السيد عبدالملك الحوثي : إسناد غزة واجب لا رجعة عنه رئيسي: الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق لن يبقى دون رد نصر الله: طوفان الأقصى وضع الكيان الصهيوني على حافة الهاوية هنية: تحرير القدس قريب النخالة: غزة ستبقى علامة فارقة العامري: «طوفان الاقصى» جرفت أوهام التطبيع

/
تحت عنوان «منبر القدس»، أقامت اللجنة الدولية لإحياء يوم القدس احتفالًا جماهيريًا امس 3 أبريل 2024، في مختلف بلدان المنطقة، تحدث خلاله قادة محور المقاومة، إذ أكّدوا المضي في مساندتهم للشعب الفلسطيني وأن طريق القدس لن تمر دون جهاد وتضحيات، وأن وحدة الساحات أرعبت جيوش الاستكبار.


قائد الثورة:
وفي هذا الصدد أكد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة والحق فيها جلي ومظلومية شعبها معروفة في كل العالم، ولم تتحرك أي جهات لإعادة الحق إلى أهله، لافتًا إلى أن الشعب اليمني يقف بكل إمكاناته ويتحرك في كل المجالات رسميًا وشعبيًا لنصرة الشعب المظلوم ومقدسات الأمة.
وخلال فعالية «منبر القدس»، قال السيد الحوثي إنه لم يعد يخفى أن أمريكا شريك في جرائم العدو على الشعب الفلسطيني، في حين لم تقف الدول العربية إلى جانب فلسطين، مشيرًا إلى أن وحدها المقاومة أثبتت جدواها مع الاحتلال مستشهدًا بهزيمة العدو في لبنان خلال عامَي 2000 و 2006.
وأضاف أن القضية الفلسطينية مرتبطة بمصير الأمة ومصير الأمة مرتبط بها، مؤكدًا أن “واجب الأمة أن تتحرك بجدٍ واجتهاد لمساعدة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل وأن تكون مقتنعةً بأن الكيان الصهيوني هو عدو الأمة الأول ولولا الشعب الفلسطيني وصموده لكان العدو استهدف باقي الدول العربية”.
وشدّد السيد عبدالملك الحوثي على مواصلة التكامل مع محور المقاومة من الإعداد والتجهيز حتى يتحقق الوعد الإلهي، مؤكدًا أن «إسناد غزة جزء لا يتجزأ من واجبنا الديني والإنساني والأخلاقي ولا رجعة عنه»، لافتًا إلى أن فعالية الشعب اليمني من العمليات البحرية وتكامل ذلك مع عمليات المقاومة في لبنان والعراق إسنادًا للمقاومة في غزة تجّلت لكل العالم.
الرئيس الايراني :
من جانبه أكد الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي، أنه أصبح واضحًا للجميع أن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت وطوفان الأقصى أثبت هشاشته وكيف أن الكيان أقرب من أي وقت مضى نحو الانهيار.
وخلال فعالية «منبر القدس»، أوضح رئيسي أن يوم القدس العالمي يوحي بقرب النصر النهائي للشعب الفلسطيني الصابر، لافتًا إلى أن الكيان الصهيوني لا يلتزم أبدًا بالقوانين والشرائع الدولية في ما يفعله في غزة اليوم.
ورأى الرئيس الايراني أن طوفان الأقصى أيقظ الرأي العام العالمي حتى أن دولًا كانت داعمةً للكيان الصهيوني اتخذت إجراءات ضدَّه.
نصر الله:
وأكّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أنَّ طوفان الأقصى وما جرى في جبهات المساندة وضع الكيان الصهيوني على حافة الهاوية، مشيرًا إلى أنَّ ملامح هذا الأمر ستظهر مع الوقت، لافتًا إلى أنَّ تحرير جنوب لبنان عام 2000 وبعدها تحرير غزة قد أنهيا مشروع «إسرائيل الكبرى» وحرب تموز أسقطت مشروع “إسرائيل العظمى”.
