التمادي في الباطل والضلال والانحراف عن هدى الله تعالى وتعليماته والشرك بالله والكفر بالله له عواقب سيئة على المجتمع البشري في الدنيا وفي الآخرة

الثورة/

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
محاضرة اليوم تتعلق بقصة نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ» وقومه، وقد وردت قصة نبي الله نوح وقومه في القرآن الكريم في عدة سور في القرآن الكريم، منها على مستوى كبيرٍ من التفصيل: (في سورة الأعراف، وفي سورة هود، وفي سورة الشعراء، وفي سورة نوح)، ومنها بمستويات متفاوتة في الإشارة إلى القصة في سورٍ أخرى كثيرة، وورد ذكر نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ» في القرآن الكريم لربما بأكثر من خمسٍ وثلاثين مرة.
وتعود قصة نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ» إلى حقبة متقدِّمة في تاريخ المجتمع البشري، إلى زمنٍ طويل، ففي الدراسات التي أُجريت على السفينة المتوقعة أنَّها سفينة نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، على جبل الجودي، بعض النتائج على ضوء تلك الدراسات تشير إلى أنَّ لها أكثر من مائة ألف عام، فهي في مرحلة متقدِّمة من التاريخ البشري.
والحقبة الزمنية الممتدة ما بين نبي الله آدم إلى نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، هي أيضاً حقبةٌ طويلةٌ بلا شك، الله أعلم على وجه التحديد كم هي بحساب السنوات، هل بآلاف السنوات؟ أم بمئات السنوات؟ لأن الروايات التاريخية المتعلقة بذلك لا يمكن الاعتماد عليها على جهة القطع، ولكنها- بلا شك- كانت حقبةً زمنيةً ممتدةً وطويلة.
ثم المرحلة من عهد نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ» تعتبر مرحلة جديدة في تاريخ البشر؛ نظراً لما حدث في قصة الطوفان من هلاك، هلاك الكافرين والمكذبين، واستئناف البشر لحياتهم من جديد، وسنتحدث بشيءٍ من التفصيل فيما يتعلق بهذه النقطة أثناء الحديث عن القصة إن شاء الله.
يقال أنه كان ما بين نبي الله آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، إلى نبي الله نوح، في تلك الحقبة الزمنية التي امتدت بينهما، كان نبي الله إدريس «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وفي مرحلة لم يصل بعد فيها انحراف البشر وضلالهم إلى مستوى الشرك بالله، والكفر بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في مرحلة متقدمة ما قبل ذلك؛ لأن آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» أتى بملة التوحيد، وبدأ حياته ومشواره على الأرض مع ذريته فيما بعد على ملة التوحيد، فكانت ذريته على ما كان عليه، وهو نبي الله وصفيه، واستمرت الأجيال البشرية على ملة التوحيد، والعبادة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لأجيال.
فنبي الله إدريس- كما يقال- ظهر في تلك المرحلة، ما قبل الانحراف في واقع البشر إلى مستوى الشرك والكفر بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأرسله الله ليواصل أداء مهمته، المهمة الرسالية التي يبعث الله بها الرسل والأنبياء، في العمل على هداية الناس، على تربيتهم التربية الإيمانية الصالحة، على التَّحرُّك بهم في مسيرة حياتهم وفق هدي الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وشرعه ونهجه، ويقال أنه- إضافةً مع ما بذله من جهد لإصلاح المجتمع البشري، وتربيته تربيةً زاكيةً إيمانيةً، وتقديم تعليمات الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» إلى الناس- أنه أسهم أيضا في ارتقاء واقعهم المعيشي، في حياتهم، في حضارتهم، وعلَّمه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أشياء جديدة في واقع حياتهم، منها كما في بعض الروايات التاريخية: الخياطة، وبعض الأشياء والمهارات التي يحتاجون إليها في الارتقاء بحياتهم وواقعهم المعيشي.
ثم امتد الزمن، وتعاقبت الأجيال، وتكاثر الضلال، وكبُر الانحراف، إلى أن تغيَّر واقع البشر إلى درجة مؤسفة جداً؛ عندما ظهرت فيهم عقيدة الشرك بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، واتخاذ آلهة من دون الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، كان هذا انحرافاً كبيراً وصلوا إليه، بعد أن تزايد الانحراف، وتزايد الضلال شيئاً فشيئاً، وهذا هو حال الناس إذا كانوا في حالة تمادٍ على الباطل، واستمراريةٍ في الضلال؛ يزداد ضلالهم، يزداد تماديهم في الباطل، يزداد انحرافهم في كل الأمور: على المستوى العقائدي، ومن غير المستوى العقائدي على المستوى العملي.
وخطورة الشرك، مع أنها عقيدة باطلة، ورهيبة، ومتنكرةٌ لأكبر الحقائق: حقائق أننا عبيدٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأنه إلهنا وحده؛ لأنه ربنا، ومالكنا، وملك السماوات والأرض، والخالق، فلا إله إلا هو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ هي تنكرٌ لأكبر الحقائق على الإطلاق وأهم الحقائق، وهي تنكرٌ للعدل، للرحمة، مجافاةٌ للإنصاف، عندما يُعبِّد الإنسان نفسه لغير الله، لمن لا يملك فيه ولا في السماوات والأرض شيئاً، لا نقيراً، ولا قطميراً، ولا مثقال ذرة، وينحرف عن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يوجِّهُ عبادته لغير ربه، لغير خالقه، لغير إلهه الحق، ملكه، ثم يُبنى على ذلك الانحراف عن هدي الله، عن رسالته، عن تعاليمه، هذه نتيجة خطيرة للشرك: الانصراف التام والإعراض الكامل عن رسالة الله، عن تعليماته، تصبح مرفوضةً جملةً وتفصيلاً، وهذه حالة خطيرة للغاية.
فعندما تعاظم الضلال، وتزايد الباطل، ووصل إلى هذه الدرجة، بعث الله نبيه نوحاً «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وأرسله إلى المجتمع البشري في عصره، كان المجتمع البشري في زمن نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ» ما يزال محدوداً، لم ينتشر في بلدان كثيرة متباعدة، ويظهر من بعض الروايات والأخبار، وكذلك الأخبار التاريخية: أنَّ قوم نوحٍ «عَلَيْهِ السَّلَامُ» كانوا ينتشرون في جزءٍ من العراق، ممتدٍ إلى أجزاء من أطراف تركيا المحاذية للعراق، وكذلك من أطراف سوريا المحاذية للعراق، فكانوا ينتشرون هناك، فأرسله الله إليهم.
مما هو ملفتٌ في قصة نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: أنها في تلك المرحلة التي ابتدأ فيها ذلك الانحراف الخطير، أو كان قد ظهر فيها وتعاظم فيها ذلك الانحراف الخطير: عقيدة الشرك بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والعبادة لغيره، فهي من أقدم مراحل الانحراف والضلال إلى ذلك المستوى.
مما هو ملفتٌ أيضاً في قصة نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: بقاؤه مع قومه لزمنٍ طويل، مع صبره عليهم صبراً عظيماً، في مقابل عنادهم، وتكذيبهم، وكفرهم، وإصرارهم على باطلهم، وكانت أعمار البشر في تلك المراحل لا تزال طويلة، يتعمَّر الإنسان مئات السنين، ومع ذلك فربما بقي معهم لأكثر من جيل، لأكثر من جيلٍ من أجيالهم، يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}[العنكبوت: من الآية14]، المدة التي لبث فيها معهم رسولاً، يبلغهم رسالات الله، يعمل على هدايتهم، على إنقاذهم: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، مدة طويلة تسعمائة وخمسين عاماً، {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 14 – 15].
أيضاً نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ» هو الأب الثاني للبشر، بعد انقراض سُلالات المؤمنين الذين نجاهم الله معه، انقرضت فيما بعد سلالاتهم، يعني: لم تستمر ذريتهم بشكلٍ مستمر، فانقرضت سلالات أصحابه الذين نَجَّاهُم الله معه في السفينة من المؤمنين، واستمر نسل أولاده، كما قال الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» (في سورة الصافات): {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}[الصافات: الآية77].
كذلك فيما يلفت أيضاً في قصة نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، هو ما ذكرناه في البداية: أن البشرية استأنفت من بعد الطوفان مرحلةً جديدةً صافية على الإيمان، والتوحيد، وهدي الله، وتعليماته من جديد، عادت كما بدأت مع آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، ولكن بدأ فيما بعد ذلك التغيُّر والانحراف من جديد، لربما من زمن معين، أو من أجيال، بدأت حالة الانحراف كذلك تكبر، وتكثر، وتتعاظم من جديد، ويتغير الواقع البشري فيما بعد ذلك، ويعود إلى الضلال، إلى الشرك، إلى الكفر، وهذا شيءٌ مؤسف.
نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ» من أولي العزم من الرسل، ومن أعظمهم منزلةً عند الله تعالى، وكان صبوراً، ونموذجاً لغيره من الأنبياء، وقدوةً في صبره لزمنٍ طويل على تبليغ رسالات الله تعالى، وهو يعاني من قومه فيما يواجهونه به من التكذيب، من الصد، من الإساءات، من الدعايات، من الاتهامات، من الإساءات الكثيرة، ومع ذلك صبر لزمنٍ طويل جداً.
قد يتعب الإنسان وهو يواجه تحديات ليست شيئاً في مقابل ما واجهه نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ» من معاناة، في ظل اهتمام عملي على مستوى عالٍ، اهتمام كبير ويستمر عليه، قد يتعب الإنسان من عشر سنين، من عشرين عاماً، من ثلاثين عاماً، فما بالك بتسعمائة وخمسين سنة من العمل المتواصل في تبليغ رسالات الله بجديَّة، باهتمامٍ كبير، عمل دؤوب ومستمر.
وكان شكوراً، أثنى الله عليه في القرآن الكريم ووصفه: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}[الإسراء: من الآية3]، (كَانَ عَبْدًا شَكُورًا): يشكر نعم الله عليه، ويُقَدِّر نعم الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويسعى عملياً، يشكر الله في أقواله، وأعماله، وأفعاله، واهتمامه، ومسيرة حياته.
وكان أيضاً نشطاً جداً في عمله لتبليغ رسالات الله، فهو أيضاً قدوة، وما كان عليه من جد واهتمام ونشاط هو درسٌ مهم لكل العاملين في سبيل الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ولكل المؤمنين في اهتمامهم بالأعمال الصالحة، في تحركهم وفق هدي الله وتعليماته.
وكان حريصاً غاية الحرص على نجاة الناس، وهدايتهم، وإنقاذهم، كان يتحرك لتبليغ رسالات الله، ويسعى لهدايتهم بحرصٍ كبيرٍ على هدايتهم، برغبةٍ كبيرة، باهتمامٍ كبير.
في بداية القصة، يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[نوح: الآية1]، سنلحظ في الحديث عن القصة أن نتحدث على ضوء الآيات المباركة، ونتنقل على ضوء الآيات المباركة: آية من هنا، وآية من تلك السورة، وآية من تلك السورة… وهكذا.
الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» (في سورة نوح) قال في مستهلها: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}، الله، ربُّ العالمين، ملك السماوات والأرض، ربُّ الناس، وإلههم، وملكهم، في إطار تدبيره لشؤونهم؛ لأن هذا جزء من تدبير الله لشؤون عباده: أن يُقدِّم لهم تعليماته، أن يهديهم، أن يوصل إليهم هديه، في إطار تدبيره لشؤونهم، ورحمته بهم، من رحمته بعباده أيضاً: يرسل إليهم رسله، وأرسل نوحاً «عَلَيْهِ السَّلَامُ» ضمن هذه السُّنَّة من سنن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هداية عباده، لهدايتهم، وإنذارهم، وتبشير من آمن منهم.
والرسالة هي من الله، الرسالة من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ليست جهداً بشرياً، يرقى الإنسان في اهتماماته حتى يصل إلى درجة رسول، بل هي مسألة مرتبطة بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فالرسالة منه، وهو «جَلَّ شَأنُهُ» الذي يختار من عباده ويصطفي من عباده رسلاً إلى الناس، يُعدهم لهذه المهمة ولأداء هذا الدور إعداداً مميزاً منذ البداية؛ ولهذا يقول: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران: الآية33]، فالله يُعدهم لتلك المهمة المقدسة.
والرسل (رسل الله) متميزون بكمالهم، في رشدهم، وزكائهم، زكاء أنفسهم، ورحمتهم، وحرصهم على هداية الناس، وصبرهم عليهم، ونصحهم لهم، وما يمنحهم الله من مؤهلات، لأداء تلك المهمة: مؤهلات للتبليغ نفسه، لأدائه على مستوى راقٍ وبيِّن، مؤهلات على مستوى المهمة في أدائها العملي، في واقعها العملي، وهكذا في كل ما يتصل بها.
ولذلك عظمة الرسالة والرسل والأنبياء أنهم: في إطار مهمةٍ عظيمةٍ مقدسة، لهداية البشرية، لإنقاذ الناس، ويَشدُّون الناس إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، حلقة وصلٍ بين المجتمع وبين الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يوصلون إلى المجتمع تعليمات الله، وأوامر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ ولذلك ليست المسألة أنهم يدعون إلى أنفسهم، أو أن لهم مصالح شخصية، أو أهدافاً شخصية، يتحركون لفرضها على الناس، من أجل مكاسب شخصية وأمور شخصية، هم حلقة وصل يصلون المجتمع بهداية الله، بتعليمات الله، ويُعَبِّدون أنفسهم لله، فيكونون هم القدوة للمجتمع في السير على تعليمات الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والالتزام بها، فمهمتهم عظيمة ومُقَدَّسة، وهم رحمةٌ من الله، وهم نعمةٌ عظيمةٌ من الله، وشأنهم عظيم، في مهمتهم المُقَدَّسة، فيما أهَّلهم الله له من تجسيد تلك المهمة، وتقديم الأسوة والقدوة فيها، وكمالهم العظيم، الذي هو أرقى كمال إنساني، في الكمال الإنساني أرقى كمال هو كمال الرسل والأنبياء؛ ولذلك فهم نعمةٌ عظيمةٌ من الله.
