أردني ينهي حياة زوجته على مائدة الإفطار
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
خاص
أقدم شاب أردني على إنهاء حياة زوجته على مائدة الإفطار في رمضان، بعدما قذفها بطنجرة الطبيخ على وجهها.
ووفقا لما ذكرته وسائل إعلام محلية، فإن الشاب كان ينتظر الطعام على الإفطار بعد رفع أذان المغرب، ولكن لم تكن زوجته قد انتهت من وضع الطعام على المائدة، فصرخ في وجهها مطالبا وضع الطعام، إلا أنها لم تنتهي، فقام بقذفها بطنجرة الطبيخ.
وأصيبت الزوجة بجروح خطيرة وكسور في الجمجمة، لتلفظ أنفاسها الأخيرة بعد ساعات من وصولها إلى المستشفى.
كما ألقت الجهات الأمنية القبض على الزوج بعد الواقعة، وتم إيقافه على ذمة التحقيق.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الأردن زوج وفاة زوجة
إقرأ أيضاً:
ما زال حاضرا بعد 35 عاما من الغياب.. غالب هلسا مثقف أردني بهوية عربية مركّبة
غالب هلسا (1932-1989) أديب أردني، ورمز من رموز الثقافة العربية في عهدها الذهبي في القرن العشرين، عاش حياته فكرا وممارسة من أجل حرية الثقافة واستقلال المثقّف دون أن يخشى العواقب، وانتزعت أعماله الأدبية والنقدية والفكرية مكانة متميزة بسبب قوة بصيرتها واختلافها فكرا وفنا عن غيرها من الكتابات. عاش وارتحل مجبرا بين عدة عواصم عربية كالقاهرة وبغداد وبيروت.
ناقشت كتاباته مشكلات فكرية مهمة مثل قضايا: التقدم والتغيير والحرية والكرامة والعدالة والثورة، والعلاقة بين التراث والمعاصرة، وسائر القيم والمشكلات التي تطلعت إليها القوى الوطنية والتحررية في العصر العربي الحديث. وامتاز بجرأته في طروحاته، لهذا لقب بالمثقف المنظّر أو المحارب، إذ غاص بروايته "الضحك" في أزمة المثقفين.
وحتى اليوم، يُعد هلسا من أهم الذين كتبوا الرواية الحديثة، وقد كره الروايات الأيديولوجية والأفكار الجاهزة، حتى أضحى مطرودا ومغتربا وملاحقا من الأجهزة الأمنية، وفوق كل هذا عاش متقشفا مستدعيا الموت قبل أن يأتيه. وفي عام 1989، عاد إلى وطنه ولكن داخل كفن، وما زال يحظى بتكريم زملائه في المشهد الثقافي منذ ذلك الحين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأديب الغزي محمود عساف يوثق أهوال الحرب في "كم موتًا يريدنا"list 2 of 2نجيب محفوظ وفن الكوميكس.. هل يفتح الفن التاسع آفاقا جديدة للأدب العربي؟end of list هلسا.. هبة الأردن للثقافة الإنسانيةعندما نعيد قراءة مسار حياة هلسا وإبداعه ونتذكر انطلاقه من قرية جبلية صغيرة تدعى "ماعين" غرب مدينة مادبا، تطل على البحر الميت وعلى آفاق فلسطين، وقد ولد فيها يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 1932، ثم امتدت رحلته الشقية في الأماكن والأزمنة والجماعات والحركات المتشعبة، وعندما نتأمل تأثيره ودوره وثقافته النوعية الجدلية في حله وترحاله، يخطر في البال أنه أقرب لأن يكون هبة الأردن للثقافة العربية والإنسانية، هبة قدرية لم يخطط لها أحد، ولكنها تركت أثرا فاعلا مستمرا حتى اليوم.
إعلانمنذ طفولته أسرع الخطى سابقا رفاقه ومُجايليه، لينضم دائما إلى من هم أكبر سنا منه، دخل المدرسة صغيرا، وترفع إلى صفوف أعلى بسرعة، وأنهى تعليمه المدرسي عام 1949، وله من العمر 17 سنة، ويبدو أنه تعرف إلى طريق الأحزاب وهو طالب في المدرسة، فكان نصيرا للحزب الشيوعي.