وخلال كلمته ضمن فعالية «منبر القدس» أمس الأربعاء، لفت سماحته إلى أنَّ يوم القدس هذا العام يأتي مختلفًا كثيرًا عن السنوات الماضية وذلك ببركة طوفان الأقصى، وأن ما يجري في فلسطين والعالم هو حقًا طوفان أحرار، آملًا أن يستمر ويكبر.
وقال السيد نصر الله إنَّه “نحتاج إلى الثبات والصمود ومواصلة العمل واليقين بأنَّ النصر من عند الله آتٍ وهذا يرتبط بغزة وبكل الساحات المساندة، كما أنه يجب أن نعمل لتوفير كل عناصر القوة لتحقيق طوفان الأقصى وأهدافها وهذا واجبنا جيمعا”.
وأضاف أنَّ «واجبنا في يوم القدس تبيين النتائج الإستراتيجية التي حققتها طوفان الأقصى وخاصة بالخسائر الاستراتيجية للمشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة»، لافتًا إلى أنَّ بعض المثبِّطين والمنافقين يركّزون على حجم التضحيات ويتركون حجم الإنجازات.
وحيّا السيد نصر الله المقاومة في غزة وشعبها لصمودهم وصبرهم وثباتهم أمام جيش الاحتلال الذي ارتكب الجرائم والمجازر، كما وجه التحية لجبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق، حيث تتحمل التهديدات وتستمر بالرغم منها.
هنية: تحرير القدس قريب
أما رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، فأشار إلى أن يوم القدس يأتي في مرحلة تاريخية بعثت فيها طوفان الأقصى وأن تحرير القدس قريب، وخلال فعالية «منبر القدس»، لفت هنية إلى أن العدو حاول خلال الأعوام الأخيرة أن يحسم الصراع في فلسطين عبر بوابة الأقصى فجاءته المقاومة في غزة بطوفان وأعادت السلام إلى طبيعته وكشفت الوجوه المقنّعة بزيف السلام، مؤكدًا أن «العدو يواجه أزمة وجودية، وتوحشه الذي نراه اليوم نتيجة إداركه عدم قدرته على البقاء ككيان غاصب ومحتل في مواجهة شعبنا الذي يأبى الاستسلام رغم محاولات التطبيع التي جرفها طوفان الأقصى”.
وقال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إن «قيادة المقاومة تقف في مقدمة الصفوف لتكون القدوة في تقديم الشهداء والصبر حتى يأذن الله بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس»، مشدّدًا على أن قوى المقاومة قالت كلمتها بأنها لن تقبل أن يستفرد العدو في غزة، لافتًا إلى أن “طوفان الأقصى وحدت صفوف أبناء الأمة، وقد تجلى ذلك في وحدة الساحات من لبنان إلى فلسطين واليمن بدعم من الجمهورية الإسلامية في إيران”.
وحول المفاوضات قال هنية إن «حكومة الاحتلال مصرّة على استمرار العدوان ولا يهم نتنياهو ومن معه إلّا البقاء في الحكومة، مؤكدًا تمسّك المقاومة بمطالبها المتمثلة بوقف إطلاق النار والانسحاب الشامل من قطاع غزة وعودة النازحين وإدخال المساعدات وإعمار القطاع ورفع الحصار واتفاقية تبادل للأسرى.
وأضاف: «نقدّر مواقف كل الدول التي وقفت إلى جانب شعبنا في المحافل الدولية والشعوب التي شاركت وساهمت بفعاليات للضغط على حكوماتها حتى يوقف العدو عدوانه على غزة»، وحيّا كل السواعد والعقول المساندة لغزة والمنخرطة في مواجهة العدو، كما ندّد بالجريمة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في دمشق والتي أدّت لاستشهاد كوكبة من قادة فيلق القدس.