وهكذا كان نوح نبي الله ورسوله نعمة عظيمة على قومه، ولم يكن لهم من مبرر للكفر به، وقد بلَّغهم رسالة الله، ووجَّه إليهم دعوته، وأنذرهم، {أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ لأن التمادي في الباطل والضلال، والانحراف عن هدى الله تعالى، وتعليماته، والشرك بالله، والكفر بالله، له عواقب سيئة على المجتمع البشري في الدنيا وفي الآخرة: العذاب الأليم؛ فالله يُقيم حجته على عباده ما قبل ذلك.
هو توجَّه إلى قومه وأنذرهم: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[نوح: الآية2]، وعادةً ما يكون أقوام الأنبياء يعرفون عنهم الشيء الكثير: يعرفونهم بالأمانة، بالصدق، بالكمال، بالرشد، بالزكاء، بالحكمة، يعرفون أخلاقهم، قيمهم، استقامتهم؛ فهم شخصيات معروفة في مجتمعاتهم بذلك: بكمالهم، وزكائهم، وصلاحهم، ورشدهم، واستقامتهم السلوكية والأخلاقية؛ فهو أنذر قومه: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده، وترك الشرك والانحراف: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}[هود: الآية26]، {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأعراف: من الآية59].
عندما نقرأ في القرآن الكريم في دعوة الرسل لأقوامهم، نجد- كما في هذه الآيات المباركة في قصة نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»- أنَّ العنوان الأبرز، والعنوان الجامع، الذي هو عنوانٌ للرسالة الإلهية، ولدعوة الرسل والأنبياء، هو: الدعوة إلى عبادة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ونبذ عبادة غيره، التوحيد لله في العبادة له وحده، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، هذا العنوان هو فعلاً عنوانٌ مهمٌ وعظيمٌ، وهو عنوانٌ دقيق، يعني: هو الذي يعبِّر عن محتوى الرسالة الإلهية إجمالاً وتفصيلاً، وهو- في نفس الوقت- تحريرٌ للناس من العبودية لغير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
العبادة لغير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، تأتي من جوانب متعددة:
على مستوى العقيدة:
كما هو حال تلك الأقوام، التي اعتقدت أنَّ هناك مع الله شركاء له في الألوهية، آلهة مع الله، واعتقدوا أنَّ لهم أدواراً معينة مع الله في تدبير أمور الخلق، واعتقدوا أنهم مع كونهم- في اعتقادهم الباطل- آلهة، أنَّهم أيضاً يقرِّبونهم إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأنَّ لهم علاقة قوية بالله؛ فهم يعتقدون أنَّ الآلهة متعددة، يُقِرُّون بالله، هذا هو حال الأقوام.
ومن الشيء الغريب والملحوظ في كتب القصص، حتى في المسلسلات التي تتحدث عن قصص الأقوام والأنبياء، أنها تقدِّم صورة غير دقيقة عن واقع الأقوام، وكأنهم كانوا يجهلون بالله تماماً، وينكرونه تماماً، وهذا غير صحيح، يتَّضح من خلال الآيات القرآنية أنهم كانوا يعترفون بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وصولاً إلى مشركي العرب، في بعثة رسول الله «صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ» خاتم النبيين محمد بن عبد الله إليهم، كانوا يعترفون بالله، وأنه الذي خلق السماوات والأرض، وأنه الذي خلق البشر، أنه الذي خلقهم، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: من الآية87]؛ فهم كانوا يُقرُّون بالله، ويعترفون بالله، وأنَّه خالق السماوات والأرض، وربُّ العالمين… إلى غير ذلك، أنه الذي يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ولكنهم كانوا يعتقدون في عقيدتهم الباطلة: أنَّ الآلهة متعددة، أنَّ مع الله آلهةً أخرى، يختلفون في معتقداتهم، كلٌّ له- في معتقده الباطل- آلهة معينة، يزعم أنها شريكةً لله في الألوهية؛ ولهذا يسمَّى ما هم عليه بالشرك، يسمَّى بالشرك؛ لأنهم اعتقدوا أنَّ مع الله شركاء في الألوهية، يعينونه في أمور الخلق من موقع الألوهية؛ باعتبارهم آلهةً معه، هذا الانحراف على المستوى العقائدي في العبادة لغير الله، وترتب عليه- بالتالي- بقية الأمور: هم يرفضون تعليمات الله التي أتت مع الرسل والأنبياء، ويتَّجهون بناءً على خرافات، ومعتقدات، وأفكار خاطئة، يتعبَّدون بها.
أمَّا الانحراف الآخر أيضاً في العبادة لغير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فهو: في إخضاع النفس لما تعتبره بديلاً عن شرع الله ونهجه:
يعني: الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو ربُّنا، الذي له الأمر والنهي فينا، وهو مالكنا وملكنا، هو الذي يرسم لنا ما نسير عليه في هذه الحياة، منهجاً في هذه الحياة، يبيِّن لنا الحلال والحرام، وما نلتزم به من التزامات، ومسؤوليات في هذه الحياة؛ فالذي ينبذ شرع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويُخضِع نفسه في هذه الحياة لبديلٍ عن نهج الله، وعن شرع الله، وعن أمر الله، وعن هداية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ فهو عملياً يعبِّد نفسه، ويعطي حق الأمر والنهي، وبقية ما يرتبط بحقوق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يعطيها لغير الله، يعتقد أنَّ لغير الله في نفسه حق التصرف، وملك الأمر والنهي فيه، وأن يفرض عليه ما يشاء ويريد، بدلاً عن منهج الله، وعن هدي الله، وعن تعليمات الله.
ولذلك فهناك على المستوى العقائدي عبادة لغير الله، ويتبعها بالتالي الواقع العملي، الواقع العملي الذي ينصرفون فيه بشكلٍ تام عن منهج الله وهديه ورسالته.
ثم على المستوى العملي: في الرفض التام لهدى الله وتعليماته ورسالته على المستوى العملي، وإخضاع النفس إخضاعاً تاماً لغير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فيما هو بديلٌ عن نهجه وشرعه وملته.
فالأنبياء هم يحررون الناس؛ لأنهم يصلونهم بتعليمات الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وينقذونهم على المستوى العقائدي من عقيدة الشرك في الألوهية؛ وبالتالي على مستوى الطاعة، والعمل، والاتِّباع، يسيرون بهم وفق رسالة الله، فيما فيها من تعليمات الله، من شرعه، من أوامره ونواهيه.
فرسالة الله هي تحريرٌ للناس من العبودية للطاغوت، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: من الآية36]، فهي إنقاذٌ للناس في تعبيدهم أنفسهم لغير الله إلههم الحق، على المستوى العقائدي، وعلى المستوى العملي؛ ولذلك هو عنوان جامع، عنوان واضح، وعنوان يعبِّر عن محتوى وفحوى الرسالة الإلهية.
فماذا كان موقفهم من رسالته ودعوته؟ مجتمع قوم نوح، المجتمع البشري في تلك المرحلة كان مجتمعاً عشائرياً، يعني: لم يكونوا بشكل دولة، دولة، وحكومة، وسلطة، كانوا مجتمعاً عشائرياً، وقبلياً، وكان الناس فيه مرتبطين بزعمائهم، بوجهائهم، زعماء تلك العشائر والقبائل.
هو في دعوته وجهها للجميع، إلى قومه جميعاً، خاطبهم جميعاً: الزعماء وغير الزعماء، الكل، وجَّه دعوته إليهم جميعاً، وخاطبهم جميعاً، وأوصل رسالة الله إليهم جميعاً، هذه سُنَّة في تبليغ الرسالة الإلهية لكل الرسل والأنبياء: أنهم يوصلون رسالة الله إلى الناس جميعاً، ويبلِّغون الجميع، ولا يحصرون عملية التبليغ- مثلاً- إلى الزعماء، أو الوجهاء، ويتركون البقية، لا يوصلون إليهم هدى الله وتعليماته.
مع وضعهم العشائري، تصدَّر زعماؤهم ووجهاؤهم الموقف من دعوة نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، ومن الرسالة الإلهية؛ فكذبوه، ووجَّهوا له التهم، وشنوا عليه الدعايات، وهناك قائمة طويلة من تشكيكهم في رسالته ودعوته، واتهاماتهم التي وجهوها له، وكذلك الدعايات التي شنوها عليه، {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ}[الأعراف: من الآية60]، الملأ من قومه تصدَّروا الموقف، وردُّوا عليه، وعلى تبليغه للرسالة، {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأعراف: من الآية60]، وجَّهوا له التهمة والتشكيك في رسالته، وفي دعوته، واتَّهموه بالضلال المبين، اتَّهموه أنه في غواية وضلال واضح، وهم الذين هم في ضلال واضح، جعلوا دعوته إلى عبادة الله وحده أنها غواية وضلال واضح.
الملأ لماذا يتصدَّرون الموقف؟ عادةً تكون لهم مصالح مرتبطة بالوضع الذي يكون الناس فيه، يعني: تلك الحالة من حالة الضلال والباطل، أصبح لهم مصالح مرتبطة بها، بذلك الواقع، بتلك الظروف، بتلك الحالة التي الناس فيها، يبنون نفوذهم ومصالحهم بطريقة غير صحيحة، يعتمدون فيها على الإغواء للناس، على الإضلال للناس؛ حتى يكون لهم من بقاء الناس على الضلال، وعلى الباطل، مصلحة تعود إلى نفوذهم، الحفاظ على نفوذهم وسيطرتهم، وأحياناً مصالح مادية:
البعض- مثلاً- يبيع ويشتري في الأصنام، مهمته وعمله وكسبه يعتمد على صناعة الأصنام وبيعها، فهو يتصور أنَّ الناس إذا آمنوا تركوا الأصنام؛ وبالتالي لن تبقى له تلك التجارة، يريد أن يحافظ على تلك المصلحة المادية، بأن يبقى الناس في ضلالٍ مبين، في ضلال رهيب، في انحراف خطير.
البعض من الناس- كذلك- نفوذه يعتمد على الظلم، الممارسات الظالمة، الابتزاز، الإذلال للناس، الحصول على الأموال والمصالح المادية بطريقة غير مشروعة؛ فيجد رسالة الله، وتعليمات الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، لن تترك له المجال ليواصل ما هو عليه من الظلم، والابتزاز، وأخذ المال بغير حق، واعتماد وسائل غير مشروعة، فيرى فيها أنها تعارض مصالحه… وهكذا عدة اعتبارات.
البعض- مثلاً- ستكون حساسيتهم أنَّ إيمان المجتمع بنوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، معناه: ارتباطهم به، وأنه- بالتالي- سيكون هو الأعلى شأناً في المجتمع، وأنَّ المجتمع سيرتبط به فوق ارتباطه بهم، وهم لا يريدون ذلك، عندهم عقدة الكبر، عقدة الكبر، عقدة المصالح الموهومة الزائفة، مع أنَّ مصلحة الناس جميعاً: كباراً وصغاراً، وجهاؤهم، ومجتمعاتهم، ومواطنوهم، مصلحة الجميع هي في الاستجابة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هو يؤتي كلَّ ذي فضلٍ فضله، الإنسان ستكون له قيمته واعتباره الإيماني، الذي هو أهم من اعتبار المصالح الموهومة، أو الاعتماد على أمور أخرى غير مشروعة.
فهم واجهوه بالاتهامات، ووجَّهوا له التهمة، وتصوَّروا أنهم هم من يُعنا بتحديد الموقف، وإذا حددوا الموقف؛ فينبغي للآخرين أن يلتزموا بما قد حددوه هم من موقفٍ خاطئ، وبما أنهم هم من قد رأوا ذلك، وهم يقدِّمون للمجتمع أنهم هم الأصل في المجتمع، أصحاب الرأي، أصحاب الخبرة، أصحاب التجربة، أصحاب القرار، أصحاب النفوذ، فقد حسموا موقفهم بناءً على ذلك، وهذه رؤيتهم، اعتبروه في ضلال في دعوته، وشككوا في رسالته.
واتِّهامهم لم يكن يستند إلى أي شيء، مجرد أنهم قد ارتأوا رؤيتهم الشخصية، رأيهم الشخصي، أرادوا أن يكون هو كافياً في الموقف من رسالته، دون الاستناد إلى حجة، إلى دليل، إلى برهان… إلى غير ذلك.
{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: الآية61]؛ لأنه ليس هناك أي شيء يدل على أنه قد ضلَّ، أو غوى عن الحق، أو خرج عن الحق فيما قدَّمه، ما قدَّمه إليهم، دعوته إليهم، بما فيها من التفاصيل، وعنوانها العام، القرآن يوجز لنا حتى في العناوين، لكن يدخل تحت ذلك تفاصيل في حواره مع قومه، فليس هناك أي ضلالة فيما قدَّمه.
{وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي}[الأعراف: 61 – 62]؛ لأن الله هو رَبُّكُم، رَبُّ العالمين؛ وبالتالي على الناس أن يتقبَّلوا رسالته، ليست المسألة متروكة لآراء الناس، ومزاجهم الشخصي، المزاج الشخصي للإنسان: [أنا لا أرغب بهذا، أنا لا أريد هذا]، رسالة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هي الحق، هي الهدى، هي النور، هي الخير للناس، وليست الآراء والأفكار الشخصية، الناتجة عن مزاج شخصي لهذا أو ذاك، بحيث يعتمد عليها المجتمع بدلاً عن رسالة الله.
{وَأَنْصَحُ لَكُمْ}[الأعراف: من الآية62]؛ لأنه يقدِّم لهم ما يقدِّم- فعلاً- من منطلق النصح لهم بإخلاص، بإخلاص، نصيحةً خالصةً صحيحة.
{وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: من الآية62]، هو يعلم من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، من هديه وتعليماته، ما هم جاهلون به، وهم بحاجة إليه، ويوصله إليهم، ويعلم أيضاً من عواقب تكذيبهم، ما سيحصل عليهم من العذاب، ويشفق عليهم.
{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف: الآية63].
نستكمل- إن شاء الله- القصة في المحاضرات القادمة.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: المجتمع البشری فی فی القرآن الکریم السماوات والأرض فی هذه الحیاة تعلیمات الله العبادة لغیر الله تعالى رسالة الله على مستوى س ب ح ان ه ت ع ال ى ع ل ى آل الناس فی أنه الذی فیما بعد هدی الله کانوا ی من جدید فی سورة ع ب د وا مع الله ه إلیهم من الله ى الله ة الله فی تلک م الله ه الذی لله فی ات الل

