قبل أيام قلائل؛ في يوم الحادي والثلاثين من مارس الماضي، جرت انتخابات البلدية التركية، والتي شهدت تنافسا شديدا بين الأحزاب التركية، سواء الحاكمة وحليفاتها، أو المعارضة وحليفاتها، أو المقتربين منها والمتفقين معها في معارضة الرئيس التركي أردوغان وحزبه العدالة التنمية، والتي انتهت بفوز المعارضة بالأغلبية، وخسارة الحزب الحاكم لمقاعد بلديات عديدة، وليس حديثي هنا عن تحليلات سياسية أهل السياسة والصحافة أدرى بها مني، بل الحديث عن مفارقات يرصدها من تابع المشهد الانتخابي، ومشاهد سابقة.
أولى المفارقات، وهي واضحة وجلية: أننا افتقدنا هذه المرة ـ رغم هذه الخسارة المدوية لحزب أردوغان ـ المنابر العربية الشامتة، في دول الثورات المضادة، فلم نجد منصة واحدة إعلامية تتبع النظام المصري، أو الخليجي، تطلق البرامج والأخبار، وتستقبل الضيوف والمكالمات، شماتة في هذه الهزيمة، والتبشير بقرب انتهاء حكم أردوغان، وأن هذه هي بوادر فقط، وأن كل من أتى على هؤلاء الحكام لم يربح أبدا، فمن يسترجع ليلة الانقلاب التركي منذ سنوات، وما كتبته الصحف المصرية آنذاك، من ادعائها بسعي أردوغان للجوء لألمانيا، وسيطرة الانقلابيين على الحكم.
وفي انتخابات سابقة، كانت مجرد نزول نسبة أردوغان أو حزبه كسورا قليلة من الأصوات ـ رغم نجاحه ـ كفيلة بجعل هذه المنصات تقيم الأفراح، والليالي الملاح، شماتة، وحديثا عن بداية النهاية، لكننا لم نسمع لها كلمة هذه المرة، ولم نر حرفا واحدا يكتب في صحفهم، لأن هذه الانتخابات أتت بعد تقارب بين النظامين: المصري والتركي، فلم يعد من اللائق الشماتة في حليف، قد يكون من شؤم حلفهم هذه الخسارة.
ثاني المفارقات التي نلاحظها في هذه الانتخابات، أن كثيرين من أهل السياسة الحزبية في تركيا، لم يعطوا عامل أحداث غزة أهمية في انتخابات محلية تركية تتعلق بالبلديات، فهي ليست برلمانية ولا رئاسية، ولكن هذا البعد استحضره جل المهتمين بالشأن العربي والإسلامي، وهو ما بدا جليا وواضحا في جل التحليلات السياسية التركية وغير التركية بعد الانتخابات، أن غزة وفلسطين كانت حاضرة في المشهد الانتخابي التركي، فعدد غير قليل ممن قاطع الانتخابات، كان لموقف العدالة والتنمية، ولموقف أردوغان نفسه من القضية، وأنه لم يكن على مستوى أدائه فيما سبق من أحداث أقل خطرا من هذه الأحداث.
المفارقة الأبرز في المشهد، ليس في قناعة إسلاميي تركيا بذلك، بل ما لمسته أن كثيرين من أنصار المعارضة، بات مستشهدا بذلك، وبات مقتنعا بأن نسبة غير قليلة من نجاح مرشحيهم، وانصراف الناخبين في دوائر معينة عن العدالة والتنمية، كان أحد أسبابها: أحداث غزة، وهو ما يعد حضورا مهما لغزة وفلسطين في المشهد السياسي التركي، عند الحزب الحاكم والمعارضة على حد سواء.
غزة وفلسطين كانت حاضرة في المشهد الانتخابي التركي، فعدد غير قليل ممن قاطع الانتخابات، كان لموقف العدالة والتنمية، ولموقف أردوغان نفسه من القضية، وأنه لم يكن على مستوى أدائه فيما سبق من أحداث أقل خطرا من هذه الأحداث.المفارقة الثالثة في هذا المشهد، هو أن جزءا من التصويت العقابي، أو الانصراف عن العدالة والتنمية، كان بسبب أحداث غزة، وهو مفهوم بالنسبة لناخبين متدينين، لكن المفارقة الأكثر غرابة، هو تصريح وزير خارجية الكيان الصهيوني، وكأن الناخب التركي ذهب بأصواته للمعارضة، انتقاما لإسرائيل، وانتصارا لها ضد غزة، وضد فلسطين!
