٢٦ سبتمبر نت:
2025-03-11@20:42:34 GMT

(نص) المحاضرة الرمضانية العشرون لقائد الثورة

تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT

(نص) المحاضرة الرمضانية العشرون لقائد الثورة

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

محاضرة اليوم تتعلق بقصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" وقومه، وقد وردت قصة نبي الله نوح وقومه في القرآن الكريم في عدة سور في القرآن الكريم، منها على مستوى كبيرٍ من التفصيل: (في سورة الأعراف، وفي سورة هود، وفي سورة الشعراء، وفي سورة نوح)، ومنها بمستويات متفاوتة في الإشارة إلى القصة في سورٍ أخرى كثيرة، وورد ذكر نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" في القرآن الكريم لربما بأكثر من خمسٍ وثلاثين مرة.

وتعود قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" إلى حقبة متقدِّمة في تاريخ المجتمع البشري، إلى زمنٍ طويل، ففي الدراسات التي أُجريت على السفينة المتوقعة أنَّها سفينة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، على جبل الجودي، بعض النتائج على ضوء تلك الدراسات تشير إلى أنَّ لها أكثر من مائة ألف عام، فهي في مرحلة متقدِّمة من التاريخ البشري.

والحقبة الزمنية الممتدة ما بين نبي الله آدم إلى نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، هي أيضاً حقبةٌ طويلةٌ بلا شك، الله أعلم على وجه التحديد كم هي بحساب السنوات، هل بآلاف السنوات؟ أم بمئات السنوات؟ لأن الروايات التاريخية المتعلقة بذلك لا يمكن الاعتماد عليها على جهة القطع، ولكنها- بلا شك- كانت حقبةً زمنيةً ممتدةً وطويلة.

ثم المرحلة من عهد نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" تعتبر مرحلة جديدة في تاريخ البشر؛ نظراً لما حدث في قصة الطوفان من هلاك، هلاك الكافرين والمكذبين، واستئناف البشر لحياتهم من جديد، وسنتحدث بشيءٍ من التفصيل فيما يتعلق بهذه النقطة أثناء الحديث عن القصة إن شاء الله.

يقال أنه كان ما بين نبي الله آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، إلى نبي الله نوح، في تلك الحقبة الزمنية التي امتدت بينهما، كان نبي الله إدريس "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وفي مرحلة لم يصل بعد فيها انحراف البشر وضلالهم إلى مستوى الشرك بالله، والكفر بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في مرحلة متقدمة ما قبل ذلك؛ لأن آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" أتى بملة التوحيد، وبدأ حياته ومشواره على الأرض مع ذريته فيما بعد على ملة التوحيد، فكانت ذريته على ما كان عليه، وهو نبي الله وصفيه، واستمرت الأجيال البشرية على ملة التوحيد، والعبادة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لأجيال.

فنبي الله إدريس- كما يقال- ظهر في تلك المرحلة، ما قبل الانحراف في واقع البشر إلى مستوى الشرك والكفر بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأرسله الله ليواصل أداء مهمته، المهمة الرسالية التي يبعث الله بها الرسل والأنبياء، في العمل على هداية الناس، على تربيتهم التربية الإيمانية الصالحة، على التَّحرُّك بهم في مسيرة حياتهم وفق هدي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وشرعه ونهجه، ويقال أنه- إضافةً مع ما بذله من جهد لإصلاح المجتمع البشري، وتربيته تربيةً زاكيةً إيمانيةً، وتقديم تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" إلى الناس- أنه أسهم أيضا في ارتقاء واقعهم المعيشي، في حياتهم، في حضارتهم، وعلَّمه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أشياء جديدة في واقع حياتهم، منها كما في بعض الروايات التاريخية: الخياطة، وبعض الأشياء والمهارات التي يحتاجون إليها في الارتقاء بحياتهم وواقعهم المعيشي.

ثم امتد الزمن، وتعاقبت الأجيال، وتكاثر الضلال، وكبُر الانحراف، إلى أن تغيَّر واقع البشر إلى درجة مؤسفة جداً؛ عندما ظهرت فيهم عقيدة الشرك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، واتخاذ آلهة من دون الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، كان هذا انحرافاً كبيراً وصلوا إليه، بعد أن تزايد الانحراف، وتزايد الضلال شيئاً فشيئاً، وهذا هو حال الناس إذا كانوا في حالة تمادٍ على الباطل، واستمراريةٍ في الضلال؛ يزداد ضلالهم، يزداد تماديهم في الباطل، يزداد انحرافهم في كل الأمور: على المستوى العقائدي، ومن غير المستوى العقائدي على المستوى العملي.

وخطورة الشرك، مع أنها عقيدة باطلة، ورهيبة، ومتنكرةٌ لأكبر الحقائق: حقائق أننا عبيدٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنه إلهنا وحده؛ لأنه ربنا، ومالكنا، وملك السماوات والأرض، والخالق، فلا إله إلا هو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ هي تنكرٌ لأكبر الحقائق على الإطلاق وأهم الحقائق، وهي تنكرٌ للعدل، للرحمة، مجافاةٌ للإنصاف، عندما يُعبِّد الإنسان نفسه لغير الله، لمن لا يملك فيه ولا في السماوات والأرض شيئاً، لا نقيراً، ولا قطميراً، ولا مثقال ذرة، وينحرف عن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يوجِّهُ عبادته لغير ربه، لغير خالقه، لغير إلهه الحق، ملكه، ثم يُبنى على ذلك الانحراف عن هدي الله، عن رسالته، عن تعاليمه، هذه نتيجة خطيرة للشرك: الانصراف التام والإعراض الكامل عن رسالة الله، عن تعليماته، تصبح مرفوضةً جملةً وتفصيلاً، وهذه حالة خطيرة للغاية.

فعندما تعاظم الضلال، وتزايد الباطل، ووصل إلى هذه الدرجة، بعث الله نبيه نوحاً "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وأرسله إلى المجتمع البشري في عصره، كان المجتمع البشري في زمن نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" ما يزال محدوداً، لم ينتشر في بلدان كثيرة متباعدة، ويظهر من بعض الروايات والأخبار، وكذلك الأخبار التاريخية: أنَّ قوم نوحٍ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" كانوا ينتشرون في جزءٍ من العراق، ممتدٍ إلى أجزاء من أطراف تركيا المحاذية للعراق، وكذلك من أطراف سوريا المحاذية للعراق، فكانوا ينتشرون هناك، فأرسله الله إليهم.

مما هو ملفتٌ في قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ": أنها في تلك المرحلة التي ابتدأ فيها ذلك الانحراف الخطير، أو كان قد ظهر فيها وتعاظم فيها ذلك الانحراف الخطير: عقيدة الشرك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والعبادة لغيره، فهي من أقدم مراحل الانحراف والضلال إلى ذلك المستوى.

مما هو ملفتٌ أيضاً في قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ": بقاؤه مع قومه لزمنٍ طويل، مع صبره عليهم صبراً عظيماً، في مقابل عنادهم، وتكذيبهم، وكفرهم، وإصرارهم على باطلهم، وكانت أعمار البشر في تلك المراحل لا تزال طويلة، يتعمَّر الإنسان مئات السنين، ومع ذلك فربما بقي معهم لأكثر من جيل، لأكثر من جيلٍ من أجيالهم، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}[العنكبوت: من الآية14]، المدة التي لبث فيها معهم رسولاً، يبلغهم رسالات الله، يعمل على هدايتهم، على إنقاذهم: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، مدة طويلة تسعمائة وخمسين عاماً، {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 14-15].

