٢٦ سبتمبر نت:
2025-03-15@06:08:57 GMT

(نص) المحاضرة الرمضانية العشرون لقائد الثورة

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

(نص) المحاضرة الرمضانية العشرون لقائد الثورة

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

محاضرة اليوم تتعلق بقصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" وقومه، وقد وردت قصة نبي الله نوح وقومه في القرآن الكريم في عدة سور في القرآن الكريم، منها على مستوى كبيرٍ من التفصيل: (في سورة الأعراف، وفي سورة هود، وفي سورة الشعراء، وفي سورة نوح)، ومنها بمستويات متفاوتة في الإشارة إلى القصة في سورٍ أخرى كثيرة، وورد ذكر نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" في القرآن الكريم لربما بأكثر من خمسٍ وثلاثين مرة.

وتعود قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" إلى حقبة متقدِّمة في تاريخ المجتمع البشري، إلى زمنٍ طويل، ففي الدراسات التي أُجريت على السفينة المتوقعة أنَّها سفينة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، على جبل الجودي، بعض النتائج على ضوء تلك الدراسات تشير إلى أنَّ لها أكثر من مائة ألف عام، فهي في مرحلة متقدِّمة من التاريخ البشري.

والحقبة الزمنية الممتدة ما بين نبي الله آدم إلى نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، هي أيضاً حقبةٌ طويلةٌ بلا شك، الله أعلم على وجه التحديد كم هي بحساب السنوات، هل بآلاف السنوات؟ أم بمئات السنوات؟ لأن الروايات التاريخية المتعلقة بذلك لا يمكن الاعتماد عليها على جهة القطع، ولكنها- بلا شك- كانت حقبةً زمنيةً ممتدةً وطويلة.

ثم المرحلة من عهد نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" تعتبر مرحلة جديدة في تاريخ البشر؛ نظراً لما حدث في قصة الطوفان من هلاك، هلاك الكافرين والمكذبين، واستئناف البشر لحياتهم من جديد، وسنتحدث بشيءٍ من التفصيل فيما يتعلق بهذه النقطة أثناء الحديث عن القصة إن شاء الله.

يقال أنه كان ما بين نبي الله آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، إلى نبي الله نوح، في تلك الحقبة الزمنية التي امتدت بينهما، كان نبي الله إدريس "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وفي مرحلة لم يصل بعد فيها انحراف البشر وضلالهم إلى مستوى الشرك بالله، والكفر بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في مرحلة متقدمة ما قبل ذلك؛ لأن آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" أتى بملة التوحيد، وبدأ حياته ومشواره على الأرض مع ذريته فيما بعد على ملة التوحيد، فكانت ذريته على ما كان عليه، وهو نبي الله وصفيه، واستمرت الأجيال البشرية على ملة التوحيد، والعبادة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لأجيال.

فنبي الله إدريس- كما يقال- ظهر في تلك المرحلة، ما قبل الانحراف في واقع البشر إلى مستوى الشرك والكفر بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأرسله الله ليواصل أداء مهمته، المهمة الرسالية التي يبعث الله بها الرسل والأنبياء، في العمل على هداية الناس، على تربيتهم التربية الإيمانية الصالحة، على التَّحرُّك بهم في مسيرة حياتهم وفق هدي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وشرعه ونهجه، ويقال أنه- إضافةً مع ما بذله من جهد لإصلاح المجتمع البشري، وتربيته تربيةً زاكيةً إيمانيةً، وتقديم تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" إلى الناس- أنه أسهم أيضا في ارتقاء واقعهم المعيشي، في حياتهم، في حضارتهم، وعلَّمه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أشياء جديدة في واقع حياتهم، منها كما في بعض الروايات التاريخية: الخياطة، وبعض الأشياء والمهارات التي يحتاجون إليها في الارتقاء بحياتهم وواقعهم المعيشي.

ثم امتد الزمن، وتعاقبت الأجيال، وتكاثر الضلال، وكبُر الانحراف، إلى أن تغيَّر واقع البشر إلى درجة مؤسفة جداً؛ عندما ظهرت فيهم عقيدة الشرك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، واتخاذ آلهة من دون الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، كان هذا انحرافاً كبيراً وصلوا إليه، بعد أن تزايد الانحراف، وتزايد الضلال شيئاً فشيئاً، وهذا هو حال الناس إذا كانوا في حالة تمادٍ على الباطل، واستمراريةٍ في الضلال؛ يزداد ضلالهم، يزداد تماديهم في الباطل، يزداد انحرافهم في كل الأمور: على المستوى العقائدي، ومن غير المستوى العقائدي على المستوى العملي.

وخطورة الشرك، مع أنها عقيدة باطلة، ورهيبة، ومتنكرةٌ لأكبر الحقائق: حقائق أننا عبيدٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنه إلهنا وحده؛ لأنه ربنا، ومالكنا، وملك السماوات والأرض، والخالق، فلا إله إلا هو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ هي تنكرٌ لأكبر الحقائق على الإطلاق وأهم الحقائق، وهي تنكرٌ للعدل، للرحمة، مجافاةٌ للإنصاف، عندما يُعبِّد الإنسان نفسه لغير الله، لمن لا يملك فيه ولا في السماوات والأرض شيئاً، لا نقيراً، ولا قطميراً، ولا مثقال ذرة، وينحرف عن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يوجِّهُ عبادته لغير ربه، لغير خالقه، لغير إلهه الحق، ملكه، ثم يُبنى على ذلك الانحراف عن هدي الله، عن رسالته، عن تعاليمه، هذه نتيجة خطيرة للشرك: الانصراف التام والإعراض الكامل عن رسالة الله، عن تعليماته، تصبح مرفوضةً جملةً وتفصيلاً، وهذه حالة خطيرة للغاية.

فعندما تعاظم الضلال، وتزايد الباطل، ووصل إلى هذه الدرجة، بعث الله نبيه نوحاً "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وأرسله إلى المجتمع البشري في عصره، كان المجتمع البشري في زمن نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" ما يزال محدوداً، لم ينتشر في بلدان كثيرة متباعدة، ويظهر من بعض الروايات والأخبار، وكذلك الأخبار التاريخية: أنَّ قوم نوحٍ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" كانوا ينتشرون في جزءٍ من العراق، ممتدٍ إلى أجزاء من أطراف تركيا المحاذية للعراق، وكذلك من أطراف سوريا المحاذية للعراق، فكانوا ينتشرون هناك، فأرسله الله إليهم.

مما هو ملفتٌ في قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ": أنها في تلك المرحلة التي ابتدأ فيها ذلك الانحراف الخطير، أو كان قد ظهر فيها وتعاظم فيها ذلك الانحراف الخطير: عقيدة الشرك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والعبادة لغيره، فهي من أقدم مراحل الانحراف والضلال إلى ذلك المستوى.

مما هو ملفتٌ أيضاً في قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ": بقاؤه مع قومه لزمنٍ طويل، مع صبره عليهم صبراً عظيماً، في مقابل عنادهم، وتكذيبهم، وكفرهم، وإصرارهم على باطلهم، وكانت أعمار البشر في تلك المراحل لا تزال طويلة، يتعمَّر الإنسان مئات السنين، ومع ذلك فربما بقي معهم لأكثر من جيل، لأكثر من جيلٍ من أجيالهم، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}[العنكبوت: من الآية14]، المدة التي لبث فيها معهم رسولاً، يبلغهم رسالات الله، يعمل على هدايتهم، على إنقاذهم: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، مدة طويلة تسعمائة وخمسين عاماً، {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 14-15].

