الجزيرة:
2025-02-23@09:11:05 GMT

أقوى جيش في المنطقة ينتصر على مستشفى!

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

أقوى جيش في المنطقة ينتصر على مستشفى!

قبل شهور قليلة كانت المنطقة تُهيَّأ لحفل كبير ينصب فيه أقوى جيش في المنطقة ليتسلم راية حماية المنطقة وإدارتها بالنيابة. الولايات المتحدة كانت تخططّ للانسحاب التدريجي من المنطقة، بشكل جزئي، لتتفرغ للتحديات الإستراتيجية الكبرى هناك في شرق الكرة الأرضية في بحر الصين الجنوبي، لاسيما أن المنطقة هنا تعاني من أزمات مزمنة وغير قابلة للحل، ولكنها تحت السيطرة.

لتحقيق هذا الهدف الكبير اشتغلت الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات على برنامج طويل الأمد؛ لإعادة تصميم المنطقة بما يحقق الهدف والحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، فالمنطقة فيها أهم الممرات الإستراتيجية وجزء كبير من مصادر الطاقة العالمية.

انقلاب على التاريخ

ولإنجاز هذه المهمة عملت الولايات المتحدة على أكثر من جبهة، فمن ناحية اشتغلت على خلق وتعزيز البديل "الكيان الصهيوني"، ودعمه بكل الوسائل الممكنة؛ ليتمكن من ملء الفراغ وقيادة المنطقة بالإنابة، ومن ناحية أخرى عملت على خلق أعداء افتراضيين في المنطقة، مما يبقي دولها وشعوبها في حاجة دائمة للحماية.

ومن ناحية ثالثة كان لا بدّ من برنامج عمل يدمج الكيان في المنطقة وتنصيبه المسؤول عن حمايتها بالإنابة؛ باعتباره الجيش الأقوى في المنطقة، وقنواته مفتوحة على القوى العظمى بلا حدود إن لزم الأمر، فأطلقت مشروع "اتفاقيات أبراهام"، وهو مشروع عابر للإدارات الأميركية، ويتجاوز فكرة التطبيع التقليدية، إلى إعادة تعريف المنطقة وبرمجتها على أسس جديدة، فهو انقلاب حقيقي على تاريخ المنطقة، وقيمها الجمعية، لصالح الدولة الوطنية الفردية التي تبحث عن مصالحها الذاتية بعيدًا عن المصالح المشتركة للمنطقة وشعوبها ومستقبلها.

وفي اللحظات التي كادت الولايات المتحدة، تعلن عن موعد الحفل الختامي للمشروع، جاءت معركة 7 أكتوبر/تشرين الأول المجيدة؛ لتقلب الطاولة وتخلط الأوراق في وجه الجميع.

من أهمّ ما أنجزته هذه الجولة مع العدو أنها أثبتت – بما لا يدع مجالًا للشك – هشاشة هذا الجيش الذي يدعي أنه الأقوى في المنطقة، وأنه غير قادر على حماية نفسه، فضلًا عن أن يحمي غيره. قد يكون ما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول عملية استثنائية، وأُخذ جيش الكيان على حين غرة، واستطاعت المقاومة خداعه، ولكن أن يفشل على مدار 6 شهور في إخضاع قوة عسكرية مقاومة محاصرة في قطاع صغير، وتمتلك أسلحة خفيفة، فضلًا عن أن يحطّمها كما أعلن في اليوم الأول للعدوان، فهذا فشل إستراتيجي مركّب، لا سيما أنه تلقى دعمًا – غير محدودٍ – عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، وحماية من الملاحقة، من كبرى القوى على المستوى الدولي.

جيش بلا قيم أخلاقية

ليس هذا فحسب بل أثبت أنّه لا يمتلك أي قيم كما ادّعى دومًا بأنه الجيش الأكثر أخلاقية، وأنه الجبهة المتقدمة للغرب وقيمه في المنطقة، مما حوله لعبء حتى لأقرب حلفائه، ولا يتمتع بأي قدرات مهنية في إدارة المعارك اليومية، فكل يوم يخرج بفضيحة جديدة، إما أخلاقية أو عسكرية أو أمنية، وكل يوم تلقّنه المقاومة درسًا جديدًا في البطولة والفدائية، وتكبّده الخسائر المؤلمة، تاركة الندب العميقة على وجهه الذي أُسيء له بشكل لم يعهده العدو في أي معاركه السابقة طوال تاريخ الصراع، كل هذا جعل هذا الجيش محل تندّر قادة الجيوش والخبراء العسكريين حول العالم.

