في تحول كبير في موقعها بأسواق الطاقة، تدرس مصر العودة إلى أسواق الغاز ليس للتصدير ولكن للاستيراد لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي بعد أزمة نقص الغاز العام الماضي وانقطاع التيار الكهربائي الذي أجبر ملايين المصريين على البقاء في الظلام لساعات طويلة وسط درجات حرارة مرتفعة تجاوزت 45 درجة مئوية.

كشف موقع  "Middle East Economic Survey- MEES" المتخصص في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن مصر تستعد لمواجهة نقص في الغاز الطبيعي مع استمرار انخفاض الإنتاج واقتراب الاستهلاك من الذروة، مشيرا إلى عزمها استيراد الوقود فائق التبريد مرة أخرى هذا الصيف لتجنب أزمة انقطاع التيار الكهربائي المؤلم.



كما كشفت وكالة "بلومبيرغ" أن مصر تدرس شراء الغاز الطبيعي المسال من الأسواق، بهدف تفادي حدوث نقص في الوقود خلال هذا الصيف، لكن الأزمة في البحر الأحمر تشكل تحدياً أمامها، في خطوة وصفتها بمثابة تحوّل كبير بالنسبة لمصر، التي توقفت إلى حد كبير عن استيراد الغاز الطبيعي المسال في عام 2018، عندما عزز حقل "ظُهر" الضخم الإنتاج المحلي، مما حوّل البلاد إلى مُصدّر للوقود.


بالتوازي مع هذه التوجه، اتفقت مصر على زيادة كميات الغاز الطبيعي الواردة من دولة الاحتلال الإسرائيلي بنحو 26 بالمئة لتصل إلى 1.450 مليار قدم مكعب يوميا خلال النصف الأول من العام المقبل 2025، بدلا من 1.15 مليار قدم مكعب يوميا الآن.

مصر تفقد 24 بالمئة من إنتاج الغاز
كانت مصر توقفت عن استيراد الغاز منذ عام 2018 بعد تحقيق اكتشافات كبيرة في البحر المتوسط وبدء إنتاج حقل ظهر العملاق للغاز لكنه أخذ يتناقص بمرور الوقت لأسباب فنية وتقنية بسبب زيادة الضغط على الحقل لزيادة الإنتاج والذي يشكل 40 بالمئة من الإنتاج الإجمالي.

وفي صفقة وصفت بالتاريخية عقدت مصر و"إسرائيل" اتفاقية تجاوزت 19 مليار دولار لتوريد 85 مليار متر مكعب من الغاز على مدار 15 عاما من أجل إعادة تسييله في أكبر محطتي تسييل في المنقطة على البحر المتوسط وهما دمياط وإدكو، ولكن مع زيادة الاستهلاك المحلي لجأت مصر إلى استخدام الغاز الإسرائيلي في السوق المحلي.

تراجع إنتاج مصر من الغاز من مستوى قياسي 7.2 مليارات قدم مكعب يوميا عام 2020 إلى نحو 5.5 مليار قدم مكعب بسبب تقادم الحقول والمشاكل الفنية في حقل ظهر، والتي كشف عنها خبراء لأول مرة في تقرير سابق لـ"عربي21"، بنسبة تراجع حوالي 24 بالمئة.

ما جعل مصر تحت ضغط نقص الغاز وزيادة الاستهلاك حيث تستهلك مصر نحو 5.9 مليار قدم مكعب يوميا ما يعني وجود عجز بنحو 400 مليون قدم مكعب يوميا أو ما يعادل 12 مليار قدم شهريا أو ما يعادل نحو 145 مليار قدم مكعب سنويا.

وكانت واردات الغاز الإسرائيلي إلى مصر هبطت إلى صفر بعد وقف عمليات إنتاج الغاز من حقل تمار، عقب اندلاع الحرب في غزة، ولكنها تجاوزت حاليا مستويات ما قبل الحرب، حيث ارتفعت خلال كانون الثاني/ يناير 15 بالمئة على أساس شهري لتسجل نحو 1.15 مليار قدم مكعب يوميا.

ربط الغاز الإسرائيلي بقدرات مصر على التصدير
بمرور الوقت أصبحت مصر تعتمد على الغاز الإسرائيلي بشكل كبير لسببين؛ أولهما استخدام الغاز في إعادة تصديره إلى أوروبا وآسيا بعد تسييله في محطتي إدكو ودمياط بطاقة إنتاجية 2.1 مليار قدم مكعب يوميا، وتوفير عملة صعبة، وثانيهما، استخدام الغاز الإسرائيلي في السوق المحلي لتعويض النقص في الإنتاج الطارئ.

