لا تتكرر أحداث الكسوف الكلي للشمس كثيرا، لذلك فإن الحدث المنتظر يوم 8 أبريل/ نيسان الجاري يحمل أهمية كبيرة لأستاذة الفيزياء الشمسية ورئيس قسم الدراسات العليا في معهد علم الفلك بجامعة هاواي، العالمة ذات الأصول السورية شادية حبّال، والتي تقود منذ عام 1995 فريقا من العلماء والمستكشفين الدوليين الذين يسافرون حول العالم لمراقبة وجمع البيانات عن كسوف الشمس الكلي.

ورغم الانشغال الشديد في التجهيز للمهمة العلمية القادمة، استقطعنا دقائق من وقت العالمة السورية التي تحدثت لـ"الجزيرة نت" عبر البريد الإلكتروني عن قيمة هذا الحدث من الناحية العلمية، وأبرز الاستعدادات لحدث الكسوف القادم، كما تحدثت عن رحلتها العلمية من دمشق إلى أميركا، وأبرز التحديات التي واجهتها.

تقول حبّال: إن "حدث الكسوف الكلي يوفر فرصة مناسبة لمراقبة الهالة الشمسية، حيث يحجب القمر خلال هذا الحدث القرص الساطع للشمس، مما يسمح بمراقبة الهالة (الغلاف الجوي الخارجي الخافت للشمس) دون وهج من سطح الشمس، وهذا يوفر فرصة فريدة لدراسة بنية الهالة وديناميكياتها بدقة عالية".

وعلى مدى السنوات الـ17 الماضية، ركزت حبّال جل اهتمامها على دراسة الرياح الشمسية وثيقة الصلة بالهالة، مما جعل الأوساط الأكاديمية تطلق عليها لقب "سيدة الشمس"، خاصة بعد نجاحها في تغيير الكثير من المفاهيم السائدة عن تلك الرياح.

وافترض العلماء منذ زمن بعيد أن هناك نوعين من الرياح التي تنطلق من الشمس، أحدهما بسرعة 800 كيلومتر في الثانية، والأخرى ثقيلة الحركة تأتي من المنطقة الاستوائية للشمس. غير أن مراقبة الشمس وقت الكسوف سمح لحبّال بعد العشرات من الرحلات العلمية، إثبات أن تلك الافتراضات لم تكن صحيحة، وأن مكونات الرياح الشمسية من الجسيمات المشحونة (معظمها من الإلكترونات والبروتونات) تأتي من كل مكان في الهالة، وتعتمد سرعتها على مغناطيسية المناطق التي قدمت منها.

واستطاعت حبّال من خلال هذه الأبحاث حساب سرعة وصول هذه الجزيئات إلى الأرض، والتنبؤ بتأثيرها في الأقمار الصناعية ومحطات إنتاج الكهرباء، وتجنب أضرارها المحتملة.

وتُواصل حبّال مع حدث الكسوف القادم المزيد من الأبحاث عن الرياح الشمسية، وتقول: " لدينا 3 مواقع مراقبة من الأرض يفصل بينها نحو 500 ميل، وسيكون لدينا نفس الأجهزة في كلٍ منها، وهي أجهزة التصوير التي تحدد ألواناً أو أطوالاً موجية دقيقة في الجزء المرئي من الانبعاث من الهالة، وأجهزة قياس الطيف التي تحلل التركيب الكيميائي للهالة".

وبعيدا عن الأبحاث التي يمكن أجراؤها وقت الكسوف، تؤكد حبّال أن حدوث الظاهرة في الموعد المحدد لها سلفا يُعد تأكيدا على دقة الحسابات الفلكية، مشيرة إلى أن حدوث الاختلاف بين الدول العربية في تحديد بداية شهر رمضان رغم دقة الحسابات، يرجع إلى اعتماد بعضها على الوسائل البصرية بدلا من الجداول الفلكية بالغة الدقة.

شادية حبّال العالمة ذات الأصول السورية والملقبة بـ"سيدة الشمس" نجحت عبر دراستها المكثفة للهالة الشمسية في تغيير الكثير من المفاهيم السائدة عن الرياح الشمسية (الفرنسية) سر التخصص في الفيزياء الفلكية

والمفارقة الملفتة أن ابنة مدينة حمص السورية، والتي صارت من أبرز العلماء الدوليين في الفيزياء الفلكية، ورئيسة لتحرير مجلة الأبحاث الجيوفيزيائية، لم تكن تخطط للتخصص في الفيزياء الفلكية، كما كشفت في حديثها مع "الجزيرة نت".