أيضاً نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" هو الأب الثاني للبشر، بعد انقراض سُلالات المؤمنين الذين نجاهم الله معه، انقرضت فيما بعد سلالاتهم، يعني: لم تستمر ذريتهم بشكلٍ مستمر، فانقرضت سلالات أصحابه الذين نَجَّاهُم الله معه في السفينة من المؤمنين، واستمر نسل أولاده، كما قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" (في سورة الصافات): {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}[الصافات: الآية77].

كذلك فيما يلفت أيضاً في قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، هو ما ذكرناه في البداية: أن البشرية استأنفت من بعد الطوفان مرحلةً جديدةً صافية على الإيمان، والتوحيد، وهدي الله، وتعليماته من جديد، عادت كما بدأت مع آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، ولكن بدأ فيما بعد ذلك التغيُّر والانحراف من جديد، لربما من زمن معين، أو من أجيال، بدأت حالة الانحراف كذلك تكبر، وتكثر، وتتعاظم من جديد، ويتغير الواقع البشري فيما بعد ذلك، ويعود إلى الضلال، إلى الشرك، إلى الكفر، وهذا شيءٌ مؤسف.

نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" من أولي العزم من الرسل، ومن أعظمهم منزلةً عند الله تعالى، وكان صبوراً، ونموذجاً لغيره من الأنبياء، وقدوةً في صبره لزمنٍ طويل على تبليغ رسالات الله تعالى، وهو يعاني من قومه فيما يواجهونه به من التكذيب، من الصد، من الإساءات، من الدعايات، من الاتهامات، من الإساءات الكثيرة، ومع ذلك صبر لزمنٍ طويل جداً.

قد يتعب الإنسان وهو يواجه تحديات ليست شيئاً في مقابل ما واجهه نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ" من معاناة، في ظل اهتمام عملي على مستوى عالٍ، اهتمام كبير ويستمر عليه، قد يتعب الإنسان من عشر سنين، من عشرين عاماً، من ثلاثين عاماً، فما بالك بتسعمائة وخمسين سنة من العمل المتواصل في تبليغ رسالات الله بجديَّة، باهتمامٍ كبير، عمل دؤوب ومستمر.

وكان شكوراً، أثنى الله عليه في القرآن الكريم ووصفه: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}[الإسراء: من الآية3]، (كَانَ عَبْدًا شَكُورًا): يشكر نعم الله عليه، ويُقَدِّر نعم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويسعى عملياً، يشكر الله في أقواله، وأعماله، وأفعاله، واهتمامه، ومسيرة حياته.

وكان أيضاً نشطاً جداً في عمله لتبليغ رسالات الله، فهو أيضاً قدوة، وما كان عليه من جد واهتمام ونشاط هو درسٌ مهم لكل العاملين في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولكل المؤمنين في اهتمامهم بالأعمال الصالحة، في تحركهم وفق هدي الله وتعليماته.

وكان حريصاً غاية الحرص على نجاة الناس، وهدايتهم، وإنقاذهم، كان يتحرك لتبليغ رسالات الله، ويسعى لهدايتهم بحرصٍ كبيرٍ على هدايتهم، برغبةٍ كبيرة، باهتمامٍ كبير.

في بداية القصة، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[نوح: الآية1]، سنلحظ في الحديث عن القصة أن نتحدث على ضوء الآيات المباركة، ونتنقل على ضوء الآيات المباركة: آية من هنا، وآية من تلك السورة، وآية من تلك السورة... وهكذا.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" (في سورة نوح) قال في مستهلها: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}، الله، ربُّ العالمين، ملك السماوات والأرض، ربُّ الناس، وإلههم، وملكهم، في إطار تدبيره لشؤونهم؛ لأن هذا جزء من تدبير الله لشؤون عباده: أن يُقدِّم لهم تعليماته، أن يهديهم، أن يوصل إليهم هديه، في إطار تدبيره لشؤونهم، ورحمته بهم، من رحمته بعباده أيضاً: يرسل إليهم رسله، وأرسل نوحاً "عَلَيْهِ السَّلَامُ" ضمن هذه السُّنَّة من سنن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في هداية عباده، لهدايتهم، وإنذارهم، وتبشير من آمن منهم.

والرسالة هي من الله، الرسالة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ليست جهداً بشرياً، يرقى الإنسان في اهتماماته حتى يصل إلى درجة رسول، بل هي مسألة مرتبطة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فالرسالة منه، وهو "جَلَّ شَأنُهُ" الذي يختار من عباده ويصطفي من عباده رسلاً إلى الناس، يُعدهم لهذه المهمة ولأداء هذا الدور إعداداً مميزاً منذ البداية؛ ولهذا يقول: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران: الآية33]، فالله يُعدهم لتلك المهمة المقدسة.

والرسل (رسل الله) متميزون بكمالهم، في رشدهم، وزكائهم، زكاء أنفسهم، ورحمتهم، وحرصهم على هداية الناس، وصبرهم عليهم، ونصحهم لهم، وما يمنحهم الله من مؤهلات، لأداء تلك المهمة: مؤهلات للتبليغ نفسه، لأدائه على مستوى راقٍ وبيِّن، مؤهلات على مستوى المهمة في أدائها العملي، في واقعها العملي، وهكذا في كل ما يتصل بها.

ولذلك عظمة الرسالة والرسل والأنبياء أنهم: في إطار مهمةٍ عظيمةٍ مقدسة، لهداية البشرية، لإنقاذ الناس، ويَشدُّون الناس إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، حلقة وصلٍ بين المجتمع وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يوصلون إلى المجتمع تعليمات الله، وأوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولذلك ليست المسألة أنهم يدعون إلى أنفسهم، أو أن لهم مصالح شخصية، أو أهدافاً شخصية، يتحركون لفرضها على الناس، من أجل مكاسب شخصية وأمور شخصية، هم حلقة وصل يصلون المجتمع بهداية الله، بتعليمات الله، ويُعَبِّدون أنفسهم لله، فيكونون هم القدوة للمجتمع في السير على تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والالتزام بها، فمهمتهم عظيمة ومُقَدَّسة، وهم رحمةٌ من الله، وهم نعمةٌ عظيمةٌ من الله، وشأنهم عظيم، في مهمتهم المُقَدَّسة، فيما أهَّلهم الله له من تجسيد تلك المهمة، وتقديم الأسوة والقدوة فيها، وكمالهم العظيم، الذي هو أرقى كمال إنساني، في الكمال الإنساني أرقى كمال هو كمال الرسل والأنبياء؛ ولذلك فهم نعمةٌ عظيمةٌ من الله.

وهكذا كان نوح نبي الله ورسوله نعمة عظيمة على قومه، ولم يكن لهم من مبرر للكفر به، وقد بلَّغهم رسالة الله، ووجَّه إليهم دعوته، وأنذرهم، {أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ لأن التمادي في الباطل والضلال، والانحراف عن هدى الله تعالى، وتعليماته، والشرك بالله، والكفر بالله، له عواقب سيئة على المجتمع البشري في الدنيا وفي الآخرة: العذاب الأليم؛ فالله يُقيم حجته على عباده ما قبل ذلك.

هو توجَّه إلى قومه وأنذرهم: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[نوح: الآية2]، وعادةً ما يكون أقوام الأنبياء يعرفون عنهم الشيء الكثير: يعرفونهم بالأمانة، بالصدق، بالكمال، بالرشد، بالزكاء، بالحكمة، يعرفون أخلاقهم، قيمهم، استقامتهم؛ فهم شخصيات معروفة في مجتمعاتهم بذلك: بكمالهم، وزكائهم، وصلاحهم، ورشدهم، واستقامتهم السلوكية والأخلاقية؛ فهو أنذر قومه: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده، وترك الشرك والانحراف: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}[هود: الآية26]، {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأعراف: من الآية59].