المفارقة الرابعة والأبرز والأهم هنا: أن أكذوبة أن الإسلاميين إذا وصلوا للحكم لا يخرجون منه، كلام يقال من باب الفزاعة منهم، والافتراء عليهم فقط، ولكن الواقع العملي أثبت عكس ذلك في عدة دول، بداية بمصر، والتي لم يخسر الإسلاميون مقاعد ربحوها من قبل في الانتخابات النزيهة، إلا عندما كانوا في سدة الحكم، بداية من اتحاد الطلاب، والنقابات، وهيئات التدريس بالجامعة، وغيرها، وقد خسروها جميعا، وهم في سدة الحكم. وأن الأعداء الحقيقيين للديمقراطية والصناديق هم المتاجرون بها، من أدعياء المدنية، وأتباع الحكم العسكري وأذنابه.
المفارقة الخامسة والأخيرة، وهي تتعلق بملف اللاجئين، والذي تم المتاجرة به كثيرا في تركيا، فرغم ما مني به الحزب الحاكم من خسارة كبرى في انتخابات البلدية، لكن بعض الدوائر الانتخابية أسقطت وهم ما يرمي بكل المشكلات الاقتصادية في تركيا على ملف اللاجئين، وأنهم السبب، وما عملته الميديا بشكل سيء ومؤذ، فوجدنا أكبر المدن التي تمتلئ باللاجئين مثل: غازي عنتاب، تصوت لصالح العدالة والتنمية، فلو كان الناخب التركي يرى صحة هذه الادعاءات، لانطلت عليه الحيلة الكاذبة.
وهو درس يجب أن تعيه المعارضة التركية، فمن الخطأ الكبير الخلط بين الدعاية الانتخابية، وبين الأداء السياسي الحقيقي، فإن جاز سياسيا المتاجرة بورقة اللاجئين، أو الأجانب، في الانتخابات، فمن العبث السياسي والاقتصادي التكملة في هذا المسار بعدها، لأنه مسار مهلك، ويؤذي تركيا في أهم ملفاتها، وهو ملف: السياحة، وقد تضررت تركيا في الصيف الماضي من بعض التصرفات العنصرية، والتي جعلت عددا من السائحين العرب ينصرفون، بل ينقلون سوء المعاملة لذويهم ودوائرهم المقربة مما يقلق من المواسم السياحية القادمة، إن لم يتم تدارك الموقف.
وبخاصة أن المعارضة فازت في دوائر الكثير منها سياحية، فاسطنبول، وبورصا، وغيرها، كلها مدن سياحية، وبخاصة مدن البحر الأسود، أكثر من يذهب إليها في الصيف: العرب والمسلمون، لأنها مدن فيها قدر كبير من التسامح في التعامل مع الأجانب، فلو انتقلت عدوى العنصرية، أو أكمل الخطاب التهييجي ضد اللاجئين والأجانب خطواته، سيؤدي إلى خسائر فادحة في هذا الملف، وإن جاز ذلك من عوام تجرهم الميديا لهذا الفعل، فعلى السياسي أن يكون أكثر حنكة من الوقوع فيه، فليس من الحكمة: أن تبصق في طبق ستأكل منه، فإن قوام اقتصاد هذه المدن على السياحة، ولو تضرر الناخب في أهم مورد له، سيصب لعناته في أقرب انتخابات قادمة على من تسبب فيها.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه انتخابات تركيا تركيا انتخابات رأي نتائج مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدالة والتنمیة فی المشهد
إقرأ أيضاً:
ناجو حرائق لوس أنجلوس يعودون إلى منازل مدمرة وذكريات محترقة
عاد سكان مدينة لوس أنجلوس الأميركية إلى منازلهم بعد إجلائهم بسبب حرائق الغابات المدمرة التي اجتاحت المدينة، ليجدوا أن ما تبقى من منازلهم ليس سوى أنقاض وحطام. وقالت السلطات إن الحرائق، التي تعد من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ كاليفورنيا، أودت بحياة 11 شخصا على الأقل وألحقت أضرارا كلية أو جزئية بأكثر من 10 آلاف مبنى.