أيضاً نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" هو الأب الثاني للبشر، بعد انقراض سُلالات المؤمنين الذين نجاهم الله معه، انقرضت فيما بعد سلالاتهم، يعني: لم تستمر ذريتهم بشكلٍ مستمر، فانقرضت سلالات أصحابه الذين نَجَّاهُم الله معه في السفينة من المؤمنين، واستمر نسل أولاده، كما قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" (في سورة الصافات): {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}[الصافات: الآية77].

كذلك فيما يلفت أيضاً في قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، هو ما ذكرناه في البداية: أن البشرية استأنفت من بعد الطوفان مرحلةً جديدةً صافية على الإيمان، والتوحيد، وهدي الله، وتعليماته من جديد، عادت كما بدأت مع آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، ولكن بدأ فيما بعد ذلك التغيُّر والانحراف من جديد، لربما من زمن معين، أو من أجيال، بدأت حالة الانحراف كذلك تكبر، وتكثر، وتتعاظم من جديد، ويتغير الواقع البشري فيما بعد ذلك، ويعود إلى الضلال، إلى الشرك، إلى الكفر، وهذا شيءٌ مؤسف.

نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" من أولي العزم من الرسل، ومن أعظمهم منزلةً عند الله تعالى، وكان صبوراً، ونموذجاً لغيره من الأنبياء، وقدوةً في صبره لزمنٍ طويل على تبليغ رسالات الله تعالى، وهو يعاني من قومه فيما يواجهونه به من التكذيب، من الصد، من الإساءات، من الدعايات، من الاتهامات، من الإساءات الكثيرة، ومع ذلك صبر لزمنٍ طويل جداً.

قد يتعب الإنسان وهو يواجه تحديات ليست شيئاً في مقابل ما واجهه نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" من معاناة، في ظل اهتمام عملي على مستوى عالٍ، اهتمام كبير ويستمر عليه، قد يتعب الإنسان من عشر سنين، من عشرين عاماً، من ثلاثين عاماً، فما بالك بتسعمائة وخمسين سنة من العمل المتواصل في تبليغ رسالات الله بجديَّة، باهتمامٍ كبير، عمل دؤوب ومستمر.

وكان شكوراً، أثنى الله عليه في القرآن الكريم ووصفه: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}[الإسراء: من الآية3]، (كَانَ عَبْدًا شَكُورًا): يشكر نعم الله عليه، ويُقَدِّر نعم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويسعى عملياً، يشكر الله في أقواله، وأعماله، وأفعاله، واهتمامه، ومسيرة حياته.

وكان أيضاً نشطاً جداً في عمله لتبليغ رسالات الله، فهو أيضاً قدوة، وما كان عليه من جد واهتمام ونشاط هو درسٌ مهم لكل العاملين في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولكل المؤمنين في اهتمامهم بالأعمال الصالحة، في تحركهم وفق هدي الله وتعليماته.

وكان حريصاً غاية الحرص على نجاة الناس، وهدايتهم، وإنقاذهم، كان يتحرك لتبليغ رسالات الله، ويسعى لهدايتهم بحرصٍ كبيرٍ على هدايتهم، برغبةٍ كبيرة، باهتمامٍ كبير.

في بداية القصة، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[نوح: الآية1]، سنلحظ في الحديث عن القصة أن نتحدث على ضوء الآيات المباركة، ونتنقل على ضوء الآيات المباركة: آية من هنا، وآية من تلك السورة، وآية من تلك السورة... وهكذا.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" (في سورة نوح) قال في مستهلها: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}، الله، ربُّ العالمين، ملك السماوات والأرض، ربُّ الناس، وإلههم، وملكهم، في إطار تدبيره لشؤونهم؛ لأن هذا جزء من تدبير الله لشؤون عباده: أن يُقدِّم لهم تعليماته، أن يهديهم، أن يوصل إليهم هديه، في إطار تدبيره لشؤونهم، ورحمته بهم، من رحمته بعباده أيضاً: يرسل إليهم رسله، وأرسل نوحاً "عَلَيْهِ السَّلَامُ" ضمن هذه السُّنَّة من سنن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في هداية عباده، لهدايتهم، وإنذارهم، وتبشير من آمن منهم.

والرسالة هي من الله، الرسالة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ليست جهداً بشرياً، يرقى الإنسان في اهتماماته حتى يصل إلى درجة رسول، بل هي مسألة مرتبطة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فالرسالة منه، وهو "جَلَّ شَأنُهُ" الذي يختار من عباده ويصطفي من عباده رسلاً إلى الناس، يُعدهم لهذه المهمة ولأداء هذا الدور إعداداً مميزاً منذ البداية؛ ولهذا يقول: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران: الآية33]، فالله يُعدهم لتلك المهمة المقدسة.

والرسل (رسل الله) متميزون بكمالهم، في رشدهم، وزكائهم، زكاء أنفسهم، ورحمتهم، وحرصهم على هداية الناس، وصبرهم عليهم، ونصحهم لهم، وما يمنحهم الله من مؤهلات، لأداء تلك المهمة: مؤهلات للتبليغ نفسه، لأدائه على مستوى راقٍ وبيِّن، مؤهلات على مستوى المهمة في أدائها العملي، في واقعها العملي، وهكذا في كل ما يتصل بها.

ولذلك عظمة الرسالة والرسل والأنبياء أنهم: في إطار مهمةٍ عظيمةٍ مقدسة، لهداية البشرية، لإنقاذ الناس، ويَشدُّون الناس إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، حلقة وصلٍ بين المجتمع وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يوصلون إلى المجتمع تعليمات الله، وأوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولذلك ليست المسألة أنهم يدعون إلى أنفسهم، أو أن لهم مصالح شخصية، أو أهدافاً شخصية، يتحركون لفرضها على الناس، من أجل مكاسب شخصية وأمور شخصية، هم حلقة وصل يصلون المجتمع بهداية الله، بتعليمات الله، ويُعَبِّدون أنفسهم لله، فيكونون هم القدوة للمجتمع في السير على تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والالتزام بها، فمهمتهم عظيمة ومُقَدَّسة، وهم رحمةٌ من الله، وهم نعمةٌ عظيمةٌ من الله، وشأنهم عظيم، في مهمتهم المُقَدَّسة، فيما أهَّلهم الله له من تجسيد تلك المهمة، وتقديم الأسوة والقدوة فيها، وكمالهم العظيم، الذي هو أرقى كمال إنساني، في الكمال الإنساني أرقى كمال هو كمال الرسل والأنبياء؛ ولذلك فهم نعمةٌ عظيمةٌ من الله.

وهكذا كان نوح نبي الله ورسوله نعمة عظيمة على قومه، ولم يكن لهم من مبرر للكفر به، وقد بلَّغهم رسالة الله، ووجَّه إليهم دعوته، وأنذرهم، {أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ لأن التمادي في الباطل والضلال، والانحراف عن هدى الله تعالى، وتعليماته، والشرك بالله، والكفر بالله، له عواقب سيئة على المجتمع البشري في الدنيا وفي الآخرة: العذاب الأليم؛ فالله يُقيم حجته على عباده ما قبل ذلك.

