استعرض مقال نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية للصحفي روجر بويز، الدروس المستقاة لروسيا والاحتلال الإسرائيلي من روما القديمة.

وقال بويز، إن الإمبراطور الروماني أغسطس كان هو من حوّل الجيش إلى اختيار مهني جاد، وكان من الممكن أن يتوقع عضو الفيلق معاشا تقاعديا ضخما بعد 25 عاما من الخدمة، في حين كان يُغرى الجندي من الفيالق الأجنبية المساعدة باحتمال الحصول على الجنسية الرومانية.



وأضاف، "من اسكتلندا إلى البحر الأحمر، كانت جحافل الإمبراطور في كل مكان، تحرس الجدران ضد التوغل البربري، وتبني الحصون، وتحرس الأراضي التي تم الاستيلاء عليها، وتضع برامج التدريب، وتبتكر أسلحة جديدة".



لقد وضعوا معيارا للجيوش المستقبلية، لكنهم أظهروا أيضا، من خلال وحشيتهم العابرة، الطريقة الخاطئة في احتلال الأراضي الأجنبية.

ويرى بويز، "أن جميع الجيوش الحديثة اقتبست شيئا ما من التجربة الرومانية القديمة، ولكن ليس أي منها أكثر من روسيا وإسرائيل، وهما قوتان عسكريتان متطورتان شاركتا في سلسلة من الحروب المتزايدة التعقيد".

وكان الروس على وجه الخصوص يخوضون حربا إمبريالية في الأساس ضد أوكرانيا، ويبدو أنهم يستعيرون، تحت قيادة قيصرهم فلاديمير بوتن، أسوأ تجربة قتالية في الحرب الرومانية.

وأوضح الكاتب، أن حرب بوتين القاسية ضد الشيشان، وتحطيم غروزني (الذي يذكرنا بمقولة المؤرخ الروماني تاسيتوس: "إنهم يصنعون صحراء ويسمونها سلاما")، والاستيلاء على الأراضي داخل جورجيا، وضم مقاطعتين يسكنهما الناطقون بالروسية، قصف سوريا، وتدمير حلب، والسيطرة على المجال الجوي للبلاد: كل هذا كان بمثابة مقدمة للحربين (في الواقع حرب واحدة دامت عقدا من الزمن) ضد أوكرانيا.

وفي وقت مبكر من مرحلة الحرب عام 2022، ضرب الروس مثالا على الفظائع الواضحة في بوتشا، حيث قاموا بربط أيدي الضحايا وإطلاق النار عليهم وإلقائهم على الرصيف كما لو كانوا ينتظرون شاحنة إعادة تدوير القمامة.

ويُظهر معرض جديد لا يمكن تفويته في المتحف البريطاني مخصص للجيوش الرومانية أن الجيوش قادرة على فعل ما هو أسوأ. 

ويقول أمين المتحف ريتشارد عبدي: "لم يكن أحد يعرف كيف يقوم بالصلب أفضل من الجيش الروماني، كانت عقوبة روما النهائية هي كل ما يمكن أن تلقيه الدولة على الفرد: حكم الإعدام، والتعذيب، وعلى غرار عقوبة الإهانة العامة في أوائل المجتمع الحديث الإذلال المطول، كل ذلك في عقوبة واحدة".

وأردف الكاتب، "حتى الآن لم يسبر الجيش الروسي هذه الأعماق، رغم أن الأجهزة الأمنية بخزائن السموم وأساليب التعذيب لديها، وأفراد حراسة المعسكرات، لها أساليبها الخاصة".

وبطبيعة الحال، مارس الرومان هيمنتهم العسكرية في أوقات مختلفة؛ كان العالم المعروف أصغر، وكان نطاق الأسلحة محدودا. 

وفي الواقع، تم التفكير في مفهوم التصعيد برمته بطرق أكثر تواضعا، على الرغم من أنه لا يزال من الممكن التعرف عليه في حروب اليوم. 



وكانت الميزة الرومانية تعتمد على القوة البشرية سريعة الحركة، والقوة النارية المتفوقة، والانضباط في صفوف الجيش، والقدرة، كما نقول في أيامنا هذه، على إحداث الصدمة والرعب.

