#تأملات_ رمضانية
د. #هاشم_غرايبه
قد يتساءل البعض، لماذا اعتبر الله أمتنا خير أمة أخرجت للناس، فيما كان تكريمه لبني إسرائيل أكثر، فقد بعث فيهم الأنبياء تترى، كل نبي يخلف نبيا، من يعقوب الى المسيح عليهم السلام، وأنعم عليهم إنعاما كثيراً، فأنزل عليهم التوراة والإنجيل والزبور، وفرق بهم البحر، وأنزل لهم مائدة من السماء، وجعل لهم المن والسلوى حصرا من بين البشر، وفجر لهم من الصخر اثنتا عشرة عينا… فيما لم يبعث في هذه الأمة إلا نبيا واحدا، ولم ينزل الا كتابا واحدا، ولم ينزل عليهم من إنعامات مثلما أنزل على بني إسرائيل.
حقيقة أن الله اصطفى بني إسرائيل برسالاته، لكنها كانت أولية تمهيدية للإعداد للرسالة الخاتمة التي سينزلها الله حين يرتقي الفكر البشري الى الدرجة التي يتمكن من استيعابها، ومقابل ذلك التكريم لبني إسرائيل، فقد ابتلاهم الله ابتلاءات كثيرة (وفتناك فتونا) ليتأهلوا للمهمة الكبيرة، وهي استيعاب الهدى والنور الذي انزل عليهم، وما يتعلق بذلك من الإيمان والتوحيد والعبادة، أولا، ثم مهمة تبيان ما انزل اليهم من ربهم للأمم الأخرى، ودعوتهم الى اتباع منهج الله.
لكنهم ما صانوا هذه النعمة الفضلى وما قدروا الله حق قدره، بل ماروا انبيائهم بعدما تبين لهم أنهم جاءوا بالحق من ربهم، بل وقتلوا عددا منهم، ولما مكن الله لهم في الأرض أفسدوا فيها، وزاغوا عما دعوا اليه، وكانت آخر فرصة لهم لمراجعة أنفسهم رسالة عيسى بن مريم عليه السلام إليهم، لكنهم كذبوا بها وأرادوا قتله.
لكن الأهم في أفعالهم الممقوتة عند الله أنهم أخفوا كتاب الله (التوراة) عن غيرهم، ولم يسمحوا لأحد من الأمم الأخرى بالاطلاع عليه: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ” [آل عمران:187].
إزاء ذلك كله، غضب الله عليهم ولعنهم، وتحقيقا لسنة الله الثابتة: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” [الأنفال:53]، فكتب عليهم ما لم يكتبه على غيرهم من الأمم من الذلة والمسكنة، والى يوم الدين.
لم يرفع الله بعد ذلك أنعمه عن البشر، فاصطفى ذرية اسماعيل (الفرع الثاني من ذرية ابراهيم)، فكان منها محمد صلى الله عليه وسلم الذي أكرمه الله بالرسالة الخاتمة، التي أكمل فيها أعظم إنعاماته وهي الدين، كما جعله سيد الأنبياء جميعا، بدليل أنه أخذ عليهم عهدا أن يتبعوه: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ” [آل عمران:81].
هنا قد يسأل سائل: كيف سيتبع هؤلاء المرسلين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وهم لم يدركوه!؟.
الإجابة: هو أن كل رسول أعلمه الله تعالى بأن رسالته هي مقدمة للرسالة الخاتمة والتي سيأتي بها النبي الأخير، لذلك هو يؤمن بها ويدعو كل من اتبعه أن يتبعها إن أدركها، لذلك جمعهم الله جميعا في المسجد الأقصى ليلة الإسراء، وكانت إمامة رسول الله بهم هو إقرار منهم له بالسيادة والإتباع.
نستخلص مما سبق:
1 – إن كثرة ذكر قصص بني اسرائيل في القرآن الكريم بهدف أن نتعظ مما حدث معهم، ولا نقع فيما وقعوا فيه.
2 – إنه لا تغيير لسنة الله في خلقه، ولا تحويل لها، فمن انعم الله عليه بنعمة ولم يوف بحق المنعم عليها، نزعها الله منه وعاقبه
3 – إن الأمة التي اجتباها الله برسالاته هي ذاتها، وهي ذرية ابراهيم، إكراما له بعد أن اجتاز ابتلاءات عظيمة: فقال تعالى بحقه: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” [النحل:120]. فاختار الله الأنبياء من بعده من ذريته: “وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” [المؤمنون:52].
لكن بني إسرائيل انحرفوا عندما حرفوا كتب الله التي تدعوهم الى اتباع الرسالة الخاتمة، فغضب الله عليهم.
وخلاصة الخلاصة أن تغير عزة هذه الأمة الى ذلة وانكسار، سببه تركها منهج الله الذي أنعم به عليها، واستبدالها به منهج المغضوب عليهم والضالين. مقالات ذات صلة هل تجدد سيناريو الحرب الإقليمية؟ 2024/04/04
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات بنی إسرائیل الله علیه
إقرأ أيضاً:
هل غيّرت إسرائيل استراتيجيتها في لبنان؟
سلطت وسائل الإعلام العبرية الضوء على العملية النوعية التي نفذتها مجموعة من الكوماندوز الإسرائيلي في الداخل اللبناني لاعتقال قيادي كبير لدى تنظيم "حزب الله" اللبناني، مضيفة أنها تشير إلى تغيير المعادلة الإسرائيلية في لبنان.
وذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، تحت عنوان "على قوارب مطاطية بزي الجيش اللبناني.. تفاصيل جديدة عن الاعتقال الذي أذهل حزب الله"، أن عملية الإنزال استمرت فقط 4 دقائق، وتم خلالها اقتحام مقر لتمضية العطلات، واعتقال القيادي عماد أمهز، الذي كان يتواجد بمفرده في المكان.وبتفتيش شقته، تم العثور على حوالي 10 شرائح هاتفية أجنبية، وهاتف محمول وجواز سفر أجنبي، وفور اعتقاله، تم إجلائه بقوارب سريعة، ووفقاً للصحيفة، تم مسح بيانات الكاميرات الأمنية في المنطقة عن بُعد.
وأعلن الجيش الإسرائيلي لاحقاً عن العملية، وكشف أنه اعتقل عنصراً في القوة البحرية لحزب الله من أجل الحصول على معلومات استخباراتية، وبحسب تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي، قال مصدر إسرائيلي، إن أمهز متورط في نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان بحراً، ووفقاً للتقارير فإن أمهز أنهى دورة ضابط بحري قبل عامين وعاد قبل شهرين لدورة أخرى، بهدف الالتحاق بالقوة البحرية للجيش اللبناني.
تفاصيل جديدة حول اختطاف مسؤول بحزب الله في عملية إسرائيليةhttps://t.co/VRo5r1XzY6
— 24.ae (@20fourMedia) November 2, 2024ردود فعل متباينة
وتقول معاريف، إن الحدث أثار ردود فعل متباينة في لبنان، وبينما امتنع كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين عن التعليق، وانتظرت شخصيات معارضة نتائج التحقيق، أعربت الحكومة عن احتجاجها من خلال بيان لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي، فيما قال وزير الأشغال العامة علي حمية أن أمهز التحق بدورة في معهد مدني لتدريب قباطنة السفن التجارية واليخوت، بهدف الانضمام إلى القوة البحرية للجيش اللبناني، فيما كشف أصحاب المبنى الذي تم إلقاء القبض عليه أنه استأجر ذلك المكان منذ نحو شهر.
عملية معقدة
وذكرت الصحيفة أن المنطقة التي جرت فيها العملية تقع قرب شاطئ الضبية (نحو 12 كيلومتراً شمال بيروت)، وهي تحت السيطرة الكاملة للجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية ولا تعتبر مرتبطة بحزب الله من الناحية الاجتماعية أو السياسية.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن المقدم احتياط في الجيش الإسرائيلي، عاميت ياغور، الذي عمل ضابطاً في شعبة الاستخبارات البحرية الإسرائيلية، أن مثل هذه العمليات معقدة، وتحتاج إلى تخطيط دقيق للغاية وتكتيكي في الميدان، موضحاً أن هذا الإجراء لا يتم اتخاذه إلا إذا كانت هناك قيمة عالية جداً للشخص المستهدف.
وأوضح الجنرال أن القيادي يتبع الوحدة البحرية في حزب الله، وهي وحدة استراتيجية، وتهدف إلى التأثير على إسرائيل على المستوى الاستراتيجي من خلال الهجوم على منصات الغاز.
هل تغيرت المعادلة؟
وفي تحليل نشرته "معاريف" تحت عنوان "اعتقال كبار قادة حزب الله يكشف.. إسرائيل غيرت المعادلة في لبنان"، إن تلك العملية بمثابة ضغط مباشر على حزب الله، وعلى الحكومة اللبنانية، وتعبر عن التصميم الإسرائيلي على شن حرب عالية الكثافة حتى في المناطق البعيدة عن الحدود بين البلدين.
وأضافت الصحيفة في التحليل الذي أعده الخبير العسكري آفي أشكينازي، أن هناك عدة أمور مثيرة للاهتمام في هذه العملية، أولاً، تشير إلى مستوى استخباراتي واختراق كبير لحزب الله، ثانياً، يبعث هذا الإجراء برسالة إلى أعضاء حزب الله مفادها أنهم ليسوا محصنين في أي مكان في لبنان.
ووفقاً لـ"معاريف"، عكست التقارير الواردة من لبنان محنة حزب الله وعجزه، موضحة أن إسرائيل تمر الآن بفترة حرجة، حيث إنه من المفترض أن يؤثر موعد الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية على استمرار الحرب، خصوصاً على الحدود الشمالية، ولذلك هناك اختبار كبير للمستوى السياسي،يتعلق لـ"مبادئ اليوم التالي، والسيطرة الكاملة للجيش اللبناني في الجنوب، والحفاظ على حق إسرائيل في التصرف بحال دخول عناصر مسلحة إلى المنطقة القريبة من الحدود".
ورأت الصحيفة، أن إسرائيل تقف على مفترق طرق، فمن ناحية، تجد صعوبة في خوض حرب استنزاف، ومن ناحية أخرى، مطلوب منها الآن العمل على إعادة الأمن لسكان الشمال وإعادتهم مجدداً إلى المستوطنات، معتبرة أن على إسرائيل أن تركز جهودها على اللعب على كامل الساحة في لبنان، وإجبار حزب الله والحكومة اللبنانية على قبول إملاءاتها من أجل إنهاء القتال في الشمال.