سودانايل:
2025-03-04@11:16:32 GMT

الأحزاب السياسية.. التقزم في تقدم

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
الأحزاب السياسية هي كيانات تنشأ وفقاً لرغبة أعضائها ليكونوا أكثر تأثيراً في الواقع السياسي، فالحزب السياسي هو جماع عضوية ومرجعية أيدولوجية تكون بمثابة الرؤية الاستراتيجية تنبثق عنها برامج مرحلية، وبناء تنظيمي يشمل فيما يشمل دستوره و نظامه الأساسي الذي يحدد معالم هيكله التراتبي.

وهو بهذا الصفة مؤسسة حرة تعمل في الأساس على تغيير الواقع من خلال المنافسة على السلطة Contesting for power عبر النظم المستقرة في النظم الليبرالية حيث التداول السلمي للسلطة من خلال عملية الانتخابات.
فالحزب السياسي بهذا يُعتبر جزء مهم وأساسي من مكونات المجتمع المدني العريض.. وهذا الأخير يشمل فيما يشمل كل المنظمات والكيانات الحرة المتجاوزة لروابط الدم كالاسرة والقبيلة. وكل ما هو دولة بالمعنى المؤسسي للكلمة. إذن فالمجتمع المدني هو كل المؤسسات الطوعية ذات العضوية الحرة التي تنشأ في الفضاء العام الناتجة عن حركة التفاعل بين ثلاثة قوى أساسية هي (الدولة، السوق والمجتمع) بحيث يجب تعريف وتحديد هذه القوى جيدا حتى لا تتداخل مع مؤسسات المجتمع المدني. فالدولة هي الكيان القابض على أدوات القهر والعنف بما فيها من جيش وشرطة وقضاء وسلطة بيروقراطية، والسوق هو فضاء التفاعل الحر تنتظم فيه حركة تبادل المصالح الإقتصادية والتجارية وحركة الأموال والبضائع المنقولة وغير المنقولة. أما المجتمع فهو مجموع الأفراد وروابطهم وما ينشأ عنهم من وتفاعل و تداخلات .. ويجدر بالتذكير هنا اعتبار المنظمات الدينية جزء من منظمات المجتمع المدني حتى وأن لم تكن الروابط فيها قائمة على أسس ديمقراطية - كالطرق الصوفية على سبيل المثال- وأكثر ما يعبر عنها هي المنظمات المعروفة بالمنظمات القائمة على العقيدة Faith Based Organizations.
هنالك من يُحاجج بأن الأحزاب السياسية ليست ضمن مؤسسات المجتمع المدني، ذلك لأنها في بعض الأحيان تكون حاكمة أو ضمن سلطة الدولة، وهذا تقدير صحيح بالمجمل، غير أنه غير صحيح بالنظر الدقيق لكونها في الأصل تتحرك بين الحكم والمعارضة في الأنظمة الديقراطية، كما أنها عندما تحكم لا تحتكر السلطة بالمطلق ولا أدوات العنف ولا تُعرّف بهما، وإنما تكون قَيّمة عليها لأجلٍ مسمى بحسب النظام الديمقراطي الذي شرطه الأساسي الليبرالية بما تفرضه من تدوال سلمي للسلطة.
على عموم يظهر أن هنالك إشكال حقيقي في تصنيف الأحزاب السياسية ضمن مؤسسات المجتمع المدني، وقد يمتد هذا الإشكال حتى للأحزاب السياسية نفسها، فعلى سبيل المثال ما يحدث في واقع السودان السياسي يبدو أن الأحزاب غير قادرة على تصنيف نفسها كجزء من قوى ومؤسسات المجتمع المدني.. وهو الإشكال الذي وقعت فيه قوى (تقدم) فتقدم هي في خلاصة الأمر تشكيلة تحالفية أخذت على عاتقها وقف الحرب التي تدور في السودان بين القوات المسحلة والدعم السريع.. فقد خصصت نسبة 70% للقوى المدنية والشخصيات في الهيكل القيادي وتركت بقية ال 30% للأحزاب السياسية والحركات المسلحة.. وهنا يبدو أن الإشكال قد تجسد بصورة واضحة، وأن الأمر مختلط وملتبس بصورة حادة على أكبر كيان مدني يعمل على أخطر أجندة وهي وقف الحرب... وهذا ما تنبه له وَفَق صحوة متأخرة حزب الأمة الذي إعترض على هذا التوزيع.. فبرغم أن هذا التوزيع مجحف في ذاته ويقزِّم الأحزاب لدرجة التلاشي، إلا أنه يعكس حالة التوهان المعرفي الذي ينتظم مثل هذه الكيانات.. فحزب الأمة الذي تنبه لهذه الحالة المجافية لطبيعة كونه مؤسسة مجتمع مدني، لم ينطلق من رؤية مفهومية لحالة الخلط، وإنما من منطلق منظور ذاتي نبهته لحالة التقزيم التي انطلت على قيادته عندما تم إنشاء كيان تقدم... فالمذكرة التي دفع بها الحزب لقيادة تقدم في العاشر من مارس 2024م اعترضت على تصنيف الحركات المسحلة مع الأحزاب، كما اعترضت على النسبة " المُهينة" 30% ومنشأ ذلك الإعتراض هو فيما يبدو ليس معرفياً ولا مفهومياً، وإنما انطلاقاً من "الثقل الجماهيري" للحزب وليس لعدم تصنيفه كؤمسسة مجتمع مدني. وهنا أيضا تبدو اشكالية المفاهيم قائمة، فقد كان من الأجدر إذا كان هنالك إعتراض أن يُؤسس ذلك الإعتراض على الخلفية المفاهيمية التي صيغ على أساسها تحالف تقدم، وليس وضع الحزب في تصنيف واحد مع الحركات المسلحة مثلاً.
من ناحية أخرى يمكن النظر للفوضى المفاهيمية أن تمتد لتشريح وضع المؤسسات المدنية (بما فيها النقابات المِهنيّة) في تقدم نفسها، فهي في الغالب الأعم كيانات هلامية وغير قادرة على التأثير في الفضاء العام Public Sphere وهي في أحسن الأحوال إنعكاس لحالة الاحتكار من قبل شخصيات محددة بالإسم لتلك المؤسسات، ويمكن القول أن تلك "المؤسسات" -والتسمية هنا تجاوزاً - مرتبطة بالشخصية، والشخصية بدورها مندمجة في "المؤسسة" وتعتمد في تحركاتها على دوائر إجتماعية تصورها على أساس أنها تمثل الكيان المجتمعي أو المهني المحدد، بينما في الواقع هي لا تمثل إلا ذاتها فحسب ولا تعبر إلا عن حالة Ego خاص بها. لذلك فالصفة المائزة لهذه الكيانات أنها مجوفة من الداخل، وتُعبّر عن مصالح الشخصيات التي تقف على رأسها لا غير... والدليل على ذلك عجزها الكامل عن تحريك الرأي العام السوداني عموماً ضد الحرب وخلق تيار عام مناهض لها.. مثلما فعلت مؤسسات المجتمع المدني في أمريكا أثناء حرب فيتنام.
مهما يكن من شي، يمكن القول إجمالا أن الأحزاب السياسية في تحالف تقدم قد رضيت بحالة التقزم الذي ترك لها فقط 30% من قيادة كيان هو من صميم عمل الأحزاب السياسية. لترضى تلك الأحزاب بحالة هي أقرب للهوان والتبعية منها للنشاط والفعالية في قضية سياسية محضة.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مؤسسات المجتمع المدنی الأحزاب السیاسیة

