آخر تحديث: 4 أبريل 2024 - 10:22 صبقلم:رشيد الخيّون لا يختلف «الاستشراق» عن أي وسط ثقافي وعلميّ آخر، يتباين تقييمه بالصّالح أو الطَّالح، حسب اختلاف الآراء بل والعقائد. لكنَّ الأهم فيه فضله في دراسات تُراث الإسلام، فقد اُنتفع به، هذا المجال، إيما انتفاعاً. أقولها بلا مراء، لولا المستشرقون ما عرفنا طريق التّحقيق العلمي لهذا الخزين العلميّ والأدبي والدّينيّ، ولولاهم ما عرفت مؤلفاتنا «التَّرقيم»، ولا عرفت الأرقام في الصَّفحات، ولا جمع وأرشفة مخطوطات هذا التّراث الهائل، بعد بعثرة مكتبات العباسيين والأمويين بالأندلس.

أقول: مّن يطلع على «تاريخ الأدب العربيّ» لكارل بروكلمان (ت: 1956)، مثالاً لا حصراً، لنزل مِن غروره في التّنظير، وتجنب آفة التَّعميم والتَّسطير. فمَن اعتبر الاستشراق مؤامرة، لا أجده منصفاً البتة، وقد نال التّعليم مِن أفواههم ودفاترهم. أمَّا بينهم مَن خدم مشاريع بلاده، وأخطأ بالتَّفسير والتَّقييم والعداوة، نعم حصل هذا، لكنه ليس القاعدة. تلك مقدمة لما صدر عن مجلة «المجتمع» الكويتيّة، صوت «الإخوان» الثقافيّ، نشرت موضوعاً بحلقتين: «المستشرقون وتأثيرهم على انبعاث الدِّيانة الزَّرادشتية في التاريخ المعاصر»(العددين: 5-19/ 2020). ركز المكتوب على إقليم كردستان العراق، على أنّ وجود «الزّرادشتيّة» اليوم يحصل بسبب المستشرقين، بمحاولة تأهيلها مِن جديد. حسب المجلة، أنَّ الحزبين الحاكمين بإقليم كردستان «الاتحاد» و«الدِّيمقراطيّ»، يفسحان الحرية للزرادشتية، ويحاربان الإسلاميين. هل يعلم أصحاب المجلة أنَّ الإسلاميين الأكراد مشاركون في السُّلطة والبرلمان، ومقراتهم مفتوحة بكردستان العراق، ولهم صولة وجولة صحوية، إلا أنَّ المجلة تقصد «القاعدة» و«داعش»، وليتها نعت ضحاياهما مِن العراقيين، خصوصاً بعد كارثة الموصل(2014). أولاً: إنَّ الزرادشتية، كانت ديانة الأكراد قبل الفرس، بوجود آثارها، وظلت تُمارس قبل حُكم الحزبين للإقليم بكثير. ورد في الدَّليل العراقيّ الرّسميّ الملكي(1936): «في العراق مسلمون، ومسيحيون، ويهود، ويزيديون، وصابئة، وعدد قليل مِن البهائية، والمجوس (يقصد زرادشتيين)، والحرية الدِّينية مكفولة بالدّستور العراقيّ». كما جاء في الدَّليل العراقي الرَّسميّ الجمهوريّ(1960): «في العراق مسلمون، وهم ذوو الأكثرية الغالبة، الذين تدين حكومة الجمهورية رسمياً بدينهم، ونصارى (مسيحيون/ التوضيح في الأصل)، ويهود، ويزيديون، وصابئون، وأعداد قليلة مِن البابيين (البهائية/ التوضيح في الأصل) ومجوس زرادشتيون، وشبكيون، وصارليون، وكاكائيون، ونصيريون، والحرية الدِّينية مضمونة بدستور الجمهورية». فالتعامل مع الزّرادشتيين الأكراد ليس مستغرباً، وهم موجودون طوال تاريخ الإسلام، بدلالة تبيين معاملتهم، وفق الحديث: «إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟» فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»(الإمام مالك، المُوطأ). ثانياً: هل إنَّ المستشرقين قصدوا إعادة الزَّرادشتية، أم أنهم علماء تاريخ؟ عندهم العلم هو القصد، وإلا فعلى ما أوردته «المجتمع»، يصبح هشام الكلبيّ(ت: 204هجرية)، في كتابه «الأصنام»، قصد إعادة عبادتها، وكانت نوايا المؤرخين المسلمين، في تأرخة قبل الإسلام، إعادة تأهيل ديانات سابقة، ودراسة الآثار القديمة، بما فيها من معابد وكنائس، القصد منه تأهيلها مِن جديد! فمِن هذا المنطلق لتغلق المتاحف، وتدمر الآثارّ، لأنها تأهيل لديانات سابقة! وفق ما نشرته «المجتمع»! ثالثاً: أغفلت «المجتمع» عاملاً قاطعاً، إذا كان ما عُبر عنه إساءةً للإسلام، فسببه ممارسات الأحزاب الدّينية نفسها، وفي مقدمتهم «الإخوان»، فأي جماعة بطشت بالناس باسم الدين، لم تُثمرها شجرتهم؟ تذكرنا مجلة «الإخوان» برفيقهم المصري الذي أتهم «زرياب» بسقوط الأندلس، وربط أسباب الانهيار كافة به، لا بشيء آخر. فلولا الفنون التي أدخلها مِن الشّرق إلى الأندلس، ماسقطت الأخيرة! بهذه العقول يُساس الأتباع ويُحشدون. كنت نشرت مقالاً على صفحات «الاتحاد» في تهمة الجماعات الإسلامية لزرياب، عنوانه: «زِرْياب.. عَمَرَ الأندلس ولم يُسقطها»(12/6/2019).