وعندما انتقل إلى لبنان بقصد إتمام دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت انتمى إلى الحزب الشيوعي اللبناني، وقبض عليه وتم ترحيله إلى الأردن، وظلت حياته محكومة بالاعتقال والترحيل والسجن في مختلف البلدان، توجه إلى العراق ولم يوفق بسبب صلته بالحزب الشيوعي العراقي أوائل الخمسينيات، فعاد إلى الأردن، وطورد أيضا.
فانتقل إلى مصر عام 1954، فكانت محطة طويلة مهمة في حياته استمرت نحو 22 عاما، شهدت تطور شخصيته الأدبية والنقدية، كما شهدت تعرضه لما تعرض له المثقفون المصريون من سجن واعتقال، حتى طرد منها في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1976، إلى بغداد مجددا، فقضى فيها نحو 3 سنوات، قبل أن ينتقل إلى بيروت، ويشهد فيها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، والمواجهة المباشرة مع الاحتلال، ويخرج مع المقاتلين الفلسطينيين في السفن التي نقلتهم خارج لبنان، مؤذنة بنهاية عهد الثورة الفلسطينية وانكسارها. استقر بعد ترحال في العاصمة السورية دمشق حتى وفاته في يوم مولده نفسه (18/12/1989).
غالب هلسا أتم دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت ثم انتمى إلى الحزب الشيوعي اللبناني، وقبض عليه وتم ترحيله إلى الأردن (الجزيرة الوثائقية)
إنها رحلة شقية وشاقة، اختلطت فيها الكتابة بحركة الواقع العربي، وبفساد علاقة الثقافة مع السياسة، على مستوى أنظمة الحكم ومستوى التنظيمات والأحزاب. ولكنها رغم كل ما فيها من نزعات؛ تنبئ عن هذه الشخصية المختلفة لمثقف عربي أراد دمج الفكر بالواقع، حتى إنه كان يتطوع للمشاركة في القتال ويذهب إلى الصفوف الأمامية ولا يؤمن بالكتابة عن المعركة من بعيد. ولكن الواقع أصعب بكثير وأشد عتمة بكثير مما يحلم مثقف صادق ومبدئي مثل غالب هلسا.
إعلانلقد عاش غالب معظم سني حياته في صورة مغترب ومنفيّ، يحاول أن ينتمي أو يندمج أو يمدّ ما يشبه الجذور لينعم بشيء من الاستقرار، ولكن أقدار حياته حملته إلى أن يعيش في بلدان متعددة، بدءا من موطن ميلاده وطفولته في الأردن، مرورا ببغداد وبيروت والقاهرة ودمشق، بشكل أساسي.
التركة الأدبية والفكريةتتمثل تركة غالب هلسا الثمينة في أعماله الأدبية والنقدية والفكرية التي ما تزال موردا ثقافيا مهمًّا من موارد ثقافتنا العربية المعاصرة، وهي أعمال تتميز بروحها النقدية الجدلية، بما فيها أعماله الروائية. وهذا الضرب من الإنتاج الأدبي له أهمية خاصة، لأنه يعلمك أن تفكر وأن لا تتقبل الأفكار بسهولة ويسر إلا بعد نقاش.
ولغالب 7 روايات معروفة تقع في الطبقة الأولى من أعمال جيله، وما تزال تحتفظ بقوتها ومنطقها الإبداعي، حتى بعد مرور عقود طويلة على كتابتها ونشرها، وفي هذا البقاء والصمود ما يشهد على فرادتها وحياتها المتجددة، فقد بدأ الكتابة في سن مبكرة، تقريبا في الرابعة عشرة من عمره، منتجًا 7 روايات هي بتسلسل ترتيبها التاريخي: "الضحك"، "الخماسين"، "السؤال"، "البكاء على الأطلال"، "ثلاثة وجوه لبغداد"، "سلطانة"، "الروائيون".
وله مجموعتان قصصيتان سبقتا تجربته الروائية هما: "وديع والقديسة ميلادة وآخرون"، و"زنوج وبدو وفلاحون". وله عدة أعمال نقدية تمثل ممارساته النقدية التي لا تنفصل عن إبداعه، وقد ظهرت في كتب في حياته وبعد رحيله، مثل: "الهاربون من الحرية" و"اختيار النهاية الحزينة.. يوميات الصراع الطبقي في الساحة الفلسطينية في عقد الثمانينيات"، فضلا عن إسهامات نوعية في الفكر والفلسفة والترجمة والكتابات السياسية.