ورغم امتلاك مصر أكبر محطات توليد الكهرباء على مستوى المنطقة والعالم بتكلفة 6 مليارات يورو وقدرتها على توليد فائض كبير في الكهرباء مكنها من تصديره في وقت ما، إلا أن المحطات لم تجد الوقود الكافي من الغاز أو المازوت لتشغيلها لسببين الأول؛ نقص الغاز، ونقص الدولار لشراء المازوت، وأطبق الظلام على مصر لساعات طويلة العام الماضي وسط غضب شعبي كبير.

يشكل هذا التراجع في الإنتاج بحسب خبراء ومتخصصين تحدثوا لـ"عربي21" ضربة لجهود مصر وخططها الطموحة للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتصدير الغاز المسال، وتتراوح تدفقات الغاز الطبيعي الإسرائيلي الواردة إلى محطتي الإسالة في مصر (إدكو ودمياط) بين 1.05 و 1.1 مليار قدم مكعبة يوميًا ومنهما تُضخ كميات إلى السوق المصرية وكميات إلى الخارج آسيا وأوروبا.

وتراجعت صادرات مصر من الغاز عام 2023  بنسبة 350 بالمئة إلى 2.5 مليار دولار، مقارنة بصادرات من الغاز الطبيعي المسال بلغت حوالي 8.4 مليار دولار عام 2022، وأصبح معظم الغاز المحلي يوجه للسوق المحلي؛ 57 بالمئة لقطاع الكهرباء، و25 بالمئة لقطاع الصناعة، و10 بالمئة لقطاع البترول ومشتقات الغاز، و6 بالمئة لقطاع المنازل، و2 بالمئة لتموين السيارات، وفقا لوزارة البترول المصرية.

ماذا وراء تراجع إنتاج الغاز
أرجع رئيس مجلس إدارة شركة "بيت" الأمريكية للطاقة البروفيسور عبد الحكيم حسبو، رغبة مصر في استيراد الغاز مجددا إلى "تراجع إنتاج الحقول من الغاز بسبب ما قلناه سابقا وهو زيادة الضغط على حقل ظهر من أجل زيادة الإنتاج، ما أدى إلى حدوث عيوب فنية حالت دون زيادة الكميات بل تراجعت من مستوى 2.7 مليار قدم مكعب يوميا إلى أقل من 2 مليار قدم".

لم يكن هذا السبب الوحيد بحسب تصريحات حسبو لـ"عربي21"، فـ"هناك أسباب تتعلق بتراجع الاستثمار والاكتشافات التعويضية في مجال التنقيب عن الغاز بسبب تراكم مديونيات الشركاء الأجانب لدى الحكومة المصرية أو وزارة البترول، وبالتالي تراجع الإنتاج من ذروته البالغة أكثر من 7 مليار قدم مكعب يوميا إلى نحو 5.5 مليار قدم مكعب".

ورأى أن "العودة إلى زيادة الإنتاج يحتاج إلى ضخ مليارات الدولارات وبعض الوقت من أجل دخول الحقول والآبار الجديدة على خط الإنتاج، وبالتالي إما أن تواصل مصر سياسة تخفيف الأحمال وقطع الكهرباء في الصيف المقبل، أو تزيد الكميات الواردة من "إسرائيل" لاستخدامها في السوق المحلي، وعدم قدرة مصر الحفاظ على الإنتاج أو زيادته يضعف بلا شك جهودها الطامحة في التحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة بالمنطقة".


"هل يصبح الغاز المستورد والإسرائيلي بديلا"؟
رغم تراجع الإنتاج 25 بالمئة وزيادة الاستيراد 25 بالمئة من الغاز الإسرائيلي، يعتقد خبير الطاقة رمضان أبو العلا أن مصر "لا تزال موجودة على ساحة الدول المنتجة والمصدرة للغاز، والحكومة تدرك جيدا أنها بحاجة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في مجالات الاستكشاف والتنقيب من أجل تعويض الفاقد وزيادة الطلب المحلي على الغاز".

وأعرب عن اعتقاده في حديثه لـ"عربي21" أن "استيراد وتصدير الغاز هو جزء من خطط الحكومة المصرية في التحول إلى مركز إقليمي لتجارة الطاقة الجديدة والمتجددة، بما فيها الغاز والهيدروجين والطاقة الشمسية والتي سوف يوفر زيادة الإنتاج كميات مقابلة من الغاز".