هو توجَّه إلى قومه وأنذرهم: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[نوح: الآية2]، وعادةً ما يكون أقوام الأنبياء يعرفون عنهم الشيء الكثير: يعرفونهم بالأمانة، بالصدق، بالكمال، بالرشد، بالزكاء، بالحكمة، يعرفون أخلاقهم، قيمهم، استقامتهم؛ فهم شخصيات معروفة في مجتمعاتهم بذلك: بكمالهم، وزكائهم، وصلاحهم، ورشدهم، واستقامتهم السلوكية والأخلاقية؛ فهو أنذر قومه: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده، وترك الشرك والانحراف: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}[هود: الآية26]، {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأعراف: من الآية59].

عندما نقرأ في القرآن الكريم في دعوة الرسل لأقوامهم، نجد- كما في هذه الآيات المباركة في قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"- أنَّ العنوان الأبرز، والعنوان الجامع، الذي هو عنوانٌ للرسالة الإلهية، ولدعوة الرسل والأنبياء، هو: الدعوة إلى عبادة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ونبذ عبادة غيره، التوحيد لله في العبادة له وحده، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، هذا العنوان هو فعلاً عنوانٌ مهمٌ وعظيمٌ، وهو عنوانٌ دقيق، يعني: هو الذي يعبِّر عن محتوى الرسالة الإلهية إجمالاً وتفصيلاً، وهو- في نفس الوقت- تحريرٌ للناس من العبودية لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

العبادة لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، تأتي من جوانب متعددة:

على مستوى العقيدة:
كما هو حال تلك الأقوام، التي اعتقدت أنَّ هناك مع الله شركاء له في الألوهية، آلهة مع الله، واعتقدوا أنَّ لهم أدواراً معينة مع الله في تدبير أمور الخلق، واعتقدوا أنهم مع كونهم- في اعتقادهم الباطل- آلهة، أنَّهم أيضاً يقرِّبونهم إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنَّ لهم علاقة قوية بالله؛ فهم يعتقدون أنَّ الآلهة متعددة، يُقِرُّون بالله، هذا هو حال الأقوام.

ومن الشيء الغريب والملحوظ في كتب القصص، حتى في المسلسلات التي تتحدث عن قصص الأقوام والأنبياء، أنها تقدِّم صورة غير دقيقة عن واقع الأقوام، وكأنهم كانوا يجهلون بالله تماماً، وينكرونه تماماً، وهذا غير صحيح، يتَّضح من خلال الآيات القرآنية أنهم كانوا يعترفون بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وصولاً إلى مشركي العرب، في بعثة رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" خاتم النبيين محمد بن عبد الله إليهم، كانوا يعترفون بالله، وأنه الذي خلق السماوات والأرض، وأنه الذي خلق البشر، أنه الذي خلقهم، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: من الآية87]؛ فهم كانوا يُقرُّون بالله، ويعترفون بالله، وأنَّه خالق السماوات والأرض، وربُّ العالمين... إلى غير ذلك، أنه الذي يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ولكنهم كانوا يعتقدون في عقيدتهم الباطلة: أنَّ الآلهة متعددة، أنَّ مع الله آلهةً أخرى، يختلفون في معتقداتهم، كلٌّ له- في معتقده الباطل- آلهة معينة، يزعم أنها شريكةً لله في الألوهية؛ ولهذا يسمَّى ما هم عليه بالشرك، يسمَّى بالشرك؛ لأنهم اعتقدوا أنَّ مع الله شركاء في الألوهية، يعينونه في أمور الخلق من موقع الألوهية؛ باعتبارهم آلهةً معه، هذا الانحراف على المستوى العقائدي في العبادة لغير الله، وترتب عليه- بالتالي- بقية الأمور: هم يرفضون تعليمات الله التي أتت مع الرسل والأنبياء، ويتَّجهون بناءً على خرافات، ومعتقدات، وأفكار خاطئة، يتعبَّدون بها.

أمَّا الانحراف الآخر أيضاً في العبادة لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فهو: في إخضاع النفس لما تعتبره بديلاً عن شرع الله ونهجه:
يعني: الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو ربُّنا، الذي له الأمر والنهي فينا، وهو مالكنا وملكنا، هو الذي يرسم لنا ما نسير عليه في هذه الحياة، منهجاً في هذه الحياة، يبيِّن لنا الحلال والحرام، وما نلتزم به من التزامات، ومسؤوليات في هذه الحياة؛ فالذي ينبذ شرع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويُخضِع نفسه في هذه الحياة لبديلٍ عن نهج الله، وعن شرع الله، وعن أمر الله، وعن هداية الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ فهو عملياً يعبِّد نفسه، ويعطي حق الأمر والنهي، وبقية ما يرتبط بحقوق الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يعطيها لغير الله، يعتقد أنَّ لغير الله في نفسه حق التصرف، وملك الأمر والنهي فيه، وأن يفرض عليه ما يشاء ويريد، بدلاً عن منهج الله، وعن هدي الله، وعن تعليمات الله.

ولذلك فهناك على المستوى العقائدي عبادة لغير الله، ويتبعها بالتالي الواقع العملي، الواقع العملي الذي ينصرفون فيه بشكلٍ تام عن منهج الله وهديه ورسالته.

ثم على المستوى العملي: في الرفض التام لهدى الله وتعليماته ورسالته على المستوى العملي، وإخضاع النفس إخضاعاً تاماً لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فيما هو بديلٌ عن نهجه وشرعه وملته.

فالأنبياء هم يحررون الناس؛ لأنهم يصلونهم بتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وينقذونهم على المستوى العقائدي من عقيدة الشرك في الألوهية؛ وبالتالي على مستوى الطاعة، والعمل، والاتِّباع، يسيرون بهم وفق رسالة الله، فيما فيها من تعليمات الله، من شرعه، من أوامره ونواهيه.

فرسالة الله هي تحريرٌ للناس من العبودية للطاغوت، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: من الآية36]، فهي إنقاذٌ للناس في تعبيدهم أنفسهم لغير الله إلههم الحق، على المستوى العقائدي، وعلى المستوى العملي؛ ولذلك هو عنوان جامع، عنوان واضح، وعنوان يعبِّر عن محتوى وفحوى الرسالة الإلهية.

فماذا كان موقفهم من رسالته ودعوته؟ مجتمع قوم نوح، المجتمع البشري في تلك المرحلة كان مجتمعاً عشائرياً، يعني: لم يكونوا بشكل دولة، دولة، وحكومة، وسلطة، كانوا مجتمعاً عشائرياً، وقبلياً، وكان الناس فيه مرتبطين بزعمائهم، بوجهائهم، زعماء تلك العشائر والقبائل.