هوية مركبة منفتحةوقد تعددت عناصر هويته الإنسانية والثقافية واغتنت بكثير من آثار تجواله واغترابه الطويل في بلدان متعددة، ولعل "أردنيته" التي انتمى إليها بحكم الميلاد والنشأة والأسرة تقع في قلب هوياته المتعددة المتحولة، وقد ظلت تتراءى له في مراحل حياته المختلفة، تظهر في شخصياته وخيوط ثقافتها وتكوينها، وفي شخصية بطل متكرر عنده لا يبعد عن شخصية غالب نفسه.
وتجلت هذه الهوية في مجموعتيه القصصيتين بما فيهما من قصص استوحت البيئة الأردنية وقضاياها الاجتماعية والسياسية في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، ووجدت تجليها الأوسع والأعمق في رواية "سلطانة" التي يمكن النظر إليها بصفتها رواية أردنية محكمة تُمثل شخصية مؤلفها والهُوية التي حملها طوال حياته.
والطبقة الثانية في تكوينه تتمثل في الهوية المصرية، فقد وصل مصر شابا طموحا متطلعا منتصف خمسينيات القرن العشرين وعاش فيها نحو 22 سنة متصلة، واستكمل فيها تكوينه مع مُجايليه من أدباء الخمسينيات والستينيات المصريين، وعومل في معظم الأحيان بوصفه مثقفا وكاتبا مصريا.
إعلانعرف تفاصيل الثقافة المصرية وأتقن لهجتها وكتب رواياته بمشاركة شخصيات مصرية تتكلم في حواراتها باللهجة المصرية التي تحمل معها ثقافتها وأصداء مجتمعها وطبقاتها المركبة. وتحظى مرحلة إقامته المصرية (1954-1976) بميزة خاصة، ذلك أنها رافقت شبابه المبكر واستعداده للنضج، فضلا عن اتصاله بأدباء الخمسينيات والستينيات من أبناء جيله.
وما زال النقاد والأدباء المصريون يسجلون مواقف وصفحات مضيئة من حضوره الثقافي المتميز حتى ترحيله عنوة من مصر عام 1976 في أعقاب ندوة معارضة لكامب ديفيد شارك فيها هلسا. فهذه المرحلة هي مرحلة تكونه ونضجه ومرحلة الإنتاج الأوسع من كتاباته. تظهر مصريته في معظم رواياته وكتاباته، كما تظهر في نظرة المثقفين المصريين لغالب هلسا وتقديرهم له بوصفه جزءا أصيلا من الكتابة المصرية لجيل الستينيات بصفة أكثر خصوصية.
أما الطبقة الثالثة المهمة فهي هويته الفلسطينية التي تداخلت مع تكوينه في الأردن ومصر ولبنان وسوريا والعراق، ومن أماراتها اقترابه من التنظيمات والحركات الفلسطينية في مرحلته المصرية، فكان عضوا في اتحاد الكتاب الفلسطينيين، وقد أدار ندوة الاتحاد عن المشروع الأميركي في المنطقة عام 1976 وانتهت تلك الندوة بإبعاده وطرده من مصر.
ويمكن أن نلتمس المكون الفلسطيني عنده في عدة مؤشرات تتداخل لتكوين الصورة الكاملة للهوية الفلسطينية عند غالب، وانشغاله بفلسطين وتجلياتها الأدبية والثقافية والفكرية. من هذه المؤشرات: اهتمام غالب بقراءة نماذج مهمة من الأدب الفلسطيني، ونقدها وتحليلها، من مثل كتاباته البارزة عن أعمال كتاب ومثقفين معروفين من مثل: جبرا إبراهيم جبرا، وإميل حبيبي، وماجد أبو شرار، وغسان كنفاني، وإميل توما.
وتبدو قراءة هلسا لنتاجات هؤلاء الفلسطينيين قراءة داخلية تقوم على الكفاءة الفكرية والجمالية، وعلى إحساس عميق بالقضية الفلسطينية وتجلياتها الأدبية والفكرية. ومنها اهتمامه بالأدب الصهيوني، متبعا خُطا غسان كنفاني الذي كان من أوائل المثقفين الذين دعوا إلى قراءة هذا الأدب بوصفه أدبا نقيضا يساعدنا على فهم العدو، خصوصا في المجال الأدبي والثقافي، لتكون المواجهة مبنية على المعرفة المباشرة لا على الصورة المتخيلة.