إقرأ أيضاً:

نص كلمة قائد الثورة بمناسبة يوم القدس العالمي 1446هـ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَـاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قال الله تعالى في القرآن الكريم:

{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}[الإسراء:4-8]. صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيم.

 

في العشرين من شهر رمضان المبارك، لعام 1399 للهجرة، أعلن الإمام الخميني آخر جمعةٍ من شهر رمضان المبارك، من كل عام، يوماً عالمياً للقدس، ودعا كافَّة المسلمين، في كل أرجاء العالم الإسلامي، لإحياء هذا اليوم بالمظاهرات، والتَّجمُّعات، وإقامة المحافل، وأن يكون يوماً ليقظة جميع الشعوب الإسلامية، ويوماً للتعبئة العامة للمسلمين؛ من أجل أن تبقى قضية فلسطين حيَّةً في نفوس المسلمين، ومشاعر الجهاد والرفض لإسرائيل حَيَّة في نفوس المسلمين.

العنوان (يوم القدس)، العنوان والزمان كذلك (في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك)، يُذَكِّران المسلمين بمسؤوليتهم الدينية، تجاه فلسطين والأقصى والقدس، وتجاه الشعب الفلسطيني المظلوم، وتجاه أرض فلسطين، التي هي بقعةٌ مباركةٌ من بقاع وبلدان المسلمين، تجاه المظلومية الكبرى للشعب الفلسطيني، التي لها أكثر من قرنٍ من الزمان، منذ الاحتلال البريطاني، ثم خَلَفَهُ العدو الإسرائيلي المجرم، وله أكثر من سبعة عقود من الزمن، في عدوانٍ متواصل وإجرامٍ يوميٍ ضد الشعب الفلسطيني، إضافةً إلى العدوان والاحتلال الذي طال بلداناً عربيةً أخرى، وهو مستمرٌ كذلك على عِدَّة بلدان، وتهديدٌ حقيقيٌ لبلدانٍ أخرى.

وقـد تزامنت المناسبــة في هـذا العــام، مـع تطــوُّراتٍ غــير مسبوقــة في عِــــدَّة اتجاهـــات:

أولاً: حجم الإجرام الإسرائيلي، وبشراكةٍ أمريكيةٍ كاملةٍ على كل المستويات: عسكرياً، وسياسياً... وغير ذلك، ضد الشعب الفلسطيني:

على مدى خمسة عشر شهراً، ثم استئنافه للعدوان، والإبادة الجماعية، والتجويع المعلن المكشوف، والمنع من دخول الغذاء والدواء إلى غَزَّة بأي شكلٍ من الأشكال، لا مساعدات، ولا بضائع... ولا غير ذلك، واستباحة الدم الفلسطيني، والقتل الشامل بكل وسائل القتل، وبكل وحشية؛ بهدف كسر الإرادة، والدفع بالشعب الفلسطيني للاستسلام، ومحاولة الوصول به إلى الانهيار التام، وفي هذا الاتِّجاه المجاهرة بالإجرام بمرأى ومسمعٍ من العالم.

ثانياً: انكشاف توجُّهات العدو الإسرائيلي والأمريكي معاً؛ لأنَّها توجُّهات مشتركة، والحديث عنها صراحةً، والتحرك السياسي والإعلامي المكشوف لأجلها، وهي: السعي للتصفية الكاملة للقضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني، وتوسيع الاحتلال في البلدان المحيطة بفلسطين؛ تمهيداً لمراحل لاحقة، يُسْتَكْمَل فيها المشروع الصهيوني الإسرائيلي [من النيل، إلى الفرات].

في السابق كان الأمريكي والإسرائيلي يعتمدان على الخطوات العملية، مع استخدام أسلوب الخداع، لاسيَّما للأنظمة الرسمية العربية؛ فكان الأمريكي يتحدث عن السلام، والتسوية... وغير ذلك؛ ثم في هذه المرَّة أصبح يتحدث الأمريكي- بنفسه- عن التهجير، لم يعد هناك أي طرح لمسألة التسوية السياسية، ودولة الفلسطينية... وغير ذلك.

وتزامــن مــع ذلـك:

الإبادة الجماعية، والتجويع للشعب الفلسطيني في غَزَّة.

والتدمير والتهجير أيضاً في الضِّفَّة الغربية على نحوٍ متصاعد.

والسعي المكشوف لتهويد مدينة القدس.

وتكثيف الاقتحامات والاستباحة للمسجد الأقصى، ووضع المزيد من القيود والمضايقات على الوصول إليه.

الحديث الأمريكي المُعْلَن عن التهجير يُعتبر فضيحةً كبرى للأمريكي، يكشفه لمن يريد أن يتغابى، وأن يتجاهل الصورة الحقيقية له، وهو انتقال- كما قلنا- من مراحل الخداع في الماضي تحت عنوان التسوية، إلى هذه المرحلة الجديدة من الانكشاف، والتحرَّك المحموم، للانتقال إلى المراحل الأخرى التي هي واضحة:

السعي لتصفية القضية الفلسطينية.

والتهجير للشعب الفلسطيني.

والتَّوَسُّع في البلدان المحيطة بفلسطين.

هذا الانكشاف هو أيضاً من التطوُّرات المهمة، التي تزامنت مع هذه المناسبة في هذه المرحلة.

ثالثاً: في المقابل، حجم الصمود الفلسطيني، والثبات، والاستبسال:

هذا المستوى العظيم من صمود الشعب الفلسطيني وثباته في غَزَّة، وثبات مجاهديه، هو تطوّرٌ غير مسبوقٌ أيضاً، وكانت (عملية طوفان الأقصى) نقلةً جديدةً في ارتقاء الأداء الفلسطيني، وكذلك حجم الصمود العظيم في (معركة طوفان الأقصى)، وقد تجلَّى ضعف العدو الإسرائيلي مع هذا الصمود، وهذه النقلة المهمة؛ وإنما التجأ بشكلٍ كامل إلى الأمريكي، واعتمد عليه كليّاً، وكان التَّدَخُّل الأمريكي تجاه ذلك بشكلٍ غير مسبوق، ومع دعمٍ غربي، برز فيه: البريطاني، والألماني، والفرنسي... وهناك آخرون غيرهم أيضاً قدَّموا الكثير للعدو الإسرائيلي، وإلَّا فبدون ذلك كان العدو الإسرائيلي، بعد ضربة (عملية طوفان الأقصى)، في وضعٍ مهزوزٍ ومربكٍ بشكلٍ غير مسبوق، وكذلك ما قبل العملية كانت هناك- فعلاً- تساؤلات، عن مدى إمكانية استمرار ذلك الكيان المجرم الغاصب.