هو في دعوته وجهها للجميع، إلى قومه جميعاً، خاطبهم جميعاً: الزعماء وغير الزعماء، الكل، وجَّه دعوته إليهم جميعاً، وخاطبهم جميعاً، وأوصل رسالة الله إليهم جميعاً، هذه سُنَّة في تبليغ الرسالة الإلهية لكل الرسل والأنبياء: أنهم يوصلون رسالة الله إلى الناس جميعاً، ويبلِّغون الجميع، ولا يحصرون عملية التبليغ- مثلاً- إلى الزعماء، أو الوجهاء، ويتركون البقية، لا يوصلون إليهم هدى الله وتعليماته.

مع وضعهم العشائري، تصدَّر زعماؤهم ووجهاؤهم الموقف من دعوة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، ومن الرسالة الإلهية؛ فكذبوه، ووجَّهوا له التهم، وشنوا عليه الدعايات، وهناك قائمة طويلة من تشكيكهم في رسالته ودعوته، واتهاماتهم التي وجهوها له، وكذلك الدعايات التي شنوها عليه، {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ}[الأعراف: من الآية60]، الملأ من قومه تصدَّروا الموقف، وردُّوا عليه، وعلى تبليغه للرسالة، {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأعراف: من الآية60]، وجَّهوا له التهمة والتشكيك في رسالته، وفي دعوته، واتَّهموه بالضلال المبين، اتَّهموه أنه في غواية وضلال واضح، وهم الذين هم في ضلال واضح، جعلوا دعوته إلى عبادة الله وحده أنها غواية وضلال واضح.

الملأ لماذا يتصدَّرون الموقف؟ عادةً تكون لهم مصالح مرتبطة بالوضع الذي يكون الناس فيه، يعني: تلك الحالة من حالة الضلال والباطل، أصبح لهم مصالح مرتبطة بها، بذلك الواقع، بتلك الظروف، بتلك الحالة التي الناس فيها، يبنون نفوذهم ومصالحهم بطريقة غير صحيحة، يعتمدون فيها على الإغواء للناس، على الإضلال للناس؛ حتى يكون لهم من بقاء الناس على الضلال، وعلى الباطل، مصلحة تعود إلى نفوذهم، الحفاظ على نفوذهم وسيطرتهم، وأحياناً مصالح مادية:

البعض- مثلاً- يبيع ويشتري في الأصنام، مهمته وعمله وكسبه يعتمد على صناعة الأصنام وبيعها، فهو يتصور أنَّ الناس إذا آمنوا تركوا الأصنام؛ وبالتالي لن تبقى له تلك التجارة، يريد أن يحافظ على تلك المصلحة المادية، بأن يبقى الناس في ضلالٍ مبين، في ضلال رهيب، في انحراف خطير.
البعض من الناس- كذلك- نفوذه يعتمد على الظلم، الممارسات الظالمة، الابتزاز، الإذلال للناس، الحصول على الأموال والمصالح المادية بطريقة غير مشروعة؛ فيجد رسالة الله، وتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، لن تترك له المجال ليواصل ما هو عليه من الظلم، والابتزاز، وأخذ المال بغير حق، واعتماد وسائل غير مشروعة، فيرى فيها أنها تعارض مصالحه... وهكذا عدة اعتبارات.
البعض- مثلاً- ستكون حساسيتهم أنَّ إيمان المجتمع بنوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، معناه: ارتباطهم به، وأنه- بالتالي- سيكون هو الأعلى شأناً في المجتمع، وأنَّ المجتمع سيرتبط به فوق ارتباطه بهم، وهم لا يريدون ذلك، عندهم عقدة الكبر، عقدة الكبر، عقدة المصالح الموهومة الزائفة، مع أنَّ مصلحة الناس جميعاً: كباراً وصغاراً، وجهاؤهم، ومجتمعاتهم، ومواطنوهم، مصلحة الجميع هي في الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هو يؤتي كلَّ ذي فضلٍ فضله، الإنسان ستكون له قيمته واعتباره الإيماني، الذي هو أهم من اعتبار المصالح الموهومة، أو الاعتماد على أمور أخرى غير مشروعة.
فهم واجهوه بالاتهامات، ووجَّهوا له التهمة، وتصوَّروا أنهم هم من يُعنا بتحديد الموقف، وإذا حددوا الموقف؛ فينبغي للآخرين أن يلتزموا بما قد حددوه هم من موقفٍ خاطئ، وبما أنهم هم من قد رأوا ذلك، وهم يقدِّمون للمجتمع أنهم هم الأصل في المجتمع، أصحاب الرأي، أصحاب الخبرة، أصحاب التجربة، أصحاب القرار، أصحاب النفوذ، فقد حسموا موقفهم بناءً على ذلك، وهذه رؤيتهم، اعتبروه في ضلال في دعوته، وشككوا في رسالته.

واتِّهامهم لم يكن يستند إلى أي شيء، مجرد أنهم قد ارتأوا رؤيتهم الشخصية، رأيهم الشخصي، أرادوا أن يكون هو كافياً في الموقف من رسالته، دون الاستناد إلى حجة، إلى دليل، إلى برهان... إلى غير ذلك.

{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: الآية61]؛ لأنه ليس هناك أي شيء يدل على أنه قد ضلَّ، أو غوى عن الحق، أو خرج عن الحق فيما قدَّمه، ما قدَّمه إليهم، دعوته إليهم، بما فيها من التفاصيل، وعنوانها العام، القرآن يوجز لنا حتى في العناوين، لكن يدخل تحت ذلك تفاصيل في حواره مع قومه، فليس هناك أي ضلالة فيما قدَّمه.

{وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي}[الأعراف: 61-62]؛ لأن الله هو رَبُّكُم، رَبُّ العالمين؛ وبالتالي على الناس أن يتقبَّلوا رسالته، ليست المسألة متروكة لآراء الناس، ومزاجهم الشخصي، المزاج الشخصي للإنسان: [أنا لا أرغب بهذا، أنا لا أريد هذا]، رسالة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هي الحق، هي الهدى، هي النور، هي الخير للناس، وليست الآراء والأفكار الشخصية، الناتجة عن مزاج شخصي لهذا أو ذاك، بحيث يعتمد عليها المجتمع بدلاً عن رسالة الله.

{وَأَنْصَحُ لَكُمْ}[الأعراف: من الآية62]؛ لأنه يقدِّم لهم ما يقدِّم- فعلاً- من منطلق النصح لهم بإخلاص، بإخلاص، نصيحةً خالصةً صحيحة.

{وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: من الآية62]، هو يعلم من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، من هديه وتعليماته، ما هم جاهلون به، وهم بحاجة إليه، ويوصله إليهم، ويعلم أيضاً من عواقب تكذيبهم، ما سيحصل عليهم من العذاب، ويشفق عليهم.

{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف: الآية63].

نستكمل- إن شاء الله- القصة في المحاضرات القادمة.