وتابع، "حتى في زمن أغسطس، كان من الممكن أن ينهار ذلك. ففي عام 9 بعد الميلاد، قام ضابط فروسية متمرد تلقى تعليمه في روما ويدعى أرمينيوس بجرّ قوة رومانية إلى شريط ضيق من الأرض محاط بالغابات الكثيفة والمستنقعات، وذبحت القبائل الجرمانية التي قادها المتمرد 20 ألف جندي روماني”. 

وكانت النتيجة حصر حدود الإمبراطورية الرومانية في نهر الراين، واستغرق الأمر خمس سنوات حتى تنتقم روما لتلك الضربة.

ورغم أن إسرائيل الحديثة تعرضت فعليا لكمين في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي نصبته حماس، إلا أن خياراتها العسكرية الانتقامية كانت مقيدة، وفقا للكاتب

وقال، "إنها تريد إعادة ترسيخ شعور الردع، ولتحقيق ذلك، تحتاج إلى التصعيد ضد البنية التحتية لحماس ورعاتها الإيرانيين ولكن بما أن إسرائيل تنفي علنا كونها قوة نووية، وبما أن إيران تنفي أي نية لبناء قنبلة نووية وبما أن الولايات المتحدة لا ترغب في الانجرار إلى تبادل نووي مع طهران، يتعين على إسرائيل أن تبحث عن طريق مختلف".

ومن خلال اغتيال القائد الإيراني البارز، الجنرال محمد رضا زاهدي، هذا الأسبوع، مسؤول الاتصال الذي يتخذ من دمشق مقرا له بين الحرس الثوري وحزب الله، تكون إسرائيل قد دعت إلى هجوم إيراني مضاد. 

ووفقا للكاتب، فإن التصعيد محسوب، وهو عبارة عن حيلة لإجبار إيران على إسقاط قناعها وإظهار أن لبنان وسوريا يرقصان على أنغام طهران. والنقطة هنا سياسية: أن تثبت للولايات المتحدة أنها ليست في حالة حرب مع الشعب الفلسطيني، بل مع رعاة حماس في إيران.

ويعتمد التصعيد غير النووي، كما حدث في العصر الروماني، على زيادة القوة البشرية. 

وقد بدأ بوتين الكرة باستدعاء 150 ألف جندي إضافي، تحسبا لهجوم صيفي. وسيكون ذلك بمثابة اختبار حقيقي لدعمه، واختبار أفضل من الانتخابات الصورية. لكنها الطريقة الوحيدة المتبقية للتصعيد بشكل حاسم.

وفي الوقت نفسه، تحتاج إسرائيل، التي تتوقع فتح جبهة ثانية في الشمال، إلى قوات جديدة أيضا. 

وتحظى محاولة تضخيم الصفوف من خلال استدعاء طلاب المدارس الدينية الأرثوذكسية المتطرفة الذين تم إعفاؤهم سابقا بشعبية كبيرة بين غير الحريديم الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 26 عاما والذين يواجهون ما يقرب من ثلاث سنوات من الخدمة الفعلية والوقت في الاحتياط. 

ومع ذلك، قد يؤدي ذلك إلى انسحاب الوزراء الذين يزعمون أن دراسة التوراة بدوام كامل تشكل خدمة رئيسية لدولة إسرائيل من الحكومة.

ويزعم الكاتب أن خيارات إسرائيل ديمقراطية تختلف عن تلك التي واجهتها روما القديمة أو أرض بوتين اليوم، إنهم يطالبون بقيادة سياسية ذات مصداقية ومناقشة عامة مفتوحة داخل إسرائيل حول ما تحاربه إسرائيل ومن أجله.



ويمكن للزائر البريطاني لمعرض الفيلق أن يعتمد على تصحيح مفيد لتعليمه الكلاسيكي. 

كانت قوة روما المسلحة أكثر من خصوم أستريكس البطيئين في بلاد الغال، ولم يكن الحكم الإمبراطوري كله خبز وسيرك. 

وختم الكاتب مقاله بالقول، إن الأهم من ذلك كله هو أن البلدان التي تعيش حالة حرب حاليا ستجد نفسها في مواجهة ومحفزة بالأصداء التاريخية، وأسئلة حول المواطنة والواجب والتضحية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية حماس حماس غزة الاحتلال العدوان اهداف الحرب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

ماذا قال دروز السويداء عن زيارة إسرائيل؟

سوريا- لم تلقَ دعوة إسرائيل رجال الدين الدروز في السويداء، أمس الجمعة، لزيارة مقام "النبي شعيب" في قرية حطين شمال فلسطين المحتلة قبولا لديهم، لكنها أثارت تساؤلات، في ظل مشهد سياسي سوري متأزم أصلا.

