الخطاب الإعلامي المحايد يزعج البرهان لعدم مواءمته لأهداف الجيش وأجنداته.

ماذا يريد البرهان
اتخذت السلطات السودانية قرارا بإيقاف بث قنوات تابعة للسعودية والإمارات بذرائع “المهنية وعدم تجديد التراخيص” لكن الأمر يحيل إلى مواقف سياسية من الدولتين وحاجة الجيش إلى دعم إعلامي وعسكري يحاول الحصول عليه بشتى الطرق.



الخرطوم - قررت وزارة الثقافة والإعلام السودانية إيقاف عمل قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز عربية في البلاد، بـسبب “عدم التزامها بالمهنية المطلوبة والشفافية وعدم تجديد تراخيصها”، في خطوة تعكس موقف مجلس السيادة السوداني من السعودية والإمارات اللتين يريد رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان إيصال رسائل لهما عبر إيقاف القنوات التي تمثل وجهة النظر الرسمية لهما.

وذكرت قناة الحدث في منشور على منصة إكس أن أحدا لم يخطرها حتى الآن بقرار وقفها عن العمل هي وقناة العربية في السودان. وأضافت في منشور آخر “تفاجأنا برؤية قرار وقف قناتي الحدث والعربية على التلفزيون الرسمي”.

ونقلت قناة العربية عن مديرة مكتبها في السودان لينا يعقوب، أنها لم تبلغ رسمياً بقرار وقف عمل القناة في البلاد. وقالت “لا نعلم توقيت تنفيذ قرار وزير الإعلام بشأن وقف عملنا”. كما أضافت “نرفض الاتهامات لنا بعدم المهنية، وكنا في الحرب منذ بدايتها”. في حين أكدت أن مكتب العربية والحدث في السودان يقوم بتجديد تراخيصه بشكل دوري، مما يعني أن المشكلة لا تتعلق بجوانب إدارية أو قانونية.

ويعتبر القرار السوداني مفاجئا بالنسبة إلى قناتي العربية والحدث لأنهما لا تساندان في خطابهما قوات الدعم السريع، وتشير تغطيتهما إلى موقف أقرب للجيش منه للدعم السريع، فيما ذكرت مصادر مطلعة أن الجيش يريد تغطية أكثر انحيازا له، كما أنه يريد مكاسب أخرى من السعودية وربما دعما ماليا وعسكريا نظير عدم تلبية الطلب الإيراني بإقامة قاعدة عسكرية.
ونقلت وول ستريت جورنال عن أحمد حسن محمد، مستشار المخابرات للقائد العسكري السوداني، قوله إن الخرطوم رفضت الاقتراح الإيراني بالسماح بإقامة قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر، وتعهدت بإرسال سفينة حربية مقابل السماح لها بالوصول.

ويأتي إيقاف قناتي العربية والحدث السعوديتين كورقة ضغط سياسي على الرياض وبعث رسالة مفادها أن الدعم الخطابي لا يفي بالغرض، وأن صد المساعي الإيرانية يستوجب تعويضا عسكريا أو ماليا وذلك رغم أن مدينة جدة سبق أن استضافت المفاوضات السودانية بين طرفي الحرب ولم تنجح النتائج في التوصل الى اتفاق لإنهاء القتال. واندلعت الحرب في السودان، والتي تقترب من إتمام سنة، بسبب خلافات حول السلطات الممنوحة للجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بموجب خطة مدعومة دوليا للانتقال السياسي نحو حكم مدني وإجراء انتخابات حرة.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية السودانية (سونا)، عن وزير الإعلام جراهام عبدالقادر، قوله إن البلاد علقت عمل قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز عربية “لعدم التزامها بالمهنية المطلوبة والشفافية وعدم تجديد تراخيصها”. وقالت إن القرار جاء استنادا “إلى موجهات ومطلوبات المهنية والشفافية في العمل الإعلامي ومصلحة المواطن السوداني وقيمه”.