 

الإسرائيلي مع الأمريكي، اتَّجها معاً للعدوان على التصدِّي الفلسطيني بصمود وثبات، والتعامل مع التصدِّي الفلسطيني العظيم والبطولي للعدوان الإسرائيلي، باستخدام الإبادة الجماعية، والتدمير الشامل، يعني: لم تكن المسألة أن يقابلا الموقف الفلسطيني الصامد عسكرياً، من خلال أداء المجاهدين الفعَّال والقوي والثابت، أن يواجهاه بعمل عسكري نحو المجاهدين، يتَّجه نحو المجاهدين واستهدافهم، تعاملا بطريقة مختلفة: طريقة إجرامية، وحشية، شاملة، للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة بشكلٍ عام، والتدمير الشامل لكل مقومات الحياة في قطاع غَزَّة، التدمير والنسف للمباني، بالأحزمة النارية، وبكل وسائل التدمير، تدمير المدن، تدمير القرى، تدمير الأحياء والمساكن، تدمير المستشفيات، تدمير آبار المياه، تدمير المدارس والمساجد... وكل مقومات الحياة؛ بدلاً من معركة عسكرية، يواجهون فيها عسكرياً، اتَّجهوا هذا الاتِّجاه الإجرام الوحشي، يحاولون بذلك الضغط على الجانب العسكري الجهادي في فلسطين للمجاهدين؛ ليستسلم وينهار من خلال هذا الأسلوب.

رابعاً: من التطوُّرات المهمة: ثبات الحاضنة الشعبية، ومجتمع غَزَّة، في ضل وضعيةٍ صعبةٍ جدًّا، ومظلومية كبرى، ومعاناةٍ رهيبةٍ لا مثيل لها:

هذا المستوى العظيم من صمود الشعب الفلسطيني في غَزَّة، في مقابل ذلك الإجرام الرهيب، والإبادة الجماعية، والتدمير الشامل، والتجويع، والإبادة بكل أساليب الإبادة، هو تطوُّرٌ غير مسبوق حتى في تاريخ الشعب الفلسطيني، وفي تاريخ شعوب المنطقة بشكلٍ عام.

خامساً: من التطوُّرات المهمة: جبهات الإسناد، وما قدَّمته من تضحيات:

بدءاً بلبنان، التي قدَّم فيها حزب الله أكبر التضحيات، في إسناده للشعب الفلسطيني، وللمجاهدين في قطاع غَزَّة، وقدَّم إسهاماً عظيماً، كبيراً، مهماً، متميِّزاً، مؤثِّراً في المعركة والمواجهة للعدو الإسرائيلي.

وكذلك اليمن، اليمن بإسناده الشامل، وتحرُّكه على كل المستويات: في العمليات العسكرية، ومنع الملاحة البحرية على العدو الإسرائيلي، والقصف إلى عمق فلسطين المحتلة، بالصواريخ والمسيَّرات؛ لاستهداف العدو الإسرائيلي، والتَّحَرُّك سياسياً، وإعلامياً، وشعبياً على نحوٍ عظيم، والخروج المليوني الشعبي، والأنشطة الشعبية، التي لا مثيل لها في العالم.

وكذلك في العراق، والدور المهم والكبير لفصائل المقاومة الإسلامية في العراق.

وكذلك الدور الأساسي والمحوري للجمهورية الإسلامية في إيران، بدعمها الدائم للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزِّاء، ولاشتراكها أيضاً بعمليات الوعد الصادق، والعدو يدرك حجم هذا الدور وأهميته، ويسعى للضغط المستمر على الجمهورية الإسلامية في إيران، باستخدام أسلوب الضغوط القصوى، في العقوبات الاقتصادية، والعزل السياسي... وغير ذلك؛ بهدف التأثير على موقفها، الذي بقي ثابتاً منذ انتصار الثورة الإسلامية، وهو مستمرٌ في ثباته.

سادساً: الانكشاف، والفرز، والغربلة، لواقع الأمة، والحالة الرسمية في العالم العربي- بالدرجة الأولى- قبل بقية العالم الإسلامي:

هذا الفرز الكبير، الذي كشف واقع الأنظمة العربية الرسمية:

ما بين متخاذلٍ بشكلٍ غير مسبوق: مع أن الحالة حالة تخاذل، {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}[الأعراف:129]، يعني: منذ بداية القضية الفلسطينية، لكن في هذه المرَّة، في هذه الجولة، تخاذل غير مسبوق، من المواقف- حتى في الحد الأدنى- المواقف العملية.

وما بين متواطئ مع العدو: ما بين أيضاً من تواطؤا مع العدو بشكلٍ أو بآخر.

هذا الفرز، وهذه الغربلة، تأتي ضمن سُنَّةِ الله تعالى لواقع المسلمين، الذين ينتمون إلى الإسلام العظيم، بمبادئه العظيمة، وقيمه العظيمة، والالتزامات الإيمانية فيه، ضد الظلم والطغيان، ونصرة المظلوم، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}[التوبة:16]، اختبار في الموقف: في الجهاد، واختبار في الولاء (وَلِيجَةً)، {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}، من يتَّخذون دخلاء في ولائهم من أعداء هذه الأمة، بدلاً عن الولاء للمؤمنين، {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[التوبة:16].

سابعاً: انكشاف المؤسسات الدولية، وفي مُقدِّمتها: الأمم المُتَّحِدة، ومجلس الأمن، والمنظَّمات ذات الطابع الحقوقي والإنساني، وفضيحة الغرب:

وهذا أيضاً هو تطوُّر غير مسبوق؛ لأنهم- أصلاً- كانوا فيما سبق في وضعية مُخْزِيَّة، ومكشوفة، ومفضوحة، لكن مع حجم الإجرام الصهيوني الإسرائيلي اليهودي، ضد الشعب الفلسطيني، وارتكاب الإبادة الجماعية بشكلٍ يومي، على مدى خمسة عشر شهراً، ثم استئناف ذلك في هذه الأيام، هذا كشفهم أكثر، حجم المأساة للشعب الفلسطيني بَيَّنت حقيقة أولئك، أنهم ليسوا جادِّين تجاه العناوين التي يزعمون أنهم يتحرَّكون من أجلها، وأنهم مؤسسات اُنشئت من أجلها: من أجل حقوق الإنسان، والأمن، والاستقرار العالمي... وغير ذلك، اتَّضح بشكلٍ واضحٍ جدًّا أمام هول المأساة، حتى لمن هو بليد لا يفهم، يستطيع أن يفهم؛ كذلك في التعامل في الغرب مع الصوت الإنساني في بلدانهم، في النشاط الجامعي وغيره، وسنتحدث عن هذه النقطة.

الأمم المُتَّحِدَة لم تتخذ أي خطوة عملية- عملية أكثر من مسألة تصريحات وبيانات- تجاه ما يقوم به العدو الإسرائيلي، من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وأيضاً من إجرام وعدوان كبير في الضِّفَّة الغربية، على الشعب الفلسطيني هناك.

الأمم المُتَّحِدَة، التي سبق لها أن اعترفت بالعدو الإسرائيلي على أرض فلسطين كدولة، واعترفت به عضواً فيها، وهذه جريمة كبيرة، ووزر فظيع لم تتخلص من هذا الوزر، في الحد الأدنى كان على الأمم المُتَّحِدَة أن تسحب اعترافها بالكيان الإسرائيلي؛ لأنه اعتراف باطل- أصلاً- من الأساس، أن تسحب ذلك الاعتراف، وأن تطرد العدو الإسرائيلي لا يبقى عضواً فيها، أقل ما كان يمكن أن تعمله، أن تعمل هذه الخطوة؛ لِتُخَفِّف عن نفسها هذا الوزر، وتطرح عن نفسها هذا العار.

مجلس الأمن كذلك، بيَّن أنه ليس من حساباته أمن الشعب الفلسطيني المظلوم، أمن شعوب المنطقة: الشعوب العربية، والشعوب الإسلامية، والشعوب المستضعفة في العالم، وأنه لا يحسب إلا حساب أمن الطغاة المستكبرين في هذا العالم، والظالمين المجرمين فقط، أمنهم في مقابل أن يضطهدوا بقية الشعوب، أن يظلموها، أن يجعلوها شعوباً لا تحظى لا بأمنٍ، ولا باستقرارٍ، ولا باستقلالٍ، ولا بِحُرِّيَّةٍ، وأن تكون شعوباً مظلومةً مضطهدة، مجلس الأمن كذلك ليس له أي موقف جادّ تجاه ذلك.

المُنَظَّمات الأخرى كذلك، ليست لديها مواقف جادَّة من العدو الإسرائيلي. وهكذا الحالة مكشوفة بالنسبة لهم.

ثامناً: الموقف الحُرُّ للأحرار في العالم:

هناك بعض الدول كان لها موقف حُرّ، مثل ما هو الحال بالنسبة لـ: فِنْزويلَّا، لجنوب أفريقيا، لكولومبيا... لدول وبلدان أخرى اتَّخذت خطوات عملية، تميَّز موقفها بأنه موقف جادّ، ليس مجرَّد بيانات، أو تصريحات، اتَّخذت خطوات عملية:

قطعت علاقاتها مع العدو الإسرائيلي: على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاقتصادي.

وكذلك بيّنت عن موقفها هذا: أنه نُصرةً للشعب الفلسطيني، وضد الإجرام الصهيوني الإسرائيلي والأمريكي.

فكانت خطواتها خطوات عملية، هناك عدَّة بلدان في العالم- من غير البلدان الإسلامية والعربية- كان موقفها بهذا المستوى: قطع للعلاقات السياسية، والعلاقات الاقتصادية، بل وتحريك القضاء للمحاكمة، محاكمة حتى أي (مجرم إسرائيلي) يتَّجه إلى بلدانهم.

فتلك البلدان، اتَّخذت حكوماتها، ورؤساؤها، والأنظمة الرسمية فيها، مواقف عملية أكثر من البلدان العربية، من الأنظمة الرسمية العربية، وأكثر من أكثر الأنظمة الإسلامية في العالم الإسلامي.

كذلك الصوت الإنساني للأحرار، وللذين بقي لديهم ضمير إنساني حتى في الشعوب الغربية، المظاهرات والأنشطة التي تحرَّكت في أمريكا، في الجامعات الأمريكية، وفي الأوساط الشعبية في أمريكا، من خلال الجاليات، ومن غير الجاليات أيضاً، وبالرغم مما واجهته من اضطهاد، وقمع، وإذلال؛ كشف حقيقة الأنظمة الغربية- بنفسها- حتى في نفس البلدان الغربية، كيف تعاملت مع هذا الصوت الإنساني، بالرغم من أنه كان في إطار النشاط الذي هو مكفولٌ في دساتيرهم وقوانينهم، يعني: مظاهرات، احتجاجات، خروج للجامعات بشكل اعتصامات، يُعَبِّرون فيه عن موقفهم، المتضامن مع الشعب الفلسطيني، يطالبون فيه بوقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني؛ فاتَّجهت تلك الأنظمة لتتعامل مع ذلك بكل عدوانية.

الأجهزة البوليسية تعاملت بشكلٍ قمعيٍ ومُذِّل، تعاملت مع الطلاب، مع أساتذة الجامعات الذين شاركوا في تلك الأنشطة، بطريقة عنيفة، مُذِلَّة، وظالمة، تعاملت أيضاً مع المظاهرات بشكلٍ وحشي، والمشاهد واضحة في أمريكا، المشاهد التلفزيونية التي وثَّقت تلك الممارسات القمعية والعدوانية: في أمريكا، في بريطانيا، في ألمانيا، في فرنسا... في عِدَّة بلدان أوروبية، في أستراليا أيضاً في غير أوروبا.