إقرأ أيضاً:

زيادة النفقات الدفاعية تشغل الحكومة الألمانية قبل تشكيلها

نقلت وكالة رويترز عن 3 مصادر ألمانية مطلعة قولها إن الأحزاب المشاركة في محادثات الائتلاف الحكومي الجديد تدرس إنشاء صندوقين -أحدهما للدفاع والآخر للبنية التحتية- بمئات المليارات من الدولارات.

وأضافت المصادر أن خبراء الاقتصاد الذين يقدمون المشورة للأحزاب التي من المرجح أن تشكل الحكومة الجديدة يقولون إن صندوق الدفاع سيتطلب نحو 400 مليار يورو (415 مليار دولار)، في حين سيحتاج صندوق البنية التحتية ما بين 400 مليار و500 مليار يورو.

وذكرت المصادر أن برلين ترى ضرورة التحرك بسرعة من أجل الإنفاق على الدفاع في ألمانيا وأوكرانيا، ولا سيما بعد المشادة الكلامية بين الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترامب خلال اجتماعهما في البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي.

وذكرت تقارير صحفية أن المبالغ التي تمت مناقشتها لكل من الصندوقين "أعلى بكثير من مبلغ 100 مليار يورو المخصص للجيش، والذي حدد في العام 2022 بعد الغزو الروسي لأوكرانيا".

حكومة ائتلافية

وبدأ مسؤولون كبار من المحافظين والحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا محادثات أولية 3 أيام لتشكيل حكومة ائتلافية على أمل أن يشكل فريدريش ميرتس زعيم تكتل المحافظين الذي تصدّر في انتخابات الأسبوع الماضي حكومة بحلول "عيد القيامة" في أبريل/نيسان المقبل.

إعلان

لكن المصادر قالت إن الأحزاب تأمل أن يوافق البرلمان على إنشاء الصندوقين خلال الشهر الجاري قبل تشكيل الحكومة الجديدة.

وذكرت المصادر -التي طلبت عدم الكشف عن هوياتها- أن هذه الأحزاب هي الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يرأسه أولاف شولتس، وأنها جميعا تعكف على دراسة التفاصيل الخاصة بالصندوقين.

وأضافت المصادر أنه لم تُتخذ قرارات نهائية بعد، ورفضت الأحزاب التعليق بسبب سرية المحادثات.

مقالات مشابهة

  • مستشارة تسائل البكوري في شأن دعم جمعيات المجتمع المدني
  • زيادة النفقات الدفاعية تشغل الحكومة الألمانية قبل تشكيلها
  • خطوة غير مسبوقة.. ألمانيا ستنفق 400 مليار دولار على الجيش
  • الوطنية للانتخابات تستعرض اختصاصاتها في ندوة الأحزاب السياسية
  • إعادة هندسة السياسة السودانية- نحو ليبرالية رشيدة وتجاوز إرث الفوضى
  • مبادرة “مطبخ المصرية.. بإيد بناتها” تقدم 250 وجبة افطار يوميا خلال شهر رمضان بالمنيا
  • توتر بين الأحزاب و التغييريين
  • مناة الثالثة
  • مدير عام الدفاع المدني: نعمل على نشر ثقافة الوقاية لضمان أمن المجتمع
  • موسم التشرذم السياسي في السودان