ويحيل إيقاف قناة سكاي عربية إلى موقف الخرطوم من أبوظبي واتهاماتها التي تفتقد للأدلة بدعم قوات الدعم السريع، إذ تحشد قيادات الحركة الإسلامية داخل الجيش ضد دولة الإمارات مؤخرا، بعد مزاعم ساقها عضو مجلس السيادة ومساعد البرهان الفريق ياسر عطا في أواخر نوفمبر الماضي وقال فيها إن “الإمارات تدعم قوات الدعم السريع”.

ولم يقدم البرهان ولا مساعدوه دليلا على مزاعمهم، والتي رأتها دوائر سوادنية وسيلة لتبرير إخفاقات الجيش، وأداة لصرف الأنظار عن حقيقة ما يعتمل داخل المؤسسة العسكرية من سيطرة كبيرة فرضتها فلول النظام السابق على تحركات البرهان السياسية.

وقبل أيام قدمت حكومة السودان شكوى رسمية في مجلس الأمن الدولي ضد دولة الإمارات، متهمة إياها بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وجاء في نص الشكوى التي أوردتها وكالة الأنباء الرسمية أن الإمارات قدمت “مختلف أشكال الدعم السياسي والإعلامي والدبلوماسي والمالي، إلى جانب الإمداد بالسلاح والعتاد وجلب المرتزقة من شتى الدول”.

ويفسر هذا الاتهام مدى انزعاج البرهان من الخطاب الإعلامي المحايد الذي ينقل مجريات المعارك والتحركات السياسية في السودان بطريقة لا تتواءم مع أهداف الجيش وأجندته. وكانت قناة سكاي نيوز عربية قد تعرضت لهجوم واسع خلال الأيام الماضية بسبب بثها لتقرير عن وجود مقاتلين إلى جانب الجيش السوداني يتبعون لتنظيم الدولة (داعش)، استعانت فيه بمقطع فيديو يظهر فيه مقاتلو التنظيم، بحسب الصحيفة.

◙ مخاوف من أن يتحول السودان إلى بؤرة معتمة إخباريا ومسرحا لانتشار الأخبار المضللة بعد خروج الصحافيين الأجانب وتوقف بث التلفزيون والإذاعة الحكومييْن

ونددت نقابة الصحفيين السودانيين بالقرار الصادر عن وزارة الإعلام، قائلة إنه يمثل “خرقا واضحا لحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام وحرمة المؤسسات الصحفية والإعلامية". وأضافت النقابة في بيان “إغلاق القنوات الفضائية والتضييق على المشتغلين بالمهنة من شأنه إسكات صوت الإعلام المهني، كما يفتح الباب أمام تفشي الشائعات وخطاب الكراهية".

وجاء في البيان “تؤكد نقابة الصحفيين السودانيين أن القرار يأتي استمرارا لحملات التضييق والحصار والإرهاب والتخويف المفروضة على الصحفيين والصحفيات الذين ظلوا يعملون تحت ظروف شديدة التعقيد منذ اندلاع الحرب بالسودان في 15 أبريل من العام الماضي”. وعقب اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وولايات أخرى، انتقلت معظم القنوات الأجنبية للعمل من مدينة بورتسودان التي اتخذتها الحكومة عاصمة مؤقتة لها.

ويخشى مراقبون من أن يتحول السودان إلى بؤرة معتمة إخباريا ومسرحا لانتشار الأخبار الكاذبة والمضللة، وذلك بعد خروج الصحافيين الأجانب وتوقف بث التلفزيون والإذاعة الحكومييْن مع بدء اندلاع المعارك وعدم انتظام بثهما بعد ذلك. ومن بين التحديات التي تواجه الصحافيين العاملين في السودان، صعوبة الوصول إلى بعض مواقع القتال نتيجة إغلاق عدد من الطرق. كما أن تلك المواقع قد تكون مكشوفة، الأمر الذي يعرض حياة الصحافيين للخطر وهو ما ترفضه وسائل الإعلام الأجنبية التي تؤثر سلامة صحافييها على أي تغطية أو سبق صحافي.

وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى ضرورة أن تتوقف التهديدات والاعتداءات ضد الصحافيين واحتجازهم وسجنهم بسبب قيامهم بعملهم، مؤكدا أن العالم يقف إلى جانب الصحافيين في سعيهم إلى الدفاع عن الحقيقة. وحذر غوتيريش، في رسالة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، من أن "حرية الصحافة تتعرض للهجوم في كل ركن من أركان العالم".

وأشار غوتيريش إلى أن الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام يُستهدفون بصورة مباشرة أثناء قيامهم بعملهم الحيوي، سواء كان ذلك على الإنترنت أم خارج نطاقها. وأضاف “لقد أصبح تعرضهم للمضايقة والترهيب والاحتجاز والسجن أمرا اعتياديا".

العرب الدولية  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العربیة والحدث فی السودان

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع ترقص في احتفال على الجماجم والأشلاء

تحصد آلة القتل الفتاكة لمليشيا الدعم السريع أرواح الأبرياء من المدنيين والأهالي البسطاء في قرى ولاية النيل الأبيض بوسط السودان وتُسيل دماءَهم بالرصاص والقذائف المضادة للدروع التي يطلقها عليهم بصورة عشوائية جنودُ مليشيا الدعم السريع بلا رحمة وبلا تفريق بين كبار السنّ والنساء والأطفال والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.

ويقول بيانٌ صادرٌ من وزارة الخارجية السودانية الثلاثاء 18 فبراير/ شباط، إن 433 مدنيًا، بينهم أطفال رضّع لقوا مصرعهم في هجمات لمليشيا الدعم السريع على قرى بولاية النيل الأبيض، فيما وصفته (بأسلوب المليشيا المعتاد في الانتقام من المدنيين العزّل في القرى والبلدات الصغيرة).

بينما تحدث هذه المشاهد المأساوية الموغلة في القتامة والبشاعة والفظاعة والفظاظة والغلظة والقسوة، يبدو مشهد سوداني آخر نقيضًا لذاك المشهد المأساوي، تدور أحداثه على خشبة مسرح آخر خارج حدود الدولة السودانية المثخنة بجراح حرب ضروس، أوقعت عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المصابين والمفقودين، وملايين النازحين داخل السودان، ومثلهم من اللاجئين خارج السودان.

المشهد الآخر الذي تتزامن أحداثه مع تلك الأحداث الدرامية الدامية في ولاية النيل الأبيض، هو مشهد ثُلة من السياسيين وزعماء أحزاب سودانية في منافيهم الاختيارية خارج البلاد من الموالين لمليشيا الدعم السريع والمناصرين لها سياسيًا بزعامة (حمدوك)، وهم يرقصون داخل إحدى قاعات المؤتمرات الأنيقة في كينيا، وهم مبتهجون ويهتفون فرحين بشعارات وأهازيج تمجد قائد مليشيا الدعم السريع المعروف بحميدتي الذي ارتكبت قواته تلك المجازر البشعة، وتسببت في أسوأ حرب شهدها السودان في تاريخه الحديث، من أجل الوصول إلى السلطة.

إعلان

يرقص هؤلاء ويتمايلون على أنغام وألحان وأغانٍ تنبعث من بين أركان القاعة الأنيقة فرحًا واحتفاءً بما يرونه إنجازًا تحقق تتويجًا لثلاثة وعشرين شهرًا من القتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض والتهجير القسري وتدمير البنى التحتية، التي ارتكبت بحق مواطنيهم وأهليهم بيد حليفهم العسكري؛ الدعم السريع.