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

سلامتك يا غزة

بغض النظر عن تفاصيل ومضامين الاتفاق بين حماس والكيان الصهيوني، رغم أهميتها، يبقى أن توقف ماكينة القتل في غزة خبرا سعيدا لكل عربي شعر بالإحباط والعجز تجاه يوميات الموت الغزاوية، التي نكّلت بضمائرنا وعقولنا، ونحن نشاهد كيف يجري طحن نساء غزة وأطفالها بأقدام الغول الصهيوني الذي استأسد نتيجة فارق القوّة المذهل الذي أمّنته تكنولوجيا الحضارة الغربية وإنجازاتها العنصرية، لدرجة أن دونالد ترامب، الذي لم تفقأ عيونه عشرات آلاف القتلى الغزاويين، توعّد غزة بالويل والثبور ما لم يتم الإفراج عن عشرات الرهائن الإسرائيليين قبل تسلمه السلطة في العشرين من الشهر الجاري.

انتهى الجزء النشط من حرب غزة، وثمة أمل كبير أن يتوقف عداد القتل، لكن ينتظر أهل غزة استحقاقات داهمة ومؤلمة، إذ عدا عن البحث عن عشرات آلاف المفقودين تحت الردم، القطاع بأكمله بات ركاما، هناك عشرات آلاف الجرحى يحتاج أغلبهم لأنواع من العلاج لا تتوفر في غزة، نظرا للنقص الهائل في الإمكانيات الطبية بعد تدمير الجزء الأكبر من القطاع الطبي. وبالإضافة لتأمين أساسيات العيش وضرورات الحياة الملحة، فإن البنى التحتية في القطاع لم تعد موجودة أصلا لتسيير حياة أكثر من مليونيين يعيشون في القطاع، فلا بُنى الإنتاج يمكن تشغيلها بعد تدمير الورش والمصانع وحتى زوارق صيد السمك، ولا بنى التعليم (المدارس والمعاهد والجامعات) ستكون قادرة على العودة إلى أوضاع ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر ما يضع مصير مئات آلاف الطلاب في خطر.

لا شيء اليوم يعلو على هدف إعادة الإعمار وإزالة آثار الحرب المدمرة، وهو سؤال لاهث يبحث عن إجابات، من نوع كيف تتم إعادة بناء القطاع، وكيف يُصار إلى إطلاق ديناميات الحياة من جديد
لا تشبه الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، أي من مثيلاتها في التاريخ المعاصر، كل الحروب، بما فيها الحروب العالمية، الأولى والثانية، كانت تشهد فترات توقف وخفض في التصعيد، لأسباب عسكرية، مثل نقص الذخائر، والحاجة لإعادة تقييم الموقف العسكري، وبناء بنك أهداف جديد، كما أن الفعالية العسكرية كانت تنخفض بطبيعة الحال نتيجة المساحات الواسعة التي تتشكل منها نطاقات الحروب، مثل مساحة أوروبا في الحرب العالمية الأولى والثانية، ومساحة فيتنام في الحرب الفيتنامية، أو كوريا في الحرب الكورية.

