من دروس الانتفاضة: حكم العسكر هو حكم الفرد المطلق
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
من دروس الانتفاضة: حكم العسكر هو حكم الفرد المطلق
صديق الزيلعي
تمر علينا ذكري انتفاضة أبريل المجيدة، وبلادنا تعاني من حرب مدمرة. خطورة الحرب انها أدت لأوضاع كارثية، ومآسٍ غير مسبوقة. وأرى ضرورة التعلم من دروس الانتفاضة، خاصة ونحن نواجه الدمار المستمر في حالة استمرار الحرب مما سيؤدي لخراب نهائي لبلادنا.
احتفاءا بذكرى انتفاضة مارس أبريل 1985، سأحاول أن استعرض بعض الدروس الذي تعلمناها من تلك الملحمة الجماهيرية العظيمة. ليس في إطار النظر النوستالجي للماضي، وانما في إطار النظر للماضي لتشكيل المستقبل. لذلك سأناقش تباعا بعض أهم دروس انتفاضة مارس أبريل، قصدا لمواجهة قضايا وتعقيدات وتحديات المرحلة الانتقالية الراهنة. وهي أخطر مراحل التحول الديمقراطي، التي مرت على بلادتا، لأنها ذات معادلة صفرية: اما تحقيق تحول مدني، أو السقوط في قاع هاوية الحروب الاهلية والتشطيء والدكتاتورية. الدرس الأول الذي تعلمناه من حكم مايو هو ان الحكم العسكري، مهما رفع من شعارات براقة، سينتهي عاجلا أو آجلا، الي دكتاتورية فردية مطلقة السلطات.
قام تنظيم الضباط الاحرار، تحت تأثير التجربة الناصرية في مصر، بانقلاب على النظام الديمقراطي في السودان. وتوهم القوميون العرب في الجيش وخارجه انهم سيكررون التجربة الناصرية بكل زخمها المعروف. وطرحوا برنامجا يساريا كان معدا كبرنامج انتخابي لبابكر عوض في انتخابات رئاسة الجمهورية، التي أعلن عن قيامها آنذاك. وأدي الموقف من الانقلاب لصراع حاد داخل الحزب الشيوعي ادي لانقسامه. واندمج تيار في الحزب الشيوعي تماما في النظام الجديد. ورغم التأييد الجماهيري الواسع للنظام الجديد الا انه بدأ يطل بوجه الحقيقي منذ ايامه الأولي. فقد منع الامر الجمهوري الرابع الاضرابات، وحدد عقوبتها بالإعدام.
كان الوجه العسكري الدكتاتوري للنظام يزداد وضوحا كل يوم. ودخل النظام في صدامات دموية عنيفة مع كل القوى السياسية السودانية. ومنذ ما سمي باستفتاء رئاسة الجمهورية في 1971، تركزت السلطة في يد شخص واحد. وبمرور الزمن وبالتعديلات المتعددة، التي أدخلت على دستور 1973، صار نميري هو الحاكم الفرد، مطلق الصلاحيات، ويسود على كل اجهزة الدولة الأخرى: التنفيذية والقضائية والتشريعية.
خلال النصف الثاني من حكم مايو، وتحديدا بعد عقد صفقة المصالحة في 1977، صار نميري حاكما مستبدا استبدادا مطلقا، لا تحجم هوجاته وتبدلاته وتناقضاته اي جهة داخل المليون ميل مربع. والأخطر أن هناك تقارير تسربت من مكتب جهاز المخابرات الأمريكية بالخرطوم تتحدث عن تردي حالته العقلية، مما انعكس في تناقض قراراته وتصرفاته في سنواته الاخيرة. وهنا نصل الي قمة المأساة: حاكم فرد يعاني من اضطرابات عقلية يتحكم في مصير شعب كامل، ولا توجد مؤسسة من مؤسسات الدولة تملك سلطة ايقافه عند حده أو عزله.