فقد تخرجت حبّال أوائل السبعينيات في كلية العلوم بجامعة دمشق، قبل أن تلتحق بالجامعة الأميركية في بيروت لتحصل على درجة الماجستير في الفيزياء، وتنتقل عام 1973 إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراستها، حيث حصلت على الدكتوراه من جامعة سينسيناتي في عام 1977، وجاء التخصص في الفيزياء الفلكية في مرحلة ما بعد الدكتوراه بجامعة بولدر.

تقول حبّال:" لقد كان الأمر مصادفة، فقد عملت مع اثنين من العلماء في بولدر كباحثة ما بعد الدكتوراه، وكان تخصصهما فيزياء الطاقة الشمسية والفضاء".

ورغم أنها سبق ووصفت دراسة علم الفلك بأنه لا يحظى بالتقدير الكبير في العالم العربي بسبب محدودية التمويل والرؤية المحدودة لهذا العلم، فإنها عندما سألت عن توجه الإمارات الفضائي، ورؤية البعض في العالم العربي لهذا النشاط على أنه "ترف"، مالت إلى التعميم وقالت: "هذا الشعور ليس فريدا في العالم العربي، فهناك الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم لا يقدّرون قيمة البحث العلمي في مجال الفلك ويعتبرونه ترفا، وليس من السهل دائما على الناس أن يفهموا أنه يتطلب تمويلا، وبدون تمويل لن يحدث أي تقدم في هذا المجال".

وأعلنت "سيدة الشمس" في حوارات سابقة عن سعيها لتغيير هذا الوضع في بلدها سوريا، عبر تنفيذ محاولتين لدراسة علم الفلك في جامعة دمشق، حيث سعت في عام 1999 لإشراك باحثين سوريين في فريقها البحثي بجامعة هاواي، وفي 2008 حاولت إدخال علم الفلك في مناهج التدريس، غير أن كلتا المحاولتين لم تسفر عن شيء، وشعرت بعدم اهتمام الأساتذة والطلبة بهذه العلوم التي يرون أنها مرتبطة بالأبراج والأمور البسيطة، ولم يدركوا أن الفيزياء هي أحد العلوم الأساسية في دراسة علم الفلك، ولها دور كبير في أي تطور تكنولوجي كبير نشهده اليوم.

ورغم ذلك، لم تغلق باب التعاون مع بلدها الأم أو أي دولة عربية، لكنها قالت للـ"الجزيرة نت": "ليس لدي خطط أو مشاريع محددة في هذا الاتجاه بالوقت الحالي، لأن البنية التحتية لا تزال معدومة، على الأقل على حد علمي".

تشخيص أمراض البحث العلمي

وتَعتبر حبّال توفر البنية التحتية والموارد اللازمة للبحث العلمي شرطا كي تحط رحالها في أي بلد، لذلك عندما سألناها عن إمكانية ان تتخذ قرار العودة إلى سوريا قالت: "هذا رهن بأن يكون هناك استثمار جدي في البحث العلمي"، وتابعت: "أنا أعتبر العالم وطني، فلا أؤمن بالحدود الجغرافية، واختيار المكان الذي أعيش فيه يعتمد في المقام الأول على الموارد المتاحة لي لمتابعة عملي العلمي".

وتؤمن حبّال -ابنة عالِم النفس السوري نعيم الرفاعي- التي وقعت في غرام العلوم منذ طفولتها، بأن العالم العربي لا يفتقر إلى الباحثين البارعين، لكنها أضافت: "لا يتعلق الأمر بالافتقار إلى البراعة لدى أولئك الذين يسعون جاهدين لإجراء الأبحاث، ولكن يجب أن يكون هناك دعم حكومي وتعليمي على جميع المستويات من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة، فنقص الموارد في معظم الدول العربية هو الذي يخنق البحث".

وتعترف بأن طريقها في الغرب لم يكن ممهدا، وذلك لأن المرأة في مجال العلوم بالغرب -شأنها شأن أي دولة عربية- تواجه تحديات لكونها أنثى.