ووصف الناجون المشهد بأنه "أشبه بنهاية العالم"، حيث تحولت أحياء كاملة إلى رماد، مما ترك السكان في حالة من الحزن والصدمة. وقال أورين ووترز، أحد الناجين، لوكالة الأنباء الفرنسية "هذا أمر لا يمكن تصوره. كل شيء حولنا دمر".
وكانت الصور الجوية لمناطق مثل باسيفيك باليساديس وألتادينا تُظهر منازل محترقة بالكامل، مما جعل المشهد أشبه بمنطقة حرب. وأعرب بعض الناجين عن امتنانهم لنجاتهم، بينما بكى آخرون على فقدان منازلهم وذكرياتهم.
سيارات محترقة جراء حريق باليسادس في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية (الفرنسية)وقال ريك ماكغيغ، الذي فقد منزله في حي باليساديس، "كل شيء حولنا تحول إلى رماد. ولم يتبق سوى تمثال للسيدة مريم العذراء، وهو نعمة في هذا الوقت العصيب". وأضاف: "نشعر بالحزن الشديد، لكننا ممتنون لوجودنا بجانب بعضنا".
وكان ماكغيغ قد لاحظ الحريق لأول مرة يوم الثلاثاء الماضي، عندما كان يتمشى مع كلبه بالقرب من المتنزه، ورأى سحبا بيضاء تبين لاحقا أنها دخان. فهرع إلى منزله وحزم ما استطاع حمله في سيارته، ثم فر مع زوجته. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، جلس الزوجان يشاهدان اتساع رقعة الحريق عبر كاميرا مراقبة في منزلهما.
كذلك أعربت كالين أستور، التي نجا منزل والدتها من حرائق الغابات المدمرة التي اجتاحت لوس أنجلوس، عن صدمتها من حجم الدمار الذي لحق بالولاية، وقالت "كاليفورنيا تحترق. نحتاج إلى دعم أكبر لمواجهة هذه الكوارث"، في إشارة إلى أن التحديات التي تواجهها الولاية تتطلب استجابة أقوى من السلطات والمجتمع.
إعلانوكانت الرياح القوية، التي بلغت سرعتها 160 كيلومترا في الساعة، قد ساعدت في انتشار النيران بشكل سريع، مما جعل جهود الإطفاء صعبة للغاية. وعلى الرغم من تراجع قوة الرياح يوم الجمعة، لا تزال هناك 5 حرائق رئيسية خارج السيطرة.
بعد أن دمر الحريق الحي بأكمله تقريبا، لم يتبق لدى السكان سوى أنقاض وحطام منازلهم (الفرنسية) مناطق منكوبةبدوره، صرح الرئيس الأميركي جو بايدن بأن المشهد في المدينة "أشبه بساحة حرب"، داعيا إلى تقديم الدعم الفوري للمناطق المتضررة. من جهته، قال حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم إن الولاية بحاجة إلى "مراجعة مستقلة كاملة" لاستجابتها للكوارث، مشيرا إلى أن نقص الموارد والإمدادات أعاق جهود الإطفاء.
وأثارت عمليات النهب في المناطق المنكوبة مخاوف إضافية، مما دفع السلطات إلى فرض حظر تجول في بعض الأحياء. وقال نيكولاس نورمان، أحد السكان الذين شكلوا دوريات لحماية ممتلكاتهم: "لم أنقذ منزلي حتى يأتي معتوه وينهبه. هذا غير مقبول".
وتسببت الحرائق أيضا في تعطل الحياة اليومية في لوس أنجلوس، حيث أُجلت فعاليات ثقافية ورياضية، بما في ذلك مباريات كرة السلة وحفلات توزيع الجوائز. كما أُغلقت بعض الطرق وأُجلت رحلات جوية بسبب الدخان الكثيف الذي غطى السماء.
وتعد حرائق هذا العام الأكثر تدميرا في تاريخ كاليفورنيا، بتكلفة تقدر بين 135 و150 مليار دولار. ويقول خبراء المناخ إن التغير المناخي يلعب دورا كبيرا في زيادة تواتر وشدة هذه الكوارث الطبيعية.