لجريدة عمان:
2025-04-24@00:56:56 GMT

نوستولوجيا حليم: حكاية حبنا

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

نوستولوجيا حليم: حكاية حبنا

30 مارس عام 1977..كم مرّ من سنوات، وكم سيمر ما دامت الدنيا!

لم نكن نعرفه حتى علمنا برحيله؛ كنت ابن عشر سنوات، حين رحل عن عالمنا، جسدا ليظل فينا خالدا مشاعرا وأفكارا ووجدانا.

في سنوات الطفولة، جمعنا صور الفنانين، وكان حليم واحدا منهم. صحيح أننا كنا نملك مذياعا كبيرا، كنا نسمع فيه ما يسمعه الكبار، فسمعنا أغانيه ولكن لم نكن في عمر يفهم الكلمات، لكن شيئا ما كان يشدنا.

لم تكن سوى بضعة سنوات حتى صرنا نحب عبد الحليم وأغانيه، ونرددها، وكل له قصته مع تلك الأغاني والأشعار. ولعلني أفرد مقالا مرة عن تلقينا لتلك الأغاني، وكيف أسهمت في تكوين وجداننا.

لقد غنى العندليب الأسمر الذي استحق هذا اللقب الجميل 25 عاما، لكن أغانيه لم تمت، وظلت باقية بعده، فبعد 47 عاما على رحيله لا يزال العرب يسمعونه، حتى أولئك الذين لم يعايشوه بل وولدوا وكبروا بعد رحيله.

أنظر حولي، فأسأل عددا من الناس، من أعمار مختلفة، عن عبد الحليم حافظ، فأجد أن معظمهم يعرفونه، من أغانيه التي يحبونها. فاجأني شاب أول العشرينيات يعرف أغنية «عدى النهار» التي غناها حليم عقب هزيمة 1967.

وسط مئات الفنانين وأكثرهم ما زال يحضر حليم بقوة: صافيني مرة، زي الهوا، أهواك، قارئة الفنجان، حاول تفتكرني،..

ها أنذا أبحث عن فيلم حليم، الذي شاهدناه قبل 18 عاما، وهو فيلم مصري من إنتاج عام 2006 من إخراج شريف عرفة وبطولة أحمد زكي، يحكي عن قصة حياة عبد الحليم حافظ، ويعدّ الفيلم آخر أفلام أحمد زكي والذي توفي قبل إنهائه.

لربما دمعت العيون، لعلها ما يتبقى من حزن على الراحلين عبد الحليم حافظ وأحمد زكي، ولعلها حزن على زمن عبد الحليم كزمن مد قومي عربي في زمن الجزر الشديد الذي نعيشه. لعله حلم يعيش أملا بعودة شيء من ذاك الزمن.

ما زال حليم يمثل دلالات ثقافية وإنسانية وقومية ووجدانية وعاطفية، منها الدلالة القومية كون الراحل كان ممن تغنوا بالحلم العربي في التحرر من الاستعمار، لقد غنى العندليب لمصر كما غنى للعرب، وللزعيم الخالد جمال عبد الناصر، ولفلسطين.. فلم ينعزل حليم عن الهم العربي، بل ظل مخلصا لدائرته القومية، ولم يتقوقع في الدائرة القطرية.

في قادم الأيام، يمكن استقصاء أغانيه عن فلسطين: المسيح، أصبح الآن عندي بندقية، أوبريت الحلم العربي، القدس دي أرضنا، ترابك يا فلسطين. والتي تظهر انتماء عبد الحليم حافظ لقضية العروبة، والتي وهبها حنجرته الذهبية بصدق وتعبير إنساني وقوميّ.

كان الفنان أحمد زكي ابن ثلاثين عاما، عام 1977، ولم يكن قد اشتهر بعد، ومن الطبيعي أن يكون قد تأثر بعبد الحليم، مثله مثل الملايين.

أحبّ أحمد زكي زمن عبد الحليم حافظ، ولأنه أحس بخلود عبد الحليم، فقد أراد أن يشاركه الخلود من خلال تجسيد دوره في السينما. وأحمد زكي هو نفسه الذي أدى دور البطولة مع ميرفت أمين في الفيلم المشهور «زوجة رجل مهم» الذي ظهر عام 1988، الذي أهداه المخرج إلى زمن عبد الحليم.