إعلانيضاف إلى هذا أن غالب هلسا قضى العقد الأخير من حياته منتميا إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، بانتماء حقيقي مُندغم بالهموم الفلسطينية، وطرفا في جدلها، في بيروت وفي دمشق، وخرج مع الفلسطينيين من بيروت عام 1982 حتى استقر به المقام في دمشق، وواصل كتاباته وعلاقاته مع التنظيمات الفلسطينية التي استقرت في دمشق، وكتب في مطبوعاتها وشارك في نقاشاتها حتى رحيله.
غالب هلسا اهتم في كتاباته بجماليات المكان إبداعا ونقدا وترجمة، حتى غدا فرعا رئيسيا من فروع الدراسة النقدية المعاصرة (الجزيرة الوثائقية) ميزات الإبداع الروائيتميز إبداعه الروائي والقصصي بانتماء أصيل إلى اتجاه الكتابة الواقعية الجديدة، المنفتحة، البعيدة عن انغلاق الكتابة المؤدلجة. وبالرغم من أنه مثقف ماركسي كما أعلن نفسه مرارا، فإن القارئ لن يجد أمارات ماركسية أو اشتراكية مباشرة في أدبه، وإنما يجد تطلعه إلى كتابة أدب تقدمي عالمي لا تظهر فيه الأيديولوجيا وشعاراتها الفجة.
ومن الجلي أنه لم يكتف باتجاه واحد في الكتابة، بل ظل يتطور ويتثقف بالجديد ويفيد من تجاربه طوال حياته، بعيدا عن الجمود الذي أصاب بعض مُجايليه، ومن هنا نقرأ حضور تقنيات وأساليب كثيرة في أعماله من مثل: الإفادة من أدب همنغواي في طبيعته الجافة التي تكسر الحس الرومانسي باعتماد لغة الحواس، وبمبدأ جبل الجليد العائم الذي يقتضي الكثافة والإيحاء والبعد عن التفاصيل المضجرة، وكذلك الاعتماد على طاقات الحلم والكابوس وإيقاظ عالم اللاوعي وصولا إلى الاتصال بالتكوين النفسي وتعقيده كما تطرحه مدارس علم النفس خصوصا عند كارل يونغ وإريك فروم، إلى جانب لمحات من الميتاسرد الذي تصادى مع روحه النقدية التي لا تفارقه.
وكان من الكتاب المبكرين في دمج لمحات السيرة الذاتية بالرواية، فليس من المستغرب أن تحمل شخصيته الرئيسية اسم "غالب" في "الخماسين" و"ثلاثة وجوه لبغداد"، أو أن نجد تشابها بين شخصية المؤلف والبطل الروائي كما في بقية الروايات. إنه يدخل الذات إلى عالم التخييل مؤملا أن يبلغ أقاصيها الغائرة، كأن الكتابة استبصار باتجاه الداخل والخارج معا.
إعلانواتسعت رواياته لنقد السلطة بأبعادها السياسية والاجتماعية والدينية، وأرزت صراع المثقف واختلافه مع السلطة، وصورت مشاهد طويلة للسجن السياسي في بيئات عربية متعددة، لتكون شاهدا على القمع وما ينشأ عنه من آثار في ظل الخوف والقمع والاستبداد.
كما اهتمت كتاباته بجماليات المكان إبداعا ونقدا وترجمة، حتى غدا فرعا رئيسيا من فروع الدراسة النقدية المعاصرة، وانتقل من المجال الثقافي إلى المجال الجامعي فتناسلت الدراسات حتى أصابها التنميط في صورة اضمحلال مبكر لمجال حيوي من مجالات الاهتمام الأدبي.