حركة الجهاد
فيما شدّد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة على أن أهمية قوى المقاومة تكمن في وحدة ساحاتها وجبهاتها بوقوف الجبهات المساندة كتفًا إلى كتف إلى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسورية، مؤكدًا أن “غزة باقية بأهلها ومقاوميها الأبطال وستبقى علامة فارقة في مسيرة شعبنا نحو القدس وستصمد وتنتصر بإذن الله”.
وخلال فعالية «منبر القدس»، أشار النخالة إلى أن «شعبنا في غزة يقف في مواجهة كل قوى الشر في العالم متمثلةً بالكيان الصهيوني وداعميه وعلى رأسهم أمريكا على مدى أكثر من نصف عام من القتل والمجازر»، لافتًا إلى أنه «رغم الحصار الصعب والمرير حيث يُمنع عن أطفالنا أقل مقومات الحياة البسيطة نرى العرب والمسلمين عاجزين عن إدخال شربة ماء إلى غزة»، مطالبًا العرب بأن يعاملونا كما يعاملون «إسرائيل» لأن ما تحتاجه «إسرائيل» منهم يصلها.
ودعا النخالة لجعل “يوم القدس محطة نعزز فيها وحدة شعبنا ومقاتلينا وأهدافنا”.
المقاومة العراقية
ولفت رئيس تحالف الفتح في العراق هادي العامري، إلى أن معركة طوفان الأقصى جرفت أوهام التطبيع في المنطقة وفضحت الأساطير التي اتخذها العدو غطاءً لطغيانه ووضعت كل القوى الاستكبارية في دائرة الإدانة باعتبارهم شركاء في النهج الإجرامي.
وفي كلمة المقاومة العراقية، خلال فعالية «منبر القدس»، قال العامري إن «يوم القدس العالمي هو يوم لتجديد العهد مع الله ورسوله والمسجد الأقصى والشعب الفلسطيني»، مضيفًا أن «معركة طوفان الأقصى هي القدر الإلهي الذي جرى بعناية منه سبحانه على أيدي عبادٍ ذوي بأسٍ شديد ليحققوا انتصارهم المؤزر ويُعيدوا القضية الفلسطينية إلى الصدارة بعد أن حاول الغرب طمسها”.
الكعبي: إسنادنا لفلسطيني نابع عن يقين
من جهته أكّد الأمين العام لحركة النجباء العراقية الشيخ أكرم الكعبي، أن المقاومة العراقية مستمرة في دك معاقل الأعداء في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبتطهير العراق من دنس المحتلين، مشدّدًا على أن المقاومة العراقية “جزء أساسي من محور المقاومة ومشاركتنا في إسناد الشعب الفلسطيني في طوفان الأقصى نابعة عن يقين”.
وخلال فعالية «منبر القدس» أشار الشيخ الكعبي إلى أن استخدام جزء محدود من قدرات المقاومة خلق تحديًا لهيمنة أمريكا و”إسرائيل” بينما هم صبوا كل قوتهم على نساء وأطفال غزة ولكن لم يستطيعوا إركاعهم، مضيفًأ أن “الكيان الصهيوني أخرج لنا اليوم معنىً جديدًا للوحشية بشراكة أمريكا التي كشفت عن وجهها القبيح”.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: المقاومة العراقیة الکیان الصهیونی الشعب الفلسطینی محور المقاومة طوفان الأقصى المقاومة فی منبر القدس یوم القدس أن الکیان فی فلسطین مؤکد ا أن نصر الله ا طوفان فی غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا لا تُقاتل المقاومة؟