إنها فرصة اليوم وغدا للتعرف على السيرة الذاتية لفنان عظيم، من أجل أن يتعرف الجيل الجديد على ظاهرة عبد الحليم، وأسباب تميزه وخلوده.

لم يردد عبد الحليم كلمات أغانيه هكذا بسهولة من وراء قلبه، بل غنى من داخله، من عمق النفس والروح، بإحساسه قبل لسانه، كان يعيش أغانيه كأنه بطل تلك الأغاني، أو كأنها كتبت له هو لتعبر عنه لا ليغنيها فقط.

لم يكن الراحل إنسانا عاديا، كان فنانا ذا حضور قوي، استطاع التأثير على الملايين من الشباب العربي والشابات، كان موسيقيا وعازفا، وموزعا، ومغنيا لأكثر من لون غنائي، وكان ممثلا سينمائيا محترفا، خفيف الظل مرحا، وكوميديا وتراجيديا حسب الموقف. وقد حدثت عدة مواقف وحوادث في حياته، تتعلق بحياته العاطفية وعلاقاته مع الفنانين العرب، والمرض، والسفر، والمال، والأقرباء، والشركاء، لذلك فإننا حين نشتاق له، فإننا نشاهد أفلامه، كما أننا نعود لفيلم «حليم» لرؤيته ورؤية أداء الفنان الراحل أحمد زكي لشخصية حلم بأدائها سنوات طويلة، ولم يتيسر له ذلك إلا في لحظاته الأخيرة التي أدى فيها دور رحيل العندليب، وكانت مشاهد حقيقية أيضا صورت رحيله هو أيضا.

إن شهرة عبد الحليم عظيمة، وإن حب الناس له، ليس له حدود، لذلك ظلت حياته مثار جدل خصوصا أن هناك شخصيات لها سردياتها معه، كما أن هناك ما يمكن الحديث والجدل حوله، في احتفاء عبد الحليم بناصر بشكل خاص.

إنها فرصة للفنانين والأدباء والعلماء للتأكيد على أن الفن الرفيع أطول عمرا من صاحبه، حتى ينطلقوا في الفن والأدب والعلم من أجل الإنسان في المكان والزمان الحقيقي لا المزيف، وإن الفنان يؤثر في حياة البشر زمنا طويلا، ولا يقل تأثيره عن السياسي والمفكر والقائد.. ما زلنا نسمع، ونغني، لقد حفظ جيلنا والذي قبله وبعده أغاني عبد الحليم، عن اختيار، عن حب، ولم يتم ذلك صدفة، بل أن الصدق الفني لدى عبد الحليم أوصله إلى قلوب الناس قبل آذانهم.

كيف استطاع طفل فقير يتيم أن يصل من بلدة صغيرة في محافظة الشرقية (الزقازيق) إلى الوطن العربي والعالم من خلال صوته.

عدت لمشاهدة «حليم»، حليم الفيلم والقصة هي حكايتنا جميعا، كأفراد وأمة، وهي حكاية مستمرة لأجيال جديدة ما دام هناك الحب النبيل، وما دام هناك الشعور الوطني والقومي الأصيل، وهذا هو سر خلود حليم، خلود أحمد زكي، وخلود الفكرة الجميلة التي تنتصر للحب والإنسان والأرض العربية.

لعله حنيننا إلى بلادنا وأوطاننا، ولعله حنيننا إلى أنفسنا وقلوبنا..

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عبد الحلیم حافظ أحمد زکی

إقرأ أيضاً:

الحي العتيق في هانوي.. ألف حكاية وحكاية

هانوي- في فيتنام، يقول المثل "إن شربت الماء، لا تنس النبع". وهنا في الحي العتيق والقلب النابض للعاصمة هانوي، بالليل كما في النهار، ستجد نفسك في رحاب أكثر من نبع يرسخ في الذاكرة، وأمام مهرجان عظيم من التقاليد والثقافات.