وهكذا كانوا مفضوحين، أنَّهم ليسوا لا حول حُرِّيَّة تعبير، ولا حقوق إنسان، ولا حقوق مكفولة للشعوب، عندما تتعلق المسألة بمعارضة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، والاحتجاج ضد العدوان الهمجي، الإجرامي، الوحشي، الإسرائيلي؛ بيّنت مدى سيطرة ونفوذ الصهيونية في العالم الغربي، السيطرة الرسمية لها على التَّوجُّهات والسياسات.

وحرّكوا عنوان (معادات السامية)؛ ليجعلوا منه مبرراً لقمع أي احتجاج ضد إبادة الشعب الفلسطيني، ضد الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، فأصبحوا يسوغون كل أنواع الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي، ويمنعون أي انتقاد لها حتى بالكلمة، ومسارهم في ذلك يزداد تشدداً، مع الإجراءات الأخيرة التي أعلنها المجرم الكافر [ترامب] ضد الجامعات، التي كان فيها أنشطة متضامنة مع مظلومية الشعب الفلسطيني، ومحتجَّة ضد الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، إجراءات متشدِّدة، وإجراءات تهدف إلى: منع أي صوتٍ إنساني يتضامن مع هذه المظلومية للشعب الفلسطيني.

هذا فيما يتعلق بالتطوَّرات، التي هي بارزة ومتزامنة مع ما يحدث.

فيمــا يتعلـق بالوضــع الراهـــن:

العدو الإسرائيلي اتَّجه بشكلٍ مكشوف لنكث الاتِّفاق، الاتِّفاق الذي كان عليه ضمناء، والأمريكي منهم (من الضمناء) ضمين على العدو الإسرائيلي، الأمريكي شارك مع الإسرائيلي- كلاهما عدوان مجرمان ظالمان- في النكث بالاتِّفاق، والتَّنَكُّر له، والالتفاف عليه، وتجاه ضمانته، الأمريكي يُخِلّ بشكلٍ مكشوفٍ ووقح بضمانه والتزامه، ويتنكَّر لتلك الالتزامات وكأنها لا شيء؛ وهناك عِدَّة تطوُّرات فيما يتعلق بالوضع الراهن.

من المعلوم أن الاتِّفاق لوقف العدوان على غَزَّة، أتى نتيجةً للفشل الواضح للعدو الإسرائيلي، في تحقيق الأهداف المعلنة لعدوانه، فقد:

فشل في استعادة الأسرى من دون صفقة تبادل.

وفشل في إنهاء المقاومة في غَزَّة والقضاء على المجاهدين.

وفشل في إرغام الشعب الفلسطيني في غَزَّة على الاستسلام.

بالرغم من فظاعة الإجرام الهمجي، الذي لا مثيل له، والشراكة الأمريكية معه في ذلك، وبالرغم من الدور الغربي المساند، لكنه فشل.

وبناءً على ذلك، تم الاتِّفاق على وقف العدوان بصيغة واضحة، والتزامات محدَّدة وواضحة، وعلى مرحلتين، الاتِّفاق كان واضحاً، ما يتعلق منه بالشعب الفلسطيني، هي- أصلاً- استحقاقات، استحقاقات إنسانية، ومشروعة، ومكفولة في الحقوق المعترف بها عالمياً، يعني: ليست شروطاً مجحفة، أو شروطاً سياسيةً بعيدةً عن الجانب الإنساني، أو عن الحقوق المشروعة، وليست شروطاً تعجيزية، هي كما أنها التزامات ضمن اتِّفاق، هي في الأساس- ما قبل أن تكون ضمن هذا الاتِّفاق- استحقاقات إنسانية، مشروعة، مُعْتَرفٌ بها عالمياً، بأنها من الحقوق المكفولة لكل الشعوب، وهي:

إدخال المساعدات إلى قطاع غَزَّة، إدخال الغذاء، والدواء، والاحتياجات الإنسانية، والمتطلبات الضرورية لحياة الناس، وهذا شيءٌ مكفول، واستحقاق إنساني وقانوني في كل العالم، ومعترفٌ به عند كل الدول.

وقف الإبادة الجماعية، وقف العدوان والقتل ضد الشعب الفلسطيني، ومن حق الشعب الفلسطيني ذلك، العدوان عليه عدوان ظالم، وإجرامي، ووحشي، وحالة عدوان بكل ما تعنيه الكلمة.

أيضاً فيما يتعلق بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غَزَّة، ومن المناطق التي توغّل فيها، وهذا حقٌّ مشروع للشعب الفلسطيني، ومن الحقوق المعترف بها عالمياً.

ومسألة تبادل الأسرى.

وصولاً إلى إعادة الإعمار، ضمن استحقاقات المرحلة الثانية.

فكل البنود المتعلقة بالشعب الفلسطيني في صيغة الاتِّفاق:

هي التزامات ضمن الاتِّفاق من جهة.

وهي استحقاقات إنسانية مشروعة، مكفولة للشعب الفلسطيني، معترفٌ بها عالمياً من جهة ثانية، هي حق ثابت للشعب الفلسطيني.

وحركة المقاومة الإسلامية، في سبيل إنجاح هذا الاتِّفاق، قدَّمت الكثير من التنازلات، تحت السقف الممكن والمتاح، بما لا يُفَرِّط بالقضية الفلسطينية من أساسها، أو بهذه الحقوق التي هي حقوق إنسانية، وحقوق معترفٌ بها عالمياً، من ضمن تلك التنازلات أنَّها:

قبلت أن يكون هناك إدارة فلسطينية عبر لجنة فلسطينية، إدارة مُؤَقَّتة للقطاع، حتى يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية.

قدَّمت تنازلات أيضاً في جوانب أخرى.

كانت حريصةً جدًّا على نجاح الاتِّفاق، وأوفت بكل ما عليها في الاتِّفاق في مرحلته الأولى، يعني: التزمت بما عليها، ونفَّذته كاملاً، ضمن بنود المرحلة الأولى؛ فلم يكن هناك من جانب (حركة المقاومة الإسلامية حماس) لم يكن من جانبها أي تَنَصُّل عن بند من البنود، أو امتناع عن تنفيذه، أو تنفيذه ناقصاً دون الوفاء به؛ أوفت بشكلٍ كامل بما عليها من بنود المرحلة الأولى.

في المقابل، العدو الإسرائيلي لم يفِ بما عليه ضمن التزامات المرحلة الأولى:

لا في نوعية وكمية المساعدات الإنسانية، المُتَّفَق على دخولها في صيغة واضحة، وأرقام محددة، ضمن المرحلة الأولى إلى قطاع غَزَّة:

نَقَّص الكثير جدًّا من المواد الغذائية.

منع الكثير أيضاً من الخيام، والشعب الفلسطيني في أمسِّ الحاجة إليها في قطاع غَزَّة؛ لأنه بدون مأوى.

منع دخول الكرفانات والبيوت المتنقلة.

منع خروج العدد المُتَّفَق عليه كاملاً من الجرحى والمرضى للعلاج.

كذلك في جوانب أخرى كثيرة، التفاصيل كثيرة، وهم يتحدثون عنها عادةً في البيانات، بالنسبة للإخوة الفلسطينيين:

لم يُكْمِل انسحاباته المُتَّفَق عليها ضمن المرحلة الأولى؛ فهو مُخِلّ من جوانب متعددة.

لم يلتزم بالوقف التام لإطلاق النار، لا يزال يَقْتُل، يعتدي؛ بالطائرات المسيَّرة، بالقصف أحياناً، بالمدفعية، بإطلاق النار من جنوده المجرمين... وهكذا، اعتداءات متكررة ومستمرة، وهناك عدد كبير من الشهداء.

هذا في مقابل أن الطرف الفلسطيني أوفى بما عليه كاملاً.

ما بعد ذلك، اتَّجه العدو الإسرائيلي لِلتَّهَرُّب بشكلٍ كامل من الدخول في المرحلة الثانية من الاتِّفاق، وهي ضمن الاتِّفاق، مرحلة ثانية عليها ضمناء أيضاً، الأمريكي ضمين عليها، وشَجَّعَهُ الأمريكي على هذا التَّهَرُّب، والتَّنَصُّل، والالتفاف، والتَّنَكُّر للاتِّفاق، والنكث للاتِّفاق والالتزامات، وشارك في دعمه، وأيَّدَهُ لأن يستأنف عدوانه من جديد؛ فقام من جديد باستئناف عدوانه، بارتكاب جرائم إبادة جماعية من اليوم الأول، يعني: في يومٍ واحد (مائة وثمانين طفلاً) قتلهم العدو الإسرائيلي في قطاع غَزَّة، هذه جريمة وحشية يندى لها جبين الإنسانية، ووصمة عار على المجتمع الدولي، وعلى أمريكا نفسها، التي شَجَّعَت العدو الإسرائيلي!

الأمريكي كان واضحاً، في أنه يَتَبَنَّى بشكلٍ كامل ما يقوم به العدو الإسرائيلي:

من نكثٍ للاتِّفاق.

ومن استئناف للعدوان والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

من منع لدخول المساعدات، قد مضت أسابيع كثيرة، وهو يمنع دخول الغذاء والدواء إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة.

الأمريكي يقول: [ما تَمَّ، هو بمشورةٍ معه، هو يدعمه كاملاً، هو يتبنَّاه، هو يُشَجِّع عليه]، المسؤولون الأمريكيون، يقولون للإسرائيليين: [أبيدوهم جميعاً]، بهذا المنطق: [أبيدوهم جميعاً]، يعني: لا مشكلة عند الأمريكي أن يباد الشعب الفلسطيني.

الأمريكي بنفسه، المجرم [ترامب] من يومه الأول يتحدث بشكلٍ واضح ومكشوف، عن مسألة تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، وهو ضامن على تنفيذ اتِّفاق، اتِّفاق واضح، بانسحاب العدو الإسرائيلي من قطاع غَزَّة، بوقف عدوانه على قطاع غَزَّة، بدخول المساعدات إلى قطاع غَزَّة؛ ثم يتنكَّر لالتزاماته بكل وضوح.

 

هكذا هي الهمجية والطغيان، لا وفاء لشيء، يتنكَّرون لما هو من الحقوق الإنسانية، لما يعتبر الالتزام به التزاماً إنسانياً وأخلاقياً، ويتنكَّرون لكل ذلك، يتنكرون للالتزامات التي هي بشكل اتِّفاقات مُوَقَّعة، والتزامات مُوَقَّعة مُتَّفَقٌ عليها، لا يكترثون لذلك؛ يعني: يتعاملون بهمجية، وطغيان، وإجرام، ووحشية، وليس فيهم أي مُسْتَمْسَك: لا قيم، لا أخلاق، لا إنسانية، لا قوانين، لا مواثيق... ولا أي شيء، يتنكَّرون لكل شيء.

الإسرائيلي، استناداً واعتماداً على الأمريكي، عاد للحصار، للتجويع، للإبادة الجماعية، بالقنابل الأمريكية- نفسها- يستهدف أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، إلى خيامهم، وفي أطلال ما قد دَمَّرَه سابقاً من منازلهم، ويُبِيدهُم بشكلٍ يومي، يقتل الأطفال والنساء، والكبار والصغار، جرائم الإبادة الجماعية من جديد، وبدون أي مُبَرِّر، ليس له أي مُبَرِّر في تَنَصُّلِه عن الاتِّفاق، يعني: لا يمكن أن نقول: أن (حركة حماس) لم تفِ بما عليها من التزامات، هي أوفت؛ لكنَّه يستمر بكل هذه العدوانية، إضافةً- كما قلنا- أنه يمنع ما هو استحقاق إنساني، إضافة إلى التزامات الاتِّفاق؛ هــذا فيمـا يتعلـق بِغَــزَّة.