أدباء علموني.. أدباء عرفتهمهذا الكتاب نشر غالب فصولا منه في الصحف السورية، وجمعه أصدقاؤه بعد وفاته، مع إضافة مقالات نشرها في مناسبات أخرى تنسجم مع مادة الكتاب. وأهميته تتركز في دلالته على أعلام وكتاب من ثقافات مختلفة، أجانب وعربا، تفاعل غالب مع تجاربهم وإنتاجهم، وقدم لهم تراجم أدبية نادرة، يتداخل فيها السيري مع النقدي، وتتداخل آثارهم وأفكارهم مع أفكار هلسا قارئا وناقدا ومثقفا. كما تكشف عن أعمال أساسية أسهمت في تكوينه، وتبين الطريقة التي تفاعل بها مع تلك الآثار بنوع من القراءة الخاصة التي قد لا تتشابه مع قراءات أخرى لتلك الأعمال.
تشمل هذه القراءات: الزير سالم، روبرت لوي ستيفنسن، همنغواي، جون دوس باسوس، فوكنر، عبد الله بن المقفع، وهي الحلقات التي نشرها هلسا تحت عنوان "أدباء علموني.. أدباء عرفتهم"، وأضيف إليها: بين حسين فوزي وطه حسين، إميل توما، أحمد فؤاد نجم، عبد الرحمن الأبنودي، يحيى الطاهر عبد الله، تيسير سبول.
هذا الكتاب في تقديري مدخل مهم من مداخل قراءة غالب هلسا، والتفاهم معه في عالم المركب المتداخل. قراءته بانتباه تعني أنك تستطيع أن تتابع قراءة بقية أعماله وكتاباته المتشعبة. من هؤلاء الأعلام من تعلم منهم غالب تقنيات وطرائق غدت بالممارسة ذات لون يخصه هو، ففي السرد نعدّ أسلوب همنغواي مدخلا مهما من مداخل هلسا في رواياته بصفة خاصة.
إعلان النقاشات الفكرية والحوارات السياسيةماركسية "غالب هلسا" ماركسية مثقف حر وليس تابعا لحزب لا يحيد عن قراراته وبياناته، إنه يراها علما كما ذكر مرة في جدله مع إميل حبيبي، وليست حزبا، وهو ينتقد الأحزاب الشيوعية العربية التي خبرها وعرفها عن قرب، في عدة بلدان عربية.
"إنها لم تستطع أن تقدم برنامجا متكاملا يصح أن نسميه بديلا لأنظمة القطاع العام العربية، وأنها لم تطرح مسألة السلطة رغم أن لينين اعتبرها المسألة الجوهرية لأي حزب شيوعي، وأن معظمها لا يزال عمليا يتبع فكرة الطريق الرأسمالي للاشتراكية أو الطريق الثالث، وهي بهذا تصادر دورها وتصادر على دور الفكر الثوري في التغيير الاجتماعي. إنها تقف سلبية أمام حتمية التاريخ".
(فصول في النقد، ص24)
الحوار والجدل والمناقشات الفكرية والسياسية مما تمثله روايات هلسا، يلتقي أبطاله في المقاهي والندوات والسجون ومواقف الحياة وأماكنها ويتجادلون ويتناقشون. موقف الجدل والنقاش الفكري لا يغيب عن رواياته، ويمثل بقعا حية فيها، لأنه يعكس أمورا كثيرة تجعلها متعالقة مع الحياة الثقافية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، وأحداثها واتجاهاتها الفكرية والسياسية.
لا يُعرف المثقف الجدلي والنقدي بنقد الآخرين وإنما بنقد الذات، ونقد المذهب الذي ينتمي إليه، نقدا قويا من الداخل يمنع من الانحراف والممارسات والأفكار الخاطئة. إنه أدل ما يلتصق بالمثقف المستقل مهما يكن مذهبه، حالة عليا من النقد لا يبلغها إلا قلة من الناس، فالأكثرية يدافعون عن اتجاهاتهم صائبة أم خائبة.
إنه كما وصفه محمد دكروب:
"روائي وقاص أساسا، ومجادل قاسي اللهجة غالبا، ومشارك في الحياة السياسية النضالية في كل بلد حل فيه، وماركسي على طريقته المتحررة".
(عالم غالب هلسا، ندوة شومان 1993)
رغم انتماء هلسا إلى الفكر الماركسي على امتداد حياته، فإنه ظل متعدد الثقافات، واسع الأفق بعيدا عن الدغمائية الفكرية، بل إنه نقد الماركسية والماركسيين ربما بأقسى ما انتقد غيرهم.. يميز بين الأيديولوجيا ومتطلبات علم الجمال تمييزا فريدا نادرا.