فلنأخذ مثلًا "غزوتَي الشفاء": الأولى والثانية للجيش الذي لا يقهر، ففي المرة الأولى ضخّوا مواد دعائية كبيرة حول العالم باعتبار أن مستشفى الشفاء هو مركز قيادة العمليات العسكرية للمقاومة وأن العديد من الأنفاق يؤدي الى مستشفى الشفاء، وأن عددًا من الأسرى الصهاينة قد يكون تم إخفاؤهم في المستشفى. واستمروا في ذلك أسابيع، حتى إن الجميع بدأ يصدق الأسطورة التي اخترعوها.

بتاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 اقتحم الجيش المستشفى بقوات عسكرية كبيرة مدعومة بالدبابات والقصف من الطائرات، وبقي المستشفى 45 يومًا تحت سيطرتهم الكاملة، عاثوا فيه فسادًا وتدميرًا، قتلوا المرضى والطواقم الطبية والصحفيين، حاصروا الجميع وحرموهم الغذاء والماء والدواء، نبشوا القبور، أحرقوا ودهسوا الجثامين، اعتقلوا المئات من النازحين والطواقم العاملة في المستشفى، وحاولوا أثناء وجودهم داخل المستشفى فبركة بعض الروايات السخيفة التي لم تنطلِ على أحد، مثل وجود أسلحة أو أنفاق في المستشفى.

ففي إحدى المرات قاموا بتصوير كلاشنكوف في غرفة الرنين المغناطيسي، وأي مبتدئ في عالم الطب يعرف أن هذا المكان لا تستطيع الدخول فيه بخاتم معدني في إصبعك، لأنه سيجذبه المغناطيس الضخم في الجهاز، وقد يتسبب في بتر الإصبع. بعد 45 يومًا من الحصار والتدمير والقتل والتعذيب والاعتقال خرج العدو يجرّ أذيال الخزي والعار، ولم ينجز إلا مزيدًا من الجرائم والانتهاكات للقانون الدولي الذي يحرم ويجرّم الاعتداء على المنشآت الصحية حتى أثناء الحرب.

قتل وتدمير

مرة أخرى قبل أسبوعين عاود الجيش مهاجمة المستشفى بشكل مفاجئ وحاصره، وبدأ في مسلسل التدمير والحرق والقتل والتعذيب والاعتقال لنفس الادعاءات السابقة، ولكن في هذه المرة كان الدمار أكبر والقتل أفظع والحرق أوسع، وشمل كل المناطق المحيطة بالمستشفى إلى مسافة مئات الأمتار بعيدًا عنه. غادر المستشفى بالأمس وتركه مدمرًا تمامًا وغير قابل للإصلاح، مئات الجثامين في الطرقات، بعضها تم إعدامه مكبل اليدين معصوب العينين، اعتقل المئات من داخل المستشفى ومحيطها، وأعلن مدير المستشفى د. مروان أبو سعدة، وهو يبكي في مؤتمر صحفي، أن مستشفى الشفاء خرج تمامًا عن الخدمة، وأنه غير قابل للإصلاح.

السؤال هنا: ماذا يفعل جيش بهذه القوة في مستشفى؟ ما هو الإنجاز الإستراتيجي الذي يمكن أن يحققه بما يغير مسار المعركة؟ ما الذي يدفع رئيس هيئة الأركان وقادة الجيش ليزوروا المستشفى بأنفسهم رغم الخطر الكبير؟ ما الذي يدفع جيشًا يعتمد في استمرار قدراته على الدعم الدولي إلى ارتكاب كل هذه الفظائع التي ستشوّه صورته حتى أمام حلفائه؟

دون الدخول في كثير من التفاصيل لا يوجد أي إنجاز إستراتيجي يمكن أن يحققه الجيش في مستشفى الشفاء أو غيره، كما فعل في مستشفى النصر والرنتيسي وناصر والإندونيسي وغيرها، حتى لو بقي شهورًا يتحدث عن إنجازاته في "غزوة الشفاء"، حيث يدعي أنه اعتقل وقتل المئات من المقاومين وأنه اكتشف الآلاف من الوثائق الخطيرة، ونحن نعلم يقينًا أن من قتلوا كلهم من المدنيين الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، ومن قتل من المقاومين هم من الذين هبّوا لنجدة أهلهم وذويهم المحاصرين داخل المستشفى وخارجه، واستشهد معظمهم في محيط المستشفى.