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: المجتمع البشری فی فی القرآن الکریم السماوات والأرض فی هذه الحیاة تعلیمات الله العبادة لغیر الله تعالى رسالة الله على مستوى س ب ح ان ه ع ل ى آل ت ع ال ى فیما بعد هدی الله أنه الذی الناس فی من جدید من الله فی سورة کانوا ی ع ب د وا ه إلیهم مع الله ى الله ات الل لله فی ه الذی م الله فی تلک ة الله

إقرأ أيضاً:

في محاضرته الرمضانية الثالثة عشرة.. قائد الثورة : ما جاء من الله رحمة وهداية لما فيه الخير في الدنيا والآخرة

 

الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة القرآنية من (سورة الشعراء)، في مقامٍ مهمٍ من مقامات نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وهو يسعى لهداية قومه، وإنقاذهم من الشرك، والاتِّجاه بهم إلى عبادة الله وحده «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وجدنا كيف أنه اتَّجه إلى استخدام أسلوبٍ، يختلف عن الأسلوب في المقام الذي تم الحديث عنه، على ضوء الآيات المباركة من (سورة الأنعام)؛ لِيُنَوِّع معهم الأساليب، ويعرض لهم أيضا المزيد من الحجج والبراهين، وكذلك ليعرض لهم الحقائق المهمة كذلك بطريقةٍ جديدة، وهدفه هو: السعي للوصول بهم إلى الهداية، وإلى إنقاذهم مما هم فيه من الضلال، والاتِّجاه بهم إلى عبادة الله وحده «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
استخدم معهم أسلوب (الأسئلة التي تستنطق الحقيقة)، فبعد أن سألهم: {مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:70]، وكان ردهم كما تلوناه في الآية المباركة: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}[الشعراء:71]، وجَّه لهم أيضاً أسئلة تصل بهم إلى الحقيقة، عن أن تلك الأصنام غير جديرة إطلاقاً بأن يتوجَّهُوا إليها بالعبادة: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}[الشعراء:72-73]، وهنا كان جوابهم يتضمن ضمنياً الاعتراف بأنها لا تسمعهم، ولا تنفعهم، ولا تضرهم؛ وإنما يعتمدون فقط في عبادتهم لها باعتبار أنها من موروثهم الاجتماعي، الذي ورثوه عن آبائهم، وكان فيهم رموز يعتمدون عليهم، ويتقبَّلون منهم كل أشكال الضلال، بما فيه هذا المعتقد.
حينها اتَّجه إليهم بموقفه الحاسم، بعد أن تبين- حتى لهم هم- أنهم لا يمتلكون أي حُجَّة، ولا برهان، يعتمدون عليه في عبادتهم لها، والتَّوجُّه بالعبادة لها؛ وإنما اتَّجهوا كموروث اجتماعي، ولكن المسألة خطيرة جدًّا، هي خرافة يتشبَّثون بها، وهم يدركون في أنفسهم بأنها مجرد جمادات، لا تنفعهم بشيء، لا تسمعهم، لا تمتلك الحياة، ليست متفاعلةً معهم بأي مستوى من التفاعل.
ولكنَّ الخطير جدًّا في هذا الموضوع هو: أنَّهم انصرفوا بذلك عن عبادة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بمفهومها الشامل، بما في ذلك: الالتجاء إلى الله، والسير على نهجه وهديه؛ وهذا هو الخطر الكبير في ضلال الشرك وباطل الشرك:
• أنه يصرف الإنسان عن الله، عن نهجه، عن هديه، يصرفه بشكلٍ كامل، انصراف تام، وهذه قضية خطيرة جدًّا.
• إضافةً إلى أن ذلك تنكُّر لأكبر الحقائق، التي هي: أن الله وحده هو الإله، الإله الحق، الذي لا معبود بحقٍ إلا هو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
فهنا اتَّجه بالموقف الحاسم: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، مسألة اعتمادهم على الإرث الاجتماعي في مسألة الشرك، وخطورتها الكبيرة، مسألة خطيرة؛ ولهـذا كانت براءته تشمل ما كان عليه أيضاً آباؤهم، وهم يتَّبعون آباءهم من باب العصبية، ومن باب الارتباط الاجتماعي، ومن باب التأثُّر بمن في آبائهم من رموز الضلال، ولكن لأن المسألة خطيرة جدًّا وجَّه هذا الموقف الحاسم، وأتى بهذا التعبير: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، وكما قلنا في المحاضرة الماضية: هذا قمة البراءة عندما يعلن العداء.
واختار هذا التعبير: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}؛ لأن معنى ذلك أنه سيسعى للتصدي لهذا الضلال والباطل، سيسعى لإزالته؛ لأنه يعمل من أجل ذلك: من أجل إزالة ذلك الباطل، واختار عبارة: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]، لماذا، مثلاً: لم يختر عبارة [فإنني عدوٌ لهم]، (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي)؟ وهنا فوائد متعددة لهذا الاختيار بنفسه في هذا التعبير.
عندما نتحدث عن مسألة العبادة لغير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فإن من أخطر ما فيها: أنها- كما قلنا- تصرف الإنسان عن نهج الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، بكل ما يترتب على ذلك من مخاطر كبيرة، وتُعرِّض الإنسان لغضب الله وسخط الله، فالعبادة لغير الله هي مصدر خطر كبير على الإنسان، وشر كبير على الإنسان، وعواقبها السيئة، وآثارها الخطيرة، كبيرة على الإنسان.
ولـذلك، ولأنها مصدر شر على الإنسان، يجب أن ينظر الإنسان إليها هذه النظرة: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]؛ لأن عبادتهم هي مصدر خطر، مصدر شر، وشيءٌ لا يمكن أن أتقبله على الإطلاق، هو باطلٌ فظيع، باطلٌ شنيع، فيه إنكارٌ لأكبر الحق والحقائق، تعدٍ على أكبر الحقوق، وفي نفس الوقت مصدر شرٍ كبير في الحياة؛ فلـذلك النظرة إليه كعدو، وخطر لابدَّ من التصدي له، والسعي لإزالته، فهذه مسألة مهمة جدًّا في هذا التعبير، يعني: ليست مسألة يمكن التأقلم معها، التغاضي عنها، تعتبر- مثلاً- تأثيراتها السلبية والسيئة في واقع الحياة محدودة.
{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، ونلاحظ كيف أن المسألة هي- فعلاً- عبادةٌ للعدو، عندما يتَّجه الإنسان بالعبادة لغير الله بكل ما يُشكِّله ذلك من شر، من خطر، من ضر، من مفاسد، من أضرار كبيرة جدًّا، فمعناه: أن الإنسان يتَّجه بالعبادة للعدو، وهذا هو سخافةٌ وحمقٌ، وفي نفس الوقت غباءٌ كبيرٌ، وضلالٌ رهيبٌ مبينٌ، الاتِّجاه بالعبادة للعدو، يعني: بدلاً من أن تعبد الله، الذي هو ربُّك، الخالق لك، المنعم عليك، ملك السماوات والأرض، ربُّ العالمين، الذي يجازيك، والذي إليه مصيرك، والذي يربطك به كل شيء- وسيأتي الحديث عن هذه المسائل، فيما ذكره نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وهو يعرض براهين ودلائل مهمة- يتَّجه الإنسان لِيُعَبِّد نفسه لمن؟ لعدو، لعدوه! حالة خطيرة على الإنسان، وغباء رهيب، وضلال مبين بكل ما تعنيه الكلمة، وخسارة على الإنسان، الإنسان يخسر بذلك، حينما يتوجَّه إلى عبادة العدو، مما يُشكِّل عليه ذلك من خطر.