وتقول العالمة التي تتزعم حركة أكاديمية للعلماء تُعرف باسم مجموعة "النساء المغامرات": "واجهت نفس التحدي الذي تواجهه معظم النساء وما زلن يواجهنه في أي مجال يهيمن عليه الذكور، فلا تزال المرأة تسعى لأن يتم احترامها وقبولها وأخذها على محمل الجد".

نصيحة غالية من رحلة طويلة

وخلال رحلتها في مواجهة هذا التحدي، صنعت حبّال قصة نجاح ملهمة  في مجال يهيمن عليه الباحثون الذكور، وقادت خلالها 10 بعثات استكشافية لكسوف الشمس حول العالم، وترأست العديد من الفرق العلمية التي شاركت في دراسة الكسوف بالتعاون مع وكالة ناسا في الأعوام 2006 و2008 و2009.

ولعبت خلال تلك الرحلة دورا رئيسيا في التحضير لرحلة المسبار الشمسي التابع لناسا، والذي كان أول مركبة فضائية لدراسة الغلاف الجوي الشمسي، وتشغل عضوية العديد من الهيئات المهنية، بما في ذلك الجمعية الفلكية الأميركية، والاتحاد الفلكي الدولي، فضلا عن كونها زميلا في الجمعية الفلكية الملكية.

وفازت خلال مسيرتها المهنية بالعديد من الجوائز منها "جائزة الإنجاز لمجموعة ناسا" عام 2000، و"جائزة سلسلة محاضرات المرأة المغامرة" من مركز هارفرد سميثسونيان للفيزياء الفلكية عام 1998، و"جائزة الريادة" من منظمة الفكر العربي عام 2004.

وترى حبّال أن انتقالها خلال تلك الرحلة البحثية الطويلة بين دول ومؤسسات مختلفة، مثل جامعة دمشق والجامعة الأميركية في بيروت وجامعة سينسيناتي؛ كان دافعه الأساسي "اقتناص الفرص البحثية"، وقالت إن "المثابرة والإيمان بالقوة كانتا الوقود الذي أشعل حماسها ودفعها للنجاح".

وعندما طلبنا منها توجيه نصيحة للباحثين الطموحين في دول العالم الثالث الذين يريدون كتابة قصة نجاح مشابهة لما حققته، قالت: "ثقوا بأنفسكم ولا تسمحوا لأحد أن يقنعكم بأنكم لستم جيدين بما فيه الكفاية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات فی الفیزیاء الفلکیة الریاح الشمسیة العالم العربی علم الفلک

إقرأ أيضاً:

تقرير أممي يحذر من أزمة اجتماعية عالمية: زيادة الفقر وقلق بشأن فقدان الوظائف

 

لا يزال الكثيرون في أنحاء العالم على حافة الفقر على الرغم من المكاسب الكبيرة التي تحققت في هذا المجال، فيما يشعر حوالي 60% من الناس بالقلق من فقدان وظائفهم، وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة حذر من أزمة اجتماعية متفاقمة بسبب انعدام الأمن الاقتصادي، ومستويات التفاوت المذهلة، وتراجع الثقة الاجتماعية.

التغيير ــ وكالات

التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية يدعو إلى اتخاذ إجراءات سياسية فورية وحاسمة لمعالجة هذه الاتجاهات المقلقة.

وقال التقرير الاجتماعي العالمي لعام 2025 إن أكثر من 2.8 مليار شخص – أي أكثر من ثلث سكان العالم – يعيشون في ظل الفقر إذ يتراوح دخلهم بين 2.15 و6.85 دولار في اليوم. ويمكن لأي انتكاسة طفيفة أن تدفع الناس إلى الفقر المدقع.

قلق عالمي بسبب فقدان الوظائف

ويفاقم عدم الاستقرار في التوظيف على نطاق واسع حالة عدم اليقين الاقتصادي، إذ يشعر حوالي 60 في المائة من الناس على مستوى العالم بالقلق من فقدان وظائفهم وعدم قدرتهم على العثور على وظائف جديدة.