كيان يلاحقه العار

ما سيبقى من هذه "الغزوة"، أن أقوى جيش في المنطقة استطاع أن يعوض هزيمته وفشله في 7 أكتوبر/تشرين الأول وفي كل يوم بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، حتى تاريخه، بالانتصار على أكبر مستشفى مدني في فلسطين، ما سيبقى هو العار الذي سيلاحق جيشًا وقادته عندما يتجرؤون على الأبرياء أحياءً يعدمونهم مكبلين معصوبي الأعين، وعلى الأموات ينبشون قبورهم.

ما سيبقى أن الجيش الذي يدّعي أنه صاحب اليد الطولى والاستخبارات الأقوى لا يعرف شيئًا عن ميدان معركة بين قدميه، إلا ما ينتزعه من صدور الأبرياء بعد تعذيبهم ثم إعدامهم، ما سيبقى ويخلد أن مستشفى وطواقمه الطبية والنازحين إليه من المدنيين صمدوا في وجه أقوى جيش في المنطقة، وأجبروه على الاندحار يجرّ أذيال الخيبة والعار.

أهم ما سيبقى هو أن الجيش الذي لا يقهر غير قادر على حماية كيانه، فضلًا عن أن يحمي الآخرين، وأن أقصى ما يستطيع إنجازه هو تدمير المستشفيات والمساجد والمدارس والجامعات وقتل الأطفال والنساء والشيوخ.. وقتل الحياة في كل صورها، انسجامًا مع عقيدته السياسية والعسكرية التي تبنّاها منذ أيامه الأولى، ولكن فضحها هذه المرة صمودٌ أسطوريٌّ – لشعب آمن بأن "الكف يمكن أن يهزم المخرز" – ونشطاء إعلاميون وضعوا أرواحهم على أكفّهم ليوثقوا الجريمة بكل تفاصيلها.

ختامًا؛ هذا الجيش الجبان لم يرتّب صفوفه أو يدرّب جيشه، منذ نشأته، على معارك يخوضها شعب منغرس عميقًا في الأرض، ورأسه يطاول عنان السماء، ولا يضيره أذى الأقزام مهما كان مؤلمًا.. سيهزم الجمع ويولّون الدبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات أکتوبر تشرین الأول الولایات المتحدة مستشفى الشفاء ما سیبقى

إقرأ أيضاً:

مستشفى تطوان في وضعية مقلقة ومطالب بتدخل وزير الصحة

زنقة20ا الرباط

وجه النائب البرلماني عن دائرة إقليم تطوان، منصف الطوب، سؤال كتابي لوزير الصحة والحماية الاجتماعية، حول الوضعية المقلقة التي يعاني منها المستشفى الإقليمي سانية الرمل بتطوان.

وأشار النائب الببرلماني إلى النقص الكبير في الكوادر الطبية وشبه الطبية والإدارية. مما يؤثر سلباً على الخدمات الصحية المقدمة للمرضى القادمين من مناطق مختلفة، مثل عمالة المضيق الفنيدق، شفشاون، وزان، بالإضافة إلى الأقاليم المجاورة الأخرى.

أبرز الطوب ” غياب التخصصات الطبية الأساسية، مثل طب الأطفال، خاصة في ظل تفشي أمراض مثل الحصبة. إلى جانب نقص الخدمات في تخصصات أمراض القلب والشرايين، طب الأعصاب، الجراحة العامة، وجراحة الأنف والأذن والحنجرة”.

وأكد الطوب أيضاً على أزمة نقص الأدوية التي تعاني منها المستشفى، والتي لا تستطيع تلبية احتياجات المرضى، خاصةً أولئك المنحدرين من فئات اجتماعية هشة.

وطالب النائب وزير الصحة باتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الوضعية المتردية للمستشفى، وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.

مقالات مشابهة

  • أمريكا.. مقتل مسلح أطلق النار في مستشفى بولاية بنسلفانيا
  • الأطباء يكشفون تطورات الحالة الصحية لـ«البابا فرنسيس»
  • بعد ليلته الثامنة بالمستشفى.. بيان يكشف حالة البابا الصحية
  • 3 سيارات إسعاف لنقل مصابي حريق شركة غزل المحلة إلى المستشفى
  • الأطباء يكشفون عن الحالة الصحية للبابا فرنسيس
  • محافظ أسوان يشارك فى الاحتفال بمرور 125 عاماً على إنشاء مستشفى الجرمانية
  • رفض إخلاء المستشفى.. قصة الطبيب حسام أبو صفية بعد تصدر جوجل
  • بعد الإبادة .. الهلال الأحمر الفلسطيني يفتتح أول مستشفى ميداني بغزة
  • مستشفى تطوان في وضعية مقلقة ومطالب بتدخل وزير الصحة
  • مستشفى كمال عدوان بغزة يعود للعمل بإمكانيات شحيحة