عندما نقرأ في القرآن الكريم في دعوة الرسل لأقوامهم، نجد- كما في هذه الآيات المباركة في قصة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"- أنَّ العنوان الأبرز، والعنوان الجامع، الذي هو عنوانٌ للرسالة الإلهية، ولدعوة الرسل والأنبياء، هو: الدعوة إلى عبادة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ونبذ عبادة غيره، التوحيد لله في العبادة له وحده، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، هذا العنوان هو فعلاً عنوانٌ مهمٌ وعظيمٌ، وهو عنوانٌ دقيق، يعني: هو الذي يعبِّر عن محتوى الرسالة الإلهية إجمالاً وتفصيلاً، وهو- في نفس الوقت- تحريرٌ للناس من العبودية لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

العبادة لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، تأتي من جوانب متعددة:

على مستوى العقيدة:
كما هو حال تلك الأقوام، التي اعتقدت أنَّ هناك مع الله شركاء له في الألوهية، آلهة مع الله، واعتقدوا أنَّ لهم أدواراً معينة مع الله في تدبير أمور الخلق، واعتقدوا أنهم مع كونهم- في اعتقادهم الباطل- آلهة، أنَّهم أيضاً يقرِّبونهم إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنَّ لهم علاقة قوية بالله؛ فهم يعتقدون أنَّ الآلهة متعددة، يُقِرُّون بالله، هذا هو حال الأقوام.

ومن الشيء الغريب والملحوظ في كتب القصص، حتى في المسلسلات التي تتحدث عن قصص الأقوام والأنبياء، أنها تقدِّم صورة غير دقيقة عن واقع الأقوام، وكأنهم كانوا يجهلون بالله تماماً، وينكرونه تماماً، وهذا غير صحيح، يتَّضح من خلال الآيات القرآنية أنهم كانوا يعترفون بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وصولاً إلى مشركي العرب، في بعثة رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" خاتم النبيين محمد بن عبد الله إليهم، كانوا يعترفون بالله، وأنه الذي خلق السماوات والأرض، وأنه الذي خلق البشر، أنه الذي خلقهم، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: من الآية87]؛ فهم كانوا يُقرُّون بالله، ويعترفون بالله، وأنَّه خالق السماوات والأرض، وربُّ العالمين... إلى غير ذلك، أنه الذي يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ولكنهم كانوا يعتقدون في عقيدتهم الباطلة: أنَّ الآلهة متعددة، أنَّ مع الله آلهةً أخرى، يختلفون في معتقداتهم، كلٌّ له- في معتقده الباطل- آلهة معينة، يزعم أنها شريكةً لله في الألوهية؛ ولهذا يسمَّى ما هم عليه بالشرك، يسمَّى بالشرك؛ لأنهم اعتقدوا أنَّ مع الله شركاء في الألوهية، يعينونه في أمور الخلق من موقع الألوهية؛ باعتبارهم آلهةً معه، هذا الانحراف على المستوى العقائدي في العبادة لغير الله، وترتب عليه- بالتالي- بقية الأمور: هم يرفضون تعليمات الله التي أتت مع الرسل والأنبياء، ويتَّجهون بناءً على خرافات، ومعتقدات، وأفكار خاطئة، يتعبَّدون بها.

أمَّا الانحراف الآخر أيضاً في العبادة لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فهو: في إخضاع النفس لما تعتبره بديلاً عن شرع الله ونهجه:
يعني: الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو ربُّنا، الذي له الأمر والنهي فينا، وهو مالكنا وملكنا، هو الذي يرسم لنا ما نسير عليه في هذه الحياة، منهجاً في هذه الحياة، يبيِّن لنا الحلال والحرام، وما نلتزم به من التزامات، ومسؤوليات في هذه الحياة؛ فالذي ينبذ شرع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويُخضِع نفسه في هذه الحياة لبديلٍ عن نهج الله، وعن شرع الله، وعن أمر الله، وعن هداية الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ فهو عملياً يعبِّد نفسه، ويعطي حق الأمر والنهي، وبقية ما يرتبط بحقوق الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يعطيها لغير الله، يعتقد أنَّ لغير الله في نفسه حق التصرف، وملك الأمر والنهي فيه، وأن يفرض عليه ما يشاء ويريد، بدلاً عن منهج الله، وعن هدي الله، وعن تعليمات الله.

ولذلك فهناك على المستوى العقائدي عبادة لغير الله، ويتبعها بالتالي الواقع العملي، الواقع العملي الذي ينصرفون فيه بشكلٍ تام عن منهج الله وهديه ورسالته.

ثم على المستوى العملي: في الرفض التام لهدى الله وتعليماته ورسالته على المستوى العملي، وإخضاع النفس إخضاعاً تاماً لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فيما هو بديلٌ عن نهجه وشرعه وملته.

فالأنبياء هم يحررون الناس؛ لأنهم يصلونهم بتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وينقذونهم على المستوى العقائدي من عقيدة الشرك في الألوهية؛ وبالتالي على مستوى الطاعة، والعمل، والاتِّباع، يسيرون بهم وفق رسالة الله، فيما فيها من تعليمات الله، من شرعه، من أوامره ونواهيه.

فرسالة الله هي تحريرٌ للناس من العبودية للطاغوت، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: من الآية36]، فهي إنقاذٌ للناس في تعبيدهم أنفسهم لغير الله إلههم الحق، على المستوى العقائدي، وعلى المستوى العملي؛ ولذلك هو عنوان جامع، عنوان واضح، وعنوان يعبِّر عن محتوى وفحوى الرسالة الإلهية.

فماذا كان موقفهم من رسالته ودعوته؟ مجتمع قوم نوح، المجتمع البشري في تلك المرحلة كان مجتمعاً عشائرياً، يعني: لم يكونوا بشكل دولة، دولة، وحكومة، وسلطة، كانوا مجتمعاً عشائرياً، وقبلياً، وكان الناس فيه مرتبطين بزعمائهم، بوجهائهم، زعماء تلك العشائر والقبائل.

هو في دعوته وجهها للجميع، إلى قومه جميعاً، خاطبهم جميعاً: الزعماء وغير الزعماء، الكل، وجَّه دعوته إليهم جميعاً، وخاطبهم جميعاً، وأوصل رسالة الله إليهم جميعاً، هذه سُنَّة في تبليغ الرسالة الإلهية لكل الرسل والأنبياء: أنهم يوصلون رسالة الله إلى الناس جميعاً، ويبلِّغون الجميع، ولا يحصرون عملية التبليغ- مثلاً- إلى الزعماء، أو الوجهاء، ويتركون البقية، لا يوصلون إليهم هدى الله وتعليماته.

مع وضعهم العشائري، تصدَّر زعماؤهم ووجهاؤهم الموقف من دعوة نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، ومن الرسالة الإلهية؛ فكذبوه، ووجَّهوا له التهم، وشنوا عليه الدعايات، وهناك قائمة طويلة من تشكيكهم في رسالته ودعوته، واتهاماتهم التي وجهوها له، وكذلك الدعايات التي شنوها عليه، {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ}[الأعراف: من الآية60]، الملأ من قومه تصدَّروا الموقف، وردُّوا عليه، وعلى تبليغه للرسالة، {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأعراف: من الآية60]، وجَّهوا له التهمة والتشكيك في رسالته، وفي دعوته، واتَّهموه بالضلال المبين، اتَّهموه أنه في غواية وضلال واضح، وهم الذين هم في ضلال واضح، جعلوا دعوته إلى عبادة الله وحده أنها غواية وضلال واضح.