فقط في غزة، وبالنظر لصغر مساحتها وضيق نطاقها، كانت فعالية الآلة العسكرية مضاعفة بشكل كبير، باستخدام أحدث تقنيات الأسلحة الفتاكة ذات القدرة التدميرية العالية، والتي أنتجتها المصانع الأمريكية بالأصل للعمل ضمن حروب كبرى ضد دول بأحجام الصين أو روسيا، أو معهما معا، وهو ما تكشفه النتائج الكارثية التي خلفتها على القطاع، دون وجود أي رادع أخلاقي أو قانوني يمنع قادة الصهاينة من ارتكاب هذا الكم الهائل من الدمار والقتل العشوائي.

لا شيء اليوم يعلو على هدف إعادة الإعمار وإزالة آثار الحرب المدمرة، وهو سؤال لاهث يبحث عن إجابات، من نوع كيف تتم إعادة بناء القطاع، وكيف يُصار إلى إطلاق ديناميات الحياة من جديد، من المعلوم أن أهل غزة سبق وأن عانوا، على الأقل خلال العقد الأخير من ويلات الحروب الإسرائيلية التي خلفت الدمار والقتل، وكانوا دائما بحجم التحدي، أعادوا بناء ما دمّرته الحروب، وبلسموا جراحات ذوي الشهداء، عبر تماسكهم الاجتماعي ووحدتهم الوطنية.

من المؤكد أن الحرب شكلت أهم درس، خاضه الغزاوي بدمه ولحمه، وتعلم منها أشياء كثيرة عن الحرب والسياسة وإدارة الصراعات والمفاوضات مع العدو، وهذا الأمر سينعكس حكما على أداء القادة المحليين، بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، كما سينعكس في نشاط وسلوك منظمات المجتمع المدني، والأهم في مطالب وتوقعات المجتمع المحلي
ورغم أن الجرح هذه المرة أكثر غورا وأعمق أثرا، إلا أن المطلوب من أهل غزة إنتاج الاستجابات المناسبة لتجاوز هذه الأوضاع الصعبة، وفرحهم بنهاية الحرب مؤشر مهم على عزمهم إيجاد مقاربات تخرجهم من أزمة ما بعد الحرب ومحاولة تجاوز آثارها المدمرة ولملمة جراحها. لقد جبلت سنوات الحصار والحرب على القطاع أهله على الصبر والسعي إلى تغيير الواقع رغم صعوباته وتعقيداته الهائلة.

من المؤكد أن الحرب شكلت أهم درس، خاضه الغزاوي بدمه ولحمه، وتعلم منها أشياء كثيرة عن الحرب والسياسة وإدارة الصراعات والمفاوضات مع العدو، وهذا الأمر سينعكس حكما على أداء القادة المحليين، بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، كما سينعكس في نشاط وسلوك منظمات المجتمع المدني، والأهم في مطالب وتوقعات المجتمع المحلي، ما يضع من هم في مواقع القرار والقيادة أمام تحديات كبيرة، تتطلب منهم تطوير أدائهم ليتناسب وحجم تلك التوقعات، سواء على المستويات السياسية أو الخدمية، في مجتمع يحتاج لكل شيء، كما يحتاج للإداري الكفء والقيادي الرشيد والمهني الماهر.

لغزة الفرح بعد أن ذوّب الحزن القلوب وتراكبت الهموم والمخاوف وتراكمت الأحزان، سلامتك يا غزة سلامة أهلك الطيبين والصابرين، يليق بك الفرح مثلما تليق بك الحرية.

x.com/ghazidahman1

مقالات مشابهة

  • نيسان تعد العراق “جزء استراتيجي للنمو” وتطلق إنفنيتي “كيو أكس 80” في كردستان
  • العاهل الأردني يبحث مع رئيس حكومة إقليم كردستان العراق التطورات الإقليمية الراهنة
  • رئيس دولة الإمارات يستقبل رئيس حكومة إقليم كردستان العراق
  • رئيس الدولة يبحث ورئيس حكومة إقليم كردستان العراق العلاقات المشتركة
  • رئيس الدولة يبحث العلاقات مع رئيس حكومة إقليم كردستان العراق
  • رئيس الدولة يستقبل رئيس حكومة إقليم كردستان العراق
  • نيسان تعد العراق "جزء استراتيجي للنمو" وتطلق إنفنيتي "كيو أكس 80" في كردستان
  • هل تتوحد البيشمركة بفعل الضغط الأمريكي على كردستان العراق؟
  • سلامتك يا غزة
  • منع الأذان في كردستان العراق: قرار يثير الجدل