تغلب على المشهد الميداني حالة من الصمت العملياتي- من جانب المقاومة- منذ عودة الحرب على قطاع غزة وحتى تاريخ كتابة المقال، حيث لم نشهد ذات الزخم العملياتي الذي لطالما شهدناه في الأشهر الخمسة عشر من الحرب التي سبقت هدنة الأيام الستين، مما أثار حالة من التساؤل والجدل حول قدرات المقاومة على استمرار العمليات الدفاعية ضد القوات الغازية، وانقسم الناس بين قلِق ومشكّك ومتذمّر وساخر.

فما سبب انخفاض وتيرة العمليات العسكرية للمقاومة، رغم مرورِ حوالي 20 يومًا على عودة الحرب، وتوسعةِ العدو عملياته البرية في رفح، وزجِّه بثلاث فرق عسكرية في عموم مناطق القطاع: (الفرقة 36 جنوب القطاع، والفرقة 252 وسط القطاع، والفرقة 162 شمال القطاع)، وبدئِه شقّ طريقٍ عملياتي جديد يفصل بين مدينتي رفح وخان يونس، أطلق عليه اسم (موراج)؟

لماذا لا تواجه المقاومة قوّات العدو المتوغّلة؟ هل هو ضعف حادّ في قدراتها إلى هذه الدرجة؟ أم هو تكتيك جديد متّبع يعتمد على الصبر والانتظارية قبل الانخراط في المعركة؟

للإجابة عن هذه التساؤلات من المهم أولًا التطرّق لمفهومين من المفاهيم العسكرية؛ الأوّل هو أحد أنواع الدفاع، وهو الدفاع المرن، والثاني هو أحد أصول الحرب، وهو أصل الاقتصاد في القوّة.

إعلان

عبر قراءة السياق الدفاعي لعمليّات المقاومة منذ بداية العملية البرية الإسرائيلية في ليلة السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، يمكن النظر بسهولة إلى أن المقاومة قاتلت- لأوّل مرّة في تاريخها- من المتر الأوّل لمنطقة الدفاع، وسجّلت ضربات في كل شارع وأرض وزُقاق في جميع مناطق التوغل، ولم ينجح العدو في تجاوز أي نسق دفاعي واحد بدون أن توقع المقاومة خسائر في صفوفه، سواء في مناطق التأمين، أو مناطق الدفاع الأمامي، أو مناطق الدفاع في العمق.

ولم يسجّل تفكيك كتيبة واحدة من كتائب القسام المدافعة الأربع والعشرين، من بيت حانون شمالًا، حتى تل السلطان جنوبًا، بل سجلت المقاومة في ختام المعركة معدل قتلى في صفوف العدو من بين المعدلات الأعلى منذ بداية الحرب، وذلك في معركة لواء الشمال ضد قوات العدو في خطة الجنرالات، والتي استمرّت 115 يومًا، وقُتل فيها -باعتراف العدو- خمسة وخمسون قتيلًا، من بينهم قائد اللواء الإسرائيلي المدرع 401.

ومع مرور شهور على معركة طوفان الأقصى، وعبر قراءة تكتيكات المقاومة الدفاعية خلال المعركة، يمكن معاينة قدر تنوّع الأساليب والتكتيكات التي اتبعتها المقاومة في عملياتها العسكريّة، والتي تتّسم بطبيعتها غير المباشرة في الاشتباك مع العدو.

ومن جملة هذه الأساليب، عدم الاحتفاظ بمواقع دفاعية ثابتة، والانتقال من الدفاع الثابت للدفاع المرن، والتربص والانتظارية قبل شنّ هجوم واسع، واصطياد قوات العدو كلما سمحت فرصة محققة للإيذاء، وهو ما وصفه أحد جنرالات العدو بقوله إن: "حماس تقاتل كالحرباء"، نظرًا لكثرة تلون أساليب القتال.

هذا التحول الديناميكي لتشكيل وهيكلية ونمط قتال قوات المقاومة، يمكّنها من التكيف مع تطور الموقف العملياتي أثناء القتال، بل ويساعدها على الحفاظ على عنصر المفاجأة والمبادرة، وإبقاء العدو في حالة قلق من المجهول، وهو عنصر أساسي في تكتيكات الحرب غير النظاميّة.

إعلان

هذه القراءة تعني أنّ أساليب الدفاع التي كانت صالحة في بداية المعركة، لم تعد صالحة في الأشهر التي تلتها، وأن تكتيكات لواءَي غزة والشمال، اختلفت عن تكتيكات القتال في لواء خان يونس ورفح، بل اختلفت التكتيكات في اللواء نفسه مع تغير تكتيكات العدو، بل حتى اختلفت التكتيكات في الكتيبة نفسها.

ويمكن النظر لذلك بسهولة إذا ما قورنت أساليب قتال المقاومة بين معركة جباليا الأولى في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ومعركة جباليا الثانية في شهر مايو/ أيار، ومعركة جباليا الثالثة في شهر أكتوبر/ تشرين الثاني في خطة الجنرالات.