تتميز تجربته بضرب نادر من الإخلاص للكتابة، ذلك أن غالب لم يكن يكتب كفنان أو أديب فقط، بل يبدو أنه كان ينظر إلى الكتابة بوصفها ضربا بديلا من الحياة، بل لا نستبعد أن حياته الواقعية هي التي تبادلت التفاعل مع كتابته، خصوصا مع الإطلالة على صحبته المبكرة للكتب والقراءة بالعربية والإنجليزية، ومحاولته أن يكتب بأسلوب عالمي يتجاوز حدود الجغرافيا التي وجد نفسه حبيسا في حدودها.
إعلان الواقعية الاشتراكية الجديدةوعي "غالب هلسا" بشكل مركزي وعيٌ واقعي، ولكنه حيوي وديناميكي وليس ثابتا أو جامدا، يظهر ذلك في نقده الشديد للواقعية الاشتراكية بصورتها الشعاراتية الزائفة، والمطالبة قولا وفعلا بتطويرها وعدم تغليب الشعار السياسي عليها. نقد غالب للواقعية يمكن اعتباره نقدا تصحيحيا وليس نقدا لإزاحتها لصالح تيار آخر.
وفي رأي غالب:
"تيار الواقعية الاشتراكية الجديد هو الذي يمكن وصفه بأنه أكثر حيوية من غيره"
(ص152)
أثر همنغوايندرك الأثر البارز لهمنغواي على غالب وجيله من الأدباء المصريين بما صوره في إحدى مقالاته عن أزمة ذلك الجيل في مواجهة الرومانسية التقليدية والرومانسية الثورية المرتبطة بالواقعية الاشتراكية، وهي الاتجاه الأقرب إليهم بالنظر إلى أن أكثرهم كانوا ماركسيين، ولكنهم لم يجدوا في شعارات الواقعية الاشتراكية ما يلائم تمام الملاءمة مطالبهم الجمالية، خصوصا بصيغتها العربية التي مالت إلى الشعارات وإلى غلبة الفجاجة السياسية على العمق الفكري والاجتماعي.
يصف غالب هذه الأزمة عند شباب الخمسينيات والستينيات، ويصف وصولهم إلى أدب همنغواي الذي وافق أزمتهم ووجدوا فيه بعض حلولهم، واكتشفوا كما يقول:
"أن المواجهة الجسدية مع العالم، قانون الجندي في المعركة، هي القيمة الأساسية في أدب همنغواي"
(هلسا، دراسات نقدية، ص27)
وأفادهم ذلك في عدة أمور منها: الإفادة من أسلوب همنغواي الجاف وصوره الواقعية الخالية من كل خطابية وعاطفية، وقدم هذا الأسلوب حلا للطلاق مع الرومانسية بصورها المختلفة بما فيها الرومانسية الثورية التي وسمت أدب الواقعية الاشتراكية.
وأسهم هذا الأسلوب في اتجاه الكتابة إلى ضرب من بلاغة الحواس، والإحساس بالجسد "حتى نكون مقنعين لا بد للحواس من أن تستعيد وظيفتها" كما يقول هلسا، وكذلك الاهتمام بـ:
"الرؤية البصرية للعالم ورصد الحركات والمعالم الخارجية للإنسان والجمل القصيرة، حتى أصبح العالم يبدو وكأنه مجرد مساحات وخطوط يتحرك الإنسان في داخلها كجزء يبدو متميزا"
(ص147،دراسات نقدية)
وربما يعطينا هذا تفسيرا لوظيفة الكتابة الحسية التي تباشر الواقع والإنسان دون فواصل أو حواجز بفظاظة وقوة، كما في أدب هلسا وبعض مٌجايليه مثل: يحيى الطاهر عبد الله، وإبراهيم أصلان، وسليمان فياض وغيرهم.
