د. مزمل أبو القاسم: حادثة عطبرة.. وفرامل اليد!
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
* لا غرابة في إقدام مليشيات الدعم السريع على قصف فعالية دينية واجتماعية يؤمها المئات من المدنيين العُزّل، كما فعلوا في مدينة عطبرة الحلوة أمس، فالثابت أن الحرب التي شنها هؤلاء المرتزقة في الخامس عشر من شهر أبريل العام الماضي توجهت في معظمها إلى الشعب قبل الجيش، فأوسعوا الآمنين عسفاً وتنكيلاً، ولم يتورعوا عن قتلهم وسحلهم واغتصاب نسائهم وسبيهن وسلب أموالهم وممتلكاتهم وتدمير مؤسساتهم الخاصة والعامة واحتلال وتخريب ونهب مستشفياتهم ومدارسهم وجامعاتهم وكل مراكز خدماتهم.
* الشيء من معدنه لا يُستغرب، لذلك لم نتعجب لإقدام المرتزقة على ترويع الآمنين، وقتل المدنيين وسحلهم في مدينة عطبرة، فذاك ديدنهم وكذلك يفعلون، سيما وأنهم ظلوا يتوعدون أهالي ولاية نهر النيل بالويل والثبور منذ بداية الحرب، بعنصرية بغيضة وكراهية تليق بنفوسهم المعتلة.
* ما دخل التمرد قريةً أو مدينةً وقاربها إلا فر منها أهلها فرار الصحيح من الأجرب، لتمام علمهم بما ينتظرهم من قتل وترويع وسلب ونهب بدناءةٍ غير مسبوقة، وانحطاط في الخلق، وانعدام كامل لكل نوازع الدين والعادات والأعراف السودانية الأصيلة، ولا عجب فهؤلاء القتلة الأوباش لا ينتمون لهذه الأرض الطاهرة، ولا تربطهم بها أي علاقة ولاءٍ أو محبة، لذلك تفرغوا لهدم بنية الدولة وقتل أهلها وترويعهم وإذلالهم وتدمير حاضرهم وازدراء ماضيهم ومحاولة تخريب مستقبلهم، بحقدٍ أسود، لم نشهد له مثيلاً حتى عند التتار عندما غزوا بغداد.
* تتار العصر الحديث، أتوا كل منكر في السودان، ولم يغادروا جريمةً إلا ارتكبوها، بنفوس مريضةٍ، وعقول مختلة، موقعها الطبيعي مستشفيات الأمراض النفسية والعصبية لمعالجتها من أدواء الحقد الأسود.
* ماذا يستفيد التمرد من قتل المدنيين وسحل النساء والشيوخ والأطفال وهم يتناولون طعام الإفطار في مناسبةٍ يحتفون فيها بشهدائهم في معركة الكرامة؟
* نحن مستغرب جرأة البعض واجتهادهم لاستغلال حادثة المسيرة لتحويل الضحايا إلى جناة بطريقة (الحاقربك في الضلام يحدرلك)!
* بدلاً من إدانة واستنكار وشجب السلوك الإجرامي القذر لمليشيا منحطة لا تجد حرجاً في قصف إفطار رمضاني عادي، يؤّمه مدنيون عُزَّل ونساء وشيوخ وأطفال؛ تفرغوا للهجوم على فتية شجعان نذروا نفوسهم رخيصةً لحماية السودان، وظلوا يحملون السلاح ويقاتلون بمنتهى الشجاعة مع جيشهم سعياً لنصرته وحماية المواطنين من جرائم التمرد، فأي وضاعة تلك وأي دناءة؟
* لا يهمنا كثيراً النظر في الانتماءات السياسية لشباب كتيبة البراء بن مالك أو غيرهم بقدر اهتمامنا بمواقفهم وأفعالهم، والثابت أن هؤلاء الشباب الميامين اصطفوا مع جيشهم وقاتلوا معه بمنتهى الشجاعة، وكانوا عوناً له لا حرباً عليه منذ بواكير هذه الحرب، ومحاكمتهم بالنوايا وسوء الظن لا تجوز.