انقلاب الجبهة الاسلامية في 1989 كرر نفس المأساة. تبخرت ادعاءات اقامة دولة العدل وتم انشاء دكتاتورية عسكرية على رأسها فرد واحد يملك كل السلطات. فرغم الحديث عن حاكمية الحركة الاسلامية بهياكلها المختلفة، ورغم وصف الترابي بالأب الروحي للنظام، الا ان قرارات فردية من البشير اطاحت بكل ذلك. كما اطاحت، وفي لقاء للصلاة، باتفاق عقار – نافع. والأدهى ان خطب المخلوع كانت تشكل اساءة كبيرة وتدهور فظيع في كل الممارسة السياسية السودانية. لنصل اخيرا لان يصبح السودان كله مرهونا لخوف البشير على نفسه من المحكمة الجنائية الدولية. ويصل التدهور بمؤسسات الدولة السودانية ان تنظر بأم عينيها تدهور البلاد نحو الهاوية، ولا تملك سلطة لإيقاف ذلك. ولولا ثورة ديسمبر المجيدة لما تجرأ كل مؤسسات دولة الاسلامويين على تحريك شعرة.
الآن، نواجه التحدي الاخطر في تاريخ بلادنا، تحدي انجاز تحول ديمقراطي حقيقي، ينهي والى الابد كل اشكال التسلط والدكتاتورية ويحقق دولة المواطنة وحكم القانون. وندق ناقوس الخطر عاليا، ونحذر بأوضح الكلمات من محاولات اعادة العسكر لحكم بلادنا. كما ننبه من عودة العسكر تحت دعاوي انهم الافضل استقرار البلد، وحسم الفوضى الامنية. فهذه المهام الامنية يقوم بها اي جيش في العالم كجزء اصيل من مهامه ولا تستدعي ان يكون حاكما. فالقوات المسلحة هي إحدى مؤسسات الدولة وليست مؤسسة فوق كل مؤسسات الدولة الأخرى. وهي المؤسسة، في كل العالم، التي يجب ان تكون تحت ادارة الدولة المدنية، وحتى في بلدنا وفي الديمقراطية الثانية كان الدكتور آدم مادبو وزيرا للدفاع.
هناك فوارق اساسية بين اسس تدريب وتأهيل الكوادر العسكرية التي تعتمد على الضبط والربط والطاعة العمياء للقائد. أما مؤسسات الدولة المدنية فهي تعتمد على حكم المؤسسات وتبادل الرأي والانتخاب للقيادات الحاكمة، والتبديل الدوري لها، وامكانية عزلها عن مناصبها. كما توجد مؤسسات وهيئات اخري مستقلة تراقب السلطة التنفيذية وتحدد حركتها، وتتكامل معها في اداء المهام المحددة لأيا منها.
تجارب العالم اثبتت ان السلطة مفسدة والسلطة المطلقة افساد مطلق.
siddigelzailaee@gmail.com
الوسومالتجربة الناصرية الجبهة الإسلامية الجيش السودان القوميون العرب النوستالجي انتفاضة ابريل جعفر محمد نميري حكم العسكر د. صديق الزيلعي مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجبهة الإسلامية الجيش السودان جعفر محمد نميري حكم العسكر د صديق الزيلعي مصر مؤسسات الدولة حکم العسکر
إقرأ أيضاً:
ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
تناولت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية العبرية التقارير الأجنبية عن "هجوم إسرائيلي مُخطط على إيران"، ونقلت تحليل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بشأن تلك القضية، موضحة أن طهران تحاول إخفاء وضعها الاقتصادي البائس.
وقالت "غلوبس" تحت عنوان "الانهيار الاقتصادي الإيراني يشعل فتيل البرنامج النووي.. على الورق على الأقل"، إن التقارير الأجنبية بشأن النووي الإيراني أثارت استغراب الكثيرين في إسرائيل، وجاء في أحدها بصحيفة "ذا تلغراف" البريطانية، أن إيران رفعت مستوى التأهب في نظام الدفاع الجوي بمنشآتها النووية، خوفاً من هجوم إسرائييل أمريكي، مشيرة إلى أنه على الورق، يبدو توقيت مثل هذا الهجوم مثالياً من حيث الأمن الإقليمي، لأن حركة حماس الفلسطينية ضعفت بشكل كبير، وأصبح حزب الله في وضع حرج، وفي الوقت نفسه سقط نظام بشار الأسد في سوريا، وتعطلت سلاسل الإمداد الإيرانية بالأسلحة والأموال.
ونقلت عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنه منطقياً وعسكرياً، هذا هو الوقت المناسب لضرب إيران، ولكن يبدو أن طهران تسيء تفسير نوايا إسرائيل التي لن تهاجم وحدها، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي يفرض عقوبات في وقت ينفتح فيه على المفاوضات مع طهران.
في أول تعليق له.. محمد جواد ظريف يكشف كواليس استقالتهhttps://t.co/jFwmRVqVik
— 24.ae (@20fourMedia) March 3, 2025 تأثير العقوبات الأمريكيةوتقول الصحيفة الإسرائيلية إن سياسة العقوبات التي ينتهجها دونالد ترامب تسير على قدم وساق، مشيرة إلى أنه قبل نشر تقرير "ذا تلغراف"، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أكثر من 30 تاجراً ومشغلا لناقلات النفط وشركات الشحن المشاركة في أسطول الظل الذي يخدم صناعة النفط الإيرانية، وتشمل القائمة عقوبات على تجار النفط في عدد من الدول، بالإضافة إلى مدير شركة النفط الوطنية الإيرانية، ومديري ناقلات النفط من الصين.
وتحدثت الصحيفة عن تأثير عقوبات النفط على الوضع الاقتصادي في إيران، التي يعيش أكثر من ثلث سكانها تحت خط الفقر، في الوقت الذي يقدم النظام الإيراني أكثر من 10 آلاف دولار لأسر أعضاء حزب الله الذين أصيبوا في الحرب، فيما ظلت المكاتب الحكومية والبنوك والمدارس في 22 من محافظات إيران البالغ عددها 31 مغلقة اليوم الإثنين بسبب عدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيلها.
تقدم البرنامج النووي
وعلى النقيض تماماً من حالة الاقتصاد المحلي، فإن البرنامج النووي الإيراني أصبح الآن في أكثر مراحله تقدماً على الإطلاق، وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونقلت غلوبس عن المعهد أنه "من الممكن أن يكون هذا نابعاً من مصلحة داخلية في إيران لإظهار قدرتها على الصمود في الخارج، بعد التصريحات الإسرائيلية بشأن القضاء على الدفاع الجوي الإيراني، وليس من المستحيل أن يرغب النظام، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، في إيصال رسالة مفادها أنه على الرغم من أن الوضع الداخلي رهيب، فإن التهديد الخارجي أعظم، كما كانت الحال خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين".
في السياق ذاته، أجرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية حواراً مع بيني سباتي، الباحث البارز في برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي عكس في حديثه صورة قاتمة عن إيران، مؤكداً أن الأزمة الحالية أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية.
هل يُسقط تعدين البيتكوين النظام الإيراني؟https://t.co/tepd2E95XR
— 24.ae (@20fourMedia) February 28, 2025 إقالة دون تأثيروعلى الرغم من أن إقالة وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي تثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية المستمرة، إلا أن سباتي يقول إن هذه الإطاحة لن يكون لها أي تأثير تقريباً، وأن "حكومة هذا الرئيس لا تتخذ القرارات حقاً، ولا تتمتع بأي تأثير حقيقي، ولكن من يتمتع بتأثير حقيقي هو الزعيم، في إشارة للمرشد علي خامنئي، ومستشاريه، وغالبيتهم من الحرس الثوري.
وبحسب سباتي، فإن إشارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أن الوضع الحالي أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية، تكشف عن الضعف الإيراني.
ورأى أن رفض خامنئي استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية يسبب أضراراً جسيمة، لأنه يحط من قدر الدولة الإيرانية والاقتصاد الإيراني، والمجتمع أيضاً، ويذهب بكل شيء نحو الهاوية على شكل كرة من الثلج.