إعلان طاقة الحلم وبوابة اللاوعييقر غالب هلسا بأن الحلم مدخل أساسي من مداخل أدبه وتفكيره الأساسية، يقول في أحد الحوارات:
"الملح الأخير؟؟ (للتأكد من الكلمة: الملمح أو الحلم أو الملح كتعبير مجازي؟؟) عندي هو أسلوب بناء ومنطق الأحلام، إنه أيضا يتخلل أعمالي كلها، ولا بد في هذا المجال من ذكر تكنيك الحلم عند كافكا علي"
(المغترب الأبدي يتحدث، ص18، حوار نجمان ياسين)
وفي حواره مع يوسف ضمرة يقول أيضا:
"أصبحت عندي تجربة الحلم أحد المرتكزات الأساسية لتجربتي، ومن النادر أن أكتب قصة أو رواية لا تدخل فيها تقنية الحلم، أو حضور الحلم نفسه، ولهذه المسألة أبعاد تتصل بمفهوم الكتابة عندي"
(المغترب الأبدي يتحدث، ص97، حوار مع يوسف ضمرة)
وفي أعماله الروائية والقصصية مادة واسعة لآليات توظيف الحلم والإطلالة على مدارات الرعب في النفس الإنسانية، إنه يقيم عالما موازيا للواقع عبر الحلم، ويستعمل آليات الحلم الكافكاوية بما فيها من رعب ومن تمزيق خشن للواقع المؤرق للروائي ولشخصياته.
وعبر ذلك يعيد بناء ماضيه وحاضره، وينظمه بما يليق بفهمه واستيعابه، كما قد يدفعه ما يسمح به الحلم من استبصار إلى تجاوزه والامتناع عن الاندماج فيه، وهو الموقف الذي طالما اتخذه بطله الأساسي في مواقفه من المرأة والمجتمع والعالم الخارجي بشكل أشمل.
السلطة وتجلياتها
عبّرت روايات هلسا عن جانب مهم من صراع المثقف مع السلطة، بتجلياتها الاجتماعية والسياسية والدينية، ومن ضمن ذلك صور تجربة السجن والزج بالمثقفين المعارضين في السجون، مع التركيز على اليسار العربي الذي انتمى إليه غالب واتصل به في معظم مراحل حياته، ومع ذلك فإنه لم يكن أديبا حزبيا أو ماركسيا مؤدلجا، وإنما أقرب إلى مثقف مستقل لا يدين للحزب ولا لسلطته الأيديولوجية، مثلما يواجه السلطات الحاكمة ويقول كلمته الجريئة دون تحسب للنتائج. وقد تعرّض هلسا لتجربة السجن والمطاردة في معظم البلدان التي أقام فيها، وصوّر جانبا من هذه التجربة في رواياته.
ولكن السلطة لا تقتصر عنده على السلطات السياسية أو الحاكمة، فهو يرى أن:
"السلطة في كتاباتي تتخذ طابعا غاشما، متعسفا، وقدريا، وعندي تتخذ أية علاقة تفتقد للمنطق والإنسانية طابع السلطة، وتتلبس ملامحها"
(المغترب الأبدي يتحدث، ص17، حوار نجمان ياسين)
أي أن السلطة مجموعة من المستويات والطبقات قد تكون السلطة السياسية شديدة الوضوح أو المباشرة من بينها، ولكن هناك سلطات دينية واجتماعية تفرض حضورها بطرق مختلفة. ولقد واجه هلسا في كتاباته مختلف وجوه السلطة انطلاقا من إيمانه بوظيفة الكتابة في التغيير ونقد الواقع بعيدا عن مغازلته أو التهرب منه.
إعلان الرواية والسيرة الذاتيةغالب في رواياته هو الشخصية الرئيسية، مع قدر من التخييل الذي يجعل شخصيته شخصية روائية وليست ملتزمة بحدود السيرة الذاتية. يستعمل اسمه "غالب" في عدد منها (مثل: الخماسين) وقد يستعمل أسماء أخرى، ولكن التدقيق فيها وفيما يعرف من تفاصيل حياته يحيل إلى شخصيته الحقيقية.
روايات غالب هلسا وقصصه تستند في كثير من خطوطها وتكويناتها إلى سيرته الذاتية، وبطله هو شخصيته إلى جانب شخصيات عرفها في البلدان التي عاش فيها. لكنه يحوّر هذه الشخصيات لتكون شخصيات روائية لا سيرية.