وبالنظر إلى أساليب الدفاع، تعمد حركات المقاومة عمومًا -خاصة مع طول أمد القتال، وتناقص الموارد- إلى تبنّي أسلوب الدفاع المرن، بعكس الجيوش النظامية التي تعتمد على أسلوب الدفاع الثابث في كثير من المعارك، ويُعنى بالدفاع المرن: المناورة بالقوات المدافعة، وتحريكها وفق متطلبات الموقف الميداني، بغية توظيفها بأفضل شكل ممكن، واستثمارها تكتيكيًا في أفضل المواضع التي تتضمن توجيه ضربات حاسمة وثقيلة لنقاط ضعف العدو، بدلًا من تبديد القوة في مواضع غير مجدية تكتيكيًا، ولا تسبب خسائر ثقيلة.

أما عن الاقتصاد في القوّة فيُعنى به استخدام أقلّ قدر ممكن من موارد القوة على صعيد صنوف السلاح والمقاتلين والبنية التحتية لتحقيق غايات الدفاع بما لا يؤدّي إلى استنزاف الموارد، وإنهاك القوات، وبما يتيح المجال أمام القوات لإدامة القتال لأطول مدى ممكن.

ونظرًا لانعدام خطوط الإمداد عند المقاومة، يفرض عليها الواقع العملياتي حاجة أكبر للعمل وفقًا لهذا الأصل من أصول الحرب، وقد اعتمدته المقاومة في معركة لواء خان يونس أمام قوات الفرقة المعادية 98، واعتمدته كذلك في معركة لواء رفح أمام قوات الفرقة المعادية 162، حيث نشر العدو عديدًا من التقارير تفيد في ذلك الوقت بأن كتائب القسام في كلا اللواءين سحبت ثلاثة أرباع المقاتلين، واحتفظت بربع القوة المدافعة للقيام بواجبات الدفاع عن مسارح العمليات.

إعلان

إزاء المعركة الطولى والأعقد لكل من المقاومة والعدو، شكّل الاستنزاف العسكري أحد المضامير الجوهرية التي تسابق فيها طرفا القتال، وكان من الملاحظ أن المقاومة طوّرت تكتيكاتها على مدار أشهر الحرب لتجنب الاستنزاف، في المقابل اضطرت إسرائيل تزامنًا مع خوضها القتال على أكثر من جبهة: (لبنان، سوريا، الضفة الغربية) لحشد أكبر قدر من قواتها، ما أظهر ملامح أزمة استنزاف عند العدو، خصوصًا في صفوف الاحتياط، وكان الظن الغالب أن الهدنة الطويلة سيتلوها وقف لإطلاق النار، أو على الأقل هدنة أطول، لكن مقاتلي الاحتياط والقوات النظامية -على حد سواء- اصطدموا بعودة القتال، ووجدت إسرائيل نفسها مضطرة للزجّ بثلاث فرق عسكرية بغزة، وهو ما يعد تشكيلًا كبيرًا، مقارنة بطبيعة الجيش الإسرائيلي صغير الحجم.

ويشير الحشد الإسرائيلي والهجوم على منطقة رفح إلى مشهد تدفع فيه إسرائيل بقوات كبيرة ومقدرات وذخيرة وخطط، وتدفع فاتورة الاستنزاف على حسابها بالكامل، بينما تحتفظ المقاومة بقواتها ومقدراتها وأنفاقها لحين موعد تقدير الانخراط الكلي أو الجزئي في القتال، عندئذ ستكون معادلة الاستنزاف، صفرًا على صعيد رصيد المقاومة، وفاتورة معتبرة على صعيد قوات العدو.

طُرحَ على مدار أشهر الحرب الكثير من الأسئلة حول قدرات المقاومة لا سيما مع الدعاية الإسرائيلية التي ركزت بشدة على نجاحات عمليات الجيش الإسرائيلي في النيل من تلك القدرات وتحطيمها، لكن عديد الشواهد التي تواترت خلال المعركة أثبتت النقيض.