الملأ لماذا يتصدَّرون الموقف؟ عادةً تكون لهم مصالح مرتبطة بالوضع الذي يكون الناس فيه، يعني: تلك الحالة من حالة الضلال والباطل، أصبح لهم مصالح مرتبطة بها، بذلك الواقع، بتلك الظروف، بتلك الحالة التي الناس فيها، يبنون نفوذهم ومصالحهم بطريقة غير صحيحة، يعتمدون فيها على الإغواء للناس، على الإضلال للناس؛ حتى يكون لهم من بقاء الناس على الضلال، وعلى الباطل، مصلحة تعود إلى نفوذهم، الحفاظ على نفوذهم وسيطرتهم، وأحياناً مصالح مادية:

البعض- مثلاً- يبيع ويشتري في الأصنام، مهمته وعمله وكسبه يعتمد على صناعة الأصنام وبيعها، فهو يتصور أنَّ الناس إذا آمنوا تركوا الأصنام؛ وبالتالي لن تبقى له تلك التجارة، يريد أن يحافظ على تلك المصلحة المادية، بأن يبقى الناس في ضلالٍ مبين، في ضلال رهيب، في انحراف خطير.
البعض من الناس- كذلك- نفوذه يعتمد على الظلم، الممارسات الظالمة، الابتزاز، الإذلال للناس، الحصول على الأموال والمصالح المادية بطريقة غير مشروعة؛ فيجد رسالة الله، وتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، لن تترك له المجال ليواصل ما هو عليه من الظلم، والابتزاز، وأخذ المال بغير حق، واعتماد وسائل غير مشروعة، فيرى فيها أنها تعارض مصالحه... وهكذا عدة اعتبارات.
البعض- مثلاً- ستكون حساسيتهم أنَّ إيمان المجتمع بنوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، معناه: ارتباطهم به، وأنه- بالتالي- سيكون هو الأعلى شأناً في المجتمع، وأنَّ المجتمع سيرتبط به فوق ارتباطه بهم، وهم لا يريدون ذلك، عندهم عقدة الكبر، عقدة الكبر، عقدة المصالح الموهومة الزائفة، مع أنَّ مصلحة الناس جميعاً: كباراً وصغاراً، وجهاؤهم، ومجتمعاتهم، ومواطنوهم، مصلحة الجميع هي في الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هو يؤتي كلَّ ذي فضلٍ فضله، الإنسان ستكون له قيمته واعتباره الإيماني، الذي هو أهم من اعتبار المصالح الموهومة، أو الاعتماد على أمور أخرى غير مشروعة.
فهم واجهوه بالاتهامات، ووجَّهوا له التهمة، وتصوَّروا أنهم هم من يُعنا بتحديد الموقف، وإذا حددوا الموقف؛ فينبغي للآخرين أن يلتزموا بما قد حددوه هم من موقفٍ خاطئ، وبما أنهم هم من قد رأوا ذلك، وهم يقدِّمون للمجتمع أنهم هم الأصل في المجتمع، أصحاب الرأي، أصحاب الخبرة، أصحاب التجربة، أصحاب القرار، أصحاب النفوذ، فقد حسموا موقفهم بناءً على ذلك، وهذه رؤيتهم، اعتبروه في ضلال في دعوته، وشككوا في رسالته.

واتِّهامهم لم يكن يستند إلى أي شيء، مجرد أنهم قد ارتأوا رؤيتهم الشخصية، رأيهم الشخصي، أرادوا أن يكون هو كافياً في الموقف من رسالته، دون الاستناد إلى حجة، إلى دليل، إلى برهان... إلى غير ذلك.

{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: الآية61]؛ لأنه ليس هناك أي شيء يدل على أنه قد ضلَّ، أو غوى عن الحق، أو خرج عن الحق فيما قدَّمه، ما قدَّمه إليهم، دعوته إليهم، بما فيها من التفاصيل، وعنوانها العام، القرآن يوجز لنا حتى في العناوين، لكن يدخل تحت ذلك تفاصيل في حواره مع قومه، فليس هناك أي ضلالة فيما قدَّمه.

{وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي}[الأعراف: 61-62]؛ لأن الله هو رَبُّكُم، رَبُّ العالمين؛ وبالتالي على الناس أن يتقبَّلوا رسالته، ليست المسألة متروكة لآراء الناس، ومزاجهم الشخصي، المزاج الشخصي للإنسان: [أنا لا أرغب بهذا، أنا لا أريد هذا]، رسالة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هي الحق، هي الهدى، هي النور، هي الخير للناس، وليست الآراء والأفكار الشخصية، الناتجة عن مزاج شخصي لهذا أو ذاك، بحيث يعتمد عليها المجتمع بدلاً عن رسالة الله.

{وَأَنْصَحُ لَكُمْ}[الأعراف: من الآية62]؛ لأنه يقدِّم لهم ما يقدِّم- فعلاً- من منطلق النصح لهم بإخلاص، بإخلاص، نصيحةً خالصةً صحيحة.

{وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: من الآية62]، هو يعلم من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، من هديه وتعليماته، ما هم جاهلون به، وهم بحاجة إليه، ويوصله إليهم، ويعلم أيضاً من عواقب تكذيبهم، ما سيحصل عليهم من العذاب، ويشفق عليهم.

{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف: الآية63].

نستكمل- إن شاء الله- القصة في المحاضرات القادمة.

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: المجتمع البشری فی فی القرآن الکریم السماوات والأرض فی هذه الحیاة تعلیمات الله العبادة لغیر الله تعالى رسالة الله على مستوى س ب ح ان ه ع ل ى آل ت ع ال ى فیما بعد هدی الله أنه الذی الناس فی من جدید من الله فی سورة کانوا ی ع ب د وا ه إلیهم مع الله ى الله ات الل لله فی ه الذی م الله فی تلک ة الله

إقرأ أيضاً:

(نص) المحاضرة الرمضانية الـ8 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي

يمانيون/ صنعاء

(نص) المحاضرة الرمضانية الثامنة(القصص القرآني) للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 08 رمضان 1446هـ| 08 مارس 2025م

 

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

وصلنا بالأمس إلى قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في قصة نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام”، في الآيات المباركة من (سورة الأنعام): {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79].

كُنَّا بدأنا بالحديث عن هذه المفردة المهمة: (حَنِيفاً)، وكيف أنها تكررت في الحديث عن نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام” في مقامات متعددة، وفي الحديث عن مقامات مشابهة، فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المسلم، في توجهه نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالعبادة بمفهومها الشامل، وكذلك فيما ذكره الله عن الأمم السابقة من قبلنا، أنَّها كانت مأمورةً بذلك.

وتحدثنا عن المفهوم بمدلوله الواسع، بما تعنيه مفردة (حَنِيفاً)، وأنَّها ذات أهمية كبيرة غفل عنها المسلمون، يعني: ليس هناك تركيز على هذه المفردة بمفهومها بمدلوله الواسع.