* الثابت أنهم قاتلوا بجسارة وكانوا تحت إمرة الجيش تماماً، يعينونه بما استطاعوا لدحر التمرد ويجودون بالدماء والشهداء لنصرة الوطن، والنظر إليهم كخطر مستقبلي أمر غريب لا يسنده أي منطق، سيما وأن درء الخطر الآني مُقدّم على إزاحة أي خطر متوهم.
* كما إن الدولة استعانت في هذه الحرب بتشكيلات عسكرية عديدة من خارج نطاق القوات المسلحة، ومن بينها حركات مسلحة ظلت تقاتل الجيش سنين عددا ثم اصطفت بجانبه في معركة الكرامة فاستقبلها وسلحها وزودها بكل معينات القتال.
* بل إن الجيش رحّب باصطفاف قوات من الحركة الشعبية شمال (الحلو) بجواره في معارك الدلنج، فلماذا يستكثرون على هؤلاء الشباب الشجعان أن يعينوا جيشهم في مواجهة التمرد؟
* حلال على بلابله الدوح، حرام على الطير من كل جنس؟
* إذا كانت لقادة الجيش ملاحظات على أداء هؤلاء الشباب فيجب عليهم توجيههم ومناقشتهم وتقويم أي اعوجاج يظهر منهم بهدوء وروية يحويان الحد الأدنى من التقدير لمواقفهم وتضحياتهم، بدلاً من التشنيع بهم والطعن في نواياهم والتشكيك فيهم على الملأ!
* كذلك أظهرت حادثة عطبرة مدى الحاجة إلى رفع مستوى التدقيق الأمني في المدن التي لم يصبها التمرد، بمضاعفتها، ويطيب لنا هنا أن نتساءل: لماذا تم التلكؤ في إجازة التعديلات المقترحة على قانون الأمن الوطني لإعادة سلطة الضبط والإحضار له، وبلادنا المواجهة بخطر وجودي غاشم في أمسّ الحاجة إلى الجهاز بكامل صلاحياته؟
* لماذا تم تعطيل تلك التعديلات ومن المستفيد من ذلك الفعل الأرعن المخرّب؟
* لماذا لم يتم إعلان حالة الطوارئ بعد مرور عام على بداية الحرب؟
* هل هناك ما يستدعي إعلان حالة الطوارئ أكثر مما تعرضت وتتعرض لها بلادنا على مدى 12 شهراً من التنكيل بالمدنيين وتدمير البلاد وقتل وسحل العباد؟
* تم إعلان حالة الطوارئ صبيحة يوم 25 أكتوبر الذي شهد انقلاب المكون العسكري على المدني قبل عامين من الآن، فأيهما أشد خطراً على الدولة.. ما حدث وقتها أم ما يجري الآن؟
* لماذا تم غل يد النيابة العامة عن ملاحقة وضبط مساندي التمرد وأعوانه وجناحه السياسي الذي تفرغ للطعن في القوات المسلحة ورميها بكل قبيح، ومساندة التمرد ومحاولة تبرئته من جرائمه المنكرة، علاوةً على التحالف معه بإعلان سياسي يزخر بالخيانة والعمالة، منح التمرد سلطة حكم وإدارة المناطق التي احتلها ونكّل بأهلها؟
* لماذا تم تعطيل إجراءات التقاضي في البلاغات التي رفعتها الاستخبارات العسكرية في معاوني المتمردين وحلفائهم الخونة منذ شهور؟
* ثم ختاماً.. لماذا لم يتم تكوين حكومة حرب لمواجهة ودحر الخطر الوجودي الذي تتعرض له بلادنا منذ عام كامل.. وما الجهة التي تحمي أذناب التمرد وتمنع طردهم من مواقعهم في السلطة التنفيذية والنيابة وكل أجهزة الدولة والبنوك وشركات القطاع العام؟
* أسئلة حائرة لا نجد لها إجابات شافية، وينبغي لقيادة الدولة والجيش أن ترد عليها بسرعة، لتوضح لنا ما خفي من أمرنا، ولنعلم عدونا من صديقنا ونواجهه بما يستحقه من حسم وحزم.. إذ لا حصانة بعد اليوم من النقد لأي مسئول يتواطأ ويتهاون في ملاحقة ومحاسبة التمرد الغاشم وأذنابه.. ولنا عودة.. لنكتب عن (فرامل اليد) المرفوعة منذ شهور.. بالتفصيل.