ونفى الشيخ سعيد البكفاني، أحد شيوخ الدروز في السويداء، مشاركة أحد منهم في الزيارة، وقال للجزيرة نت إن من زار مقام النبي شعيب "هم رجال دين من القنيطرة وريف دمشق".

وهذا ما أكده الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي لدروز فلسطين، عندما نفى عبر تصريحات إعلامية قدوم رجال دين من السويداء تلبية لدعوة وجهها لهم لزيارة مقام النبي شعيب.

رفض الاتهامات

وتنتظم هذه الزيارة سنويا، في الفترة الممتدة بين 25 و28 أبريل/نيسان، لكن الدعوة الإسرائيلية لزيارة المقام بغير الموعد المعلوم، قد تحمل -حسب البعض- دلالات سياسية وتوددا إسرائيليا تجاه دروز السويداء.

ونفى الشيخ حمود الحناوي، شيخ عقل الدروز في السويداء، معرفته أو تدخله بهذه الزيارة، وأشار إلى أنه رأى الإعلان عنها كأي شخص آخر.

وقال للجزيرة نت "الزيارة قد تكون سابقة لوقتها بظل الظروف المتسارعة داخل سوريا، ولا علم لي إن شارك بها أحد مشايخ السويداء، وإن حدث، فهي تحمل صفة دينية تقليدية، لا شأن للسياسة بها".

إعلان

وندّد الشيخ الحناوي بالاتهامات لسكان السويداء بـ"العمالة الخارجية"، ورغبتهم "بالانفصال عن الوطن الأم"، وأكد أن السويداء "كانت وستبقى جزءا لا يتجزأ من سوريا".

معلقون اعتبروا أن الزيارة دينية تقليدية تخلو من أي دلالات سياسية (رويترز) الزيارة الأولى

وذكر الشيخ يوسف جربوع، شيخ عقل الدروز في السويداء، أن الزيارة، تُعد الأولى من نوعها منذ عام 1973. وقال للجزيرة نت "قد تكون الزيارة مبادرة من الشيخ موفق طريف، بهدف إعادة الروابط، واستئناف الزيارات الدينية، لتعزيز اللحمة الوطنية وتحقيق التوافق والمحبة بين أبناء الوطن من كلا الجانبين".

وأوضح جربوع أن الاعتراض على الزيارة جاء لاعتبارات عديدة، أهمها، عدم ملاءمة التوقيت السياسي الحالي لها، بظل التحديات التي تواجه سوريا عموما، ومنطقة جبل العرب والطائفة الدرزية خاصة، بالإضافة لعدم وجود سلام بين سوريا وإسرائيل، على حد تعبيره.

وأضاف "نحن ملتزمون بالقوانين السورية، وبانتمائنا القومي والعربي وبسوريتنا". وتوقع أن "تتفهم الدولة السورية الزيارة، باعتبارها تعبيرا عن مشاعر الشوق للقاء الأهل، وليس محاولة للتطبيع مع إسرائيل، أو تحقيق أهداف سياسية".

ويحظى "النبي شعيب" بمكانة خاصة لدى كلّ الدروز، لدرجة أن دروز السويداء أنشؤوا مقاما رمزيا يحمل اسم النبي شعيب في قرية قيصما، "كمكرمة" من المقام الحقيقي في فلسطين، ولأجل التبرّك بالاسم.

انعكاسات التوقيت

ويرى مروان حمزة، الناشط السياسي السوري، أن هذه الزيارة "دينية تقليدية تخلو من أي دلالات سياسية". وقال للجزيرة نت "المشاركون بالزيارة ليسوا من أبناء السويداء، بل من دروز فلسطين المحتلة والجولان والجليل".

وفي السابق -يضيف حمزة مقارنا- "كان دروز الجولان وفلسطين المحتلة يزورون الأماكن المقدسة في جبل العرب، ويلتقون الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وينظمون رحلات لمناطق مختلفة في سوريا".

إعلان

وعن توقيت الزيارة والتشنج القائم بين بعض مشايخ الجبل والإدارة الجديدة في سوريا، يقول حمزة إنها أثارت تساؤلات تؤدي إلى "زيادة التوتر الطائفي بالمنطقة، وبسوريا عموما، ولذلك هي غير مناسبة بهذا الظرف".