وتحدثنا أن البعض من المفسرين قَزَّمُوا هذا المفهوم في نطاق محدود، تحدثنا عمَّا يعنيه هذا المفهوم، من اتِّجاهٍ للعبادة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وانطلاقةٍ إيمانيةٍ باستمرار، وثبات، وإخلاص، ومحبة، وخضوع وخشوع لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا هو روح الانطلاقة الإيمانية، المعبِّر عن حالة التسليم لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والاستجابة لأمره برغبة، والالتزام بتعليماته وتوجيهاته بانطلاقة جادّة وصادقة.

وَنَبَّهْنَا عن الخطورة الكبيرة على الإنسان، عندما تكون انطلاقته الإيمانية متعثرة، يتحرك فيها وهو يعاني من الترسبات الكبيرة، المؤثِّرة في نفسه، ترسبات لم يُزَكِّ نفسه للتخلص منها، من الأمور السيئة، المؤثِّرة تأثيراً سيئاً على نفسية الإنسان، التي تتحول إلى عوائق، عوائق عن الاستجابة السريعة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ولـذلك– كما ذكرنا بالأمس- أتى أيضاً الحديث عن نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام” بمواصفات هي في هذا الاتِّجاه: اتِّجاه الاستجابة بخضوع لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وخشوع لله، في مثل قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهو يتحدث عنه: قَانِتاً، {قَانِتًا لِلَّهِ}[النحل:120]، فهو بهذا التَّوجُّه الذي يُعبِّر القرآن عنه أيضاً في عبارة أخرى تحدثنا عنها بالأمس.

هذا يلفت نظرنا إلى واقعنا نحن، في انطلاقتنا الإيمانية، كيف نحرص، وكيف نسعى إلى أن تكون انطلاقتنا الإيمانية مبنية على الاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والطاعة بخضوع وخشوع، بمحبة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن نتخلص من العوائق في النفوس، التي تجعل الإنسان ينطلق انطلاقة متعثرة وهو مُكَبَّلٌ، ويخضع للتأثيرات السلبية، التي تُعِيقه عن المبادرة، عن الاستجابة.

الإنسان إذا انطلق انطلاقةً صحيحة، يكفيه فيما ينطلق فيه من الأعمال، أن يكون فيه مرضات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه يحمل الحرص في نفسه على الاستجابة لله، على الطاعة، على الانقياد التام.

ولـذلك الحالة الأخرى المختلفة عن ذلك لدى البعض من الناس: قد ينطلق، حتى البعض انطلاقتهم إيمانية، لكنه ليس سريع الاستجابة، وليس متجهاً بدون عناء، يحتاج إلى عناء دائماً، أو في كثير من الأمور، إلى إقناعه ليستجيب، إذا اختلفت المسألة عن رغبته الشخصية، أو طموحاته الشخصية، فهو ذلك المتعب، المتعب جدًّا، الذي يعتمد على العناد، على العناد، فلا يستجيب إلَّا بعناء، لا يتحرك إلَّا بعناء، لا يتفهَّم إلَّا بعناء، لا تُدرس معه الأمور العملية إلَّا بعناء، هذه الحالة حالة سلبية لدى الإنسان، حالة سلبية بكل ما تعنيه الكلمة.

والحالة بالنسبة للعناد لدى الإنسان هي حالة ليست ايجابية أبداً؛ ولـذلك يصف الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الجبابرة بالعناد في القرآن الكريم: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}[إبراهيم:15]، (عَنِيدٍ): لا يتقبَّل الحق، فالبعض من الناس- فعلاً- لديه هذه الحالة النفسية: أنه وهو في انطلاقته الإيمانية هو متعبٌ جدًّا، لا يتحرك إلَّا بعناء، لا يتفهَّم إلَّا بعناء، لا يستجيب إلَّا بعناء، وقد يصرفه- بعد جهدٍ جهيد حتى ينطلق- قد يصرفه أبسط عائق، أو أي إشكال، أو أي استفزاز، ويؤثِّر عليه في مدى استجابته.

الاتِّجاه إذا كان بإخلاص تام لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بمحبةٍ لله، بخشوعٍ لله، بخضوعٍ لله، فالإنسان يتحرك فيه بمبادرة، باستجابةٍ تامة، بطاعةٍ تامة، بانقيادٍ تامٍ لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبرحابة صدر، وبرغبة، وهذه المسألة مهمةٌ جدًّا؛ لأن البعض من الناس- فعلاً- حتى في طريق الجهاد في سبيل الله، لا يتَّجه هذا الاتِّجاه الذي يصف الله به عباده المؤمنين بأنهم (حُنَفَاءَ)، بأنهم كما يصفهم: {وَالْقَانِتِين}[آل عمران:17]، في مواصفاتهم في (سورة آل عمران)، كما يصفهم أيضاً بأنهم مُخْبِتِين إلى الله؛ وبالتالي منقادين، مستجيبين، لا يحتاج الأمر معهم إلى عناء، وعراقيل، وتعب، ولا يمكن للناس أن يُنْجِزوا خطوةً عملية في مسيرتهم الإيمانية والجهادية، إلَّا بعناء شديد، إلَّا بتعب، إلَّا بحلحلة الكثير من العقد… وهكذا، هذا درسٌ مهمٌ جدًّا؛ لأنه يمثِّل الروح للانطلاقة الإيمانية، كيف تكون بهذا المستوى: انطلاقة سليمة من العوائق السلبية.

{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79]، وهذه براءةٌ أيضاً، هو تبرأ من الشرك، وتبرأ أيضاً من المشركين، وتحدثنا بالأمس عن أهمية البراءة، وفي طريق الإيمان، الإنسان مع إيمانه له موقف، موقفٌ من الباطل، من الضلال، من الكفر، من الشرك، ليست المسألة مع الشرك، مع الباطل، مع الكفر بالله، مع الانحراف عن نهج الله، مع الصد عن سبيل الله، أنَّها وجهات نظر، يمكن التأقلم معها والتفهُّم لها، ثم ينظر الإنسان إلى الأمور في الحياة مثل نظرة البعض، وكأن المسألة وجهات نظر هنا وهنا وهنا، وجهة نظر عن الإيمان بالله، ثم وجهة نظر عن الكفر، والشرك، والفساد، والطغيان، والإجرام، والكفر، وسابر، كله سابر، لا، ليست المسألة كذلك، لابدَّ أن يكون للإنسان موقفٌ.

هذه البراءة من الشرك، من المشركين، عبَّر عنها القرآن الكريم في مقامات أخرى، فنبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام” هو أيضاً رمزٌ وقدوةٌ في البراءة، في البراءة من أعداء الله، {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:4]، فالله قدَّم لنا نبيه إبراهيم في القرآن الكريم على أنه رمزٌ للبراءة من أعداء الله، فعندما يحاول الأمريكي والإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم من عملائهم الموالين لهم من العرب، أن يقدِّموه رمزاً للتطبيع والولاء لأعداء الله، فهذا إساءةٌ كبيرةٌ إليه، وتناقضٌ تامٌ مع الحقيقة، التي أكَّد الله عليها في القرآن الكريم، وسيأتي- إن شاء الله- في مقامات أخرى، تسليط الضوء من خلال الآيات القرآنية المباركة على هذه المسألة أكثر.

بعد هذا العرض، وبعد هذا الإعلان للموقف، الذي هو يوجِّه أيضاً دعوة ضمنية لهم، يعني: هو يُعبِّر عن موقفه هو، عن إيمانه، عن توحيده لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويتضمن في معناه وفي فحواه الدعوة الصريحة لهم، إلى ترك ما هم عليه من الشرك، وإلى التوحيد لله والإيمان به “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولكن بهذا الأسلوب، الذي كان هو الخطوة الأولى المناسبة معهم، التي يخترق بها الحاجز الكبير، والعوائق الكثيرة جدًّا، فيصل بهم، من خلال هذا الأسلوب العملي المتدرج، إلى أن يتفهَّموا الحقيقة، إن أرادوا أن يتفهَّموها، تُصبح مُتاحةً لهم.

