سودانايل:
2024-10-04@23:46:48 GMT

الأحزاب السياسية.. التقزم في تقدم

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
الأحزاب السياسية هي كيانات تنشأ وفقاً لرغبة أعضائها ليكونوا أكثر تأثيراً في الواقع السياسي، فالحزب السياسي هو جماع عضوية ومرجعية أيدولوجية تكون بمثابة الرؤية الاستراتيجية تنبثق عنها برامج مرحلية، وبناء تنظيمي يشمل فيما يشمل دستوره و نظامه الأساسي الذي يحدد معالم هيكله التراتبي.

وهو بهذا الصفة مؤسسة حرة تعمل في الأساس على تغيير الواقع من خلال المنافسة على السلطة Contesting for power عبر النظم المستقرة في النظم الليبرالية حيث التداول السلمي للسلطة من خلال عملية الانتخابات.
فالحزب السياسي بهذا يُعتبر جزء مهم وأساسي من مكونات المجتمع المدني العريض.. وهذا الأخير يشمل فيما يشمل كل المنظمات والكيانات الحرة المتجاوزة لروابط الدم كالاسرة والقبيلة. وكل ما هو دولة بالمعنى المؤسسي للكلمة. إذن فالمجتمع المدني هو كل المؤسسات الطوعية ذات العضوية الحرة التي تنشأ في الفضاء العام الناتجة عن حركة التفاعل بين ثلاثة قوى أساسية هي (الدولة، السوق والمجتمع) بحيث يجب تعريف وتحديد هذه القوى جيدا حتى لا تتداخل مع مؤسسات المجتمع المدني. فالدولة هي الكيان القابض على أدوات القهر والعنف بما فيها من جيش وشرطة وقضاء وسلطة بيروقراطية، والسوق هو فضاء التفاعل الحر تنتظم فيه حركة تبادل المصالح الإقتصادية والتجارية وحركة الأموال والبضائع المنقولة وغير المنقولة. أما المجتمع فهو مجموع الأفراد وروابطهم وما ينشأ عنهم من وتفاعل و تداخلات .. ويجدر بالتذكير هنا اعتبار المنظمات الدينية جزء من منظمات المجتمع المدني حتى وأن لم تكن الروابط فيها قائمة على أسس ديمقراطية - كالطرق الصوفية على سبيل المثال- وأكثر ما يعبر عنها هي المنظمات المعروفة بالمنظمات القائمة على العقيدة Faith Based Organizations.
هنالك من يُحاجج بأن الأحزاب السياسية ليست ضمن مؤسسات المجتمع المدني، ذلك لأنها في بعض الأحيان تكون حاكمة أو ضمن سلطة الدولة، وهذا تقدير صحيح بالمجمل، غير أنه غير صحيح بالنظر الدقيق لكونها في الأصل تتحرك بين الحكم والمعارضة في الأنظمة الديقراطية، كما أنها عندما تحكم لا تحتكر السلطة بالمطلق ولا أدوات العنف ولا تُعرّف بهما، وإنما تكون قَيّمة عليها لأجلٍ مسمى بحسب النظام الديمقراطي الذي شرطه الأساسي الليبرالية بما تفرضه من تدوال سلمي للسلطة.
على عموم يظهر أن هنالك إشكال حقيقي في تصنيف الأحزاب السياسية ضمن مؤسسات المجتمع المدني، وقد يمتد هذا الإشكال حتى للأحزاب السياسية نفسها، فعلى سبيل المثال ما يحدث في واقع السودان السياسي يبدو أن الأحزاب غير قادرة على تصنيف نفسها كجزء من قوى ومؤسسات المجتمع المدني.. وهو الإشكال الذي وقعت فيه قوى (تقدم) فتقدم هي في خلاصة الأمر تشكيلة تحالفية أخذت على عاتقها وقف الحرب التي تدور في السودان بين القوات المسحلة والدعم السريع.. فقد خصصت نسبة 70% للقوى المدنية والشخصيات في الهيكل القيادي وتركت بقية ال 30% للأحزاب السياسية والحركات المسلحة.. وهنا يبدو أن الإشكال قد تجسد بصورة واضحة، وأن الأمر مختلط وملتبس بصورة حادة على أكبر كيان مدني يعمل على أخطر أجندة وهي وقف الحرب... وهذا ما تنبه له وَفَق صحوة متأخرة حزب الأمة الذي إعترض على هذا التوزيع.. فبرغم أن هذا التوزيع مجحف في ذاته ويقزِّم الأحزاب لدرجة التلاشي، إلا أنه يعكس حالة التوهان المعرفي الذي ينتظم مثل هذه الكيانات.. فحزب الأمة الذي تنبه لهذه الحالة المجافية لطبيعة كونه مؤسسة مجتمع مدني، لم ينطلق من رؤية مفهومية لحالة الخلط، وإنما من منطلق منظور ذاتي نبهته لحالة التقزيم التي انطلت على قيادته عندما تم إنشاء كيان تقدم... فالمذكرة التي دفع بها الحزب لقيادة تقدم في العاشر من مارس 2024م اعترضت على تصنيف الحركات المسحلة مع الأحزاب، كما اعترضت على النسبة " المُهينة" 30% ومنشأ ذلك الإعتراض هو فيما يبدو ليس معرفياً ولا مفهومياً، وإنما انطلاقاً من "الثقل الجماهيري" للحزب وليس لعدم تصنيفه كؤمسسة مجتمع مدني. وهنا أيضا تبدو اشكالية المفاهيم قائمة، فقد كان من الأجدر إذا كان هنالك إعتراض أن يُؤسس ذلك الإعتراض على الخلفية المفاهيمية التي صيغ على أساسها تحالف تقدم، وليس وضع الحزب في تصنيف واحد مع الحركات المسلحة مثلاً.
من ناحية أخرى يمكن النظر للفوضى المفاهيمية أن تمتد لتشريح وضع المؤسسات المدنية (بما فيها النقابات المِهنيّة) في تقدم نفسها، فهي في الغالب الأعم كيانات هلامية وغير قادرة على التأثير في الفضاء العام Public Sphere وهي في أحسن الأحوال إنعكاس لحالة الاحتكار من قبل شخصيات محددة بالإسم لتلك المؤسسات، ويمكن القول أن تلك "المؤسسات" -والتسمية هنا تجاوزاً - مرتبطة بالشخصية، والشخصية بدورها مندمجة في "المؤسسة" وتعتمد في تحركاتها على دوائر إجتماعية تصورها على أساس أنها تمثل الكيان المجتمعي أو المهني المحدد، بينما في الواقع هي لا تمثل إلا ذاتها فحسب ولا تعبر إلا عن حالة Ego خاص بها. لذلك فالصفة المائزة لهذه الكيانات أنها مجوفة من الداخل، وتُعبّر عن مصالح الشخصيات التي تقف على رأسها لا غير... والدليل على ذلك عجزها الكامل عن تحريك الرأي العام السوداني عموماً ضد الحرب وخلق تيار عام مناهض لها.. مثلما فعلت مؤسسات المجتمع المدني في أمريكا أثناء حرب فيتنام.
مهما يكن من شي، يمكن القول إجمالا أن الأحزاب السياسية في تحالف تقدم قد رضيت بحالة التقزم الذي ترك لها فقط 30% من قيادة كيان هو من صميم عمل الأحزاب السياسية. لترضى تلك الأحزاب بحالة هي أقرب للهوان والتبعية منها للنشاط والفعالية في قضية سياسية محضة.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مؤسسات المجتمع المدنی الأحزاب السیاسیة