واعتبر الخبير في مجال الطاقة أن "تنويع مصادر استيراد الطاقة سواء بغرض التجارة أو الاستخدام في السوق المحلي هو سياسة تحكمها ضوابط الاستفادة من الموقع الاستراتيجي، ومن محطتي الإسالة في دمياط وإدكو، وأي زيادة في الإنتاج مرهونة بأمرين هما زيادة الاحتياطي الاستراتيجي وكذلك زيادة الإنتاج اليومي"، مشيرا إلى أن "واردات مصر من الغاز الإسرائيلي ارتفعت بسبب زيادة الطلب المحلي ومن ثم لإعادة تصديره إلى الخارج".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصر الغاز الاحتلال الكهرباء مصر الاحتلال كهرباء غاز المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیار قدم مکعب یومیا الغاز الإسرائیلی فی السوق المحلی استیراد الغاز الغاز الطبیعی زیادة الإنتاج بالمئة لقطاع من الغاز من أجل

إقرأ أيضاً:

بن قدارة: لابد من تنفيذ خطة زيادة إنتاج النفط قبل نهاية العام

أكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، أهمية تكثيف الجهود لتنفيذ خطة زيادة الإنتاج قبل نهاية العام الجاري، تنفيذًا لتوجيهات اجتماعات الجمعية العمومية العام الماضي.

وشدّد بن قدارة، على ضرورة تعويض الاحتياطي المنتج من خلال النشاط الاستكشافي والمسح السيزمي.
جاء ذلك خلال اجتماع عقده اليوم الأربعاء بمقر المؤسسة في طرابلس، بحضور أعضاء مجلس الإدارة، ورؤساء لجان الشركات المنتجة، والمدراء العامين، ومدراء الإدارات المعنية بالإنتاج.
ووجّه بن قدارة بضرورة رفع كفاءة إدارة مكامن النفط والغاز، مع المحافظة على ضغط المكامن ومتابعتها بشكل دوري. كما دعا إلى تعزيز معايير السلامة، وحماية البيئة، والصحة المهنية للعاملين.
وتمسك بن قدارة، بأهمية منح العاملين في كافة المواقع، ولا سيما في الحقول، أولوية قصوى. وأوصى بتكثيف برامج التدريب ونقل الخبرات لخلق جيل جديد من الكفاءات الوطنية.
من جانبهم، قدم رؤساء لجان الشركات المنتجة تقريرًا مفصلًا حول سير العمل في الحقول والموانئ النفطية، شمل معدلات الإنتاج التصاعدية ونسب الزيادة اليومية في إنتاج النفط الخام والمكثفات. كما استعرضوا أبرز التحديات التي تواجههم وسبل التغلب عليها، مؤكدين أن وتيرة الإنتاج تتماشى مع الخطة المقررة للوصول إلى الهدف المنشود قبل نهاية العام الجاري، بفضل جهود العاملين في مواقع الإنتاج.
وأشاد الدكتور بن قدارة بالمجهودات الكبيرة التي تبذلها الشركات المنتجة، وحرصها على تحقيق الأهداف ضمن الجدول الزمني المحدد.
وأكد المدراء العامون ومدراء الإدارات دعمهم الكامل للشركات المنتجة من مواقع مسؤولياتهم المختلفة، بهدف تذليل الصعوبات وتيسير العمل لبلوغ أعلى معدلات الإنتاج.

الوسومبن قدارة تنفيذ خطة زيادة إنتاج النفط نهاية العام

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
  • خبراء: الفرص الاستثمارية الجديدة بقطاع البترول تسهم في دفع عجلة التنمية وتحقيق مكاسب للاقتصاد
  • بن قدارة: لابد من تنفيذ خطة زيادة إنتاج النفط قبل نهاية العام
  • الأردن: تقديرات بوجود 4.6 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بحقل “الريشة” قابلة للاستخراج
  • تطوير مزرعة "التيوليب" بنويبع لتحقيق الاكتفاء الذاتي
  • التقدير المتوسط للغاز في حقل الريشة 11.99 ترليون قدم مكعب
  • رئيس حزب مصر 2000: جهود كبيرة تُبذل لتعزيز التصنيع المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي
  • “الابتكار الزراعي للمناخ” تعلن زيادة حجم الاستثمارات إلى 29,2 مليار دولار والشركاء إلى أكثر من 800 وتحقيق 129 قفزة ابتكارية
  • البترول: زيادة الإنتاج لـ200 مليون قدم مكعب غاز من يوليو إلى أكتوبر
  • "بدوي": استراتيجية "البترول" أضافت 200 مليون قدم مكعب غاز و39 ألف برميل خام يوميًا