كيف كانت ردة فعل قومه بعد هذا؟

ردة فعلهم تدل على أنه نجح- فعلاً- في لفت نظرهم إلى الحقيقة المهمة، في أن الكمال لله وحده، وفي نقص معبوداتهم المُزَيَّفة، التي يُسمُّونها بالآلهة، عن مقام الألوهية، ونجح بأسلوبٍ مناسب، يعني: لم تكن ردة فعلهم- مع أن الموضوع حساس للغاية- لم تكن ردة فعلهم عنيفة جدًّا، أو متصلِّبة جدًّا، هُمْ صُدِموا بالموقف، وتفاجأوا بالمسألة وبما وصل بهم إليه من حقيقة، لكن ردة فعلهم لم تكن بمستوى سخط كبير جدًّا، أو عقدة شديدة؛ لأن الأسلوب بنفسه، والبداية كانت بداية موفَّقة، بداية قدَّم نفسه فيها في صورة الباحث عن الحقيقة، كانت الدعوة فيها لهم دعوة ضمنية، بلفت أنظارهم إلى الموضوع، كان التصور بالنسبة لهم أنه يُعبِّر عن موقفه الشخصي، وتوجهه الشخصي، ولـذلك كانت أقل حساسية من المقامات التالية؛ لأن له ما بعد هذا المقام مقامات أخرى، كانت موجهةً لهم بشكلٍ أكبر، ودخل بهم إلى مرحلة أخرى من الاحتجاج، من الدلائل، من التوبيخ، من التذكير… إلى غير ذلك.

عموماً، عبَّر القرآن الكريم عن ردة فعلهم بقول الله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ}[الأنعام:80]، يعني: اتَّجهوا إلى أن يجادلوه في موضوع التوحيد، وموقفه من الشرك، وبالتأكيد أنهم لا يمتلكون الحجج، لا يمتلكون الحجج، ليس لديهم الأدلة التي يمكن أن تصمد، في مقابل ما قدَّمه هو من الحجة والبرهان.

{قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ}[الأنعام:80]، هو هنا يلفت نظرهم إلى خطأهم الكبير في الجدال في الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن مسألة ادِّعاء الربوبية لغير الله تعالى والألوهية، فيه إساءةٌ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن الله ليس له ندٌّ، ولا كفؤٌ، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مُقَدَّس، مُعَظَّم، مُنَزَّه عن النِدّ والشريك، لا يحتاج إلى معاون؛ لأنهم عندما نسبوا إلى الألوهية شركاء مع الله، يزعمون أنهم يعينون الله، وأنهم مشتركون معه في تدبير أمور الخلق، فهم بذلك يسيئون إلى الله تعالى، وهو “جَلَّ شَأنُهُ” الذي له الكمال المطلق، والمنزَّه عن النِدّ والشريك، ومُنَزَّهٌ في عظمته وفي جلاله.

{وَقَدْ هَدَانِ}[الأنعام:80]، يعني: بعيدٌ أن أستجيب لكم، لا يمكن أن أستجيب لكم، الله قَدْ هَدَانِ، وما أمتلكه من الحجة والمعرفة في كمال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوحيده، وتنزيهه، هو بما يدحض باطلكم بكله؛ لأن الحقيقة واضحة في بطلان الشرك، حقيقة واضحة، حقيقة جليَّة.

هذا المنطق هو منطق يُعبِّر عن ثقة بما هو عليه، ثقة تامة، وعن ثبات بما هو عليه، وهذا مهمٌ جدًّا؛ لأنه يزرع اليأس لدى المجادلين، حينما يُعبِّر بكل هذه الثقة، وبكل هذا الثبات: [لن أستجيب لكم، كيف أستجيب لكم وأنتم تجادلون في الله؛ من أجل أصنام عاجزة، لا تملك لا نفعاً، ولا ضراً، ولا حياةً، ولا موتاً، ولا نشوراً… ولا أي شيء؟!]، فهو يعبِّر عن هذا الثبات، وعن هذه الثقة، تجاه ما هو عليه من الموقف؛ لأنه يستند فيه إلى هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

هنا كما لفتنا النظر سابقاً: أن الإنسان في معتقداته الدينية، في توجهه الديني، يجب أن يكون معتمداً على هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا هو المستند، والمعتمد الذي ينبغي أن يعتمد عليه الإنسان، وليس على الخرافات، وليس على الأساطير، وليس على التَّخَرُّصات والظنون والأوهام، وبالحذر عن طرق الباطل، وأهل الباطل… وغير ذلك.

فالعبارة نستفيد منها أيضاً في قوله: {وَقَدْ هَدَانِ}[الأنعام:80]، الاعتزاز بالهدى، وإدراك قيمة الهدى، وعظمة أن تكون في طريق الهدى، وهذه مسألة مهمة جدًّا للإنسان، حينما يوفِّقك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن تكون في طريق الهدى، فاعرف قيمة وعظمة وأهمية ما أنت فيه، ونعمة الله عليك، هي نعمة عظيمة، الإنسان إذا لم يكن للهدى عنده عظمة، أهمية، قيمة، قدر؛ يمكن أن يبتذل الهدى، أن ينحرف عن طريق الهدى، أن يتأثر بأي بدائل من الضلال والباطل، وهذه حالة سلبية لدى الإنسان، حتى فيما يتعلق بالتوفيق الإلهي، إذا كان الإنسان لا يقدِّر نعمة الهدى، فهو لا يُقدِّر النعمة عليه، يعني: حتى من باب الشكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على النعمة؛ لأن أعظم النعم على الإطلاق هي نعمة الهدى، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:7].

وكما نَبَّهنا، الهُدى والضلال هما عنوانان بارزان وأساسيان في مسيرة حياة البشر، فإما أن يكون الإنسان في مسيرة حياته على هدى، وإلَّا فالبديل هو الضلال، هو الضلال والعياذ بالله، والمسألة ليست مجرد دعاوى، يعني: أن تلك الطريق تعتبر طريق هدى؛ لأن الذين على رأسها يدَّعون ذلك، أو الذين يتحركون فيها يدَّعون لأنفسهم ذلك.

فرعـون، بكل ما هو عليه من الضلال والباطل، يُخاطب قومه، يقول لهم: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، يَدَّعي الهداية لنفسه. المشركون، فيما هم عليه من الضلال الرهيب، يقولون وهم يوجهون التهمة إلى من؟ إلى رسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، الذي هو رسولٌ من الله، ومنحه الله الهدى، ودعوته دعوة حقٍّ وهدى، يقولون: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}[الفرقان:42]، يعني: يتهمونه بالضلال. وهكذا هي المقامات التي أشار الله إليها، وتحدث عنها في القرآن الكريم، كثيرة من هذا القبيل؛ فلـذلك المسألة ليست مرتبطة بمجرد الدعوى، هناك طريقٌ واضح للهدى: طريق كتب الله ورسله، والهداة من عباده، الذين يسيرون في دربهم، وفي طريقهم.