وبين حارات "أولد تاون" وأزقته، يتزاحم المشاة مع جحافل دراجات هوائية وأخرى نارية (موتوسيكل) لا يهدأ أزيز محركاتها، لكن الجميع يسير بانتظام شديد واحترام لأدق إشارات المرور وحركة المترجلين.

جحافل الدراجات الهوائية والنارية يملؤون أركان هانوي (الجزيرة)

نساء ورجال، شيب وشباب، كل يمتطي ما تيسّر من ذات العجلتين أو الثلاث، فمن كان متجها نحو عمله تراه يسابق الجميع، ومن كان باحثا عن حريف بين آلاف السياح الذين يملؤون أرجاء الحي، فتراه مبتسما مرحّبا داعيا بود لركوب دراجته الهوائية ثلاثية العجلات أو "السيكلو" كما يسمونها محليا.

ولا يحتاج الأمر كبير عناء لتدرك أن هؤلاء السائقين مهرة ومتمرسون، حتى أنك في لحظة ما تظنهم قادمين من كوكب آخر لفطنتهم وسرعة بديهتهم المرورية، والغريب أنه لا أثر لأي شرطي قد تعتقد أنه يقف وراء تنظيم مهرجان الذاهبين والعائدين على مسرح شوارع حي لا ينام.

"السيكلو"الدراجة الهوائية ذات الثلاث عجلات سيد الشوارع في هانوي (الجزيرة)

ويبدو جليا أن التقيد بمعايير السلامة "في بلد الـ100 مليون موتوسيكل" -على حد تشبيه أحد الرحالة في مقارنة مجازية منه مع عدد سكان البلاد- مسألة لا يختلف حولها اثنان في فيتنام، لذلك قد يصعب أو يستحيل أن ترى سائقا أو راكبا لا يعتمر خوذة حماية على سبيل الذكر لا الحصر.

إعلان

وتلك الخوذات قصة أخرى قد يتطلب تفكيك رموز أشكالها وألوانها وما وضعوا فوقها من "إكسسوارات" عجيبة، بحوثا ومجلدات، ويبقى الأهم أنه لا صلة لها بالقبعة المقدسة "نون لا" التقليدية ذات الشكل المثلث والمصنوعة بأياد ماهرة من سعف القصب، وتمثل هوية فيتنام وطبقته الكادحة في حقول الأرز، وهي الزراعة التي تحتل فيتنام المرتبة الخامسة عالميا في إنتاجها.

خوذات "الموتوسيكل" في هانوي على كل لون وشكل (الجزيرة) تسونامي المذاقات

يغمر تسونامي العجلات والقبعات بأنواعها المكان وتتلاقح أصوات مزامير الدرجات وأجراسها مع نداءات الباعة وصرخات الطهاة، بينما تواصل الأرصفة البهيجة استقبال عشاق المطبخ الفيتنامي الحافل بالأطباق والمذاقات.

ومع اقتراب ربيع شمال فيتنام من نهايته، حيث تقع هانوي، يحاول الجميع الاستمتاع بما تبقى من دفء أبريل/نيسان قبل حلول موسم الأمطار. وحول الموائد والكراسي "قزمية" الحجم، لا صوت يعلو فوق صوت حساء "فو".

وفي دردشة مع موفد الجزيرة نت، تقول شامشاو وهي تحرك بمهارة قدرا ضخما إن "فو" أيقونة المطبخ الفيتنامي بلا منازع، وقد اكتسب سمعته وشهرته من بساطة مكوناته المؤلفة من مرق غني بنودلز الأرز ولحم البقر أو الدجاج مع إضافات سخية من براعم الصويا والبصل والأعشاب الطازجة.

شامشاو أمام قدرها العملاق وابتسامتها الودودة خلال تحضير حساء "فو" (الجزيرة)

وبينما تتصاعد سحب البخار من قدر الحساء العملاق، تضيف شامشاو بنبرة فخر واعتزاز، أن الجميع يقف احتراما وتقديرا أمام هذا الحساء الاقتصادي والشعبي الذي يمكن تناوله في أي وقت، وفي أي مكان من بلاد "الفيتكونغ" وهي تسمية المحاربين والثوار القدامى الذين هزموا أعتى جيوش العالم.