أما مفيد أبو عمار، رئيس المكتب الإداري للهيئة العامة لحراك السويداء، فرأى أن الزيارة "ودية بين الأهل"، من باب "الصلة وعلاقات القربى، وأن الدروز طائفة واحدة بكل بلاد الشام، لكن العلاقات الأسرية انقطعت بين الأهل في فلسطين وباقي مكونات الطائفة سواء في سوريا ولبنان والأردن منذ 1948″.

وعن موعد الزيارة، يقول أبو عمار إنه "جاء بوقت نعيش فيه الكثير من الإرهاصات السياسية، وشرع البعض يبني عليها مواقف سياسية، وأخذ آخرون بالاصطياد بالماء العكر".

ونفى جازما أن يكون لهذه الزيارة "الدينية الودية" أي هدف سياسي، إذ لم يرافق الزائرين أي وفد سياسي أو عسكري، وأضاف "جميع الزوار كانوا من أهلنا بجبل الشيخ، وهم رجال دين لا سياسة".

وشدد أبو عمار على أن هدف الزيارة "ليس الانفصال عن الوطن"، مستدلا برفض الدروز قيام الدولة الدرزية أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا، وأن هذا المشروع أجهضه سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى.

كما قدّم الدروز -حسب أبو عمار- شهداء كثر أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا، وقدمت الطائفة 75% من الشهداء السوريين.

وأجهض كمال جنبلاط، وكمال أبو صالح، وكمال كنج (الكمالات الثلاثة) مشروع الدولة الدرزية في ستينيات القرن الماضي.

"الحافلات سلكت طريقًا عسكريًا أنشأه جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد 8 ديسمبر داخل #سوريا".. دخول العشرات من رجال الدين الدروز السوريين إلى #الجولان المحتل لزيارة "قبر النبي شعيب"#فيديو pic.twitter.com/KmSuhZSh3h

— الجزيرة سوريا (@AJA_Syria) March 14, 2025

زيارة دينية

من جهته، رأى الناشط السياسي نضال عامر أنها مجرد زيارة دينية طقسية، لكن توقيتها يبدو مستفزا من الناحية السياسية، نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية.

إعلان

وقال عامر للجزيرة نت إن "طائفة كل سوري شريف هي (سوريا)، وانتفاضة السويداء كانت بمثابة إعادة الروح للثورة السورية، ولم تحمل أي هتافات تدعو للطائفية أو التقسيم، بل شملت جميع أبناء المحافظة بمختلف انتماءاتهم". وتابع "يفتخر أهالي السويداء بسوريتهم ووطنيتهم، وبأنهم جزء من النسيج السوري الواحد".

وتحظى المقامات الدينية -حسب أبو عامر- بمكانة خاصة لدى الطائفة الدرزية، وهي بالعشرات على امتداد الجغرافيا التي قطنها الدروز في بلاد الشام، و"تحاول إسرائيل الاستثمار السياسي داخل النسيج الدرزي الواحد، والعابر لحدود سايكس بيكو، وكسب ولائه لها، ولو تسوّلت ذلك من خلال النبي شعيب".

مقالات مشابهة

  • استنفار في إسرائيل..أنباء عن 7 أكتوبر جديد من حماس
  • ماذا حدث بين طالبتي مدرسة 6 أكتوبر القومية؟ | القصة كاملة
  • أحدهم قتل رجما.. تصفية 3 من الجيش السوري في كمين لحزب الله
  • المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع لـ سانا: مجموعة من ميليشيا حزب الله تقوم وعبر كمين بخطف ثلاثة من عناصر الجيش العربي السوري على الحدود السورية اللبنانية قرب سد زيتا غرب حمص، قبل أن تقتادهم للأراضي اللبنانية وتقوم بتصفيتهم تصفية ميدانية
  • هاليفي: لا أملك سوى الإشادة بحماس على خداعنا قبل 7 أكتوبر
  • هاليفي: حماس نجحت في خداع إسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى
  • هرتسي هاليفي: حماس استخدمت الهدوء كفخ محكم لخداع الجيش الإسرائيلي
  • استطلاع يكشف أن معظم الإسرائيليين لا يثقون في الشاباك و الجيش
  • تحقيق: هكذا فشل الجيش الإسرائيلي في حماية نير عوز بـ7 أكتوبر
  • ماذا قال دروز السويداء عن زيارة إسرائيل؟