هم فشلوا في مسألة الاحتجاج؛ لأنهم لا يمتلكون حجةً من الأساس، يعني: المسألة بالنسبة لهم استناد إلى عاداتهم، إلى تقاليدهم، إلى أشياء لا تمثل- بنفسها- حُجةً لهم فيما هم عليه من الباطل، فانتقلوا من مسألة الاحتجاج إلى العامل النفسي؛ بهدف التأثير بالتخويف من الأصنام؛ لأنهم لا يمتلكون حُجةً مقنعة، حُجةً من الأساس يعني، اتَّجهوا إلى العامل النفسي؛ بهدف التأثير بالتخويف من الأصنام.

فهم حاولوا أن يخوِّفوه، وأنه سيسبب لنفسه مصائب، ومشاكل… وغير ذلك، فهو رد عليهم بطريقة حاسمة وحكيمة، ومهتدية في نفس الوقت: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}[الأنعام:80]، لا أخاف، في مقابل حملة التخويف التي استخدموها معه، وأسلوب التخويف هو أسلوب يعتمده أهل الباطل، حتى لو قد اتَّضح باطلهم، يعني: هم يحاولون أن يكون وسيلة للضغط، للضغط على الإنسان؛ للتراجع عن الحق الذي هو حقٌّ واضح، من أجل باطلهم الذي هو باطلٌ واضح، بأسلوب التخويف، وحملات التخويف، فهو لم يتأثر بأسلوب التخويف، وكان رده مُفحماً لهم؛ لأنه لا يخاف مما يشركون به، من أصنامهم تلك، هو يعرف حقيقتها: أنها لا تملك النفع ولا الضر، ولا تملك أي قدرة أصلاً، لا للإيجابية بأن تنفع، ولا سلبية بأن تضر، وهو يُقدِّم مقارنة- ستأتي- هي مقارنة مهمة جدًّا في مسألة الخوف، من يجب أن يخاف، من حيث أنه مذنب، ومن حيث أنه في مقام المؤاخذة من الله المقتدر، ومن حيث العقوبة الإلهية، من يجب أن يخاف؟ ستأتي هذه المقارنة.

هو في البداية يقول لهم: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}[الأنعام:80]، هذا الاستثناء يأتي في حديث الأنبياء، ومع أكثر من نبيٍ في القرآن الكريم، وهو استثناء مهم جدًّا، يعني: هم لا ينطلقون من منطلقات شخصية في مواقفهم، وحتى المقام هنا ليس في مقام الاعتماد على النفس، يعني: بالاعتماد على نفسي، لا أخاف ما تشركون به، معتمداً على نفسي، على قوتي، على قدرتي، ليس كذلك، الأنبياء يحرصون على أن يربطوا موقفهم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يشدَّوا الناس إلى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، وأن يترفَّعوا عن الاعتبارات الشخصية، والمواقف الشخصية، وهذه مسألة مهمة جدًّا.

هو هنا يُعبِّر عن أنه ينطلق عبداً لله، مُسَلِّماً نفسه لله، وأن الأمر كله لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويعبِّر عن توكله على الله، وتسليمه لأمر الله، فيشبه ما ذكره الله في تعليماته لنا في القرآن الكريم لنبيه وللمؤمنين: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}[التوبة:51]؛ لـذلك هذا المنطق مهم جدًّا: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الأنعام:80]: يعني: لن يأتي شيءٌ من جهة الأعداء لا يعلمه الله، هو الواسع علماً، المحيط علماً بكل شيء، فأنا مخلصٌ له، ومهتدٍ بهديه، ومؤمنٌ به وحده، وأعلم أنه بكل شيءٍ عليم، فلن يحصل شيءٌ يضرني في وقتٍ يكون الله غير عالمٍ به، فهو الذي لا يخفى عليه شيءٌ، وأنا أستند إلى رعايته تعالى، وأُسلِّم أمري له “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فإذا أتى شيءٌ بعلم الله، فليكن ما كان، يُعبِّر عن ثقته بالله، عن التجائه إلى الله، عن اعتماده على الله، عن توكله على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

{أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}[الأنعام:80]، وهو هنا بعد أن ذكَّرهم بالحق، لفت نظرهم إلى الحقيقة، إلى ما كانوا غافلين عنه، جاهلين به، والمفترض بالإنسان في مثل هذه الحالة أن يتفاعل، بالتقبُّل، بالاستجابة، عندما يكون الإنسان في الاتِّجاه الخطأ، وأتى من يُذكِّره، ومن يلفت نظره، ومن يُنَبِّهه، فالاتِّجاه الصحيح للإنسان الذي يدل على الرشد، يدل على الإنصاف، هو: أن يتفاعل إيجاباً، أن يتقبَّل؛ بينما إذا كان الإنسان مُتبلِّد الذهن، ومعقَّد النفس، لا ينفع فيه أن يُذَكَّر، تُعرَض له الحقائق، تُعرَض له البراهين، تُقدَّم له الحُجج، لا ينفع معه شيء، مهما كانت الحُجَّة، مهما كان وضوح الحق، مهما كان وضوح الحقيقة؛ يبقى معانداً، لا يتفاعل؛ لأنه مقفل الذهن، متبلِّد الذهن، وهو في نفس الوقت معقَّد النفس، ومكبَّلٌ بالضلال، وأسيرٌ للباطل، البعض من الناس يصل به الحال إلى هذا المستوى: أن يكون أسيراً للباطل، ومُكبَّلاً بالضلال.

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ}[الأنعام:81]، يستمر في مخاطبتهم تجاه مسألة التخويف، التي حاولوا أن يؤثِّروا عليه بها، {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، هنا قدَّم مقارنة مهمة جدًّا:

(كَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ): الأصنام التي تنحتونها أنتم، لا تملك شيئاً، لا حياةً، ولا نفعاً، ولا ضراً، ولا أي شيء، وليس لها أي قدرة، هل أخاف منها؛ لأنكم منحتموها أنتم وسام الألوهية كصفة زائفة، ليس لها أي حقيقة في الواقع، اسم فقط، اسم ليس له حقيقة ولا واقع، {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ}.
{وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، يعني: أنتم المذنبون، أنتم الذين يجب أن تخافوا من ذنب شرككم بالله تعالى، فأنتم تُقِرُّون بالله، وَتُقِرُّون بقدرته على كل شيء، وأنه الذي فطر السماوات والأرض، وعلى كل شيءٍ قدير، ونؤمن جميعاً نحن وأنتم به؛ إذاً يجب أن تخافوا أنتم؛ لأنكم أنتم المذنبون ذنبًا خطيرًا جدًّا، وأنتم في مقام المؤاخذة الإلهية، في مقام العقوبة الإلهية، أنتم في الموقف الخطر جدًّا، يعني: في الذنب، الذي هو ذنب خطير على الإنسان: من حيث المؤاخذة من الله، من حيث العقوبة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من حيث أنه يصبح في مشكلة مع الله “جَلَّ شَأنُهُ”، فأنتم الذين يجب أن تخافوا أنكم أشركتم بالله.
{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، وهذا كما نَبَّهْنا في كل المواطن الماضية: أن المستند والأساس في المعتقدات الدينية هو ما ثبت أنه من الله، بالحُجَّة، وبالبرهان، وليس بالشبه وبالادِّعاءات الفارغة، بالحُجَّة وبالبرهان؛ ولـذلك يجب أن يكون الإنسان مُتنبِّهاً لهذه المسألة، إيمانك يكون مبنياً في مبادئه، في أسسه، في عقائدك الدينية، على أساس ما هو من الله، من هدى الله، ببرهانٍ واضح، بدليلٍ واضح من هدى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، وأن يكون الإنسان حذراً من الآراء الباطلة، والزخارف الزائفة، والخرافات التي باسم أنها من دين الله وليست من دين الله؛ لأن هناك من يفترون على الله الكذب، هناك من يزخرفون زخارف القول؛ للإقناع بالباطل، فئات ضالَّة، أهل الضلال، ينشطون في التضليل للناس، اليهود في هذا العصر لهم نشاط هائل، ويركِّزون على الاختراق الفكري، والثقافي، والعقائدي، ولهم ناشطون، كُتَّاب يكتبون في مواقع التواصل وغيرها، في شبكة الإنترنت، في القنوات الفضائية التي هي منابر للضلال، وتستخدم للضلال من قِبَلِهِم، القنوات التابعة للمُضِلِّين.