في لبنـــــان أيضــــاً:

هناك اتِّفاق، والأمريكي فيه من الضمناء، والضمين الأول على الإسرائيلي، ولجنة خماسية... وغير ذلك، العدو الإسرائيلي يستمر هناك أيضاً بارتكاب خروقات جسيمة للاتِّفاق:

اعتداءات بالقصف الجوي، بالطائرات المسيّرة وغيرها، والقتل لأبناء الشعب اللبناني، ويتكرر ذلك بشكلٍ كثير، إضافةً إلى تصعيد في بعض الأيام، تصعيد بغارات كثيرة.

يحتل مراكز في الأراضي اللبنانية، لم ينسحب منها، ويخالف بذلك الاتِّفاق.

يستمر بأشكال متعددة من الاعتداءات على لبنان: يقصف بالمدفعية، يعتدي جنوده، يختطفون أحياناً... أنواع كثيرة.

فيمـــا يتعلـــق بسوريـــا:

يواصل العدو الإسرائيلي أيضاً تثبيت سيطرته على الجنوب السوري في ثلاث محافظات.

يُوَسِّع من نطاق احتلاله؛ بهدف الوصول إلى مناطق من ريف دمشق.

يستمر في غاراته- وتكون مكثفة في بعض الأيام- لتدمير قُدرات سوريا.

 

سيطر على (حوض اليرموك)، أهم مورد مائي في سوريا.

وكأن المسألة عادية تماماً، يعني: الموقف الدولي، الموقف العربي، الموقف من المنظمات والمؤسسات، موقف بارد جدًّا، كأن المسألة عادية، استباحة كاملة، استباحة بكل ما تعنيه الكلمة.

مع هذه الممارسات العدوانية غير المسبوقة، هناك انكشاف واضح، ومجاهرة بالأهداف المشتركة للأمريكي والإسرائيلي، يعني: هناك وضوحٌ تام في أن الأمريكي والإسرائيلي يسعيان معاً:

إلى تصفية القضية الفلسطينية، إلى إنهائها.

إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.

إلى التَّوَسُّع في البلدان المحيطة.

وفي نفس الوقت السعي للوصول إلى أن يكون العدو الإسرائيلي مسيطراً على المنطقة بشكلٍ كامل، ما هو باحتلال مباشر، وما هو بسيطرة كاملة، والاستباحة، العدو الإسرائيلي يسعي إلى أن يُثَبِّت معادلة الاستباحة ضد هذه الشعوب، أن يكون لهم المجال مفتوحاً ليقتل من أراد، ليقصف متى أراد، في أي مكانٍ يشاء، لينهب ما يريد... ليعمل ما يشاء.

التخاذل العربي هو من العوامل المُشَجِّعَة للأعداء، فعلاً، العرب لم يتحرَّكوا رسمياً في الحد الأدنى من المواقف العملية، يعني: حتى على مستوى موقف فنزويلَّا، أو جنوب أفريقيا... أو غيرها من البلدان، لم يتحرَّكوا لا في المقاطعة السياسية، ولا الاقتصادية... ولا غير ذلك، مواقف عملية.

بل وصل بهم الحال- وللأسف الشديد- إلى أنَّهم ينتظرون الإذن من الأمريكي والإسرائيلي، في أن يُقَدِّموا الخبز، والغذاء، والدواء، للشعب الفلسطيني في غَزَّة، حتى على هذا المستوى الإنساني جدًّا، والذي هو- في نفس الوقت- مسؤولية كبيرة عليهم، يتركون الشعب الفلسطيني يَتَضَوَّر جوعاً، بمرأىً منهم، ومسمعٍ منهم، وعلمٍ منهم، لماذا؟ لأنَّه لم يأذن لهم الإسرائيلي أن يعطوه الخبز، أن يعطوه القمح، أن يعطوه المواد الغذائية، لم يأذن لهم بذلك، هم ينتظرون حتى يأذن الأمريكي والإسرائيلي في ذلك، هذا المستوى من التَّدَنِّي في موقفهم مؤسفٌ للغاية، ومُشَجِّعٌ للعدو الإسرائيلي، وللأمريكي.

العرب رسمياً، لم يراجعوا خياراتهم، وسياساتهم، التي قد ثبت قطعاً أنها غير مُجْدِيَة أصلاً؛ وإنما يُكَرِّرُونَها، يجتمعون في قِمة، يعلنون عن تَمَسُّكِهم بخيار السلام والمبادرة العربية، يعني: المبادرة السعودية القديمة، التي رفضها الإسرائيلي- أصلاً- ولم يقبل بها من وقته، مع ما فيها من التنازلات الكبيرة جدًّا، لكنَّه آنذاك رفضها، وأعلن [شارون] آنذاك رفضها بشكلٍ واضح.

العرب يعتمدون سياسة الاسترضاء للأمريكي، هذا على المستوى الرسمي، وهذه السياسة لم تُجْدِ شيئاً، البيانات لم تُجْدِ شيئاً، يُكَرِّرون المُكَرَّر، والذي قد ثبت أنه لا أثر له، ولا أهمية له، ولا نتيجة له، أصبح أشبه ما يكون بفعلٍ عبثي، تكرير ما ليس له قيمة، ما ليس له أهمية، ما ليس له أي فائدة، ولا يعطيه العدو أي اعتبار إطلاقاً، وليس له أي نتيجة إطلاقاً، أشبه ما يكون بأفعال عبثية.

هذه الخيارات لو كانت مجدية؛ لكانت قد أفادت حتى الآن فيما يتعلق بوضع سوريا، معلوم ما عليه التَّوَجُّه في سوريا، بالنسبة لتلك الجماعات المسيطرة في سوريا، هي: لا تتبنى العداء لإسرائيل، وتُصَرِّح بذلك، وتتبنى العداء لأعداء إسرائيل؛ لم ينفع ذلك، لم ينفع ذلك، هي لا ترد على ما يفعله العدو الإسرائيلي، بالرغم من جسيم ما يفعل: احتلال واسع للمناطق، قصف مُدَمِّر، قتل، جرح، وهي تسكت له عن كل ذلك؛ لم ينفع ذلك، لو كان خياراً مجدياً، لو كان التَّوَجُّه- بنفسه- الذي هو عليه توجُّهاً مفيداً؛ لكان الإسرائيلي قابله بطريقة مختلفة، وقال: [إذاً أنا سأتعامل معكم باحترام، سأنسحب مما كنت فيه من الجولان السوري]، وليس أن يُقْدِم على احتلال أراضٍ جديدة، [وسأتعامل معكم بِوُدّ، كما تتعاملون معي بِوُدٍّ واحترام]، لكنَّه قابل احترامهم بالهمجية والطغيان، قابل سكوتهم بالمزيد من الاعتداءات؛ ولـذلك خيارات غير مجدية.

السلطة الفلسطينية في الضِّفَّة كذلك، حالها معروف، الإسرائيلي يتنكَّر لكل اتِّفاقاته والتزاماته معها، معنى ذلك: أنَّها في اتِّجاه ليس مجدياً ولا مفيداً.

لـذلك ينبغي أن تشعر الأمة بمسؤوليتها، مسؤوليتها تجاه ذلك، نحن في شهر رمضان، شهر الصيام، وشهر الجهاد، وشهر التَّزَوُّدِ بالتقوى، وشهر نزول القرآن الكريم، وربيع القرآن، والأثر الذي هو معيارٌ للاستفادة من هذا الشهر المبارك هو:

زيادة الوعي والبصيرة من نور القرآن وهديه، مع الإقبال المُكَثَّف على تلاوته.

وكذلك منسوب الزيادة في التقوى، أن يزداد، أن يكون هناك زيادة في منسوب التقوى.

وكذلك في الشعور بالمسؤولية.

هذا مما ينبغي أن يكون من ثمار ونتائج وآثار شهر رمضان المبارك.

المسؤولية تجاه القضية الفلسطينية، وفي الموقف من الخطر الإسرائيلي، الذي يستهدف الأمة جميعاً، هي مسؤوليةٌ دينيةٌ على الأمة جميعاً، على الجميع، ليست على شعبٍ دون شعب، أو بلدٍ دون بلد، أو فئة دون فئة، أو مذهبٍ دون مذهب، هي مسؤولية على الجميع، وهي مسؤولية دينية، إلى جانب أنَّها مسؤولية إنسانية، ينبغي أن يقف العالم بكله معها، لكن بالنسبة للمسلمين هناك مسؤولية دينية، والتزام إيماني وأخلاقي، ومعنى ذلك: أن الالتزام تجاه هذه القضية هو جزءٌ من التزاماتنا الدينية، إلى جانب صلاتنا، وصيامنا، وأعمالنا التي هي من أعمالنا الدينية، والتي نعتبر أن الإخلال بها يترتب عليه جزاءٌ وحساب، نُسأل عنها يوم القيامة، ويجازينا الله يوم القيامة؛ لـذلك علينا أن ندرك هذه الحقيقة: أنها مسؤولية دينية، ليس التجاهل لها أمراً عادياً، أو التغاضي عنها أمراً عادياً.

العدو الإسرائيلي هو خطرٌ كبيرٌ جدًّا، على المسلمين جميعاً، خطورته عليهم شاملة، هو عدوٌ مجرم، بذلك المستوى من الإجرام والوحشية والدموية الذي تجلَّى في غَزَّة، لماذا لا يأخذ المسلمون العبرة؟ لماذا لا تترسَّخ لديهم هذه النظرة: أنه عدو بذلك المستوى من الخطورة؛ لأنه في غاية الوحشية، والإجرام، والدموية، عدوٌ يبيد الأطفال بدون أي رحمة، بدون أي ذرةٍ من الشعور الإنساني، يقتل النساء والأطفال، والكبار والصغار، بالقنابل، يُبِيدهم بكل وسائل الإبادة؛ بالتجويع، حتى بمنع وسائل التدفئة لهم؛ فيموت الأطفال، وهو يَتَلَذَّذ بذلك؟

عدو هو بذلك المستوى من الدموية والإجرام، كان يرسل الكلاب البوليسية على كبار السن والمرضى؛ لتنهشهم حتى الموت، كان يُقْدِم على الإبادة للمرضى وهم في المستشفيات، ويقوم بإعدامهم، بإطلاق الرصاص عليهم، بكل وسائل القتل والإبادة، يسفك الدماء بكل وحشية، دون أي اعتبار إنساني.

وعدوٌ طامع، لا أطمع منه، لديهم طمع رهيب جدًّا، وجشع رهيب، يسعى لاحتلال الأرض، هو يطمع في أرضكم يا أَيُّها العرب، في ثرواتكم، في بلدانكم، يسعى لاحتلال الأرض، يسعى لنهب الثروات، حتى الموارد المائية يسعى للسيطرة عليها، معروف ما يفعله الآن في سوريا، ومعروفٌ ما فعله حتى تجاه الأردن، وهو الآن يتحكَّم في مياه الشرب على الشعب الأردني، ومعلوم ما يتآمر به على العراق، وعلى مصر، في المسألة المائية بنفسها، يحاول أن يحاربكم حتى على شربة الماء، ينهب الممتلكات، ويسعى للسيطرة الكاملة على المنطقة؛ لكي يكون هو المتحكِّم بها، النافذ فيها، الذي يستبيحها ويفعل ما يشاء فيها.

يتحدث باستمرار عن التغيير لوجه الشرق الأوسط، حتى بالأمس المجرم [نتنياهو] يتحدث بهذا العنوان: التغيير لوجه الشرق الأوسط، يعني: بلدانكم أنتم، ماذا يقصد؟ هل تريدون أن ترونه يتحدث عن بلاد (واق الواق)، أو عن جزيرة وهمية في الأساطير؟! يتحدث عن بلدانكم أنتم أَيُّها العرب، وهذه الجملة واضحة في إيضاح نواياه، حينما يقول: [تغيير وجه الشرق الأوسط]، هو يواصل عمله وفق المشروع المشترك بينه وبين الأمريكي، وهو [المشروع الصهيوني]، ومشروع [إسرائيل الكبرى].