د. مزمل أبو القاسم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: لماذا تم
إقرأ أيضاً:
تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
نشر موقع "موندويس" الأمريكي، تقريرًا، سلّط فيه الضوء على مؤسسة "هند رجب" التي تأسّست عقب استشهاد الطفلة هند رجب في غزة، بقصف للاحتلال الإسرائيلي، مبرزا أنها تسعى لمحاكمة الجنود الإسرائيليين المتّهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، مستندة إلى أدلة تشمل منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "الطريقة التي قُتلت بها الطفلة هند رجب مروعة؛ حيث وُجدت بالمقاعد الخلفية من سيارة محطمة، على بعد أمتار من دبابة ميركافا إسرائيلية"، مضيفا: "وُجدت عمتها وعمها مقتولين في المقعدين الأماميين، وأربعة من أبناء عمومتها ينزفون بجانبها".
وتابع: "كانت تتوسل لموظفة فلسطينية على الطرف الآخر من خط هاتف خلوي، وتبكي خوفا، ثم في لمح البصر، تمزقت لأشلاء بوابل طلقات الرشاشات الإسرائيلية"، مردفا: "استشهدت هند رجب قبل سنة، وكانت في السادسة من عمرها، والآن تسعى المؤسسة التي تحمل اسمها إلى تحقيق العدالة".
"ليس فقط من أجل هند، ولكن من أجل عدد لا يحصى من الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في انتهاك للقانون الدولي" بحسب التقرير نفسه.
ملاحقة الجنود كأفراد
أضاف الموقع أن المؤسسة لا تلاحق دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل تتبع نهجًا مختلفًا بملاحقة الجنود الإسرائيليين كأفراد. وحدّدت المؤسسة التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، في ملف قدمته إلى المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي، في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هويّة ألف جندي إسرائيلي تعتقد أنه يجب على المحكمة مقاضاتهم.
وأبرز التقرير: "استنادًا إلى 8000 دليل، بما في ذلك منشورات الجنود أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي من غزة المدمرة"، مشيرا إلى أنه: "من الممارسات التي تباهى بها المجنّدون والضباط الإسرائيليون على فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتيك توك وتلغرام وغيرها: القصف العشوائي".
"القتل المتعمد للمدنيين، بمن فيهم العاملون بالمجال الطبي والصحفيون والمدنيون الذين يلوحون بالرايات البيضاء؛ والتدمير الوحشي للمنازل والمستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد؛ والتجويع القسري والنهب" أبرز التقرير ما كان يتباهى به المجنّدون والضباط الإسرائيليون.
وأوضح محامي المؤسسة هارون رضا، أنّ: "مؤسسة هند رجب تراقب جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، بمساعدة شبكة من النشطاء والمحامين حول العالم"، مضيفا أنّ: "المؤسسة لديها شبكة كبيرة جدًا من المحققين في الداخل والخارج".
وتركز المؤسسة، وفق المحامي نفسه، على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للجنود الذين خدموا في غزة منذ بدء الحرب، قبل خمسة عشر شهرًا، ويقول هارون إنّ: "جميع هؤلاء الجنود لديهم حسابات على التواصل الاجتماعي، وكان العديد منهم يضعون صورًا جماعية ويُظهرون أماكنهم وممارساتهم خلال الحرب".
إلى ذلك، تقوم المؤسسة بتوثيق التواريخ والأوقات والمواقع في غزة، ثم تقارنها مع منشورات أخرى للجنود، سواء مقاطع الفيديو أو الصور.