وبابتسامة خبيرة واثقة، وترجمة أمّنها لنا الذكاء الاصطناعي، تهمس المرأة ممازحة "لا تنس الانغماس ما استطعت في الوعاء!" وهي نصيحة مهمة قد تنقذك من "بقع تذكارية" من نوع آخر قد "تزيّن" قميصك في حال لم تتمكن من تفادي رذاذ المرق الساخن أثناء احتسائه.

حساء فو الطبق المقدس في فيتنام (الجزيرة)

وفي انعكاس واضح لحضور أحفاد موليير في الثقافة الفيتنامية، يمكن العثور أيضا على مطاعم مختصة في سندويتش "البان مي" المستوحى من المطبخ الفرنسي ويُحَضَّر من خبز "الباغيت" لكن بنسخة محلية.

إعلان المشروب السحري

وفي طقوس أخرى لا تقل قداسة عن أكل الشوارع (ستريت فود) تتجاوز الساحرة السوداء هنا حدود المشروب الصباحي أو الفنجان المعدل للمزاج، إلى مسألة أعمق تمسّ هوية الفيتناميين وثقافتهم.

ويجتاح هوس القهوة هنا كل ركن بالمدينة ذات الـ8 ملايين نسمة، لا سيما على ضفاف بحيرة "هو هوان كيام" مركز العاصمة، وما من شك أن خوض تجربة "قهوة البيض" ستلخّص كل الحكاية.

قهوة البيض أو "كا في ترونغ" اختصاص فيتنامي بامتياز (الجزيرة)

وكما تشير تسميتها، تُحضّر "كا في ترونغ" من قهوة الروبوستا الفيتنامية الأصلية، ممزوجة مع الحليب المكثف والجبن والزبدة والسكر، يضاف لها صفار البيض، ويخفق الكل نحو 5 دقائق ثم يضاف كوب من "الإسبرسو" والنتيجة مذاق فريد يحتسى على مهل في ثاني أكبر بلد منتج للقهوة عالميا.

وعلى إيقاع فعاليات تركزت أساسا بمحيط البحيرة، حيث مقر الحزب الشيوعي الحاكم لجمهورية فيتنام الاشتراكية، يواصل الفيتناميون الاحتفال بهدوء -يبدو أنه يطبع شخصيتهم المتمرسة- بذكرى خمسينية الاتحاد بين شطري فيتنام الشمالي والجنوبي الذي يوافق الثلاثين من الشهر الحالي.

مجسم ضخم كتب عليه العدد 50 ضمن فعاليات خمسينية الاتحاد بين شطري فيتنام (الجزيرة)

وستكون الاحتفالات استثنائية هذا العام، إذ خصصت السلطات تظاهرات كبرى في أرجاء البلاد ينتظر ان تختتم باستعراض ضخم في مدينة "هو تشي منه" العاصمة السابقة للشطر الجنوبي قبل دخول قوات "العم هو" وطرد آخر فلول الأميركيين منها في يوم تاريخي عام 1975.

مقالات مشابهة

  • فتح مقبرة عبد الحليم حافظ يثير الجدل.. ونجل شقيقه يوضح الحقيقة
  • ما هي حكاية يوم الأرض الذي يحتفل به العالم في 22 أبريل من كل عام؟
  • أحمد حجازي يقود تشكيل نيوم ضد العربي في دوري "يلو"
  • عطار يطرح مينى ألبوم صاحبت نفسى.. تعرف على أغانيه
  • حكاية أطفال الأنابيب (1)
  • "مش مرتاح".. حمادة هلال يكشف عن برومو أحدث أغانيه
  • جميل حليم: البابا فرنسيس عبّر عن صوت الفقراء ودافع عن كرامة الإنسان
  • حمادة هلال يروج لأحدث أغانيه مش مرتاح
  • "مؤتمر العمل العربي" يكرم 25 شخصية من الرواد
  • الحي العتيق في هانوي.. ألف حكاية وحكاية