فهو هنا يُنَبِّه على هذه الحقيقة: {أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، يعني: ليس لكم مستندٌ في باطلكم من الله، ليس هناك حُجَّة، ليس هناك برهان، لا هدى من الله، ولا كتاب من كتب الله، تستندون إليه فيما قمتم به، فيما وصلتم إليه من الانحراف، بالشرك بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، من الذي هو آمن، ويستحق أن يقال له: هو آمن، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؟ والفريقان في الآية، حين قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ}:

فريق من آمن بالله، وأخلص له، إيماناً سليماً من الشوائب.
والفريق الآخر: الفريق الذي أشرك بالله ما لم يُنزِّل به سلطاناً.
{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، يعني: تفهمون الأشياء برؤية واضحة من خلال المقارنة.

المقارنة في موضوع التخويف درسٌ مهمٌ جدًّا، من أحوج ما نحتاج إليه في هذا الزمن؛ لأن من أكثر ما يركِّز عليه الطغاة والمجرمون، والضالُّون، والمضلُّون، والمنافقون، كل فئات أولياء الشيطان، هو: التخويف، وكل القائمة التي يخوِّفون منها هي في قائمة: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[الزمر:36]، يخوِّفونك بأمريكا، بما تمتلكه أمريكا من قوات عسكرية، وقدرات عسكرية، بما تقوم به من ضغوط اقتصادية… وغير ذلك، ويؤثِّر التخويف على الكثير من الناس، يعتبر التخويف من أكثر العوامل المؤثِّرة على الكثير من الناس.

يعني: ربما لو نتأمل في واقع أمتنا الإسلامية، كيف تتعامل مع قضايا واضحة، الحقُّ فيها واضحٌ تماماً، ليس هناك التباس لدى الناس فيها، مثل: القضية الفلسطينية، والمظلومية الفلسطينية، مظلومية الشعب الفلسطيني، وهذا التخاذل في واقع الأمة، أكبر سببٍ فيه لدى الكثير هو الخوف، لم يتحركوا، لم يجرؤوا أن يكون لهم موقف؛ خوفاً من أمريكا، على مستوى الحكومات والأنظمة، وكذلك خوفاً من الحكومات والأنظمة على مستوى الكثير من الشعوب، وهذه إشكالية خطيرة على الناس؛ لأنها ليست منجية، يعني: ما يخاف منه الناس، وبالتالي يتنصلون عن مسؤولياتهم الإيمانية والدينية، هم يسببون لأنفسهم من سخط الله، وغضب الله، وعذاب الله، ما هو الشيء الذي يجب أن يخافوا منه فعلاً، وما لا يُقارن، ما يخافون منه، وقد تخلَّوا عن ذلك بسببه، يعني: عندما يخافون من أمريكا- مثلاً- من قدراتها العسكرية، ما هي قدرات أمريكا العسكرية في مقابل عذاب الله وسخط الله، في مقابل لحظة واحدة من جهنم، عذاب الله في الدنيا والآخرة؟ لا شيء، أو في مقابل ما بحوزة إسرائيل من قدرات للقتل والبطش والجبروت؟ كذلك لا يساوي ساعة واحدة في نار جهنم، ولا لحظة واحدة في نار جهنم.

ولـذلك يجب أن يكون الإنسان واعياً، يعني: حتى بحساب الخوف، بحساب الخوف، ما هو الذي يجب أن أخاف منه؟ أين هو الخطر الأكبر؟ أين هو الضرر الأشد، الذي يجب أن أحسب حسابه: ما يأتيني من جانب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إن عصيته، إن فرَّطت في مسؤولياتي، إن تنصلت عن واجباتي، إن خالفت هدى الله وتعليماته؛ أو ما يأتيني من جهة الناس؟ ما يأتي من جهة الناس هو لا شيء في مقابل عذاب الله وسخط الله.

ولـذلك يجب أن يكون المعيار في مسألة ما يجب أن نخاف منه، يجب أن يكون المعيار معيار القرآن الكريم، فأولئك الذين اتَّجهوا من أبناء هذه الأمة للخضوع لأمريكا، وطاعتها، والولاء لها، وتقديم الدعم لها (المال)، والطاعة لها؛ هُمْ ابتعدوا عن الله، أصبحوا في واقعهم يعتبرون أمريكا وكأنها أكبر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكأنها نِدٌّ لله “جَلَّ شَأنُهُ”، هُمْ في الموقف الخطير على أنفسهم من عذاب الله، ومن سخط الله “جَلَّ شَأنُهُ”؛ لأنهم بخضوعهم لأمريكا يدعمون الباطل، يقفون مع الباطل، يخدمون الباطل، يُتيحون المجال للظلم، للإجرام، أكبر عامل استفادت منه إسرائيل، في عدوانها على الشعب الفلسطيني، هو: تخاذل الأمة، أمكن لها أن تفعل ما تفعل، بذلك المستوى من الوحشية والإجرام والطغيان.

الآن، على مستوى أكبر، ومستوى يُعبِّر عن المبادئ والدين، ما الذي يعيق أكثر الأمة عن الاتِّجاه وفق هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يكون لهم الموقف القرآني، أن يتحركوا وفق توجيهات الله “جَلَّ شَأنُهُ”؟ هو الخوف، مؤثرٌ عليهم إلى درجة كبيرة جدًّا.

ولـذلك يجب أن يكون هناك تذكير بهذه المقارنة، وترسيخ لها؛ لأنها سَتُمثِّل علاجاً وحلاً لهذه العقدة، لهذه العقدة لمن يتذكر، لمن يتفهَّم. من هو في الموقف الأقوى: من يعتمد على الله، ويتوكل عليه، ويعتمد على نصره وتأييده، أو من باءوا بغضبٍ من الله، وسخطٍ من الله، ولهم الوعيد الشديد في القرآن الكريم توعدهم الله به، ومن يواليهم؟

{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، أنت عندما تخاف من عذاب الله، وتتَّجه لما يقيك من عذابه؛ فأنت أولاً ستأمن من عذابه، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو قادرٌ أيضاً على أن يُؤمِّنك من ضُرِّ الآخرين، ونجد الدرس العظيم في قصة نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام”، كما سيأتي في مقامات أخرى، حاولوا حتى أن يحرقوه بالنار، لكنهم فشلوا في ذلك؛ ولـذلك هذه المقارنة مهمة جدًّا.

نكتفي بهذا المقدار.

وَنَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (11) للسيد القائد 1446
  • نص المحاضرة الرمضانية العاشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • من (وعي) المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد القائد 1446هـ
  • في محاضرته الرمضانية التاسعة.. قائد الثورة: من ثمرة اليقين أن يمتلك المؤمن الحُجّة المقنعة والحرص على هداية الآخرين
  • المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص + فيديو)
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • مجلس القضاء يبارك الاعلان التاريخي لقائد الثورة بشأن غزة
  • من (وعي) المحاضرة الرمضانية السادسة للسيد القائد 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الـ8 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي