، وهنا يكون التأليف بإشارة من طرفٍ آخر لكنها تصادف هوى ورغبة عند من يؤلف وتعضدها دوافع ذاتية، ثم يخرج المؤلَّف (الكتاب) من رحم تلك القصة. وهكذا كانت قصة كتاب ألفه الفقيه العالم محمد بن علي بن محمد المنذري (ت:1286هـ) المولود بمدينة أدم سنة 1233هـ، وأحد المهاجرين إلى جزيرة زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان (1219-1273هـ)، ثم كان رئيس القضاة في عهده وفي عهد ابنه السيد ماجد بن سعيد (1273-1287هـ)، وكان تأليف الكتاب بإشارة من هذا الأخير أي السيد ماجد بن سعيد.
تحتفظ بأصل المخطوط دار المخطوطات العمانية، وقد نُشِر مصورًا من لدن مركز ذاكرة عمان بعناية الباحث فهد بن علي السعدي الذي قدَّم له دراسة ضافية، ورجّح أن هذه النسخة هي أصل المؤلف وبخطه سنة 1278هـ.
في مقدمة الكتاب يقول المنذري: «وبعد فهذه نبذة صدرت من المعترف في حقه بالتقصير، عن مبلغ متضمن الحقائق واستكشاف الأمور، حُوْكَتْ لقصد تمهيدها لمتراسلات ينابيع كوثرية المعنى الشامل بمجانح لمعان زواهر دراري المعاني المتقنة في منظومة الملك الأفخم ذي السلطان، صدر الملوك وخاقان الزمان والمكان، خِضَمِّ الجود والكرم، مسدي المِنَح والنعم، المُعَرَّى في جدواه عن الكف والقبض والمن والندم، سيد العرب والأزد ومِدرة الأقيال وآل عدنان، رافع لواء الدولة بالقهر وعلو الشأن، ليث الملوك ماجد بن سعيد بن سلطان، أعانه الله على العمل بمتقن منهج القَوام...»، ثم قال بعد كلام في معرض ثنائه على السيد ماجد: «وما أنا بإهداء هذا الشكل إلى جناب حضرته، على وفور فضله وشهرته، إلا كَمُهدي التمر إلى هجر، ومُسدي النور إلى القمر» وذكر في المقدمة أن قصده أن يضمِّن مادة كتابه اثني عشر أصلاً من العلوم: «من لغة، ومعنى، ومعانٍ، وبيان، وبديع وفصاحة، وإعراب وتصريف، وعروض، وقوافٍ، وقلبٍ وتصحيف» وهو يعني هنا أن أصل مادة كتابه علوم اللغة هذه، لكنه استطرد بعد ذلك بالإشارة إلى تضمينه تفريعات من علوم أخرى كالفلك وأصول الفقه، وأصول علم الهيئة، والجغرافيا، وكذلك بعض مباحثاته وحجاجه مع غيره. ثم أشار إلى أصل قصة تأليف الكتاب، وهي أن السيد ماجد بن سعيد بن سلطان نظم بيتين من الشعر هما قوله:
وأُورِدُ نفسي في الشدائد كلِّها
بِعزمٍ وحزمٍ واقتحام الكتائبِ
وما الموتُ في الهيجاء إلا كأنه
سُلافة خمرٍ من ثغور الكواعبِ
ثم طلب من المنذري أن ينظم بيتين على شاكلتهما فقال:
وأُورِدُ نفسي كلَّ ضنكٍ بهمةٍ
تَتِيهُ بِحَوليها عُزومُ المواكبِ
فما الراح من شَنْبَا الكعاب ألذ لي
سلافة خمرٍ من ثغور الكواكبِ
فما كان من المنذري إلا أن شرح الأبيات جميعًا واستخرج ما فيها من العلوم إسعافًا لمطلب السيد ماجد. وقد قسم شرحه هذا الذي سماه (ميزان القَوام لشرح نظم نجل الإمام) إلى مباحث سماها أقوالًا، وهي أحد عشر قولًا في: اللغة وما تعلق بها، وفي شرح معنى الأبيات وإعرابهن، وفي علم الفصاحة، والتصريف، وفيما في الأبيات من البديع والبيان، وفي علم المعاني، وعلم البديع، وعلم القلب وقواعده، وفيما يتعلق بالأبيات من علم الميزان، وفي علم القوافي وما تعلق بها.