ولهـذا ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس:60]، الشيطان عدوٌ لكم، كيف تتوجهون بالعبادة له عندما تجعلون طاعته فوق طاعة الله، وتطيعونه في معصية الله؟! حينها أنتم أعطيتموه ما لا ينبغي أن تعطوه إلَّا لله؛ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو ربُّنا الذي هو الجدير بأن نطيعه فوق كل طاعة، وأن تكون الطاعة له طاعةً مطلقة، فوق طاعتنا لأي أحد؛ فعبادة العدو غباءٌ، وضلالٌ، وخسارةٌ رهيبةٌ جدًّا.
والحالة المشابهة لذلك في واقع العرب اليوم: عندما يتَّجهون بالعبادة لأمريكا، كيف ذلك؟ عندما يجعلون أوامر أمريكا فوق أوامر الله، فوق كتاب الله، فوق تعليمات رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ»، عندما يتَّجهون إلى تحريف دينهم، في المناهج الدراسية، والخطاب الديني، من أجل من؟ من أجل أن يتأقلموا مع أمريكا ومع اليهود، ويحذفون ما يريد اليهود حذفه من الآيات القرآنية من المناهج الدراسية، ويقومون أيضاً بالتزييف للمعاني للآيات القرآنية ودلالاتها، بما يتناسب مع الأطروحات اليهودية؛ من أجل التطبيع، ومن أجل التأقلم مع الأمريكي والإسرائيلي، ومراعاة مشاعر اليهود.
فهم عندما يجعلون أمر أمريكا وإسرائيل واليهود فوق أمر الله، فوق دين الله، وفوق توجيهات الله، ويتَّجهون اتِّجاها معاكساً لمبادئ دينهم، حتى على مستوى الموالاة والمعاداة، حينما يوالون أعداء الإسلام، والله نهاهم عن ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، فيخالفون أمر الله، ونهي الله، ويرمون بتوجيهات الله في كتابه الكريم عرض الحائط، ويتَّجهون باتِّجاه معاكس لذلك، فهذه هي من عبادة العدو، جعلوا أمرهم فوق أمر الله، جعلوا طاعتهم فوق طاعة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يخشونهم أكثر من الله، {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة:13]، {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:175].
والذي يتأمل في وضع الأنظمة الرسمية في أغلبها، يجد أنهم يعيشون هذه الحالة: إنهم يخشون أمريكا وينسون الله، وإنهم يطيعونها فوق طاعتهم لله، ويجعلون أمرها فوق أمر الله، والتعليمات الصادرة منها، والإملاءات التي تقدمها، فوق القرآن الكريم، وما فيه من هدى وتعليمات من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذه خسارةٌ عليهم، لماذا؟ لأن أولئك أعداء لهم، وكل ما يوجهونهم به، وكل ما يأمرونهم به، فينصاعون لأوامرهم، هو مما فيه شرٌّ على العرب، وعلى الأنظمة نفسها، وعلى شعوبها وبلدانها، وما يؤدي إلى ذُلِّهم، وهوانهم، وضياعهم، لخدمة أعدائهم.
أمَّا ما يأتينا من الله فكله رحمة، هداية لما فيه الخير لنا في الدنيا والآخرة؛ لأن الله غنيٌ عنَّا، ثم هو ربُّنا الرحيم بنا، ليس عدواً لنا، عندما نستجيب له يمنحنا رحمته، رعايته، يَمُنُّ علينا من واسع فضله، ويحيطنا برعايته في النصر، والمعونة، والتأييد، والتسديد، ورعايته الواسعة، يخرجنا من الظلمات إلى النور؛ أمَّا أولئك فهم يخرجون الناس من النور إلى الظلمات، هم طاغوت بكل ما تعنيه الكلمة.
{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]، فأولئك رموزهم من رموز الضلال، لا ينبغي أن يخلِّدوا الباطل من أجلهم، آباؤهم الأقدمون الذين كانوا منحرفين، لم يكونوا مهتدين؛ ولـذلك ليس لهم مبرر أن يتشبَّثوا بما قدَّموه لهم من الضلال، وأن يُخَلِّدوا الباطل من أجلهم، والباطل هو الطارئ في واقع البشر.
{إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، ربَّ العالمين هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، شرحنا عن كيف كان يعتمد في خطابه لهم، أن يتحدث مثل ما ذكر في المقام السابق في الآيات المباركة من (سورة آل عمران)، كذلك استخدام عبارة (ربّ)؛ لأنه كان هناك حظر على استخدام كلمة (الله)، هو يريد أن يراعيهم هم؛ أمَّا من جانبه فهو يُصرِّح؛ ولـذلك عندما دخل في نقاش معهم، في الآيات السابقة من (سورة الأنعام)، كان صريحاً في الحديث عن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
{إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، ولأن المقام المرتبط في مسألة الألوهية، هو مرتبط أيضاً بالربوبية، يعني: الذي له الحق أن نعبده هو ربُّنا، ربُّنا هو الله؛ لأنه المالك لنا، المنعم علينا، المربِّي لنا، الخالق لكل شيءٍ في العالم، فهو الربّ، المالك والمنعم.
{إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، هم يعرفون أن ربَّ العالمين هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهم لا يدَّعون لأصنامهم الربوبية المطلقة، وهذا كان من المعروف في واقع المشركين، يعني: يعتبرون أصنامهم آلهة محلِّية في معتقدهم الباطل، بل أحياناً على مستوى محدود جدًّا، يعني: أحياناً على مستوى منطقة معيَّنة، أو قبيلة معيَّنة معها صنم، وقبيلة أخرى معها صنم آخر، وليس عند القبيلة تلك إشكالية لماذا لا تعبد تلك القبيلة صنمهم هم، عادي عندهم الموضوع، الموضوع متعدد، هم يعتمدون مبدأ تعدد الآلهة، بل أحياناً على مستوى الأسر: أسرة معها صنم خاص بها، تعتبره آلهة لها في معتقدها الباطل، أسرة أخرى معها صنم آخر، ولا تؤمن بصنم تلك الأسرة… وهكذا، يعني: حالة فوضى، حوَّلوا مسألة الألوهية إلى حالة من الفوضى؛ فلـذلك هم كانوا يعتبرون أصنامهم آلهة محلِّية، يعني: في مستوى محدود.
بل أحياناً في مجال التخصصات، يعني: من المعروف عن الرومان، أنهم وصلوا في مرحلة من المراحل إلى أن كانت آلهتهم في معتقدهم الباطل أكثر من ثلاثمائة، ووزَّعوا عليها تخصصات كثيرة: إله الحب، إله العشق، إله النصر، إله الحرب، إله المطر، إله… حتى في نهاية المطاف تعبوا، تعبوا من كثرة ما وزَّعوا هذه المسألة: مسألة الآلهة والألوهية، وأصبحت فوضى إلى درجة لا تطاق في واقعهم، فتعبوا في الأخير من ذلك.