وفي الوقت نفسه، يعيش 65 في المائة من سكان العالم في بلدان تشهد زيادة في تفاوت الدخل. ولا يزال جزء كبير من إجمالي تفاوت الدخل يعزى إلى التفاوت على أساس خصائص مثل العرق والطائفة ومكان الميلاد والخلفية الأسرية.

وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة، سيظل هدف “عدم ترك أحد خلف الركب” – الذي حددته أهـداف التنمية المستدامة – بعيد المنال بحلول عام 2030 ما لم يتسارع التقدم.

نصف سكان العالم لا يثقون بحكوماتهم

ويؤدي تزايد انعدام الأمن والتفاوت إلى تقويض التماسك الاجتماعي وإجهاد أسس التضامن والتعددية. ولا يثق أكثر من نصف سكان العالم بحكوماتهم إلا قليلا أو لا يثقون بها على الإطلاق.

ومن المثير للقلق أن مستويات الثقة تتراجع من جيل إلى جيل، مما يشير إلى انهيار منهجي للتماسك الاجتماعي. ويؤدي الانتشار السريع للمعلومات المضللة والمغلوطة إلى تفاقم هذه الاتجاهات المقلقة.

في حين أن الأزمات الأخيرة سلطت الضوء على انعدام الأمن والثقة بشكل حاد، يؤكد التقرير أن هذه التحديات الاجتماعية عميقة ومتراكمة على مدى عقود.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “يتفشى التفاوت وانعدام الأمن وانعدام الثقة بشكل عميق في جميع أنحاء العالم. ويكافح عدد لا يحصى من الناس لتغطية نفقاتهم في حين تتركز الثروة والسلطة في القمة. وتستمر الصدمات الاقتصادية والصراعات والكوارث المناخية في محو المكاسب التنموية التي تحققت بشق الأنفس. وبالنسبة للكثيرين، تتسم الحياة بعدم اليقين وانعدام الأمن، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تأجيج الإحباط وتعميق الانقسامات. وأهداف التنمية المستدامة بعيدة للغاية عن المنال”.

ويتطلب التغلب على هذه التحديات – وتسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة – تحولات أساسية في السياسات والمؤسسات والأعراف والعقليات.

وعن ذلك قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لي جونهوا: “يدعو التقرير إلى تقييم نُهج السياسات. ويتطلب الحفاظ على التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة كسر الحلقة المفرغة المتمثلة في انعدام الأمن وتدني الثقة وتقلص الحيز السياسي. ويجب على الحكومات والمجتمع الدولي أن يقيّموا بشكل نقدي أوجه قصور السياسات الاقتصادية والاجتماعية – أو حتى تفاقمها لانعدام الأمن”.
قطر تستضيف القمة العالمية للتنمية الاجتماعية

يشار إلى أن مؤتمر القمة العالمي الثاني للتنمية الاجتماعية، سيعقد في العاصمة القطرية الدوحة، في الفترة من 4 إلى 6 تشرين 2025.

وذكر التقرير أن المؤتمر سيوفر منصة حاسمة للحكومات لتقييم التقدم المحرز واتخاذ إجراءات ملموسة للتصدي لهذه التحديات الاجتماعية الحرجة.

الوسومأزمة عالنية إنعدام الأمن الحكومات فقدان وظائف

مقالات مشابهة

  • سيدة عربية تتهم مستشفى بأكتوبر بالتسبب في تشوه جسدها
  • تقرير أممي يحذر من أزمة اجتماعية عالمية: زيادة الفقر وقلق بشأن فقدان الوظائف
  • فلكي يمني يكشف أسرار الهالة الشمسية القوسية التي أثارت دهشة الجميع
  • أقوى تلسكوب شمسي في العالم يلتقط أدق صورة للشمس
  • تقرير أممي يحذر من أزمة اجتماعية عالمية
  • الإمارات تقود جهوداً عالمية للوصول إلى عالم خالٍ من الملاريا
  • شرطة عجمان تكرّم سيدة عربية لمساهمتهـــا فـــي إنقــاذ طفـــل
  • كيليا نمور تقود المنتخب الوطني في المرحلة الختامية لكأس العالم للجمباز
  • قنوات عالمية تحجز استوديوهات البث المباشر قرب ملعب الرباط الجديد
  • ضبط سيدة تقود عصابة متخصصة فى النشل