وهو لا يخفي هذا التفاعل بين الرواية والسيرة، بل يرى أنه عنصر من عناصر تجربته وخصوصيتها ومنطقها الخاص، يقول على سبيل المثال:
"إن رواياتي وقصصي كلها تحمل عناصر حادة من السيرة الذاتية، فلا يوجد عمل قصصي أو روائي ليس له أصول في حياتي الخاصة، وأصدقائي يعرفون هذا، ولكن هذه السيرة الذاتية تتحور وتتحول بشكل مقصود… حتى تتحول من الخصوصية الخالصة إلى الخصوصية النموذجية. وعلى هذا أستطيع القول إنني أكثر كتاب الرواية العربية تعبيرا عن الحياة الخاصة"
(المغترب الأبدي يتحدث، ص29، حوار ماجد السامرائي)
تنوعت ثقافة غالب هلسا واتسع اتصاله بالرواية الغربية وعدم اقتصاره على إنتاج "الواقعية الاشتراكية" رغم انتمائه اليساري والتزامه السياسي الماركسي معظم حياته، لكنه ماركسي أو يساري مستقل وليس أيديولوجيًّا بالمعنى الحرفي للأيديولوجيا، ولذلك فإن أسلوب كتابته يبدو منفتحا على التجريب وخصائص الرواية الجديدة، ومن ذلك ما تجلى في رواية "الخماسين" التي يمكن قراءتها بوصفها "رواية الرواية"، أي أن الرواية لا تروي واقعا خارجيا بمقدار سردها لتجربة كتابة الرواية، ومعاناة كاتبها في كتابتها.
"الخماسين هي رواية الرواية، حكاية محاولة الروائي غالب هلسا أن يكتب رواية متكاملة، فلا ينجح إلا في خلق أجزاء متنافرة تأبى على التماسك والترابط. إنه يذهب إلى الإسكندرية لاعتقاده أن جو الخماسين في القاهرة هو الذي يقهره، وفي الإسكندرية يأتيه الوهم أنه تخلص من جو الخماسين تماما، وأنه سيكتب الرواية. ولكن نظرة المرآة -ذلك الشباك الذي انفتح على الرعب- يعيده إلى الواقع: الخماسين في كل مكان لأنها في الداخل"
(المغترب الأبدي يتحدث، ص30، حوار ماجد السامرائي)
اهتمام غالب هلسا بالمكان جاء من منابع خبرته، ونفيه أو إبعاده عن مكانه الأول، بيت طفولته الذي ظل يستعيده طوال سنوات اغترابه. هذا الاهتمام بالمكان والوعي بقيمته وحيويته داخل العمل الأدبي كان حاضرا في أعماله، ثم تعزز فيما يبدو عندما اكتشف فلسفة غاستون باشلار وترجم كتابه المهم "جماليات المكان"، ونشر فصوله مع مقدمات شارحة تظهر شدة تفاعل هلسا وإضافاته هو إلى التأملات والتحليلات الباشلارية. نستطيع تبيّن هذه الصورة في النسخة المبكرة المنشورة على حلقات في مجلة "الأقلام" قبل جمع الكتاب ونشره في صورة موحدة.
إعلانومن تأملات هلسا للمكان في أعماله ما أقر به من أن:
"المكان في رواياتي مغلق، ومجتزأ من العالم كأنه عودة إلى رحم الأم، أو إلى تاريخ طفولة كان اندماج الإنسان فيه بالمكان متحققا. إن المكان هنا ليس إطارا هندسيا ولكنه مكان ألفة، ويعيش فيه البطل لحظات الاندماج مع المرأة وبالتالي مع البنية الاجتماعية. لذلك فهو يحمل ملامح بيت الطفولة الموجود أنطولوجيا في ذاكرة كل إنسان. ويبدو العالم الخارجي مصيدة للبؤس لأنه يذكّر على الدوام بذلك الانفصال بين البطل وبنية المجتمع الذي نعيش فيه"
(المغترب الأبدي يتحدث، ص109، حوار مع يوسف ضمرة)
أخيرا يمثل الإنتاج الأدبي والفكري للأديب الراحل غالب هلسا "ميراثا" حيويا وأساسيا من تركة الأدب العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، ورغم مرور ثلاثة عقود ونصف على رحيل هلسا فإن ميراثه الإبداعي والفكري ما زال حاضرا في حياتنا الأدبية والثقافية، بل ينشأ له قراء جدد لم يشهدوا عصره وسنوات حياته، فيكون أدبه مدخلا من مداخل المعرفة والإحاطة بأحوال تلك المرحلة المؤثرة على مختلف الأصعدة.