فعلى سبيل المثال سجلت بيت حانون واحدة من أكبر خسائر الجيش الإسرائيلي في العملية البرية قبيل الهدنة بساعات، بقتل حوالي 10 جنود إسرائيليين خلال 72 ساعة فقط، وهي البلدة التي هاجمتها القوات الإسرائيلية منذ الليلة الأولى للهجوم البري، وحتى آخر ليلة من أيام الحرب الـ471 قبيل دخول وقف إطلاق النار للمرحلة الأولى حيز التنفيذ.

إعلان

من خلال ما سبق، يمكن التوصل إلى تقدير مفاده، أن حالة الصمت العملياتي للمقاومة، تقع ضمن نطاق تكتيك دفاعي، وليست بسبب عجز عملياتي أو تنظيمي، وذلك لتحقيق غايات الاستنزاف والبقاء وكسر إرادة القتال، فما كان صالحًا دفاعيًا للمقاومة في الأشهر السابقة من الحرب، لم يعد صالحًا اليوم، بالتالي يصبح التخلّي عن الأرض والانسحاب تكتيكيًا بالقوات في عمق المناطق الدفاعية مفضّلٌ على الدفاع في جميع أنساق الدفاع "من الحافة حتى النواة"، وذلك لتحقيق أغراض توجيه الضربات الحاسمة، وإيقاع خسائر ثقيلة بقدر الإمكان.

يتيح هذا النمط من الدفاع الاستخدام الأمثل للموارد التي جرى استنزاف قدر لا بأس به منها، وتقليل الخسائر المادية والبشرية بالقدر الذي يتيح استدامة القتال إلى أقصى مدى زمني ممكن، كما يتيح هذا النمط -فيما لو أثبت نجاحه- أداة فعالة لدعم المواقف التفاوضية في السياق السياسي والعسكري.

فعندما تُظهر القوات المدافعة قدرتها على امتصاص الضغط والمبادرة بتنفيذ عمليات دفاعية مركزة ومدروسة، فإنها تؤكد على امتلاكها زمام المبادرة الإستراتيجية، مما يمنح القيادة السياسية موضع قوة على طاولة المفاوضات. هذه القدرة لا تعكس مجرد صمود دفاعي، بل تدل على ديناميكية قتالية متقدمة تفرض نفسها على العدو، وتُعيد رسم توازن القوى.

إلى جانب ذلك، يساهم هذا النمط من القتال في التأثير على الرأي الداخلي الإسرائيلي، الذي لا يمنح جيش العدو ذات الشرعية السابقة من الحرب، والذي بات أكثر حساسية لخسائر الجيش أكثر من أي وقت مضى من الحرب، نظرًا لاعتباره أن الحرب الحالية باتت عبثية، ولا تخدم الكيان بقدر خدمتها أجندة شخصية لنتنياهو واليمين الإسرائيلي.

كما يساهم هذا النمط في كسر الموقف الأميركي المتزعزع من فكرة عودة العمليات العسكرية، حيث تلتزم الإدارة الأميركية السابقة والحالية برؤية مفادها أن العمليات العسكرية غير قادرة وحدها على تحقيق أهداف الحرب، وأن العملية السياسية هي الأهم والأولى.

إعلان

وقد عبّر عن ذلك وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستن بقولهما: إن الإنجازات التكتيكيّة التي أنجزها جيش الإسرائيلي في غزة من شأنها ألا تتبدد فحسب، بل وأن تتحول لهزيمة كبرى إذا ما لم يتم استثمارها عبر مسار سياسي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • خطاب السيد القائد يربك حسابات الأعداء ويعزز يقين الأمة بنصر محور المقاومة
  • لجان المقاومة: ما يجري في رفح جريمة حرب
  • مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
  • تحقيق إسرائيلي يكشف تفاصيل الفشل في سديروت يوم 7 أكتوبر
  • عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى بحماية قوات الاحتلال
  • مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا في حماية قوات الاحتلال
  • مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا
  • لماذا لا تُقاتل المقاومة؟
  • المستوطنون الصهاينة يجددون اقتحامهم لباحات المسجد الأقصى
  • بحماية قوات العدو.. المستوطنون الصهاينة يجددون اقتحامهم لباحات المسجد الأقصى