المشروع الصهيوني- للتذكير- يهــدف إلى:

أن تكون إسرائيل أكبر دولةٍ في المنطقة جغرافياً، بحيث تسيطر على الشام بكله، وأجزاء من مصر، وأجزاء من العراق، وأجزاء من السعودية، من السعودية (من الجزيرة العربية)، هذا أولاً: تكون دولة كبيرة جدًّا، أكبر دولة في المنطقة.

أن تكون بقية البلدان العربية مُقَسَّمَةً، ومجزأةً، ومبعثرةً، إلى دويلاتٍ صغيرة، على أساسٍ عرقي، وطائفي، ومناطقي، وتكون متناحرة فيما بينها، وأمة متعادية لم يبقَ لديها أَيٌّ من الروابط التي تجمعها، ولا تمتلك أي عناصر قوة تحميها من الإسرائيلي، وتكون مستباحةً له، يفعل فيها ما يشاء ويريد: يضع له قواعد عسكرية في أي منطقة يختارها، ويرى فيها أنها تناسبه استراتيجياً لقاعدة عسكرية، ينهب أي ثروة: سواءً نفطية، أو غيرها من المعادن، أو الثروات الوطنية في أي بلد، ويكون له ذلك، ولا يعترض عليه أحد، ولا يمنعه أحد، ويكون له أيضاً أن يستفيد من الثروة البشرية؛ لِيُجَنِّد من أراد لضرب من أراد.

أن تتحول واقع أمتنا إلى هكذا: منطقة مبعثرة في دويلات صغيرة، لا تمتلك أي عناصر قوة تحميها منه، وأن تكون مستباحةً له وللأمريكي:

مستباحةً في الدم: أن تكون هذه الأمة مستباحة في دمها للإسرائيلي، يقتل من يشاء منها دون رد فعل، دون رد فعل، ويقتل كم ما أراد، يعني: من أراد، وبالمقدار الذي يريد، حتى لو ارتكب إبادة جماعية هنا أو هناك، لا أحد يعترض، ولا أحد يتكلم.

ومستباحةً في العرض: لاغتصاب النساء، وهذه من الجرائم التي يمارسها العدو الإسرائيلي؛ ولاغتصاب الرجال، وهذه أيضاً من الجرائم التي يفعلها، ويرتكبها، ويتباهى بها، وينشر الفيديوهات لها حتى من سجونه.

ومستباحة المال والأرض: مستباحة الثروة، النهب، يريدها أن تكون على هذا النحو.

وأن تكون خاضعةً لأمره: يقرِّر ما يشاء فيها ويريد، في أي مجال من المجالات: يتدخل في شؤونها السياسية، يُعَيِّن هو مسؤولين أو حكاماً، يتدخل في مختلف شؤونها: في مناهجها الدراسية، في شؤونها الثقافية... وغير ذلك.

في المشروع الصهيوني السيطرة على المقدسات: هذا جزءٌ من المشروع الصهيوني اليهودي العدواني، المُقَدَّسات فيها: القدس، المسجد الأقصى، فيها مكة والمدينة... وغيرها من المقدسات.

وتغيير هوية الأمة، وإعادة صياغة الإسلام، بطريقة محرَّفة يُدَجِّن الناس، يُدَجِّن شعوب هذه المنطقة للإسرائيلي والأمريكي، ولا يبقى للإسلام أي أثر في النفوس والحياة؛ لأن الإسرائيلي في مشروعه الصهيوني والأمريكي، يعملان على أن يُفَرِّغان أبناء هذه الأمة من المحتوى الإنساني، لا يريدان لك أن تبقى إنساناً بإنسانيتك، بضميرك الإنساني، بشرفك الإنساني، بِعِزَّتك، بكرامتك؛ يريدان أن يحوِّلان هذا الإنسان العربي، إلى شبه إنسان، شبه إنسان، صورته صورة إنسان؛ لكنَّه فُرِّغ من محتواه الإنسان؛ فلم يبقى حُرّاً، ولا شريفاً، ولا عزيزاً، ولا كريماً، ولا غيوراً؛ يتحوَّل إلى إنسان مائع، فاسد، ضال، يعبئانه- فرمتة بعد الفرمتة- يعبئانه فكرياً وثقافياً بما يُدَجِّنه للأمريكي والإسرائيلي، يتحوَّل إلى مطيع لهم، ومتولٍ لهم، وخانعٍ لهم، وذليلٍ لهم، ومستسلمٍ لهم، وعبدٍ لهم، هذا كارثة بكل المقاييس!

يحاولان الإضلال، والإفساد، والتمييع للشعوب، حتى للشباب، يريدان للشباب هذه الأمة أن يتحوَّلوا إلى: صائعين، مائعين، تافهين، فاسدين، مجرمين، مدمني مخدرات... ضائعين بكل ما تعنيه الكلمة؛ وأن يُضَيِّعا من هذه الأمة كل القيم والمبادئ التي تصون هذه الأمة، تحفظ للإنسان كرامته، وعِزَّتَه، وشرفه الإنساني.

المشروع الصهيوني هو كارثي على الأمة، هو هكذا بهذه العدوانية، بهذا السوء الذي تخسر معه الأمة دينها ودنياها، إنسانيتها، وعروبتها... وكل شيء، هو كارثي على الأمة، هو مشروع حقيقي، يعني: ليس كلاماً بادَّعاءات على الإسرائيلي، دعايات عليه، لا، هذا هو مشروع موجودٌ لديه: في فكره، في ثقافته، في مناهجه التعليمية، في خططه؛ موجودٌ في أنشطته، ويبني عليه مؤامراته.

لـذلك يجب أن تتحرَّك الأمة لمواجهة هذا المشروع الوحشي، الإجرامي، التدميري، الكارثي، العدواني، بمشروعٍ صحيح، مشروعٍ عملي صحيح وجادّ؛ لأن نجاح المشروع الصهيوني متوقف على خنوع هذه الأمة، على تَقَبُّل هذه الأمة لهذا المشروع، الذي هو كارثيٌ عليها، ويجلب عليها حتى سخط الله.

لو رضيت هذه الأمة بكل ذلك: أن تكون أمةً مستباحة للإسرائيلي، بإجرامه، بوحشيته، بعدوانه، قبلت بالاغتصاب، قبلت بنهب الثروات، قبلت بالإذلال، قبلت بالإبادة، قبلت بكل هذا السوء، الذي لا ينبغي أن يقبله أي إنسان بقي فيه ذرة من إنسانيته، وشرفه الإنساني، وجوهره الإنساني؛ لو قبلت بذلك، ليس ذلك مفيداً لها؛ تجلب على نفسها سخط الله، وغضب الله، وعذاب الله، ولعنة الله، وجهنم في الآخرة، وجهنم في الآخرة، المسألة خطيرة جدًّا على هذه الأمة.

الأمة يجب عليها أن تتحرَّك، ولديها كل مقومات التحرُّك، ليس هناك أي مُبَرِّر إطلاقاً للأمة لتقبل بالمشروع الصهيوني الإسرائيلي الأمريكي، ليس لديها أي مُبَرِّر، لماذا تقبل بذلك؟ هل تحاشيا من ماذا؟ تحاشياً من خطر؟ هذا هو الخطر بكله، قبولها بالمشروع الصهيوني الإسرائيلي الأمريكي هو أكبر خطر عليها، في حياتها، ودينها، ودنياها... في كل شيء، فما هو المُبَرِّر؟ لا يوجد أي مُبَرِّر.

هذه أمة لديها كل المقومات، التي تساعدها على أن تتصدَّى لهذا المشروع، وأن تفشله، وأن تبطله، ولديها السند العظيم هو: الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، إذا نهضت بمسؤوليتها، وفق توجيهات الله وتعليماته؛ فهي ستنتصر، وتؤدي حتى دورها العالمي، في إنقاذ بقية الشعوب والمجتمعات، من الخطر اليهودي الصهيوني، الذي هو خطرٌ على الإنسانية بكلها، هذه الأمة لديها الثروة، لديها الجغرافي، لديها المجتمع البشري، لديها الثروة البشرية، هي مجتمع كبير، أمة كبيرة عظيمة، على المستوى العربي: (مئات الملايين)، على المستوى الإسلامي العالمي: (أكثر من ملياري مسلم)؛ فلماذا يقبلون بهذا المشروع العدواني؟

لدى هذه الأمة كل المقومات كأمة كبيرة، تساعدها على إفشال ذلك المشروع، وأن تكون في الموقف القوي؛ لإفشاله وإبطاله: الجغرافيا، الثروة البشرية، لديها الهدى والنور (القرآن الكريم)، الهدى والنور والبصائر، الذي يساعدها على أن تكون في رؤيتها، وفي خطتها العملية، وفي تُحَرِّكُها، قائمةً ومتحركةً على أساس بصيرة ووعي، وفهم صحيح، وقرارات صحيحة، وخيارات صحيحة مجدية، نافعة لهذه الأمة، تصلها بالله، بتأييده، بمعونته، وتفيدها على أرض الواقع.

 

لـذلك الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال عن القرآن الكريم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، وفعلاً الخيارات الأقوم، المواقف الأقوم، التَّوجُّهات الأقوم، التي يستقيم بها حال الأمة، وفي كل شيء.

لـذلك فتحرُّكنا في مسيرتنا القرآنية المباركة هو في إطار مسؤوليتنا الدينية، وشعبنا (يمن الإيمان والحكمة)، الذي قال عنه رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ": ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، انطلق أيضاً من منطلق انتمائه الإيماني، وهويته الإيمانية، بوعيٍ وبصيرةٍ، وإدراكٍ لضرورة هذا الموقف، ضد ذلك الخطر، ضد ذلك العدو المجرم، المتوحِّش، المستهتر بالدماء.

تحرُّكنا في مسيرتنا، وتحرُّك شعبنا العزيز، في إطار الاهتداء بالقرآن الكريم، في إطار الوعي والبصيرة تجاه الخيارات الصحيحة:

الله كشف لنا في القرآن الكريم خطر أعدائنا، وماذا يريدون، وكيف هم، وكيف سوؤهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118]، {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119]، كم في القرآن الكريم من آيات! التي تكشف حقدهم، عداوتهم، سوأهم، إجرامهم، نفسياتهم، يُقَدِّم تشخيصاً كاملاً عنهم، ويرسم لنا الطريق الصحيح للتصدِّي لهم، والواقع كله مصاديق تشهد لما ورد عنهم في القرآن الكريم، كله حقائق جَلِيَّة بما ذكره الله عنهم في القرآن الكريم.

كشف لنا عن تحالف فريق الشَّرّ من أهل الكتاب (من اليهود والنصارى)، وقال عنهم: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، وها نحن نرى أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، وكلهما يتحرَّك في أطار المشروع الصهيوني، ويؤمن به.

حرَّم الله تولِّيهم (الموالاة لهم) أشدَّ التحريم، إلى درجة أن يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51].

بَيَّن أن ذلك يُفْضِي إلى الارتداد عن مبادئ الدين وقيمه، وعن تعاليم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وفعلاً الموالاة لهم ثمنها التراجع عن مبادئ من أهم مبادئ هذا الدين، التخلِّي عن قيم من أهم قيم هذا الدين، التَّنكُّر لتعليمات الله تعالى.

رسم لنا برنامجاً كاملاً في (سورة آل عمران)، وفي (سورة المائدة)، للانتصار عليهم: وفي هذا المسار المهم، والبرنامج العظيم، بيَّن لنا أهم الخطوات والتفاصيل المتعلقة بها، وهي:

التولِّي لله تعالى، وامتداد ولايته إلى واقعنا.

والاعتصام به "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101]، وبحبله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103].

والسير على هديه وتعليماته.