إقرأ أيضاً:

محمد بن زايد يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل التي تميز مجتمع الإمارات

أبوظبي - وام
استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، عدداً من الأمهات الحاضنات.
ورحب سموه بالأمهات ــ خلال استقبالهن في قصر البحر في أبوظبي ــ معرباً سموه عن شكره وتقديره لمبادراتهن الإنسانية الطيبة في احتضان هؤلاء الأطفال ودمجهم في المجتمع وتوفير حياة أسرية ونفسية واجتماعية صحية لهم بما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع.
وأكد سموه أن احتضانهن هؤلاء الأطفال يجسد الشعور بالمسؤولية المجتمعية.. مشيراً إلى أنهن يمثلن قدوة لغيرهن في تعزيز قيم العطاء والإنسانية والتكافل الاجتماعي الذي يتميز به مجتمع دولة الإمارات.
وشدد سموه على دعم الدولة للأفراد والجهات التي ترعى هؤلاء الأطفال.. مؤكداً أهمية مشاركة المجتمع في تحمل المسؤولية تجاههم من خلال احتضانهم وتوفير حياة أسرية لهم.

مقالات مشابهة

  • «التضامن»: المجتمع المدني شهد نقلة نوعية في ظل دعم واسع من القيادة السياسية
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • محمد بن زايد يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل التي تميز مجتمع الإمارات
  • منظمات المجتمع المدني السودانية تدين تصفية مدنيين على أساس عرقي
  • المتحدث العسكري: القوات المسلحة تحرص على دعم المجتمع المدني وتوفير حياة كريمة للمواطنين
  • معرض صوت المرأة يلقي الضوء على التحديات التي تواجه المرأة المبدعة بالإمارات
  • جبالي يدعو الأحزاب السياسية إلى سرعة موافاة النواب بأسماء ممثلي الهيئات البرلمانية
  • «الصحة»: ننفق 20 مليار جنيه على أمراض التقزم والأنيميا
  • جبالي يدعو الأحزاب السياسية بسرعة إخطار المجلس بأسماء ممثلي الهيئات البرلمانية