توثيق الجرائم
ذكر الموقع أن القادة العسكريين الإسرائيليين أمروا الجنود بالتوقف عن التباهي بجرائمهم خوفًا من تعرضهم للاعتقال أو الملاحقة القضائية أثناء سفرهم إلى الخارج.
وقال هارون رضا إنّ: "قيادة الجيش لم تطلب من جنودها رسميًا التوقف عن ارتكاب جرائم الحرب، لكنهم طلبوا منهم التوقف عن نشر تلك الممارسات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أن القادة يعرفون ما يفعله الجنود ولا يشعرون بالخجل من ذلك، لكنهم لا يريدون أن يتورط الجنود في أي ملاحقات قضائية".
وأضاف رضا أنه: "من المثير للاهتمام أنهم بدأوا يحذفون كل المنشورات، لكنهم لا يعلمون أن الإنترنت له ذاكرة طويلة وأنه كان هناك ما يكفي من الوقت لتوثيق الجرائم"، مؤكدا أن "المؤسسة لديها قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات التي تم التحقق منها أكثر من مرة، وتلك البيانات تشكل أدلة لرفع قضايا ضد الجنود المتورطين".
واسترسل: "من بين ألف جندي وردت أسماؤهم في ملف مؤسسة هند رجب للمحكمة الجنائية الدولية، مجموعة من الضباط والقادة، بما في ذلك ثلاثة وثلاثون جنديًا يحملون الجنسية الإسرائيلية وجنسية أخرى، ومنهم أكثر من عشرة جنود من فرنسا والولايات المتحدة، وأربعة من كندا، وثلاثة من المملكة المتحدة، واثنان من هولندا".
إثر ذلك، أرسلت المؤسسة، قائمة بأسماء الجنود الإسرائيليين إلى عشر دول مختلفة يعتبرها الجنود الإسرائيليون وطنهم الأم، أو يتّجهون إليها بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، وهي دول تمارس الولاية القضائية العالمية على أخطر الجرائم الدولية.
وأوضح رضا أنّ: "المؤسسة تقوم بالتحقق من المناطق التي يسافر إليها الجنود المتورطون، ومن نمط الرحلات الجوية الأكثر شيوعًا، ثم رفع قضايا بحقهم"؛ موضحا أنه: "تم تقديم شكاوى في النمسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد وتايلاند والإكوادور".
واعتبر رضا أنه: "رغم فشل العديد من محاولات الاعتقال بعد أن تم إبلاغ الجنود بأنهم ملاحقون ونجحوا في الفرار، فإن نجاح عملية الاعتقال مسألة وقت فحسب".
وتستهدف المؤسسة أيضًا المتواطئين والمحرضين على جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة، ومن بين هؤلاء جمهور فريق "مكابي تل أبيب" لكرة القدم، الذين قاموا بأعمال شغب بأمستردام في الخريف الماضي، وحاخام ينتمي للواء جفعاتي الإسرائيلي، تفاخر بتدمير أحياء كاملة في غزة، وأيّد قصف المدنيين الفلسطينيين.
شعور زائف بالأمان
أضاف رضا بأن "الجنود الإسرائيليين أصبحوا مثل مجرمي الحرب النازيين الذين هربوا إلى باراغواي أو كندا أو أوروبا وكان لديهم شعور زائف بالأمان"، مؤكدا أن "المؤسسة تتعقبهم وتستطيع مقاضاتهم في حال الذهاب إلى أي دولة ذات اختصاص قضائي عالمي أو أي دولة توافق على ملاحقتهم قضائيًا".
ويعتقد هارون أن "المسؤول عن قتل هند رجب سيمثل أمام العدالة، لأن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم عندما تكون هناك ولاية قضائية عالمية، وهذا يعني أنه حتى لو تم اكتشاف المسؤولين عن الجريمة بعد عشرين سنة، سوف تتمكن المؤسسة من ملاحقتهم".
إلى ذلك، خلص التقرير بأنّ: "القائمون على المؤسسة بأنهم لن يرتاحوا حتى ينالوا من جميع مرتكبي جرائم الحرب في غزة، بمن فيهم المسؤولون عن مقتل هند رجب".