فهم يدركون عندما يقول: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، أن الربوبية المطلقة- الذي هو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» الله «جَلَّ شَأنُهُ»، هو ربُّ العالمين- أن ذلك ليس إلَّا لله، فهو الإله الحق، الذي لا معبود بحقٍّ إلَّا هو، يعني: هم يعترفون أن ربَّ العالمين هو الله، أن الذي له الربوبية المطلقة هو الله على العالمين جميعا، فهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» الإله وحده، الذي لا معبود بحقٍّ إلَّا هو؛ لأنهم يعترفون حتى هم أنَّه ربُّ العالمين، فعندما يأتي بهذا الاستثناء: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، يعني: فأنا أتولاه، وأعبده وحده، أتوجَّه إليه بعبادتي له وحده «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
ثم اتَّجه معهم إلى العرض المهم، لما يربطنا بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، أولاً: هو ربُّ العالمين، يعني: ربُّ الخلائق أجمعين، ربُّ هذا الكون بكله، والمالك له بأجمعه، فلماذا يتَّجه الإنسان بالعبادة لغيره، هذه قضية خطيرة، تَنَكُّرٌ لأعظم حق، اعتداءٌ على حق الله في العبادة، وفي نفس الوقت إساءةٌ إلى الإنسان عندما يُعَبِّد نفسه لغير الله، هذا لا يُشرِّفه، ثم في نفس الوقت أيضاً الإنسان بذلك ينصرف عن نهج الله، قضية خطيرة، يترتب عليها ضلال واسع، باطل كثير، يمتد إلى حياة الناس، يتحوَّل إلى إجرام، إلى طغيان، إلى مفاسد، إلى مساوئ، إلى رذائل… إلى أشياء كثيرة في الحياة، وشقاء عظيم في الدنيا والآخرة.
ما يربطنا بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو كل أساسيات ومتطلبات حياتنا، ووجودنا كذلك، وجودنا هو من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ ولـذلك ليس للإنسان من مبرر أن يبحث له عن إلهٍ آخر، ما الذي تريده من الإله الآخر، الذي تريد أن تتَّجه بعبادتك إليه، فتتولاه، وتخشاه، وتخضع له، وتُعبِّر عن عبوديتك له، ما الذي تريده منه؟ الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو مصدر كل النعم، كل أساسيات حياتك، كل متطلبات حياتك، هي- أصلاً- مرتبطة بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، لا يمكن أن تكون من عند غيره.
ولـذلك أتى يُذَكِّرهم، وباستعراضٍ تأمُّلي؛ ليُبَيِّن لهم أن الله وحده هو الجدير بأن نتولاه، وأن نعبده، ونثق به، ونتَّجه إليه، وهو الربُّ الرحيم، العظيم؛ ولذلك أتى بهذا الاستعراض، الذي يعرض فيه هذه الحقائق؛ لِتُبَيِّن أنَّ كل شيء مهم هو يربطنا بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ولا مبرر للانصراف عنه.
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، ابتدأ في سرد هذه النعم، والدلائل الواضحة على احتياجنا وافتقارنا إلى الله، وأنَّه الإله الحق «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في مقابل أنَّ تلك الأصنام لا تسمع، ليس فيها حتى الحياة، أنَّ كل الكائنات لا تقدر على أن تكون في مستوى الألوهية، لا تمتلك الجدارة بذلك أبداً، كلها مفتقرة إلى الله، كلها ضعيفة، كلها محتاجة، كلها مرتبطة بالله في أسباب بقائها، وفي وجودها، وما يتصل بذلك، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الخالق.
اختار نبي الله إبراهيم أن يعبِّر بهذا الأسلوب الشخصي، عندما قال بدءاً: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]، ثم: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:78-80]، مع أنَّ هذا لكل الناس، لكل الخلق، الله هو الذي خلقهم، والله هو الذي يهديهم، والله هو الذي يطعمهم، والله هو الذي يسقيهم أيضاً، فلماذا اختار أن يعبِّر بطريقة شخصية؟ هو يعبِّر لأسباب متعددة، منها: أنه يبيِّن لهم أنَّ هذه قناعة أنطلق منها، وإيمانٌ وتوجُّهٌ أنا على ثقةٍ منه، يعني: ليست مسألة أنه يريد أن يدفع بهم إلى شيءٍ هو بعيدٌ عنه، بل شيءٌ يثق به، يعتمد عليه، شيءٌ يرتضيه لنفسه، ويثق به لنفسه، ويتَّجه فيه بنفسه، وهذا ليطمئنهم على أنه يريد أن يدفعهم في الاتِّجاه الذي هو اتِّجاهٌ ارتضاه لنفسه، ليس أنه يريد أن يورِّطهم في اتِّجاه هناك، أو في قضية هناك، بل يتَّجه بهم فيما ارتضاه لنفسه، فيما يثق به كل الثقة، فيما يعتمد عليه هو، ويسير فيه؛ ليعزز الثقة بهذا الاتِّجاه الذي يدعوهم إليه، هذا واحدٌ من الأسباب.
كذلك نجد مثل هذا العرض أيضاً في مقامات أخرى، لأنبياء آخرين، لمؤمنين آخرين، ولأسباب أخرى يمكن أن نشير إليها إن شاء الله.
{الَّذِي خَلَقَنِي}[الشعراء:78]، الله هو الذي خلقني، فهو المالك لي، والمنعم عليّ، والذي خلق الجميع، كل المخلوقات والكائنات هو الذي خلقها.
نعمة الخلق في الوجود هي نعمةٌ كبيرة، وفي مسألة الإقرار بأنَّ الله هو الخالق، هذه مسألة يقرُّ بها المشركون عبر التاريخ، حتى في الاستبيان الذي في القرآن الكريم، يبيِّن هذه الحقيقة، لم يكونوا ينكرون أنَّ الله هو الذي خلقهم، بل يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف:87]، فهم يقرُّون بهذه الحقيقة: أنَّ الله هو الخالق، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بما أنَّه الخالق هو المالك، هو المنعم، ونعمة الخلق نعمةٌ عظيمة، في مقدِّمة النعم أنَّ الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» خلقك، وهبك الحياة، وهبك الوجود، هو الذي أتى بك إلى هذا العالم أنت كإنسان.
ثم في نعمة الخلق للإنسان نعمٌ كبيرة، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال عن خلقه للإنسان: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:4]، فالوجود بنفسه نعمة، والوجود بهذه الصورة، بهذه القدرات التي وهبك الله، بهذه النعم التي وهبك الله، هي نعمةٌ كبيرة، الخلق في أحسن تقويم نعمةٌ عظيمةٌ على الإنسان، ومن التكريم له أنَّه خلقه في أحسن تقويم، وما وهبك الله في خلقه لك من جوارح، من أعضاء، من حواس، من مدارك، من طاقات، من قدرات، من مواهب، هذا كله نعمةٌ عظيمةٌ عليك من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
ولذلك الإنسان عندما يتأمل في نعمة الله عليه في خلقه له، فيما وهبه- كما قلنا- من جوارح، وأعضاء، ووسائل، يستفيد منها في حياته، من حواس، من مدارك… من غير ذلك، ويدرك كم أنَّ نعمة الله عليه عظيمةٌ جدًّا، وأنَّ كل نعمة مما خلق الله له، هي نعمة عظيمة مهمة، ذات أهمية كبيرة للإنسان في حياته، وفي شؤون حياته، لا تقدَّر بثمن، يعني: أغلى من كل سعر، فالإنسان عليه أن يدرك هذه الحقيقة، والله يذكِّرنا بهذه الحقيقة؛ باعتبارها نعمةً عظيمةً علينا: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:6-8]؛ لأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم وأحسن صورة.