والتقوى لله في الالتزام الإيماني، والالتزام في النهوض بمسؤولياتنا المقدَّسة: في الجهاد في سبيل الله تعالى بكل وسيلةٍ من وسائل الجهاد، في كل مجالات الجهاد، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأمة تتحرَّك جماعياً، وتحذر التفرُّق والاختلاف في داخلها.

فالله تعالى سيتولَّى النصر لها، وستكون غالبةً بنصره وتأييده.

الأمة في هذه المرحلة بحاجة إلى الله تعالى، وإلى معونته، ونصره، وهدايته، وبحاجة إلى القيم والأخلاق، في مواجهة عدوٍ مفسدٍ مُضِلٍّ، يسعى للإضلال، للإفساد، تحتاج الأمة أن تكون مُحَصَّنةً عنه من ذلك، مُجْرِم، يعمل امتداداً للشيطان، يسعى بكل الوسائل إلى تجريد الأمة من كل عناصر قوتها، وفي مقدِّمتها: عناصر القوة المعنوية، والجانب المعنوي؛ لأنه يريد أن يسلب إرادتها، ويريد أن يُفَرِّغها من محتواها الإنساني والإيمان؛ ليسهل له السيطرة التامة عليها، ثم بعد ذلك إبادتها.

الأمريكي جرَّب، والغرب جرَّب، الإبادة لشعوب بأكملها في القارة الأمريكية، لم تكن تلك الشعوب تمتلك ما لدى المسلمين، من قيم، من مبادئ، تُرَسِّخ هذا التَّوَجُّه التَّحَرُّري والإيماني، وتصلها بالله؛ ولـذلك أبادوا، يعني: في بعض الإحصائيات أن تلك الشعوب تُقَدَّر بـ(مائة مليون إنسان أُبيدت)، أبادها الأوروبيون في القارة الأمريكية، وهم يريدون تكرار هذه التجربة في بلداننا، لكن العائق أمامهم هو الإسلام.

الإسلام هو الذي جعل الشعب الفلسطيني في ذلك المستوى من التماسك والثبات، جعل أهل غَزَّة في ذلك المستوى من الصمود، والصبر، والثبات؛ فيريدون أن يُفَرِّغُونا من المحتوى الإنساني والإيماني؛ ليبيدونا فيما بعد ذلك، بعد أن نكون أمة مائعة، تائهة، ضائعة، بكل سهولة.

نجاح العدو في فصل التَّوَجُّه في الموقف عن المبادئ، والقيم، والأخلاق الدينية، هو الذي يصنع له الكثير من العملاء؛ فتتحول الخيانة، والعمالة، والتعاون مع العدو الإسرائيلي والأمريكي، إلى وجهة نظر وخيار سياسي؛ لأن المسألة فُصِلت عن الالتزامات الإيمانية والدينية، عن القيم والأخلاق والجانب الإنساني، وهذا ما يرغب به المنافقون من أبناء هذه الأمة؛ لِيُسَهِّلوا لأنفسهم المسألة.

إن من نعمة الله تعالى هو التوفيق لأن نكون في الموقف الصحيح ضد ذلك العدو:

هذا مهم لإنسانيتنا؛ لنبقى فعلاً بشراً، ويبقى الإنسان إنساناً؛ ولشرفنا، ولقيمنا، ولأخلاقنا، من نعمة الله أن نكون ضد العدو الإسرائيلي، ضد إجرامه، ضد وحشيته، ضد سوئه، ضد طغيانه؛ وكذلك الأمريكي معه.

مهمٌ أيضاً لعِزَّتنا الإيمانية، لرشدنا، لبصيرتنا، لحكمتنا.

ومهمٌ أيضاً لأنه الخيار الصحيح في الواقع، الذي له نتيجة تبني الأمة، وتحمي الأمة، وتحمي شرفها.

أمَّا التضحية في هذا السبيل، فهي أقل بكثير من كلفة الخيارات الأخرى، في الخيانة والاستسلام، الاستسلام والخيانة كلاهما يمكنان العدو، ثم يفعل ما هو أكثر من الإبادة العامة للأمة.

لـذلك الخيار الإيماني هو خيارٌ صحيح، يُعَبِّر عن الثقة بالله تعالى، خيارٌ فعَّال له أفُقٌ حقيقي، وعليه ضمانة من الله تعالى، عليه ضمانة، الضمين لنا في هذا الخيار الذي نحن فيه هو من؟ هو الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ونحن نثق به، ونثق بوعده، فالعدو الإسرائيلي مهما بلغ إجرامه وطغيانه، مهما كان حجم الدعم الأمريكي له والغربي؛ هو إلى الزوال، هذا وعد الله المحتوم، وأتى مقروناً حتى بخبر تمكُّنه، حينما قال الله: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء:4]، أتى أيضاً بخبر نهايتهم وزوالهم، على يد عبادٍ لله أولي بأسٍ شديد، عُلُو العدو الإسرائيلي هو إفساد، إفساد في الأرض غير قابل للبقاء، تكبر وظلم وإجرام غير قابل للبقاء، الله يقول: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء:7]، هو القائل: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}[الإسراء:8]، فالله يعود، يعود لقلع فسادهم.

العدو الإسرائيلي هو كيانٌ مجرمٌ فاسد، موبوء، مُصَدِّرٌ لِلشَّرّ ومفسد، وواقعه عند هزَّة (طوفان الأقصى) وما قبلها يكشف ما هو عليه من الاهتزاز، ليس له جذور ثابتة، لديه هاجس النهاية بشكلٍ دائم، وبشكلٍ مستمر؛ ولـذلك هو يعتمد على العدوان، والإجرام، والإبادة، والشَّرّ كأساس لبقائه مُؤَقَّتاً، وهو يدرك أن بقاءه ليس سوى بقاء مُؤَقَّت، يعتمد على تخاذل الأمة، وعلى الدعم الغربي، لا يمتلك مقومات ذاتية للبقاء، هو في حالة احتلال ونهب، يعرف أنه على أرض غيره، وفي غير بلده؛ ولـذلك فالموقف الصحيح هو نعمة وشرف، ويجب الثبات عليه.

فيمــا يتعلــق بالعــدوان الأمريــكي على بلدنـــا:

هو عدوانٌ واضح، ليس له أي مبرر؛ لأن المنطق الأمريكي أحياناً يُسَمِّي عدوانه على بلدنا بـ[الدفاع]، أيُّ دفاع؟ متى اعتدينا على الأمريكي؟ الأمريكي هو الذي ابتدأ عدوانه علينا:

أولاً: خلال (معركة طوفان الأقصى)، قام هو بالابتداء بالعدوان علينا؛ إسناداً منه للعدو الإسرائيلي، كان موقفنا واضحاً وحصرياً ضد العدو الإسرائيلي، فقام هو بالعدوان علينا؛ ثم نحن نَتَصَدَّى لعدوانه ونرد عليه.

وفي هذه المَرَّة، أعلن عن جولة تصعيدية في العدوان علينا من جديد، وابتدأنا بعدوانه؛ ونحن نرد عليه ونتصدَّى لعدوانه.

فهو في موقف عدواني، ليس له أي مستند، لا قانوني، حتى في القوانين الأمريكية والدستور الأمريكي هو مخالفٌ له، مخالفٌ أيضاً للإنسانية، للضمير، هو في حالة عدوان؛ إسناداً منه للعدو الإسرائيلي.

عدوانه علينا؛ بهدف التأثير على موقفنا، وموقف شعبنا، وهذا هو المستحيل، عدوانه علينا مهما كان، مهما بلغ؛ لن يؤثِّر أبداً على موقفنا، ولن يُغَيِّر من موقفنا، ولا من موقف شعبنا العزيز، ولن يكسر إرادة شعبنا، ولن يؤثِّر على قدراتنا؛ بل سيسهم- كما أَكَّدْتُ ذلك- في تطويرها أكثر وأكثر، وهناك بشارات قادمة في هذا الأمر.

بحمد الله، بقوة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بعونه ونصره، هناك تصدٍ قوي للعدوان الأمريكي، واستهداف مستمر لقطعه البحرية في البحر، وهي تهرب باستمرار إلى أقصى شمال البحر الأحمر، وإعلانه عن استقدام حاملة طائرات أخرى هو يُثْبِت فشله، وعدم نجاحه؛ لأنه يقول: أن عدوانه ناجح؛ هو غير ناجح أصلاً.

فيمــا يتعلـق بيـوم الصمـــود الوطنــي:

أتى هذا العام على مقربة من مناسبة (يوم القدس العالمي)؛ ولأن الموضوع مترابط- العدوان على بلدنا؛ لموقفه مع القدس، مع فلسطين- بقي الخروج الشعبي لـ(يوم القدس)؛ حتى لا يكون هناك خروج قريب في يوم، ولفارق يوم آخر، ثم خروج في يومٍ ثالث.

وفيما يتعلق بهذا الموضوع، أنا أكتفي بكلمة الأخ الرئيس "حَفِظَهُ اللَّه"، قد ضَمَّنها ما يكفي ويفي بشأن هذا الموضوع.

العدوان على بلدنا من بدايته هو أمريكي، أُعْلِن آنذاك من واشنطن، وكان بأدوات إقليمية، والهدف منه: خدمة إسرائيل؛ ولـذلك نصيحتنا لتلك القوى الإقليمية: أن تحذر من التوريط الأمريكي لها، وأن تدرك أن هَمَّ الأمريكي هو الاستغلال لها، ولا يريد إلا السعي لتمكين الإسرائيلي.

في الختــــام، نُؤَكِّد على الثبات على موقفنا المناصر للشعب الفلسطيني، وإسناد غَزَّة، والسعي لتحرير فلسطين كُلِّ فلسطين، واستعادة المُقَدَّسات، وعلى رأسها (المسجد الأقصى الشريف).

أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني العظيم، في (يوم القدس العالمي)، عصر غد الجمعة إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات.

هذا الخروج في هذه المرحلة، في هذا التوقيت، في طار الموقف العظيم لشعبنا العزيز، هو جزءٌ من الجهاد في سبيل الله تعالى.

شعبنا العزيز، هذا الخروج هو من أعظم ما تتقرَّبون به إلى الله في شهر الصيام، في هذا الشهر الكريم، هذا الخروج يُعَبِّر عن وفائكم، عن ثباتكم، عن شجاعتكم، وهو غيظٌ وقهرٌ للأعداء الأمريكان والصهاينة.

آمل- إن شاء الله- أن يكون الخروج واسعاً، وكبيراً، وعظيماً، كما هو المعتاد منكم، يا من تكثرون تحت الرايات، أنتم الأنصار، كما كان آباءكم وأجدادكم الذين حملوا راية الإسلام في مواجهة التحديات.

أَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

 

وَالسَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

 

 

مقالات مشابهة

  • في محاضرته الرمضانية السادسة والعشرين قائد الثورة: طموح الإنسان المؤمن يجب أن يكون في مرتبة الصالحين
  • تهنئة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك 29 رمضان 1446هـ (إنفوجرافيك)
  • شاهد| تهنئة السيد القائد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة عيد الفطر المبارك 1446هـ
  • محمد علي الحوثي يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بعيد الفطر المبارك
  • بكرة العيد جعله الله سبحانه وتعالى علينا وعليكم أستاذ طارق الجزولي وأسرة التحرير وعموم أهل السودان نهاية لهذه الحرب اللعينة العبثية المنسية وان تعود كل الطيور المهاجرة الي أعشاشها في دوحة الوطن الظليلة !!..
  • في محاضرته الرمضانية الرابعة والعشرين.. قائد الثورة:المأزق الحقيقي للإنسان في الذنوب وهي تشكل تهديداً خطيراً على مستقبله الأبدي
  • رئيس المؤتمر الشعبي يهنئ السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بعيد الفطر المبارك
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ25 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 27 رمضان 1446هـ
  • (نص) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي 1446هـ
  • نص كلمة قائد الثورة بمناسبة يوم القدس العالمي 1446هـ