إنه (الميثاق السياسي) المحتفى به والإنجاز الذي كان مهرُه عشراتِ آلاف الجماجم والأشلاء وأنهارًا من الدم المسفوح ظلمًا بغير حق، وأحزانًا متراكبة بعضها فوق بعض تئن بها صدور ذوي الضحايا من الثكالى والأرامل واليتامى والحرائر اللاتي فقدن أغلى ما يملكن على أيدي وحوش وذئاب في ثياب بشر أتوا كما قالوا كذبًا وزورًا من أجل جلب الديمقراطية والحكم المدني بزعمهم.

الميثاق السياسي المحتفى به والذي تأجلت مراسم التوقيع عليه، سيصبح أساسًا ومرجعية لتشكيل حكومة موازية للحكومة القائمة التي عجزوا عن إزاحتها ونزع الشرعية عنها بقوة السلاح طوال أشهر الحرب، وهذا هو مبعث فرحهم وابتهاجه.

فبعد أن كان الهدف حكم السودان كله من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، انكمش هذا الهدف وتقلص ليصير مجرد حكومة افتراضية كل وزرائها خارج حدود السودان، حكومة (جوالة) بلا أرض وبلا جماهير، حكومة وزراؤها بلا أعباء حقيقية، أيديهم ملطخة بدماء الضحايا، ولا تستطيع أقدامهم أن تطأ أرض السودان خوفًا وخشية ورهبة من مصير معلوم.

حكومة موازية بلا مقاعد في المحافل الإقليمية والدولية ولا تحمل هوية ولا تاريخًا ولا ثقافة، حكومة مصنوعة وسياساتها معلّبة تخدم مصالح صانعيها ولا شأن لها بمصالح السودان وشعب السودان.

إنها متلازمة حبّ السلطة حتى وإن أتت على الجماجم والأشلاء وأنين الضحايا، لا يهم ما دامت أنها تأتي، حتى وإن جاءت محمولة على أكف أيادٍ أجنبية مردت وتمرّست على نشر الخراب والدمار والموت حيثما حلّت، فأصبح ذاك شغلها الشاغل ومهنتها التي تدفع في سبيل مزاولتها أموالًا طائلة كان يمكن أن توجّه نحو الإعمار والتنمية والبناء والازدهار، فتقوى بها صلات القربى وتوثّق عُرى الأخوّة وروابط حسن الجوار .

إعلان

إن أكثر الأسئلة إلحاحًا وإلحافًا والتي تدور في أذهان السودانيين الذين تلاحقت عليهم الأرزاء، وتكالبت عليهم المصائب والمحن جراء هذه الحرب المصنوعة القادمة من وراء الحدود، ولا يجدون لها جوابًا، هي: لماذا كل ذلك؟ .. ولا جواب.

ما هي الجناية التي اقترفتها أيديهم في حق أولئك الذين يصدرون لهم الموت والدمار والخراب؟

هل من المعقول أن يكون كل ذلك من أجل التسلية؟

هل من المعقول أن يكون كل ذلك من أجل (لا شيء)؟!

ولا جواب..

ولربما الفاعل نفسه لا يعرف الجواب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • تأسيس لبلدين مختلفين
  • قوات الدعم السريع توقع اتفاقا لإنشاء حكومة موازية في السودان وسط تقدم الجيش ميدانيا
  • الجيش السوداني يعلن استعادة القطينة من «قوات الدعم السريع»
  • الجيش السوداني يصل القصر الرئاسي بالعاصمة الخرطوم .. وقوات الدعم السريع تتعرض لانتكاسات واسعة في عدة مدن سودانية
  • الجيش السوداني يستعيد مدينة القطينة من مليشيا الدعم السريع
  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في أم درمان
  • البرهان يرسل تهديدات جديدة لقوات الدعم السريع من مصفاة الجيلي للبترول
  • قوى سياسية توجه دعوة الى الجيش السوداني والدعم السريع والمؤتمر الشعبي يوضح مشاركة علي الحاج في اجتماعات بنيروبي
  • الدعم السريع ترقص في احتفال على الجماجم والأشلاء
  • نصيحة لوجه الله للجنرال البرهان وكل عاقل في صفوف الجيش السوداني من غير عضوية الحركة الاسلامية