عندما يقارن الإنسان في تأملاته بين صورة الإنسان وشكله، وكيف عدَّل الله شكله وقوامه، يقارن مع بقية الحيوانات، وبين ذلك وبين بقية الحيوانات، يجد- فعلاً- أنَّ الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، والإنسان لا يرتضي لنفسه شكلاً آخر، أو حالاً آخر غير ذلك؛ ولـذلك تعتبر عقوبات المسخ من أشد العقوبات، عندما مسخ الله من بني إسرائيل قردةً وخنازير، كانت عقوبة رهيبة جدًّا، رهيبة جدًّا، عندما حوَّلهم إلى أشكال حيوانات أخرى؛ لأن شكل الإنسان وخلقه مُمَيَّز جدًّا بين كل الحيوانات.
الآخرون لا يخلقون، كل من يتَّجه الناس إليهم بالعبادة من غير الله، ليسوا هم من خلقوهم، ولا خلقوا أي شيءٍ من الكائنات الأخرى؛ ولهـذا يُذَكِّر الله بهذه الحقيقة: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد:16]، يقول لهم أيضاً في آيةٍ أخرى كذلك: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}[الحج:73]، (ذُبَاب) لو اجتمعت كل معبوداتهم الزائفة لتخلق ذُبَاباً واحداً؛ لعجزت عن ذلك، فما بالك ببقية المخلوقات والكائنات.
فالله هو الخالق، وهو المالك المنعم، لأنه الخالق؛ هو المالك المنعم، المقتدر، الرحيم، العظيم، فكيف يتَّجهون بالعبادة لغيره «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؟!
ولـذلك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لأنه الخالق؛ هو المالك المنعم، الذي يستحق العبادة وحده، الذي له حق الأمر والنهي في عباده، والتدبير لشؤون عباده، وهو الذي ينبغي أن يلتجئوا إليه بما يحتاجونه، بافتقارهم إليه؛ لأن كل الخير منه، ومصدر وجودهم وخلقهم هو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، كيف يتَّجهون إلى غيره؟! يعني: ليس مجرد فاعل خير فيهم، ويريد أن يفرض نفسه فضولياً عليهم، ويدعوهم إلى عبادته، فيقولون: [أنت لا شأن لك بنا، لماذا تريد أن تفرض نفسك علينا وتطلب منا ذلك؟]، المسألة أنَّهم مملوكون له، وهو مصدر وجودهم «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، ونعمة الهداية نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا، في صدارة النعم، والإنسان بعد خلقه يحتاج قبل كل شيء إلى الهداية، حتى قبل طعامه، وقبل شرابه، نجد في هذا العرض لنبي الله إبراهيم، أنَّه قدَّم الهداية حتى قبل قوله: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79]، حتى قبل ذلك، ونجد أيضاً في آياتٍ قرآنية أخرى، أنَّ القرآن يُقَدِّم هذه النعمة قبل غيرها، أحياناً حتى قبل خلق الإنسان؛ من شدة أهميتها، ولشدة حاجة الإنسان إليها، {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ}[الرحمن:1-3]؛ فلأهمية نعمة الهدى، وحاجة الإنسان إليها، وهي نعمة عظيمة ومهمة وأساسية جدًّا جدًّا جدًّا للإنسان، قدَّمها هنا حتى قبل الطعام والشراب.
الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الذي يهدي، هو مصدر الهداية، {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، هو عندما خلق الخلق لم يتركهم بدون هداية، لو تركهم بدون هداية؛ لما استطاعوا أن يتحركوا لأي شيءٍ في شؤون حياتهم على الإطلاق، لكانوا في حالة عناء رهيب جدًّا، ولما تمكنوا أصلاً من الاستمرار في الحياة ربما ولو لفترة وجيزة، أو صغيرة، أو بسيطة؛ لأن مسألة الهداية مسألة أساسية للإنسان، فنعمة الهداية أهميتها عظيمةٌ للإنسان؛ ولـذلك وردت في صدارة النعم، والإنسان يحتاج إليها بشكلٍ مستمر.
حاجة الإنسان للهداية هي حاجةٌ في كل مجالات حياته، ومرتبطةٌ بوجوده، يحتاج إليها احتياجاً كبيراً جدًّا؛ ولهـذا كانت هداية الله واسعة للإنسان، وفي جزءٍ من الهداية يشترك به مع بقية الكائنات الحيَّة، والحيوانات الأخرى، وجزء آخر للإنسان لاتِّساع حياته، واتِّساع شؤونه.
فهناك في البداية، في بداية الهداية الإلهية هي: الهداية الفطرية، بما غرزه الله في فطرة الإنسان، وهذه الهداية أيضاً لكل الكائنات الحيَّة، بمقدار دورها ومهامها في الحياة، وبحسب المقدَّر لها؛ ولـذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:2-3]، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50]، نجد كيف أهمية الهداية الفطرية للإنسان، والتي يحتاجها بعد وجوده، بعد أن تلده أمه مباشرةً قبل كل شيء؛ لأنه كيف سيتصرف لأسباب بقائه، في مسألة الغذاء، كيف سيعرف كيف يتغذى، كيف يرضع من أمه.
والشيء العجيب، الملاحظ لدى الكثير من المولودين من الناس مثلاً: أنه بعد ولادته يبدأ على الفور يبحث يُحَرِّك فمه، البعض حتى قبل أن يفتح عيونه، يُحَرِّك فمه يريد أن يرضع، ولولا هداية الله له، وإلهامه له بهذه الهداية الفطرية؛ لكان هناك مشكلة كبيرة في كيف يفهم أن يرضع، وأن يتقبَّل الرضاعة، وأن يَمُصَّ ثدي أمه ليرضع، لكانت هذه مشكلة كبيرة، لو كانت معتمدةً- مثلاً- على التلقين، والتفهيم، يقولوا له: [يا وُلِيد ارضع، اعمل كذا، سوِّي كذا…]، لما استطاعوا أن يفهموه بشيء؛ لأنه في مرحلة لا يتلقَّن فيها شيئاً، ولا يتقبَّل فيها أي تلقين، لكن بفطرة الله، بهداية الله الفطرية له، يُحَرِّك فمه يبحث عن ثدي أمه يريد أن يرضع؛ في الوقت الذي من المستحيل تفهيمه وتعليمه بكيفية الرضاعة، لولا أنَّ الله ألهمه وهداه لذلك.
للاستكمال عن موضوع الهداية كنعمةٍ عظيمة، وحاجةٍ ضرورية، يحتاج إليها الإنسان، وأنَّها من الله، وأنَّها مما يربطنا بالله، وأنَّها ليست من غيره، نُكْمِل الحديث- إن شاء الله- في المحاضرة القادمة عن ذلك.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة قائد الثورة : الإنسان بحاجة إلى هداية الله تعالى في كل شؤون حياته
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ14 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (14) للسيد القائد 1446
  • أبناء الحديدة يثمنون الموقف المشرف لقائد الثورة الداعم لغزة
  • في محاضرته الرمضانية الثالثة عشرة.. قائد الثورة : ما جاء من الله رحمة وهداية لما فيه الخير في الدنيا والآخرة
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 13 رمضان 1446هـ 13 مارس 2025م
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (12) للسيد القائد 1446
  • ترقبوا تعليقا مهما لقائد الثورة بشأن قرار حظر ملاحة سفن العدو الإسرائيلي