ووضع للكتاب فهرسًا في أوله، وتحت بعض الأقوال مباحث فرعية ميَّزها بعبارة «وفيه كذا..»، ومن بين كل تلك الأقوال يستوقفنا القول الأول في اللغة أكثر من غيره، إذ ضم مباحث طريفة منها مثلا: شرح الكواعب والكعبة وكون أم القرى وما لها من التمثيل بدوائرها، وذكر المساحات وهيئة الأرض والسماوات بدوائرها، وقسمة الأرض ودائرة الأقاليم، وثبوت حركة الطلوع والغروب من العالم الأعلى، ودحض حجة الأوروبيين من كون الحركة للعالم الأسفل دون الأعلى. وقد ضمن المؤلف تلك المباحث رسومات تتصل بعلم الهيئة والمساحات مثل رسم موقع مكة من الأرض محاطة بالممالك، وفي الدائرة الوسطى كتب: «اورشليم الجديدة أي مكة»، على أن اسم اورشليم الجديدة جاء في الكتاب المقدس، ولمعناه تأويلات عديدة ذُكِرت في بعض الكتب. وقد رجح المؤلف كروية الأرض وقال إنها خُلِقت بعنصرين صاعد وهابط، ثم أورد درجات دوران الأرض وقياساتها، ونقل شيئا من المعلومات مما سماه «كتب النصارى»، ورسم مدارات كواكب المجموعة الشمسية في دوائر دقيقة. ولعل كل ذلك مما يدعو إلى مزيد تأمل في هذا المؤَلَّف الطريف في زمانه بالنظر إلى ثقافة مؤلفه وخلفياته مقارنة بمجايليه من أهل عصره.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
معرض الكتاب 2025.. «اتحاد كتاب مصر» ينظم أصبوحة شعرية متميزة
في إطار الفعاليات الثقافية المتنوعة التي يشهدها معرض القاهرة الدولي للكتاب، نظم اتحاد كتاب مصر أصبوحة شعرية حافلة بالإبداع، احتضنتها قاعة المؤسسات، بحضور نخبة من الشعراء الذين أثروا الأمسية بقصائدهم التي تميزت بالتنوع في الأساليب والموضوعات.
وشارك في الأصبوحة كل من الشعراء: البيومي عوض، سامح القدوسي، السيد أبو الوفا، السيد داود، طارق بركة، عبد الناصر عبد المولى، ناصر دويدار، ونجوى عبد العال، الذين ألقوا قصائد نالت إعجاب الحضور وأثارت تفاعلهم.
أصبوحة شعرية متميزة في معرض القاهرة الدوليوأدار الأصبوحة الشاعر ثروت سليم، الذي قدم الشعراء بشكل مميز، وأدار الحوار بينهم بأسلوب أضفى على اللقاء طابعًا خاصًا من التفاعل والاندماج بين الشعراء والجمهور، وامتازت الأصبوحة بإلقاء متميز لعدد من الشعراء الذين قدموا قصائد حملت روح الأصالة والتجديد، وعبرت عن قضايا الإنسان والمجتمع بأساليب شعرية راقية.
وتأتي هذه الأصبوحة في إطار الدور الذي يلعبه اتحاد كتاب مصر في إتاحة الفرصة أمام المبدعين من أعضائه للتعبير عن رؤاهم الشعرية، والتواصل المباشر مع جمهور الأدب والشعر في أجواء تحتفي بالكلمة والإبداع.
أصبوحة شعرية متميزة في معرض القاهرة الدوليوجاءت الأصبوحة ضمن اللقاءات التي تعزز الحركة الشعرية وإثراء المشهد الثقافي المصري، في ظل تظاهرة ثقافية كبرى مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يواصل تقديم فعاليات متنوعة تجمع بين الفكر والأدب والفنون، ليظل منصة رائدة للحوار والتفاعل بين الأدباء والجمهور.
اقرأ أيضاًبحضور المفتي.. إقبال كثيف على جناح دار الإفتاء بمعرض الكتاب خلال ندوة «الفتوى والدراما»
وسط إقبال جماهيري.. معرض الكتاب يفتح أبوابه للجمهور لليوم الرابع
بحضور علماء الشريعة والقانون.. معرض الكتاب يناقش «فقه المواريث المقارن من هدي القرآن والسنة» لـ سعد الدين الهلالي